‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الإنتحار في اليمن بين الواقع والمأمول.. دور ضئيل للجهات الحكومية في محاربة ظاهرة الانتحار

بين الواقع والمأمول.. دور ضئيل للجهات الحكومية في محاربة ظاهرة الانتحار

صوت الأمل – أحمد عمر باجعيم

يُعوَّل على الحكومات حول العالم مجابهة الظواهر السلبية -ومنها ظاهرة الانتحار- التي تشكل اختلالات في السلم الاجتماعي، والقضاء عليها ونشر توعية بالمخاطر التي تخلف أضرارًا جسيمة في المجتمعات.

 في اليمن، ووفقا لمختصين، فإن السبب الرئيس الذي أودى بحياة كثيرين -في فترة ما قبل اندلاع الصراع- وألجأهم مضطرين إلى الانتحار لإنهاء معاناتهم هي الأوضاع الاقتصادية المتدنية وارتفاع معدلات البطالة التي على أثرها يهربون إلى مستنقع الإدمان على المخدرات وهو ما يقود بعضهم إلى الانتحار.

وبعد نشوب النزاع المسلح في البلد، مطلع عام 2015م، ارتفع معدل انتشار المخدرات وبأصناف متعددة، وكان لها ارتدادات خطيرة على متعاطييها. ويعود ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة التي يعاني منها الكثرة الغالبة من المواطنين، وتدني مستويات التعليم نتيجة الأوضاع ذاتها؛ مما أوجد عزوفًا شبه جماعي عن مواصلة العملية التعليمية مبررين ذلك بالمستقبل الضبابي الذي لا حل فيه للمتعلم غير حمل السلاح.

ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة وإدمان المخدرات كواحد من آثار سنوات الصراع، فقد استفحلت في الآونة الأخيرة الأمراض النفسية في أوساط السكان بشكل لافت، لا سيما كلما زادت وطأة الصراع على المجتمع وما يرافقها من زيادة في سوء الوضع المعيشي، الذي يعد أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت المصابين بتلك الأمراض إلى ارتكاب جرائم بحقهم وبحق من حولهم، أبرزها الانتحار أو قتل الغير.

هذا الوضع الراهن-وفقًا لمختصين- يستلزم تدخلًا حكوميًا عاجلًا للحد من تفشي ظاهرة الانتحار، عن طريق تفعيل العديد من البرامج والأنشطة، ورسم رؤية واضحة للقضاء -أو على الأقل- الحد من تلك الظواهر الدخيلة على المجتمع اليمني.

التدخلات الرسمية لمكافحة الانتحار، حضرموت نموذجا

تبذل إدارة الدفاع الاجتماعي في مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فرع ساحل حضرموت، جهودًا مضنية لمكافحة الاضطرابات النفسية قبل تطور الحالة وارتكابها جرائم جسيمة، ومنها الانتحار، من خلال تقديم أنشطة وبرامج تستهدف تلك الحالات وأسرهم، وتقديم الرعاية النفسية والتأهيلية وتقييم الحالة عبر مختصين.

يعمل لدى إدارة الدفاع الاجتماعي (42) مُديرَ حالة من الأخصائيين الاجتماعيين؛ لمتابعة القضايا الاجتماعية، كالعنف الأسري والإساءات والاضطرابات النفسية، والتدخل في حلها وفق الصلاحيات المتاحة للإدارة.

وفي إحصائية حديثة حصلت عليها صحيفة “صوت الأمل”، بلغ عدد المصابين بالاضطرابات النفسية في مديريات ساحل حضرموت خلال النصف الثاني من عام 2022م (102) حالة من الجنسين، فيما بلغت حالات الاعتداء الجنسي (50) حالة والعنف الأسري (39)، وأما حالات الاغتصاب فقد وصلت خلال ذلك التاريخ إلى (5) حالات. وبحسب مسؤولين في المحافظة، الانتحار أحد الجرائم التي قد يلجأ إليها ضحايا هذه الإحصائيات.

