استطلاع.. كيف يقيم المجتمع اليمني ظاهرة عمالة الأطفال؟
صوت الأمل – ليزا الجاندي
تباينت أراء اليمنيين ومواقفهم إزاء ظاهرة “عمالة الأطفال”، بين رافض لها ومؤيد بشروط، وهناك من اعترف بآثارها السلبية لكن العوز والحاجة هي من أجبرته على الدفع بأبنائه إلى سوق العمل؛ ليخفف عنه أعباء الحياة وشظف العيش، في ظل االصراع المأساوي وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد أعداد النازحين، إضافة إلى توقف أطراف الصراع عن دفع رواتب الموظفين، وفقدان مئات الآلاف لأعمالهم؛ ما أجبرهم على الدفع بأبنائهم إلى سوق العمل.
لكن المؤيدين والمعارضين للظاهرة يجمعون على آثارها، وتعرِّف منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنَّها قيام الطفل بأي عمل أو نشاط قد يعرضه للحرمان من عيش سن الطفولة، ويندرج في ذلك جميع الأعمال المضرة بصحته الجسدية والعقلية، وتعطيل عملية النمو الصحي لديه، وتشمل عمالة الأطفال فئة الأطفال الذين هم دون السن القانوني للعمل.
“صوت الأمل” استطلعت أراء عدد من الأباء والأمهات في عدد من المحافظات اليمنية حول ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن، ومدى تقبل المجتمع لها، بين من يرى أنَّها سلبية محضة، وآخر يرى أنَّ هناك عمالة إيجابية وهي كافة الأعمال التطوعية أو المأجورة التي يقوم بها الطفل، والتي تناسب عمره وقدراته، ويكون لها آثار إيجابية تنعكس على نموه العقلي والجسمي والذهني؛ ويتعلم الطفل من خلالها المسؤولية والتعاون والتسامح، أما السلبي فهو العمل الذي يهدد سلامة الطفل وصحته ورفاهيته؛ ويكون الهدف منه أساساً الاستفادة من ضعف الطفل، وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه؛ والاعتماد عليه بوصفه عمالة رخيصة بديلة عن عمالة الكبار، أو بعبارة أخرى: “العمل الذي يحول دون تعليم الطفل وتدريبه”.
وبتقدير منظمة العمل الدولية إنَّ هناك نحو 215 مليون طفل دون سن الـ18 عاماً يعملون لساعات طويلة في جميع أنحاء العالم، ومع دخول الصراع في اليمن عامه الثامن واتساع رقعة النزاع في البلد الأفقر في شبه الجزيرة العربية، يضطر الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل، لتأمين المستلزمات الأساسية لحياة الأسرة، وهناك آلاف الأطفال يعملون بدوام كامل أو جزئي لقاء مبالغ زهيدة، وفي ظروف أقل ما يقال عنها أنَّها خطرة وقاسية، فضلًا عن استغلالهم من قبل أطراف الصراع؛ نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة لأسرهم.
“صوت الأمل” لخصت نظرة المجتمع لعمل الأطفال من خلال استطلاع الرأي كما يلي:
تنمية روح المسؤولية
بداية ترى نوران محمد محمد (مدرسة في صنعاء) أنَّ عمالة الأطفال ظاهرة مؤلمة، وهي تعكس معاناة الوطن والمواطن في اليمن، وعما إذا كانت هناك عمالة سلبية وأخرى إيجابية، تجيب نوران بنعم ، حيث تشير إلى أنَّها قد تكون عمالة سلبية كونها تحد من طبيعة رغبات الطفل في كيفية قضاء أوقاته، لكنها ترى أنَّ هناك أعمالاً مقبولة تنمي روح المسؤولية لدى الطفل، كمساعدة والديه والجيران في بعض أنشطة المجتمع كتنظيف الحي والمساهمة بما يتلاءم مع قدرات الطفل.
وحول توقعها بشأن إمكانية اختفاء عمالة الأطفال، ترى نوران أنَّ ذلك ممكن حين تستقر الأوطان كما يجب أن تكون، وتحدثت “نوران” لـ “صوت الأمل” أنَّ لديها ابناً يبلغ من العمر 13 عاماً يعمل سائق “دباب” باص صغير لمساعدة والده في توفير احتياجات الأسرة الضرورية في ظل ظروف قاسية يواجها المجتمع، مؤكدة أنَّها ضد عمل الأطفال في سن مبكرة من حيث المبدأ، لكن متطلبات الحياة المرهقة قد تجبر الأسر على الدفع بأبنائها إلى سوق العمل.
