المرأة والسلام.. تدخلات وجهود لتخفيف آثار الصراع على الأطفال
صوت الأمل – حنين الوحش
كغيرهم من الأطفال، يفضل حكيم غانم وأصدقاؤه قضاء أوقات فراغهم في اللعب في الشارع القريب من منزلهم. يحملون أسلحة مصنوعة من العاج، تباع في البقالات ومحلات الألعاب لغرض التسلية، ويختبؤون في متارس يختارونها بعناية لاستهداف بعضهم، ومن تقع عليه الرصاصة الخارجة من اللعبة، فهو مقتول ويصبح خارجها. هذه هي لعبة الصراع والموت التي اتخذها الأطفال لعبة مسلية لهم تأثرًا بما عايشوه وشاهدوه خلال سنوات النزاع الذي لم يتسبب بأذى وآثار مباشرة وحسب.
وتأتي اليمن في الوقت الراهن في عداد أسوأ البلدان التي يمكن أن يعيش فيها الطفل؛ نظراً لما تواجهه من نزاع مستمر منذ أكثر من ثمانية أعوام. وقد تعرض الآلاف من الأطفال فيها إما للقتل أو الإصابة، في صراع ليس من صنع أيديهم وفي ظل خطر مشترك ناجم عن النزاع المسلح والمرض وسوء التغذية الذي يعد واقعًا يوميًا يعيشونه. وبالنسبة لمن بقي منهم على قيد الحياة فسيعيشون مع ما خلفه النزاع من ندوب وآثار.
تدخلات آنية
بحسب بيان صحفي لممثل اليونيسف في اليمن، بيتر هوكينز: “بعد مرور ثماني سنوات، يشعر العديد من الأطفال والأسر بأنهم عالقون في حلقة مستمرة من اليأس. في زيارة مؤخرا لأسرة نزحت تغيرت كثيراً ملامح وجوه أطفالهم؛ فالأطفال قد كبروا وهم لا يعرفون شيئًا سوى النزاع. من الأهمية بمكان منح هؤلاء الأطفال بعض الأمل في مستقبل يسوده السلام”.
تلعب المرأة دورًا مهمًا وأساسيًا في تخفيف آثار الصراع على الأطفال في جميع الجوانب النفسية أو التعليمية أو الاجتماعية، وحتى في جانب التغذية وتوفير الأمن الغذائي لهم.
وقد برزت عدة أنشطة ومشاريع كانت المرأة فيها صانعة القرار والمحرك الأساسي؛ كونها الأم والأكثر اطَّلاعا وقدرة على تحديد احتياجات الأطفال ومساعدتهم.
ورغم الإمكانيات الضعيفة في البلاد والأوضاع الصعبة، أصرت مروى حسن مهيوب وفريقها من النساء على السعي والمحاولة في مساعدة الأطفال في مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز من خلال تقديمهن دورات تأهيلية في اللغة الإنجليزية والعربية لهم.
بدأت مروى وزميلاتها تأسيس مبادرة تطوعية باسم “أحلام الغد”، قبل أن تتحول إلى معهد وصرح علمي يقدم خدمات تعليمية لأطفال الصفوف الأولى في المدارس، من أجل صنع تغيير ملحوظ في مستوى الطلاب الملتحقين به، محققًا بذلك منفعة كبيرة لهذه الشريحة.
تؤكد مروى أنه رغم المبالغ الزهيدة التي يحصلن عليها، فإنهن يواصلن عملهن لتغيير واقع ومستقبل الكثير من الأطفال. وتضيف أن “فكرة المبادرة التعليمية كانت تهتم بداية بالتعليم والتأهيل، خاصة تعليم طلاب المدارس في الصفوف الأولى لدروسهم المدرسية، ومع مرور الوقت بدأ التفكير في توسيع برامج التعليم ليشمل النساء العاطلات عن العمل”.
وتتابع: “استأجرنا في البداية مقرًا في حارة المدينة القديمة، وعملنا على تنظيفه من مخلفات الصراع، وبدأنا العمل به، حتى اكتسبنا إقبال العديد من الطلاب، وكان ذلك في بداية عام 2018”.
