انقطاع بعض مصادر الدخل في اليمن يدفع الأطفال إلى سوق العمل
صوت الأمل – هلال صالح
أضحت مشاهدة الأطفال في سن الدراسة وهم يجوبون الشوارع وبين السيارات في اليمن، حاملين قوارير المياه والمشروبات أو كراتين العلكة أو المناديل؛ لبيعها للمارّة وراكبي السيارات والدرجات النارية، مشاهد طبيعية مؤسفة.
فقد أصبحت هذه الظاهرة جزءًا من حياة اليمنيين اليومية. أطفال في بداية حياتهم تخلوا عن لعبهم وبراءتهم، ومدرستهم إلى غير رجعة، كما تخلوا عن أحلامهم باللعب مع أصدقائهم في باحة المدرسة، من أجل توفير لقمة العيش لعائلاتهم .
تضاعفت حالات عمالة الأطفال في اليمن مع تفاقم الأزمة وارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة حسب تقارير المنظمات المعنية، لكن هذه الظاهرة لم تحظ بالاهتمام من قبل الحكومة، ولم تبرز أي حلول لمعالجتها أو للتخفيف من حدتها –حسب مواطنين-.
وقد صادقت اليمن على اتفاقية حقوق الطفل عام 1991م، مما جعلها من أوائل الدول في العالم التي تلتزم بتحسين حقوق الأطفال في البلاد ورفع تقارير بشأن التقدم المحرز، وحققت البلاد تقدمًا مطردًا من أجل الأطفال إلى أن وقعت في نزاع في العام 2015م.
يفيد رئيس المنتدى الوطني للطفولة والشباب حيدرة الكازمي لصحيفة «صوت الأمل» أنَّ معدلات عمالة الأطفال باليمن زادت في الآونة الأخيرة، لا سيما مع اشتداد الصراع بين الأطراف المتنازعة منذ عام 2015، وارتفاع الأسعار وتدهور الاقتصاد في البلاد.
وأوضح الكازمي أنَّ توقف صرف المرتبات للموظفين وفقدان مئات الآلاف من الأسر مصادر دخلها، وتعطل الكثير من المشاريع الصغيرة، وبالأخص أصحاب الدخل المحدود، وعدم قيام الحكومة بمسؤولياتها وتدهور التعليم وغيرها، هي من الأسباب الجوهرية التي تسببت في انخراط الأطفال في أسوأ أشكال العمالة.
مؤكدًا أنَّ عمالة الأطفال في بلادنا تخالف اتفاقية منظمة العمل الدولية واتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليهما اليمن. وفي ظل انعدام دور المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية المعنية بحماية الأطفال، فإنَّ هذه الظاهرة تتزايد بشكل مخيف ومقلق ويترتب عليها تضاعف الانتهاكات ضد الأطفال.
ترك المدرسة و الذهاب للعمل
يقول الطفل محمد -١٤عامًا- الذي يعمل مع والده في مخبز لإعداد الخبز في مدينة الحديدة: «كنت أتمنى أن أدرس وأكمل دراستي وأصبح دكتوراً كبيراً، لكن أبي أخذني معه للعمل في المدينة من أجل أن نوفر لإخواني مصاريفهم» يسكن محمد مع والده في المخبز، وعائلته يعيشون بمحافظة تعز في ريف شرعب.
سافر محمد مع والده للعمل منذ عام ولم يرجع إلى والدته منذ ذلك الحين، يقول: «أشتاق لأمي وإخوتي وأصحابي الذين كنت أدرس معهم وقضيت أجمل لحظاتي. لكن غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع ولأني أكبر إخواني اضطررت للسفر مع والدي للعمل».
حال آلاف الأطفال يشبه حال محمد، إذ توجه بعضهم إلى الغربة وآخرون إلى الشارع لمساعدة عائلاتهم بسبب فقدانهم أحد أبويهم أو كليهما، أو بسبب تدهور الأوضاع وارتفاع الأسعار، وقد أجبروا على ذلك لاعتقاد عائلاتهم أنَّ التعليم أمر ثانوي وليس كأهمية إعالة الأسرة .
والد محمد يقول لـ «صوت الأمل»: «لو لم تحدث الظروف الحالية والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لما اضطررت إلى أخذ ابني من المدرسة والسفر به معي للغربة من أجل كسب القليل من المال الذي لا يكفي لشراء كل متطلبات الحياة المعيشية».
مضيفًا أنه كان في السابق يحلم أن يكون محمد متعلماً ومتخرجًا من الجامعة وأن يفرح بذلك، ولكن الصراع جبرته على حرمان ابنه محمد من الدراسة، ليس لديه محمد فقط، لديه أيضًا ثمانية أبناء (أولاد وبنات) ومحمد أكبرهم سناً، وهما يعملان بالأجر اليومي.
