المرأة اليمنية والطهي.. قَدَرٌ منذ الولادة أم مجرد مهارة؟
صوت الأمل – حنين الوحش
في مجتمع غلب عليه طابع الحكم على أساس الموروثات والعادات والتقاليد التي لطالما رأت المرأة عاملة منزلية تلبي رغبات الرجل أكثر من كونها جنسًا آخر فاعلًا في المجتمع مساويًا له في الحقوق وعليها من الواجبات ما عليه، مع مراعاةٍ فسيولوجية لكلٍّ من الذكر والأنثى. عُدَّت مهارة الطبخ مهارة خاصة بالنساء على الرغم من بروز العديد من الأشخاص الذين أبدعوا في هذا المجال من الرجال فإن عملهم كان للحصول على مصدر دخل، ولاستعراض مهارة، وحصد مشاهدات، وليس كواجب يومي.
خبرات متوارثة
كاستشهاد لدور المرأة في الطبخ منذ القدم كانت هناك بضعة آراء للنساء اللواتي عرفْن أنفسهنّ وهنّ طهاة – أم سعيد البالغة من العمر 50 عامًا– تقول: “دخلنا إلى المطبخ في عمر مبكر، كان منزلنا مليئًا بالأشخاص ومحتّم عليَّ أنا وإخوتي البنات الطهي وإطعام مَن في المنزل”.
مضيفة: “كانت أمي تخبرنا أنّ المرأة هي مَن تُبدع في عمل المأكولات المتنوعة الشعبية، مثل: الخبز بأشكاله، والعصيدة، وغيرها من المأكولات، التي لا يتقنها الجيل الحالي إلَّا القليل، على الرغم من التسهيلات والأدوات الحديثة الموجودة حاليًا مقارنة بالسابق، الذي كان الطهي فيه شاقًّا، فكان يستخدم الصعد والتنور، وبالرغم من هذا كانت نكهته مختلفة ويطهى بحُبّ أكبر”.
الجدة نور محمد، من مدينة تعز وتبلغ من العمر 85 عامًا، تحدثنا عن التربية القديمة والفنون التي كانت تُعلَّم للفتيات ليصبحن قادرات على فتح بيوت خاصة بهن؛ فقد كان قديمًا إتقان الفتاة لجميع المأكولات مطلوبًا وشرطًا أساسيًّا في الزواج؛ لأنّ المرأة التي تستطيع الطهي تستطيع الاهتمام بأسرتها وإشباعهم حسب قولها، إضافة إلى حبّ الرجال للأكلات الشعبية التي تربَّوا عليها؛ لهذا تبدأ المرأة في الطبخ والتدرب عليه في سن مبكر.
جانب اجتماعي نفسي
من منظور اجتماعي ونفسي تؤثر النظرة والإطار المجتمعي على الرجل والمرأة بأشكال ومستويات مختلفة، وقد يكون هناك انعكاس سلبيّ لهذا التقسيم غير العادل حسب توضيح المُختصة الاجتماعية أسماء الحداد، مضيفة: “أنّ هذه التقسيمات قد تؤدي إلى اختلال المجتمع خصوصًا لدى المتزوجين، وفي أولى مراحل الزواج يحصل فيها مثل هذا المشكلات الخاصة بالأدوار الاجتماعية”.
وتؤكد الحداد على “أنّ هذه المشكلات تتوسع لتعمَّ الأسرة بشكل عام، ومن بعدها تتوسع على نطاق مجتمعي كامل، وإذا رجعنا إلى أصل المشكلة فنرى المشكلة الأساسية هي في بدء تكوين وتعبئة عقول الأطفال في بداية التنشئة، إضافة إلى تأثير المجتمع على شخصية الفرد التي تجعله يرى من الإسهام في أعمال المنزل أمرًا معيبًا أكثر من الاتّكال ورمي الأعباء كلها على المرأة”.