“اكتسبت المبادرة سمعةً طيبةً في تعليم الأطفال دروسهم، وبدأ العديد من أولياء الطلاب يدفعون بأبنائهم إلى المعهد لتعليمهم أساسيات القراءة والكتابة والإملاء، ومع نهاية العام جنينا ثمار جهدنا في العمل، ولوحظ التفوق الملموس للطلاب في المدرسة”، تقول مروى.
قبل الأوان
ياسمين عيسى (اسم مستعار) من محافظة لحج، أم لطفلين، كانت تعيش في المدينة مع زوجها وطفليها. وبسبب الأوضاع الأمنية والظروف الاقتصادية التي نتجت عن الصراع من إغلاق للمؤسسات وقلة فرص العمل والنزوح، اضطرت ياسمين إلى الرجوع مع أسرتها إلى القرية؛ لتشارك زوجها وعائلته أعمال المزرعة هناك، وتعيل أسرتها.
تقول ياسمين: “كانت الأعمال تستهلك أكثر من نصف يومي، وكنت حاملاً في الشهر الخامس حين نقلوني إلى أقرب مستوصف للمنطقة التي أعيش فيها. أخبر الأطباء زوجي حينها بأني فقدت طفلي قبل الأوان بأربعة أشهر، وكانت حياتي مهددة بالخطر حينها”.
وتضيف: “كان الحمل الذي اضطررت إلى حمله أكبر مني، وعرضني للخطر وإجهاض طفلي؛ كما قال الأطباء إن الأعمال في المزرعة ونقل المياه والرعي، إضافة الى التغذية السيئة وغير الكافية في مرحلة حملي التي كانت تتطلب راحة تامة وغذاء، كل ذلك أدى إلى الإجهاض”.
تعتقد ياسمين أن الإنجاب في هذه الفترة من الصراع عبء فعلي للأم، وللأطفال أنفسهم؛ لعدم القدرة على توفير الرعاية الكاملة لهم تحت هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وتبعاتها من أضرار في جميع جوانب الحياة.
بذرة أمل
تعمل النساء جاهدات لإنقاذ ما تبقى لديهن من رصيد الأمل الذي اُستهلك خلال الصراع الذي سلب حياتهن وأحلامهن، وتعمل معظمهن على إنقاذ أنفسهن من خلال الأطفال ليُنبتنَ من خلالهم جيلًا نقيًا يحمل قيم السلام والتعايش، بعيدًا عن الواقع المعاش.
حنان عدنان، إحدى المشرفات الاجتماعيات لدى مدرسة خاصة في محافظة تعز، تقول: “الأطفال عادة لا يدركون الطاقة التي تأتي إليهم من الأهل والمحيط الخاص بهم، سواء طاقة إيجابية أو سلبية، هادئة أو عصبية، طاقة خير أو العكس. هم متلقون فقط، وما بعد ذلك هو انعكاس لما عاشوه وتربوا عليه. تلعب المرأة الدور الأكبر في حياة الطفل؛ كونها الأكثر قربًا منه، والأشد تأثيرًا به وتفهمًا له؛ إذ نشأت خلال هذا الصراع سلوكيات وردود أفعال لدى الأطفال هي في الأصل مكتسبة من الكبار وناتجة عن الضغط الذي عايشوه في حياتهم اليومية”.
وترى عدنان أن النساء، في المنزل والمعلمات في المدرسة وبشكل عام، هن المنقذات؛ فقد لعبن دورًا أساسيًا في نشر ثقافة السلام والتعايش السلمي بين الأطفال خلال سنوات الصراع بطريقة أو بأخرى. وتوصي النساء بأهمية الحرص على تجنيب الأطفال سلبية الأحداث، ومعالجة ما استطعن إليه من آثار سلبية ناتجة عن المواقف التي عاشوها، هم وأهاليهم؛ نتيجة الضرر النفسي أو الجسدي أو المادي أو التنقل والنزوح وغيرها.
96.2% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن الصراع تسبب في حرمان أطفال اليمن من حقوقهم الأساسية
صوت الأمل – يُمنى أحمد خلق الصراع المستمر في اليمن أزمة إنسانية كبرى قد تعد واحدة من أسوأ …