الطفل عاصم -١٢ عامًا- يتحدث عن عمله، ويقول: «كل صباح أحمل كيسي على ظهري وأخرج أبحث لي عن علب بلاستيك وكراتين وأي شيء أجده مرمياً في الشارع أو في مرمى القمامة، وأقوم بتجميعهم، وبعدها أذهب لبيعهم لصاحب الخردة (إعادة تدوير) يشتريها مني بمبلغ لا يكفي لشراء وجبة غداء، أعطيها لأمي، تشتري لنا بها بعض الطعام، الذي لا يسد جوعنا”.
يقول عصام الزبره أحد خطباء المساجد بالحديدة: «يأتي دورنا بالنصيحة لأولياء الأمور وبتوجيههم وإعطائهم المنهج السليم الصحيح بعدم إرسال الأطفال إلى العمل بل إلى المدرسة وحلقات التحفيظ”.
يؤكد مطهر الخضمي (الصحفي المهتم بحقوق الإنسان) أنَّ دور وسائل الإعلام يقتصر على توعية المجتمع والأسرة بمخاطر عمالة الأطفال، وعرض الآثار السلبية المترتبة على ذلك، التي تنعكس على حياة الأطفال والأسرة أيضًا –لا سيما إذا انخرطوا في أعمال شاقة وصعبة لا تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم الجسدية، ومن هذه الآثار مثلًا انخراطهم في أعمال غير شرعية وتعرضهم للاستغلال بشتى أشكاله.
ويشدد الخضمي على أنَّ الدور الآخر لوسائل الإعلام -إلى جانب عرض أسباب الظاهرة وآثارها- طرح الحلول التي من الممكن أن تساهم في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، وهي حلول يستقيها أرباب الإعلام من ذوي الاختصاص في مجال الطفولة.
يقول شادي إبراهيم (ناشط مجتمعي): «اشتغلنا على عمالة الأطفال في محافظة الحديدة في عام 2013، وكان حينها اسم المشروع (المتسولين)، بتنفيذ عدد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات، وكانت الفكرة استهداف الأسر المتواجدة في الجولات وأطفالهم”.
يوضح شادي أنَّه تم النزول إلى الجولات لتوزيع كروت دعوات لتوزيع الملابس للأطفال، واستهداف أرباب الأسر والأمهات، وعرض عليهم توفير أعمال خاصة لهم وتسجيل أطفالهم في المدارس، وطرح بعض الحلول للأمهات من تدريب النساء على الخياطة، والحرف اليدوية، وحلول للأباء من توفير دراجات نارية، وأشغال في المصانع، وتعليم الحرف اليدوية، مثل: السباكة، والهندسة، والكهرباء.
مشيرًا إلى أنَّ تلك كانت الفترة الوحيدة التي اتحد الإعلام ومنظمات المجتمع المدني فيها بمحافظة الحديدة للحد من ظاهرتي التسول وأطفال الشوارع والجولات، لكن للأسف قوبلت كل العروض برفض من الأسر المستهدفة، وتعرض شادي وزملاؤه للضرب من تلك الفئة كون مطالبهم مقتصرة على المساعدات الغدائية.
كما أوضح شادي أنَّ دور وسائل الإعلام هو التوعية بتأثير تواجد الأطفال في الشوارع والجولات، وبالسلوكيات التي تترتب على المجتمع.
انتهاك حقوق الأطفال
منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» أوضحت أخيرًا أنَّ الأطفال في اليمن ما يزالون محرومين من حقوقهم الإنسانية، وأنَّ اليمن لا يزال من بين أسوأ البلدان في العالم بالنسبة لوضع الأطفال، وأشارت إلى أن أكثر من 12 مليون طفل في اليمن بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة. هناك كثير من الأفعال التي تشكل انتهاكًا لحقوق الطفل، ولكن لم يُعاقب عليها القانون المحلي، في حين أنَّ تلك الأفعال تُعد انتهاكًا صارخًا وفق الاتفاقية الدولية المصادق عليها، مثل: منع الطفل من التعبير عن رأيه، وعدم المعاقبة على عمالة الأطفال حتى سن الـ ١٨ عامًا، وعدم معاقبة منع الأطفال من حقهم في التعليم، أو إتمامهم التعليم الأساسي والثانوي، وعدم معاقبة سوء معاملة الطفل بأشكاله كافة .
29% يرون أن الحل لظاهرة عمالة الأطفال هي فرض عقوبات على أهاليهم ومستأجريهم للعمل
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت صحيفة “صوت الأمل”، في النصف الأول من شهر أغسطس للع…