‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الإنتحار في اليمن السلوك الانتحاري والوقاية منه

السلوك الانتحاري والوقاية منه

صوت الأمل – عبد الجبار التام

يعد السلوك الانتحاري، المكون من أفكار ومحاولات ذات نتائج قاتلة، مصدرَ قلق كبير للصحة العامة في العالم، ولا سيما في البلدان المتقدمة؛ لهذا تعمل الدول -من خلال وزارة الصحة العامة- على إنشاء برامج توعوية من أجل فهمٍ أفضل للسلوك الانتحاري والوقاية منه بشكل أفضل وإيقاف هذه الظاهرة.

أجريت العديد من الدراسات المختلفة حول الظاهرة، وفي الدليل الدولي للوقاية منه، صُنفت طرق البحث إلى ثلاثة أنواع رئيسة:

  • البحث بهدف فهم عوامل خطر الانتحار والحماية منه.
  • البحث حول تطوير وتقييم فعالية إجراءات الوقاية من الانتحار.
  • البحوث البيولوجية (العصبية) التي تتضمن دراسات وراثية، ودراسات حول دور الهرمونات والناقلات العصبية المشاركة في السلوك الانتحاري، وكذلك الدراسات القائمة على تقنيات التصوير الطبي.

تهتم مختلف التخصصات -مثل: علم الأوبئة، الإحصاء، الطب النفسي، علم النفس وعلم الاجتماع وما إلى ذلك- بعوامل الخطر والعوامل الوقائية من الانتحار. وعلى وجه الخصوص، يوفر علم الأوبئة معلومات عن معدلات واتجاهات التفكير في الانتحار ومحاولات الانتحار وحالاته في مجموعات سكانية وأوقات وبلدان مختلفة. ويعتمد هذا التخصص على التحليلات الكمية، ويجعل من الممكن تحديد الارتباطات بين عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية السلوك الانتحاري والسلوك الانتحاري ذاته.

ومن المهم عند مناقشة مشكلة الانتحار التفريق بين مصطلحات ثلاثة مرتبطة به، هي: الأفكار الانتحارية والمحاولات الانتحارية والانتحار نفسه.

الأفكار الانتحارية

 تتكون الأفكار الانتحارية عندما يكون لدى الشخص أفكار عن الموت الطوعي (ضد نفسه) بعد الألم الأخلاقي أو الضيق الذي يراه غير قابل للتغلب عليه. وتعد الأفكار الانتحارية موجودة في جميع الفئات الاجتماعية للسكان في العالم؛ ففي فرنسا، ووفقًا لـONS (المرصد الوطني للانتحار)، 5٪ من الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و75 عامًا لديهم بالفعل أفكار انتحارية.

المحاولات الانتحارية

هي الانتقال من الأفكار الانتحارية إلى القيام بفعل الانتحار، أي أنها خطوة متعمدة وموجهة نحو الإيذاء الذاتي للنفس، وبهدف أولي هو قتلها، لكن دون حدوث عواقب وخيمة. في كل عام، يتم تسجيل أكثر من مليون محاولة انتحار حول العالم، وهو ما يزيد 10 مرات عن عدد حالات الانتحار. وغالبًا ما تقوم بهذه المحاولات فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و25 عامًا.

وفي اليمن، يرجع انتشار الانتحار بين الفتيات إلى عدة أسباب، أهمها حالة الغربة والتهميش التي تعيشها المرأة اليمنية، والضغوط الاجتماعية المختلفة. ومن بين حالات انتحار الفتيات في اليمن؛ حالة انتحار فتاة في سن السابعة عشر في محافظة لحج، بعد سماعها بوفاة فردين من عائلتها في حادث مروري، وحالة انتحار لطالبة في الثامنة عشر من عمرها بعدما أنهت امتحانات الثانوية العامة، حيث حلمت أنها رسبت فقررت الانتحار.

وللعلم، تُعد بعض محاولات الانتحار صرخات لطلب المساعدة؛ حيث يتوافق هذا الموقف مع الأشخاص الذين لا يريدون حقاً قتل أنفسهم، بل جذب انتباه من حولهم، حتى يفهموا أن هناك مشكلة؛ لذلك يجب توخي الحذر، وأخذ صرخات المساعدة هذه على محمل الجد؛ لأن الحالة السيئة لهؤلاء الأشخاص يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى نوايا انتحارية حقيقية.

