الانتحار في اليمن.. ظاهرة تتنامى ولا حلول على أرض الواقع
صوت الأمل – أحمد عمر
تحتل اليمن المرتبة الثالثة عربيًا من حيث انتشار ظاهرة الانتحار، تتقدمها مصر والسودان، بحسب إحصائية أممية عام 2016؛ حيث سجلت بلادنا (2,335) حالة انتحار -وفقًا لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية بتاريخ 16 أغسطس 2022- بينما الأرقام الحقيقية قد تفوق ذلك العدد بكثير؛ إذ إن تلك الظاهرة بدأت بالتصاعد خلال السنوات الماضية نتيجة الوضع الكارثي الذي تمر به البلاد، وتفشي البطالة وانعدام الرواتب وتدني مستوى الرعاية الصحية.
وتعد الأزمة الاقتصادية نتيجة النزاعات المسلحة المحتدمة منذ ثماني سنوات أحد الأسباب الرئيسة المُلجئة إلى الانتحار في اليمن؛ حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر -وفقًا للمنظمات الإنسانية الدولية- ويعاني جلّ الذين يشكون من انعدام الأمن الغذائي من اضطرابات نفسية قد تقودهم إلى مشاكل أكبر، ربما تصل إلى الانتحار إذا لم تحظَ تلك الفئة بالرعاية النفسية والصحية الكافية.
وفي إحصائية حصلت عليها صحيفة “صوت الأمل” من إدارة الأمن بساحل حضرموت، فإن عدد حالات الانتحار في مديريات الساحل عام 2021 بلغت 7 حالات، منها حالتان في مدينة المكلا، بينما توزعت الخمس الحالات الأخرى على خمس مديريات بواقع حالة واحدة في كل من: ميفع بروم، حجر، الشحر، الريدة وقصيعر، الضليعة.
وعام 2022 سُجلت 4 حالات، في مدينة المكلا حالتان، ومثلها في مديرية الشحر. وخلال شهري يناير وفبراير من عام 2023 الجاري، تم رصد حالتين، بينما بلغ متوسط أعمار تلك الحالات 40عامًا.
أسباب تفشي الانتحار
من الأسباب التي تساعد على تفشي ظاهرة الانتحار تعاطي المخدرات ومادة الشبو التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل مخيف بين أوساط الشباب، وهي تقود مدمنيها إلى ارتكاب جرائم بحق من حولهم، وتعد الطريق الأسرع نحو الانتحار.
عن ذلك، قالت الأخصائية النفسية سمية السقاف في تصريح لـ”صوت الأمل” إن هناك سببًا رئيسًا تندرج تحته العديد من الأسباب وهو “فقدان قيمة الحياة” لدى الشخص مما يجعله مقبلاً على الانتحار. وتبدأ الأسباب بتكالب الضغوط والمشاكل النفسية أو الأسرية على الفرد حتى تُفقده قيمة الحياة، فيرى أن الحياة والموت سواء. وتبين السقاف أن هذه المشكلة تحتاج إلى دراسة بحثية علمية حتى نتعرف على الأسباب والدوافع الحقيقة التي تقود الفرد اليمني إلى الانتحار.
وعددت السقاف الأسباب التي تمر بها الحالة قبل الشروع في الانتحار، فمنها الاقتصادي كالفقر، أو الاجتماعي ككثرة المشاكل الأسرية والانفصال بين الزوجين وتفكك الأسرة، أو المهني كالاحتراق الوظيفي أو تعاطي الممنوعات وغيرها. ومن ثمَّ فإن لقدرة تحمل الفرد للضغوط ومدى صلابته النفسية دورًا كبيرًا في ردع دافع الانتحار.
بينت منظمة الصحة العالمية في 17 يونيو 2021 أن ظاهرة الانتحار تأتي في المرتبة الرابعة من الأسباب المؤدية إلى الوفاة -بعد حوادث مواصلات النقل، ومرض السل، والعنف الناتج بين الأفراد- في فئة الشباب بين عمر 15 إلى 29 عاماً، بينما يفوق عدد الذكور الذين يموتون بسبب الانتحار ضعفي عدد الإناث. ويعد الانتحار أكثر انتشاراً بين فئة الرجال في البلدان ذات معدلات مرتفعة في دخل الفرد، فيما تسجل الإناث نسبة أعلى في الدول متوسطة الدخل.
وأوضح رئيس مركز “معرفة” للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور عمر باجردانة أن تفشي ظاهرة الانتحار لا ينحصر في سبب معين، وأن هناك دوافع تؤدي بالحالة إلى ارتكاب هذه الجريمة، منها الوضع الاقتصادي السيئ الذي تشهده اليمن، والانتشار المتزايد للممنوعات كالمخدرات والشبو ونحوها، وأيضا ضعف الوازع الديني الذي حرم ارتكاب جريمة الانتحار مهما كانت الدوافع، وكذلك فقدان الأمل في المستقبل لدى بعض الحالات نتيجة المعاناة التي يمرون بها.
وأكد باجردانة لـ”صوت الأمل” أن عمليات الانتحار مرتبطة بعدة عوامل (تربوية، اجتماعية، تعليمية) قد تكون هي السبب في إقدام الشخص على الانتحار من عدمه؛ فالبيئة المحيطة قد تكون سلبية، أو قد يكون بها نوع من الإيجابية وحب الحياة والتفاؤل في مستقبل آمن ومشرق.