وأوضحت مديرة إدارة الدفاع الاجتماعي بمكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت حكمت الشعيبي أن الدور الحكومي لمجابهة ظاهرة الانتحار لا يزال ضعيفًا ويحتاج إلى جهد أكبر؛ حتى تلامس نتائجه أرض الواقع. مطالبةً منظمات المجتمع المدني بالتحرك بشكل أوسع وأشمل لمكافحة الانتحار والعمل على حل مسببات تلك الظاهرة، كالوضع الاقتصادي والبطالة والاضطرابات النفسية والإدمان؛ كون المنظمات تمتلك موارد مالية وبشرية عالية مقارنة بالجهات الحكومية.

وأكدت الشعيبي في تصريح خاص لـ”صوت الأمل” أن إدارة الدفاع الاجتماعي عملت على معالجة الحالات التي قد تدفع بالبعض إلى الانتحار؛ حيث استهدفت في برامجها التوعوية والتثقيفية الأسرة وكيفية اكتشاف الفرد الذي يعاني من اختلالات نفسية أو الانحراف أو ظواهر الإدمان. وسعت إلى عودة الكثير من الأطفال ومن هم في سن المراهقة إلى المدارس، مبينةً أن هذه العوامل تُتخذ لتكون خطوة استباقية حتى لا تتفكك الأسر ويزيد الضغط النفسي على الحالات ومن ثم التفكير في الانتحار. وكذلك استهدفت أنشطة إدارة الدفاع الاجتماعي السجونَ النسائية والرجالية في مديريات مدينة المكلا، وعالجت كيفية دمجهم مع المجتمع بعد قضاء محكوميتهم دون تمييز أو تنمر.

لم تقتصر الأنشطة على السجون فقط، بل إن إدارة الدفاع الاجتماعي وسعت من برامجها التوعوية من مخاطر الاضطرابات النفسية خلال السنوات الماضية لتشمل المدارس والمعاهد ودور العبادة بهدف القضاء أو الحد من مسببات الأمراض النفسية -باعتبارها أحد أهم دوافع الانتحار- مثل تعاطي المخدرات (كمادة الشبو) الذي انتشر في الآونة الأخيرة منحدرًا بالمجتمع نحو انزلاقات خطيرة تكون فاتورتها الموت.

مركز الدعم النفسي للأفراد  

يوجد في اليمن أربع مستشفيات للصحة النفسية فقط، وهي تابعة للجهات الحكومية ومتوزعة على أربع محافظات (صنعاء، عدن، تعز، الحديدة)، بينما تفتقر المحافظات الأخرى إلى تلك المستشفيات وإلى خدماتها التي تساهم في التخفيف من الاضطرابات النفسية المتفاقمة التي تزداد يومًا بعد آخر؛ نتيجة الوضع الإنساني الصعب الذي يعاني منه معظم سكان الجمهورية اليمنية. كما أن تلك المستشفيات لا تغطي احتياجات المناطق التي تتواجد فيها نظرًا لارتفاع معدلات السكان.

وقال منسق برنامج الصحة النفسية بمكتب وزارة الصحة والسكان بساحل حضرموت صلاح باسندوة لـ”صوت الأمل” أن المحافظة تحتاج إلى مستشفيات تهتم بالجانب النفسي والعمل على تأهيل المصابين، لا سيما أن حضرموت تمتلك العديد من المختصين بالصحة النفسية، ولديهم كفاءات عالية في هذا الجانب، منبهًا إلى ضعف الجانب الأكاديمي في الجامعات والمعاهد في تعريف الطلاب بالصحة النفسية من خلال إضافة مواد تعليمية بهذا الشأن في جميع التخصصات لما لها من أثر في سلوك الفرد وتقييمه.

وأكد باسندوة أن محافظة حضرموت يوجد بها عيادة وحيدة للصحة النفسية –عيدة حكومية- في هيئة مستشفى ابن سيناء العام في مدينة المكلا، وهي تعمل على مدى ثلاثة أيام في الأسبوع، بينما يعمل مكتب الصحة على تأهيل عيادة أخرى بمديرية الشحر شرق حضرموت خلال العام الجاري. وأضاف باسندوة أن وزارة الصحة في عدن دعت إلى استراتيجية وطنية في شهر يونيو 2022م، بمشاركة مجموعة من الأطباء والمختصين لتحديد نقاط الاستراتيجية الخاصة بالصحة النفسية، وتم إقراراها من قبل الحكومة ودعمها من المنظمات الدولية. وكان من ضمن الاستراتيجية إنشاء برنامج الصحة النفسية بساحل حضرموت.