الانتحار

الانتحار هو فعل قتل النفس عمداً، أو الموت الناجم عن فعل متعمد لإيذاء الذات بهدف القتل. وقد لا يُتصور أن عدد المنتحرين في العالم كل عام أكثر 3 مرات ممن يموتون في حوادث الطرق. فعلى سبيل المثال، يبين مكتب الإحصاء الوطني الفرنسي في تقريره أن فرنسا تسجل رسميًا ما يقرب من 27 حالة وفاة يوميًا بسبب الانتحار، لكن العدد الفعلي لحالات الانتحار قد يصل إلى أكثر من 10700 حالة كل عام، أي ما يقرب من 30 حالة وفاة يومياً.

وعلى عكس أحكام مسبقة بخصوص التأثير المباشر للانتحار، فإنه لا يؤثر بشكل رئيس على النساء، أما الرجال فنعم. وفي الواقع، تحدد مكاتب الإحصاء الوطنية الفرنسية في تقريرها أن الانتحار يهم المجتمع الدولي بأكمله مع غالبية السكان الذكور، وخاصة الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عامًا (تمثل نسبة وفيات الذكور لهذه الفئة العمرية ما يقرب من 80٪ من حالات الانتحار). بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الانتحار بشكل رئيس على كبار السن (من سن 75 فما فوق) في موقف ضعيف، فما يقرب من 30 شخصًا من كل 100000 ينتحرون في العالم كل عام بعد سن 75.

عوامل الخطر في ظاهرة الانتحار

هي تلك العوامل التي تزيد من احتمال تفكير الأفراد في الانتحار أو محاولة ذلك، أو الموت عن طريق الانتحار. من ناحية أخرى، فإن عوامل الحماية من الانتحار هي التي من شأنها أن تقلل من هذا الاحتمال، ويتم تحديد هذه العوامل على أساس البيانات الإحصائية. ومن ثمَّ فإن العلاقة السببية بين عامل الخطر والسلوك الانتحاري ليست على المستوى الفردي وحسب، بل وعلى مستوى السكان أيضًا. وتُظهر الأدبيات أن عوامل الخطر تعمل بالتفاعل مع بعضها بعضا، مع إمكانية أن يختلف تأثير العامل في وجود أو عدم وجود عوامل أخرى، وأن تراكم العوامل المختلفة يزيد من خطر الانتحار.

وتعد قائمة عوامل الخطر المحددة في الأدبيات طويلة وإمكانيات تصنيفها مختلفة، وغالبًا ما يتم التمييز بين العوامل الفردية (الاضطرابات النفسية، تاريخ محاولات الانتحار، الإدمان، أحداث الحياة السلبية…)، والعوامل السياقية أو البيئية (الأزمة الاقتصادية، الكوارث الطبيعية، الحروب…). وفي بعض الأحيان يتم فصل عوامل الخطر الاجتماعية والاقتصادية (العزلة، الضعف المالي، الديون، البطالة، وما إلى ذلك) عن العوامل الأخرى.

ونكتفي هنا بذكر تصنيفين مثيرين للاهتمام بالنسبة لقضية الانتحار والوقاية منه:

