صناعة الأفلام في اليمن بين غياب التشجيع وضعف المردود
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
رغم ما يواجه صناعة الأفلام في البلاد من ضعف في الدعم وشحة في الإنتاج، فإنّ العديد من الأعمال الفنية ظهرت في السنوات الأخيرة، ومنها الأفلام بأنواعها، التي تحدّى صانعوها كل الصعاب التي تواجههم كمنتجين لها؛ إذ قدّموا أفلامًا تحاكي الكثير من المشاكل التي تمرُّ بها بلادهم في إنتاجات مبهرة اقتحمت المحافل الدولية، وأصبحت تنافس أعمالًا دولية؛ نظرًا لقوة مضمونها، رغم بساطة إمكانات إنتاجها مقارنة بما تمتلكه الدول الأخرى من دعم لقطاع صناعة الأفلام.
أشهر تلك الأفلام اليمنية فيلم حمل اسم (المرْهَقُون)، للمخرج عمرو جمال، الذي فاز بجائزة منظمة العفو الدولية ضمن مهرجان برلين السينمائي، كما فاز بجائزة أخرى وهي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان (تايبيه السينمائي) بتايوان كأفضل فيلم روائي، إلى جانب حصده جوائز دولية أخرى.
وهناك أيضًا أفلام أخرى حضرت المحافل والمهرجانات الدولية والعربية لشباب يمنيين، مثل فيلم (كعك وسكر) وهو من إخراج يوسف الحسني، الذي حصل على المركز الثاني في مسابقة الجزيرة للأفلام الوثائقية في قطر، وفيلم (عبر الأزقة) للمخرج يوسف الصباحي، الذي فاز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان هوليوود للفيلم العربي، وغيرها كثير.
هذه الإنجازات التي يحققها يمنيون في مجال إنتاج الأفلام بأنواعها، الدرامي والوثائقي وغيرها، توحي بأن هناك مستقبلًا قادمًا يحمل جانبًا مشرقًا في هذا المجال، ولا بُدَّ من تفعيل دور الجهات الحكومية والخاصة الداعمة للإنتاجات الفنية، وتشجيع المبدعين والموهوبين في هذا المجال، وتسهيل المتطلبات والإمكانات التي يستطيعون من خلالها إنتاج أعمال مشرفة للبلاد؛ إذ تمثلها في مختلف المهرجانات والفعاليات.
دور القطاع الخاص
عن دور القطاع الخاص في دعم صناعة الأفلام في اليمن، يقول الأكاديمي في قسم الإعلام بجامعة الحديدة الدكتور منصور القدسي إنّه لا يوجد أي دعم لافت من القطاع الخاص لإنتاج أفلام سينمائية، وأرجع القدسي السبب في ذلك إلى افتقار اليمن لدور السينما.
ويضيف القدسي في حديثه لصوت الأمل: “يرى القطاع الخاص من عدم جدوى رعاية أفلام سينمائية أو تمويلها ما لم تحقق له أي مردود إنتاجي أو إيجابي كما هو حال صناعة السينما في مصر أو غيرها من الدول الأخرى”. وأوضح في حديثه لصحيفة «صوت الأمل» أنّه في حال وُجد الدّعم من قبل القطاع الخاص لمجال صناعة الأفلام في البلاد فهو استثنائي، ومن باب الدعم الخيري أو الاجتماعي.
من جهته يقول مروان المخلافي (مخرج وممثّل): ” قبل الصراع كان هناك جهات وقطاعات خاصة وشركات ومؤسسات تقدّم الدعم لبعض شركات الإنتاج لعمل أفلام، وكانت هذه الأعمال تقدّم في مهرجانات؛ بمعنى المشاركة بها في مسابقات في هذا المجال”.
موضحًا في حديثه: “أنّ هذه الجهات تقدّم هذا الدعم بمثابة رعاة لعمل ما، أي تقدم المبلغ كمادة تسويقية إعلانية لها. أمّا بعد الصراع لا أرى أنّ هناك قطاعًا خاصًا يدعم إنتاج الأفلام المحلية، فقط هناك منظمات أو جهات معينة موجهة تحتاج أن تنتج فيلمًا أو عملًا معينًا لما يخدم هدفها، هناك تخوف من قبل رؤوس الأموال، وأيضًا لا يوجد لديهم توجه لإنتاج أفلام”.
المردود الاقتصادي
في هذا الشأن تقول البروفسورة سامية عبدالمجيد الأغبري (أكاديمية في قسم الإعلام بجامعة صنعاء): “إنّ إنتاج الأفلام بأنواعها قد يكلف ملايين الريالات، وإنتاج الفيلم ليست عملية سهلة، إذ تتطلب تغطية إنتاجه من أجور الفنانين والإكسسوارات والمصورين والنفقات الأخرى، التي يحتاجها الفيلم في مراحل إنتاجه حتى النهاية. ومردودها الاقتصادي حسب ما تتفق شركات الإنتاج مع القنوات أو الجهات التي ستعرض فيها الأفلام، خاصة إذا كان الفيلم تلفزيونيًّا”.