أخطار جسدية ونفسية
من جانبه يرجع رياض شرف(موظف متقاعد – عدن) انتشار عمالة الأطفال إلى الصراع؛ لأنَّها تفشت في السنوات القليلة الماضية –خاصة- بعد عام 2015م، وذلك بسبب النزاع الذي تشهده البلاد، وما آلت إليه الأوضاع من تدهور سياسي واقتصادي ومعيشي وانهيار العملة المحلية ووفاة كثير من الرجال ممن كانوا يعيلون أسرهم، إضافة إلى التفكك الأسري كلها أسباب فاقمت ظاهرة عمالة الأطفال.
يؤكد رياض أنَّ عمالة الأطفال ظاهرة سلبية تنعكس على المجتمع، وعلى الأسرة ولا توجد عمالة أطفال إيجابية، بل إنَّ هناك أعمالاً خطيرة يقوم بها الأطفال مثل العمل بالمصانع، صناعة الطوب وأعمال الحدادة وهذه الأعمال تعرض الطفل لأخطار جسدية جسيمة، وبالتالي لا يوجد أي عمل مقبول يمكن أن يقوم به الأطفال، وبحسب رياض فمكانهم الحقيقي هو صفوف التعليم وممارسة حياتهم الطبيعية من خلال اللعب والتنزه وعدم حرمانهم من الاستمتاع بمرحلة الطفولة.
ويرى رياضَّ أن الظاهرة ستنتهي عندما يتوفر الأمن والاستقرار والغذاء والمشرب لهم، ولأسرهم من خلال تحسين مستوى الدخل المعيشي لتلك الأسر، وعندما يتم معالجة أسباب التفكك الأسري كون الأطفال هم من يتحملون نتائج هذا التفكك وضياعهم بين الأم والأب.
ويلفت رياض إلى أنَّ عمالة الأطفال يمكن حظرها ومنعها وهناك مواثيق دولية واتفاقيات تمنع عمل الأطفال، بل إنَّ للطفل حقوقاً شرعتها تلك المواثيق الصادرة من الأمم المتحدة عبر منظمة “اليونيسف” الخاصة بالأطفال، ويجزم رياض أنَّ لديه أطفالاً لكن لا أحد منهم يعمل في أي مهنة، فهو ضد أن يعمل الطفل، حيث يفضل أن يكون هذا الطفل في المدرسة، بدلًا من الورشة أو المصنع ولكن نتيجة للظروف الاقتصادية المفروضة على اليمنيين، نجد أنَّ معظم الأطفال قد تركوا الدراسة وذهبوا للعمل إما في مطعم أو مقهى أو مصنع يدوي، وتمنى في ختام حديثه لـ”صوت الأمل” أن تنتهي تلك الظروف ويتحسن الوضع المعيشي لأسر الأطفال الذين يعملون في البلاد.
عرضة للاستغلال والتحرش
وتعد هبة الله صلاح(صحفية وكاتبة-عدن) عمالة الأطفال في اليمن جريمة بحق الطفولة، وذلك لما يفقده الطفل من خلال الخروج لسوق العمل، وأرجعت ذلك إلى أنَّ أغلب الأطفال الذين يتم الزج بهم إلى سوق العمل، إنما ذلك بسبب فقر الأهل ويتم ذلك رغماً عنهم بإخراجهم للعمل في الشوارع؛ وهذا الشيء يجعل الطفل عرضة لكثير من الجرائم منها التحرش والاغتصاب والتصرف بصفات منافية للأخلاق.
وتتفق هبة مع الرأي القائل أنَّ هناك عمالة سلبية وأخرى إيجابية، فالسلبية تلك التي تنتزع الطفل من طفولته، أما الإيجابية فهي التي يتم فيها تدريب وتأهيل الطفل ليكون مستقبلاً صاحب عمل حُر، يمكن ذلك من خلال مخيمات صيفية سنوية أو برفقة والده في عمله، لكن نزول الطفل لسوق العمل بمفرده أمر في غاية الظلم والخطورة-حد قولها-.