ومن جانب نفسي تقول مختصّة علم النفس سهى سلام: “تؤثر المهام المتراكمة على نفسية النساء المجبرة على تأدية المهام خصوصًا النساء اللواتي لا يوجد لديهنّ متنفس فيضطررنَ إلى التعايش مع المهام المطروحة لهنّ بالإجبار، ولهذا تحديدًا عواقب كثيرة قد تؤثر على حياتهنّ بشكل عام، والمحيط الخاص بهنّ”.
مهارة مشتركة
يرى عامة الناس مهنة الطبخ مهنة مخصصة للمرأة أكثر من كونها للرجل؛ هذا ما أوضحته أم ليلى، البالغة من العمر 28 عامًا، قائلة: “الطبخ أساسه مهارة، والمهارة لا تقتصر على جنس دون الآخر، ولكن تعتمد على الحرفية والإتقان في الصنع أكثر”.
وأوضحت “أنّ الخلل يكمن في النشأة الخاطئة التي نشأ المجتمع عليها، فيراها مهامًا متعلقة بالمرأة فقط، وتُجبر عليها مهما بلغ مستواها التعليمي والوظيفي، وبالمقابل يعدُّ الرجل الذي يجيد الطبخ هو رجل محسن إلى عائلته، وكأنّه رجل خارق للعادة؛ لأنّه أتقن الطهي ومارسه”.
وفي نفس السياق يقول سعيد أحمد، البالغ من العمر 23 عامًا، إنّ “تحمل مسؤولية الطهي هي من مهام السيدات بدرجة أولى؛ لأنّ الرجال يقومون بأعمال خارج المنزل، وهذا التقسيم هو أساس دورة الحياة، ومن المهام الطبيعية التي يجب على النساء تقبلها والقيام بها تحديدًا الجيل الحديث الذي يرى القيام بالواجبات الأساسية منافيًا لمبادئ المساواة بين الجنسين”.
ومن جانبه، يوضح حسان علي 33 عامًا “أن من المهم أن يتقن الطبخَ كلٌّ من الرجال والنساء؛ لاحتياج الطرفين إليه، بدليل أنّ أول عمل يقوم به المغتربون عند الخروج من الوطن هو تعلم الطبخ؛ ليستطيع العيش في بلاد تختلف تمامًا عن البلاد التي نشأ فيها”.
مؤكدا “أنّ التربية القديمة التي قامت على أساس العادات المتوارثة من الأجداد ليست بالضرورة أن تكون هي الصحيحة، وليست كتابًا مقدسًا حتى يُرفَض تغيرها؛ لأنها ولَّدت الكثير من المفاهيم الخاطئة، وفيها مظلومية واضحة من حيث تقسيم المهام والحريات وغيرها، وتربّي جيلًا ذكوريًّا اتكاليًّا لا يستطيع الاعتماد على نفسه، ويعتمد فقط على النساء الموجودات في بيته، وهذا خطأ”.
وحول الحلول المطروحة لتغير النمط السائد الذي رسم هذه النظرة لدى المجتمع يفيد حسان “بضرورة أن يُدرّس علم الطهي في المدارس كنشاط أساسي في حصة الأنشطة كالرياضة والرسم، وغيرها، بالإضافة إلى تعاون الأهل أيضًا في جعل الذَّكَر يقوم بالطهي مثل أخته، وعدم الاعتماد على أخته لتحضر له الطعام؛ لأنّ هذا يولد شعورًا لديه بالاتكالية والسلطوية، التي تجعله ينتقص من هذه المهارة، ويستخف بالمجهود الذي يُبذل، ويعدّه واجبًا أساسيًّا على النساء فقط”. تفاوتت وجهات النظر بين أهمية المشاركة بين النساء والرجال في أعمال الطبخ، وبين من يرى الطهي عملًا منزليًّا وُلِد مع النساء وهنَّ الأحق به، ولكن الجدير بالذكر أنّه على الرغم من أنّ المجتمع لا يؤمن أنّ هناك تبعات من تقسيم الأدوار المجتمعية وفقًا للعادات والأنماط المعتادة إلَّا أنه -بحسب كلام المختصين- هناك تبعات نفسية واجتماعية لا يُستهان بها.
43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني
صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…