وتتابع: “بعض المؤسسات تستغل المنتجين، فيكون المردود الاقتصادي ضعيفًا جدًّا، ولذلك فإنّ منتجي الأفلام باتوا يقدمون أفكارهم لمنظمات دولية تشجع الأفلام، أو يشاركون في مسابقات من خلال تقديم سيناريو؛ حتى يحصلوا على دعم لإنتاج أفلامهم”.
وعن وضع الأفلام السينمائية في اليمن تقول الأغبري: “الإمكانات المطلوبة لإنتاج الأفلام السينمائية في اليمن ضئيلة، والسبب أنّه لا صالات عرض، ولا يمكن أن يحضر جمهور، وبالتالي لا يوجد تشجيع للسينما المحلية”.
من الناحية الاقتصادية يقول الباحث والصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي إنّ صناعة الأفلام في اليمن ما تزال بعيدة عن ربطها بالعائد الاقتصادي إلّا في النادر، ولذلك كل الأفلام التي تنتج في البلاد هي أفلام قصيرة مدعومة؛ لتعاطيها موضوعات تحظى بألوية لدى جهات أممية، تحاول إبراز هذه القضايا من خلال أعمال فنية (أفلام قصيرة).
ويضيف: “أما أفلام فنية تتولى شركة إنتاج تمويلها والتخطيط لعرضها في صالات العرض، وتحقيق عوائد مالية كما يحدث مع الأفلام المنتجة في بلدان أخرى، فلم يقدم أحد على هذه المغامرة؛ لأنّه يدرك أنّه ليس بإمكانه استعادة ما خسره، وهذه العقلية حالت دون إنتاج أفلام، وإن كان هناك تجارب قليلة للغاية، فكان يقف وراءها أشخاص هاجروا وعرفوا أهمية صناعة الأفلام في تحقيق موارد اقتصادية هائلة”.
ويستشهد قائلاً: “مثلًا، فيلم (يوم في صنعاء القديمة) للمخرج بدر الحرسي، الذي تمَّ إنتاجه قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، لم يعرض في اليمن، بل عُرض في الخارج، ونال ترحيبًا واسعًا رغم الانتقاد الذي وُجِّه إليه في الداخل، ومثله فيلم (عشرة أيام قبل الزفة)، تقريبًا لم يحقق العائد المرتجى منه… وتجارب أخرى آلت إلى نفس المصير”.
ويؤكد أنّ منتجي الأعمال الفنية، ومنها الأفلام باليمن، دخلهم متواضع مقارنة مع نظرائهم في بلدان أخرى، رغم المخاطر التي يواجهونها، والمتاعب والجهد المبذول. مضيفًا: “المخرج اليمني قد يظل لأشهر بدون أي دخل أو عمل، وإن وجد عملًا فهو يقبل باليسير، حتى أنّ هناك مخرجين يعملون بأجر يومي، وهذا له أثر سلبي على العمل الفني”.
يقول الشرعبي: “إنّ التواضع الكبير في المردود المالي على صنّاع الأفلام باليمن، أفرز عُقَدًا وقناعاتٍ بضرورة عدم تكرار التجربة لدى كثير حاولوا اقتحام هذا المجال”.
ويتابع: “صانع الفيلم في أي بقعة بالعالم، وليس باليمن فحسب، له حصة من إنتاج أي فيلم، هذه الحصة تتمثل في استعادة ما أنفقه وتحقيق أرباح مهولة، وهذا لا يتحقق في بلادنا. حتى رجال المال والأعمال غير مستعدين لإنفاق ملايين الدولارات لإنتاج فيلم، إذا لم يحقق أرباحًا توازي أضعاف ما أنفقوه، بعكس الشخص أو المجموعة أو شركة إنتاج تنتج فيلمًا ثم لا تستطيع استرداد ما خسرته”.
يمتلك العديد من الفنانين اليمنيين القدرة على إنتاج أفلام تنافس أعمالًا عربية ودولية، لكن يظل ضعيف الدعم والتمويل، خاصة مع افتقار البلاد لدور السينما، وعدم إدراك أهمية تفعيل هذه الأعمال وغياب التشجيع. وكلّها تمثل عائقًا أمامهم، إلى جانب ما تعانيه البلاد من غياب الأمن والاستقرار جراء الصراع.
الشباب هم أكثر الفئات التي تمتلك شغف الاتجاه نحو صناعة الأفلام وبصورة مشرفة، ويتضح ذلك من خلال مشاريع التخرج لطلاب الإعلام والفنون؛ إذ يقدمون أعمالًا توحي بأنّ الدعم والتشجيع-إن وجدا- قد يجعلا منهم صناع أفلام محترفين مستقبلًا، إلا أن الواقع الذي يواجههم لا يشجهم على الاستمرار في ممارسة شغفهم، ممّا يؤدي إلى بحثهم عن فرص عمل بعيدة عن تخصصاتهم التي لا يمكن أن تكون موردًا كافيًا يعيشون منه، في بلادٍ يغيب فيها دور الجهات التي تشجع المبدعين وتساعدهم على تحقيق رغباتهم.
72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…