وتؤكد أنه لا يوجد عمل يناسب الطفل سوى الدراسة، والاهتمام بتعليمه، ولا يوجد عمل يمكن أن يكون مقبولًا ويقوم به الأطفال، وتشير هبة إلى أنَّ عمالة الأطفال في اليمن مرتبطة بالفقر والجهل والصراع وغياب قانون يعاقب الأهالي، ولن تختفي هذه الظاهرة إلا حين تنتهي الصراعات ويتم القضاء على الفقر، هبة ليس لديها أطفال يعملون ولا لأقاربها، وعليه فهي ضد عمالة الأطفال وتعدها جريمة تنتهك حقوق الطفل، ويتحمل عواقبها الأهالي والحكومة على حدِ سواء.
أمهات أطفال يعملون
تحكي إحدى الأمهات بمحافظة أبين –فضلت عدم ذكر اسمها-أنَّ لديها طفلاً أجبرتها الظروف على الدفع به إلى سوق العمل رغم صغر سنه، حيث تشير إلى أنَّه يذهب إلى سوق القات للعمل؛ حتى تستطيع من خلاله توفير لقمة عيش كريمة خصوصًا بعد وفاة والده وحتى لا يسير في الطريق المنحرف، بجانبها أم أخرى دفعت بطفلين لها للعمل في بيع السمك؛ وذلك حتى تستطيع توفير احتياجات الأسرة البسيطة في ظل الظروف الصعبة وعدم توفير الرواتب.
تسلب “الطفل” طفولته وحريته
أمل يسلم مطر(إعلامية بتلفزيون عدن) وأم لثلاثة أطفال تصف “عمالة الأطفال” بالظاهرة الخطيرة التي تعود على المجتمع بالكثير من المشاكل، وترى أنَّ هناك فرقًا بين العمالة وكسب المهنة أو الحرفة، فإن كان عمل الطفل؛ لقصد كسب لقمة العيش وإعالة أسرته، فإن تسبب له بالضرر في حياته ومستواه التعليمي فهذا بالتأكيد عمالة سلبية تعود بظلالها على المجتمع بدرجة عامة وعلى الطفل بدرجة خاصة، وإن كان العمل بسبب مساعدة الأبوين واكتساب خبرة أو حرفة دونما وجود أضرار تلحق بصحة الطفل أو مستواه التعليمي فهي بالتأكيد عمالة إيجابية.
وتعتقد مطر أنَّ هناك عملاً يمكن أن يقوم به الأطفال ويكون مقبولاً كأن يكون بائعاً في بقالة أو سوبر ماركت أو يكون له حب في الهندسة وإصلاح الإلكترونيات، أو أحد فنون الموسيقى أو الرسم أو العزف ويستفيد منها دون الإضرار بطفولته أو مستقبله.
وتؤكد مطر أنَّ ظاهرة عمالة الأطفال ستختفي عندما يكون هناك اكتفاء ذاتي للأسرة وينعم المجتمع والطفل بحياة كريمة وطيبة، كما أنَّه يمكن حظر عمالة الأطفال، وإيجاد البدائل متى ما كانت هناك دولة تعمل على تحسين المستوى المعيشي للأسر.
مضيفة أنَّها تعرف أناس من جيرانها لديهم أطفال يعملون في تنظيف السيارات والبعض الآخر في بيع السمبوسة والباجية، وترجع ذلك إلى الحالة المعيشية لغالبية الأسر، وتختتم حديثها لـ “صوت الأمل” برفضها لعمالة الأطفال، لأنَّها تسلبهم طفولتهم وحريتهم.
سرقة أحلام الطفولة قبل أن تولد
نورا عارف المعلم(مواطنة من محافظة أبين) تؤكد أنَّ عمالة الأطفال تسرق أحلام الطفولة قبل أن تولد، لأنَّهم لا يعيشون مراحلهم مثل باقي الأطفال الذي يعيشون في باقي الدول التي تخلو من الصراعات والأزمات، وعليه ترفض نورا القول بوجود عمالة سلبية وأخرى إيجابية؛ لأنَّ الطفل يظل طفلاً ولا بد من إعطاءه حقوقه بالعيش في بيئة توفر له كافة متطلباته مثل حقه بالتعليم وغيرها من الحقوق، ولأنَّ العمل يأخذ نصف وقت العامل فكيف يستطيع هذا الطفل التوفيق بين العمل والدراسة بنفس الوقت؟.
ويتفق أغلبية المُستطلعين أنَّ ظاهرة عمالة الأطفال ستختفي متى ما توفر الاستقرار في البلاد، وتوقفت الصراعات وتمت التوعية بحقوق الطفل ورعايته، المعلم ورغم رفضها لعمالة الأطفال؛ لأنَّها تسلب الطفولة حقها وتقتلها – حد قولها – فإنَّ لديها طفلاً هو ابن خالتها، وبسبب ظروف أسرته الصعبة ووضع البلاد عمومًا اضطر للعمل مع بائع ثلج.