دور الجهات المعنية في محاربة ظاهرة الانتحار
في 17 يونيو 2021 أصدرت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إرشادات تحت عنوان “عِشْ الحياة”؛ لتعزيز جهود الوقاية من الانتحار حول العالم، ولرسم مسار واضح نحو الحد من الظاهرة. وتشمل الإرشادات أربع استراتيجيات رئيسة هي: تقييد وسائل الانتحار والوصول إليها، كالأسلحة النارية والمبيدات شديدة الخطورة، وتعزيز مهارات الحياة الاجتماعية العاطفية لدى اليافعين (يطلق على اليافعين في علم النفس اقتراب الشخص من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي). وثالث استراتيجية هي تثقيف وسائل الإعلام بشأن الصياغة الصحيحة في المواد الإعلامية عن الانتحار، والرابعة التعرف المبكر على الحالات التي تبدي سلوكاً أو أفكارا انتحارية وتقييمها وإدارتها ومتابعتها.
تشجّع إرشادات “عش الحياة” -وفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة- على تنفيذ إجراءات تشمل برامج مكافحة التنمر بجميع صوره وأشكاله، وتعزيز الصحة النفسية، ووضع بروتوكولات واضحة في المدارس والجامعات للتعرف على المخاطر التي تتعلق بالانتحار.
البرامج والأنشطة للحد من الظاهرة.. حضرموت نموذجا
نفَّذ مركز “معرفة” للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مطلع عام 2023 وبالتعاون مع مؤسسة “صح” لحقوق الإنسان، العديد من الأنشطة التوعوية عن المخاطر الناجمة عن إدمان المخدرات؛ حيث يأتي الانتحار ضمن تلك المخاطر. واستهدفت الأنشطة السجن المركزي والعديد من أحياء مدينة المكلا -حاضرة محافظة حضرموت- وفق ما ذكره رئيس المركز.
وقال الرائد علي عليان (مدير إدارة التوجيه المعنوي بساحل حضرموت) لـ”صوت الأمل”: “تنفذ الإدارة برامج وأنشطة تستهدف الأحياء السكنية، ومنها نشاط التوعية داخل السجون على مدى ستة أشهر، منذ بداية عام 2023، بواقع محاضرة كل أسبوع. مستهدفًا السجينات بغرض رفع الدعم النفسي والتعايش وتقبل المجتمع لديهن؛ حتى لا تتحول الحالة إلى الانغلاق عن المجتمع المحيط بها لا سيما أن الانغلاق قد ينتج عنه مشاكل جسيمة تصل إلى حد الانتحار.
حلول واستراتيجيات للحد من الانتحار
أكد العقيد عبدالله الدقيل (مساعد مدير أمن ساحل حضرموت) أن حالات الانتحار لا يمكن أن ترتبط بالعامل النفسي فقط، وإنما هناك عوامل أكبر تلعب دورًا في انتشار الظاهرة. وشدد خلال تصريحه لـ”صوت الأمل” على وجوب إنشاء مراكز نفسية لإجراء دراسات وبحوث متكاملة؛ لمعرفة المسببات أو العوامل المؤدية إلى الانتحار، مبينًا أن حضرموت تفتقد لمثل هذه المراكز المهمة.
وطالبت الاخصائية النفسية سمية السقاف بتكثيف الجهود على جميع الأصعدة لمحاربة الانتحار، سواء من ناحية دينية ونفسية واجتماعية، منوهة إلى تحسين مستوى دخل الفرد، وهو الجانب الأهم لكي يعيش بكرامة، مبينة أنه لا فائدة من تقديم أي جهد دون تقديم مقومات الحياة الأساسية بصورة جيدة.
وعن الاستراتيجيات التي قد تحد من هذه الظاهرة، شدد الدكتور عمر باجردانة على أن هذا الأمر يحتاج جهد الدولة لوضع خطط مستقبلية واستراتيجيات متكاملة من إشراف وتمويل للوصول إلى طرق تحد من الانتحار، كما يتطلب من منظمات المجتمع المدني أن تقوم بالجانب التوعوي والمناصرة وأن تكون الفاعل الإيجابي، إلى جانب الجهات الحكومية لحل مثل هذه القضايا التي تزداد يومًا بعد آخر.
وأضاف باجردانة قائلًا: “يجب تنفيذ جملة من الإجراءات ضمن سياق واحد، كالتنمية الاقتصادية والفكرية والتعليمية والقضاء على البطالة؛ حتى يستطيع الفرد من خلالها تحقيق حياة أفضل، لا سيما أن السبب الأبرز في حدوث الانتحار في اليمن هو العامل الاقتصادي المتدهور. تشكل ظاهرة الانتحار في اليمن موضع غرابة لدى مجتمع مُحافظ يغلب عليه الطابع الديني رغم تكالب الظروف القاهرة، من صراعات وتهجير وانعدام للخدمات وحياة معيشية صعبة أثقلت كاهله وأنهكته. وهي ظاهرة تزداد مع مرور الوقت ولا حلول حقيقية للحد منها.
الدورات التدريبية في مجال الطهي إلمام بثقافات مختلفة وفرص مهنية واسعة
صوت الأمل – علياء محمد لا يقتصر فن الطهي على الطبخ المتعارف عليه لدى الأفراد، بل يحمل بين …