وأوضح أن هناك العديد من العيادات الخاصة التي تقدم خدماتها للمرضى في ساحل حضرموت، وبفضلها خففت الضغوط النفسية التي تعاني منها الكثير من الحالات قبل أن تتفاقم وينتج عنها سلوك يضر بالمجتمع أو بالحالة نفسها لا سيما الانتحار، وذلك من خلال تأهيلها وعودتها إلى كنف الأسرة والمجتمع بشكل سليم.

القطاع الخاص يكمل الدور الحكومي الضعيف

في 16 من فبراير عام 2023م، افتتح “مستشفى النهى للطب النفسي والإدمان” الخاص بشكل رسمي، في مديرية تريم في وادي حضرموت جنوب البلاد، كأول مستشفى في حضرموت يختص بهذا الجانب. ويقدم المستشفى خدمات علاجية متعددة، أبرزها علاج جميع الأمراض النفسية لمختلف الأعمار، وعلاج حالات الإدمان وتأهيل المصابين بالأمراض النفسية المزمنة والإدمان، كما يقدم أبحاثًا وندواتٍ علمية لتطوير طرق العلاج بشكل حديث.

وذكرت الصفحة الرسمية للمستشفى على الفيسبوك أنه يحتوي على العديد من الأقسام، ومنها: العيادات الخارجية، وحدة العلاج النفسي، تخطيط الدماغ وتنظيم إيقاعه، طوارئ نفسية تعمل على مدار الساعة، قسم خاص مختص بإعادة تأهيل للأمراض النفسية والإدمان.

يستهدف المستشفى في المرحلة الأولى عددًا من المحافظات (حضرموت الساحل والوادي، المهرة، شبوة، سقطرى، مأرب). وفي المرحلة الثانية سيستهدف محافظات (الجوف، صنعاء، حجة، تعز)؛ حيث بلغ عدد الحالات المصابة بالأمراض النفسية في جميع المحافظات اليمنية خلال عام واحد (5364) حالة، وفقًا لمدير المستشفى حسن بن عقيل.

وفي سياق متصل، أشارت الأخصائية بمركز الأمل للاستشارات والدعم النفسي – التابع لمؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية بمدينة المكلا- راوية الجابري إلى أن المركز يقيم محاضرات توعوية وبرامج تأهيلية للحالات التي تعاني من الإدمان أو الاضطرابات النفسية، ومساعدتهم في بناء حياتهم من جديد وتجنيبهم مضاعفات الإدمان ومخاطره التي قد تؤدي بهم إلى الانتحار في غالب الأحيان.

وأضافت أن المركز شاركَ في حملات توعوية عن مخاطر مادة الشبو من خلال نشاطات استهدفت التجمعات النسوية ومراكز التحفيظ. وتعد مادة الشبو من أخطر أنواع المخدرات التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين أوساط الشباب بشكل خاص؛ فهي تفوق الهيروين خطورة بعشرات المرات، ومن أرخص أنواع المخدرات ويسهل تصنيعها.

وفي الثاني من فبراير عام 2023، ذكرت “المدنية أونلاين” –صحيفة سعودية- في تحقيق بعنوان “الشبو.. طريق القتل والانتحار” أن أضرار هذه المادة من النواحي النفسية تدفع المدمن إلى الانتحار أو القتل والعدوانية نتيجة تضرر خلايا المخ.

إن جهود الجهات الحكومية لمجابهة ظاهرة الانتحار تكاد تكون غير موجودة وغير فاعلة، وإن وجدت فإنها على استحياء تظهر من فترة لأخرى عبر فعاليات متفرقة. ويعود ذلك إلى ظروف الصراع الممتد منذ ثماني سنوات، مما أضعف من حضور الدولة وتمكينها من حل العديد من المشاكل التي يعاني منها المواطنون.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن

صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…