جريمة ولكن ..
وتصف لارا العلي(أستاذة جامعية بمحافظة حجة) عمالة الأطفال بأنَّها جريمة، مؤكدة أنَّه لا يوجد عمل إيجابي أو سلبي بل استغلال للطفولة، وترى أنَّه وفي حال وجدت مبررات مقبولة، فالعمل لأطفال لم يتجاوز سنهم العاشرة أمر غير مقبول سواء من امتهان البيع في الجوالات وعند إشارات المرور، والعمل في التوصيل بالمطاعم أو في الحدادة أو النجارة أو الميكانيكية فجميعها أعمال فوق طاقة الطفل وقدرته وهي ضدها.
وتُبدي لارا أسفها كون هناك الكثير من أهلها وأقاربها، جارت عليهم الصراعات والظروف الحياتية، ولم يجدوا بديلًا عن الدفع بأبنائهم للعمل، وبالذات في سوق القات واشتروا للبعض الآخر منهم دراجات نارية فتجده طفلًا لم يبلغ الـ13 من العمر ويقود دراجة، وكذلك في النجارة والحدادة والميكانيك، تم الدفع بهم لسوء الوضع الاقتصادي؛ بسبب النزاع وانقطاع المرتبات.
تشريعات مانعة لعمالة الاطفال
أحمد إدريس(ناشط من محافظة أبين) يوضح أنَّ عمالة الأطفال انتشرت في المجتمع اليمني، وهي للأسف ظاهرة سيئة تقتل الطفولة وتحرمها كافة حقوقها من التعليم وغيره والتي كفلتها القوانين البشرية، ولا يوجد عمالة إيجابية بل كلها سلبية -بحسب إدريس- لكنه يعتقد أن هناك حالة وحيدة يمكن القبول فيها بعمل الطفل وهي أن يساعد والده في المزرعة أو الحقل وذلك (في الإجازات الرسمية من المدارس) فقط.
يذكر إدريس أنَّ هذه الظاهرة سوف تختفي عندما يدرك المجتمع خطورتها على الأطفال وأثرها في تسربهم من التعليم ومغادرتهم مقاعد الدراسة، وهي آثار على الأسرة ثم على المجتمع ككل.
ويقترح حظر عمالة الأطفال بإصدار قرارات من السلطات العليا بالدولة، بمنع العمل لمن هم تحت سن الـ 18 عامًا، شريطة أن تعمل الجهات الحكومية على تحسين وضع المواطن المعيشي أولاً ثم المضي في هكذا قرارات تحمي الطفولة. وترفض عمالة الأطفال؛ لأنَّها تحمَّل الطفل مسؤوليات فوق قدراته وطاقته، والأخطر من ذلك احتكاك الأطفال بالأسواق وابتعادهم عن مدارس التعليم، وهذا قد يكون سبباً في ظهور جيل متخلف فاقد للقيم، وبالتالي يؤدي ذلك إلى انهيار كبير للتعليم في المجتمع.
لا حظر في ظل الأوضاع الراهنة
وتطالب أمل المصلي (رئيسة مؤسسة أمل لرعاية الأيتام والفقراء والأعمال الإنسانية) بالحد من عمالة الأطفال، وتؤكد أنَّه لا توجد عمالة إيجابية للطفل بل سلبية، لأنَّها تسلبه طفولته وبراءته، وعلى الحكومة تحمل مسؤوليتها في رعاية الأطفال وتفعيل الصندوق الاجتماعي لصرف مبالغ إعانة شهرية للأسر التي لا يوجد لديها دخل شهري ثابت، وذلك حتى لا تضطر الأسرة لإرسال أطفالها إلى سوق العمل.
وتنصح المصلي بالعمل من خلال التوعية بمحاربة استغلالهم في ما يخالف فطرتهم، كالتحرش الجسدي، أو إدماجهم مع عصابات تمتهن الشرف أو الشحاذة أو تستخدمهم في بيع الممنوعات، أو تعرضهم لتجار بيع الأعضاء.