  1. تصنيف عوامل الخطر التي اعتمدها مؤتمر الإجماع حول أزمة الانتحار في عام 2000، وهو يميز بين:
  2. العوامل الأولية: لها قيمة تحذيرية كبيرة على المستوى الفردي، وتتفاعل مع بعضها البعض، وقبل كل شيء يمكن أن تتأثر بالمعالجات العلاجية. وهي تشمل الاضطرابات النفسية، والتاريخ الشخصي والعائلي للانتحار، والإبلاغ عن نية الانتحار.
  3. العوامل الثانوية: يمكن ملاحظتها في جميع السكان ولا يمكن تعديلها بسهولة عن طريق العلاج، ولها قيمة تنبؤية منخفضة. وهي تشمل الخسارة الأبوية المبكرة، والعزلة الاجتماعية، والبطالة، والصعوبات المالية والمهنية، وأحداث الحياة السلبية.
  4. العوامل البعيدة: لا يمكن تعديلها ولها قيمة تنبؤية فقط في وجود العوامل الأولية والثانوية. وتشمل الجنس والعمر وفترة الضعف.
  5. تصنيف عوامل الخطر المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية في تقريرها لمنع الانتحار لعام 2014، الذي يميز بين:
  6. العوامل الفردية: تاريخ محاولة الانتحار، مشاكل الصحة العقلية، الاستخدام الضار للكحول، فقدان الوظيفة أو الخسارة المالية، اليأس، الألم المزمن، التاريخ العائلي للانتحار، العوامل الوراثية والبيولوجية.
  7. عوامل العلاقة: مشاعر العزلة ونقص الدعم، العلاقات المتضاربة، وسوء الفهم أو الخسارة.
  8. عوامل المجتمع: الكوارث الطبيعية، الحروب والنزاعات، التمييز، الصدمة أو سوء المعاملة.
  9. العوامل المجتمعية: الوصول إلى الوسائل القاتلة، والتغطية الإعلامية غير الملائمة، والوصمة المرتبطة بطلب المساعدة.
  10. عوامل النظام الصحي: معوقات الرعاية.

 وهناك العديد من الدراسات المتعلقة بالمعرفة الحديثة حول تصنيف الأشخاص الانتحاريين. وتم تحديد كثير من عوامل الخطر عند الأشخاص المتأثرين بمحاولات الانتحار فيما يلي:

  • ·      المشاكل الصحية مثل اضطرابات الصحة العقلية أو بعض الأمراض الجسدية (خاصة الأمراض المزمنة).
  • العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل انخفاض مستوى التعليم والبطالة أو الدخل المنخفض.
  • العوامل الاجتماعية والديموغرافية مثل الجنس أو العمر أو الحالة الاجتماعية.

من الممكن لهذه العوامل أن تتفاعل فيما بينها، وبالتالي يكون لها تأثير على السلوك الانتحاري على المدى القصير (خاصة المشاكل النفسية) وعلى المدى الطويل (خاصة العوامل الاجتماعية والديموغرافية)، واحتمالية وجود عوامل معينة يزيد من خطر السلوك الانتحاري. كما أن التفاعلات بين عوامل الخطر والحماية المختلفة متعددة وتستحق المزيد من الدراسة والبحث من أجل تحديدٍ أفضل لها، في أي فراد وفي أي سياق وفي أي فترة من حياتهم.

أرقام

  • الانتحار هو السبب الثاني للوفاة بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا.
  • 75٪ من حالات الانتحار هي بين الذكور.
  • 70٪ من الوفيات تكون شنقًا أو بالسلاح أو رمي الجسد من مكان عال، وغالبا ما تكون بين الذكور.
  • مليون حالة انتحار كل عام في جميع أنحاء العالم.
  • •                1699 حالة انتحار في اليمن في عام 2020، أي بمعدل 1.09 من إجمالي حالات الانتحار في العالم.

الوقاية

تضع برامج العمل الوطني ضد الانتحار عددًا من الإجراءات لمنع الأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار؛ فيما يلي بعض تلك الإجراءات:

  1. فتح قنوات اتصال بالتعاون مع الشركاء المعنيين.
  2. الحفاظ على الاتصال مع المنتحر؛ حيث يوفر البرنامج اتصالات مختلفة مع الشخص الانتحاري، مثل: المكالمات، الرسالة القصيرة، البريد الالكتروني.
  3. تقييد الوسائل القاتلة: وهي مسألة تتعلق بتشديد الرقابة على حيازة الأسلحة النارية في المنزل على المستوى المحلي، أو تعديل اللوائح المتعلقة بحمل الأسلحة النارية على الصعيد الوطني.

وتهدف الإجراءات التي تم وضعها تحت شعار “اعرف الوقاية” إلى الحد بشكل كبير من حالات الانتحار في العالم؛ فأرقام الحالات أو المحاولات مثيرة للقلق، ومن المهم أن يتم التفكير في منع الانتحار والوقاية منه من قبل كل من سلطات الدولة والسكان أنفسهم.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…