من المستحيل اختفاء الظاهرة
بدوره يؤكد علي محسن(صحفي من محافظة الضالع) أنَّ عمالة الأطفال ظاهرة قديمة في اليمن لكنَّها ازدادت مع استمرار الصراع بشكل لافت، وأنَّ عمالة الأطفال بمجملها سلبية لأنَّها انتهاك لحق الطفولة أساساً، كما أنَّ الطفل يظل قاصراً ومن حقه أن يحصل على التعليم والصحة وهذا تتحمله الحكومات في البلدان، لكن في اليمن أصبح الطفل يدفع فاتورة أكبر من الكبار، وإن فرضت الظروف على الطفل أن يعمل فليكن بجوار أحد أقاربه المحبين والمشفقين عليه، ويرى أنَّه من المستحيل أن تختفي ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن والنزاع مستمر هو والأزمات والفقر، مؤكدًا أنَّه يرفض فكرة “عمالة الأطفال” من الأساس حفاظًا على سلامة الجيل القادم.
عامل في بيع البطاط والآيسكريم
وتتحدث سيناء فضل (ربة بيت- من محافظة لحج) عندها طفل عمره عشرة أعوام اضطرت للدفع به للعمل في بيع البطاط والآيسكريم بجوار أحد المساجد القريبة من منزلها، مع أنَّها تتمنى أن يمضي في تعليمه ويتفوق في دراسته، لكن وضع البلاد يجبر الأسر على الدفع بأطفالها للعمالة -حد قولها-.
مضيفة أنَّ العملية تكون أكثر سلبية عندما يعملون في الشوارع وفي مناطق بعيدة عن أماكن سكنهم، وإيجابية عندما تكون بالقرب وتحت رقابة الأهل، وأنه ستختفي “عمالة الأطفال” عندما يتحسن مستوى دخل الأسرة ومع ما سبق فهي تعارض بشدة أن يعمل الطفل في سن مبكرة قبل أن يكمل تعليمه.
الصراعات تغذي الظاهرة
أما أحمد باجعيم (الصحفي الحضرمي) فيؤكد أنَّه لا أحد يريد لابنه أن يعمل لكن الأوضاع الاقتصادية أجبرت الكثير من الأسر على الدفع بأطفالها إلى سوق العمل؛ بسبب غياب معيل الأسرة جراء الصراع والانهيار الاقتصادي، وعن تقييمه لعمالة الأطفال سلباً أو إيجابياً يرى أنه لا يوجد شيء إيجابي في عمالة الأطفال ولكن لظروف الصراع والآثار التي أنتجتها من تردي دخل الفرد وانعدامه أحياناً أجبر الأطفال على ترك مقاعدهم الدراسية والاتجاه للعمل، مشيراً إلى أنَّ العمل المقبول للطفل هو مساعدته على إكمال تعليمة فقط.
ويتفق باجعيم مع من سبقه بالقول أنَّ عمالة الأطفال في اليمن من الصعب الجزم بانتهائها أو اختفائها في بلد يشهد صراعات متعددة كما أنَّه لا يمكن حظر الظاهرة وتجريمها.
ويحذر “باجعيم” من الآثار السلبية لعمل الطفل لما لها من انعكاسات مجتمعية كتفشي الأمية بين الأطفال وتحولهم إلى أدوات يمكن استخدامها في أعمال مناهضة لقيم المجتمع وأمنه واستقراره
عمالة دخيلة
وتوضح الكوتش أثمار خان – عدن أن عمالة الأطفال دخيلة على اليمن، لأنَّ الطفل يظل طفلاً ولا بد أن يعيش مرحلة طفولته بسلام وأمن، أما الأعمال التي يمكن للطفل القيام بها، فتؤكد أنَّه يوجد أعمال نادرة مثل مساعدة الأب في محل للبيع وغيرها من المساعدات سواء في المنزل أو في الخارج لكنها تظل تحت رقابة الأسرة وبوجود أحد أولياء أمر الطفل، وكذلك عندما لا يكون هناك عائل كبير للأسرة، شريطة أن يكون الطفل في سن قادرة على تنفيذ أعمال تليق بسنه وبمستواه كونه طفلاً وهي حالات استثنائية.
وترى خان أنَّ هذه الظاهرة السلبية سوف تختفي عندما يتوقف النزوح، وتستقر الأوضاع أمنيًا واقتصاديًا وتتوفر الأعمال للجميع يمكن عندها محاربة الظاهرة وتجريمها بتشريعات تفرضها السلطات، أما الآن فمن الصعب إجبار الناس على إرجاع أطفالهم إلى المنازل وهم يمرون بظروف بالغة القسوة.
أعمال غير مناسبة
وترى رايات رياض (طالبة جامعية – لحج) أنَّه يوجد أعمال مناسبة للطفل وحسب سنه ولكن في اليمن كل الأعمال ليست مناسبة للأطفال، وعليه فستختفي الظاهرة عندما يتوفر كل شيء للطفل وعندما تتوفر مراكز تهتم بالطفل وتساعده حتى يكبر ويصبح قادر على تحمل المسؤولية.
الظروف تحكم
وتوضح سماح أم محمد أنَّ تدهور التعليم في بلادنا وعدم قدرة الأسر على دفع تكاليف الدراسة دفع الأطفال للعمل ومغادرة مقاعد الدراسة، وتؤكد أنَّ هناك عمالة سلبية عندما يعمل الطفل في أي عمل كي يذهب ويشتري قات ويخزن أو يتناول “الشمة” أو “السيجارة” هنا يكون هدفه الرئيس كيف يشتغل ويحصل على مال,
وتؤكد “سماح” أنَّ الطفل في سن ما قبل العمل ليس له من مكان سوى البيت والمدرسة، لكن الظروف تحكم، وتعترف أن لديها طفلاً يعمل بائعاً في “بقالة” كون أبوه متقاعداً وراتبه ضئيل جداً وكبير في السن ولم يعد قادراً على العمل، أما متى ستختفي الظاهرة فتجيب عندما تتسحن أوضاع البلاد.
عمالة إيجابية
الإعلامي فاروق أحمد سالم العكبري- المكلا- يؤكد في حديثه أنَّ الأطفال هم ضحية ظروف صعبة والبعض منهم نتيجة تفكك الأسرة والبعض الآخر يعمل لغرض تغطية احتياجات أسرته والبعض يعمل لتغطية مصاريف الدراسة أو احتياجاته الخاصة.
ويتفق أنَّ هناك عمالة إيجابية عندما يعمل “الأطفال” في أماكن صالحة للعمل وبإشراف أهاليهم، لكن البعض منهم يتم استغلالهم من قبل آخرين في أعمال محرمة ومشبوهة ويصبحوا ضحية، نتيجة لاستغلال ظروفهم وجهلهم بسبب تفكك الأسرة وغياب رقابة الأهل.
ويقترح العكبري لكي يكون عمل الطفل مقبولاً أن يتم تدريبه منذ الصغر على تحمل المسؤولية والتعرف على الحياة من حوله مثل بيع المكسرات والمقليات في أماكن آمنة، لكن وبالرغم من ذلك فأنَّ الظاهرة لن تختفي إلا بتحسن الظروف الاقتصادية وتكافل المجتمع وتوفير التعليم .
ويذكر “العكبري” أنَّ لديه أطفالاً من أقاربه يعملون مع أهاليهم وتم تدريبهم على العمل في الأكشاك داخل الحارات وهي أعمال خفيفة وغير شاقة حد وصفه.
ولا يمانع العكبري من أن يعمل الأطفال في أوقات الإجازة المدرسية، وأن يعمل الطفل وهو في سن السادسة عشر أو الخامسة عشر، لا في السنوات الأولى من أعمارهم بل بعد أن يصبح واعياً ومدركاً شريطة أن يكون العمل في مكان آمن ومعروف ودون جهد أو مشقه يؤثّران عليه، فالعمل في هذه الحالة – بحسب العكبري يحفظهم من الذهاب إلى أماكن أخرى قد يستغلون فيها في أعمال وأفكار أخرى ضد المجتمع .
رأي أخصائية اجتماعية
وحول الظاهرة وآثارها ومدى تقبل المجتمع اليمني لها أكدت ابتسام محمد(الأخصائية الاجتماعية) أنَّ عمالة الأطفال تعد ظاهرة حديثة على مجتمعنا، وإن كانت موجودة من قبل لكنها لم تكن كما هي عليه الآن، وتشير إلى أنَّها تفشت وبشكل لافت جراء الصراع، والتدهور الاقتصادي الكبير وارتفاع أسعار السلع الأساسية وعجز الدولة عن صرف الرواتب وانتشار البطالة والأعداد الكبيرة لبعض الأسر مما دفع بعض العائلات للدفع بأطفالها إلى سوق العمل لسد احتياجاتها.
وتؤكد ابتسام أنَّ عمالة الأطفال سلبية لأنَّها تجحف بحق الطفل وتؤثر على مستقبله وعلى صحته النفسية والجسمانية، وبالتالي لا يوجد عمل مقبول للأطفال، بل من حق الطفل أن يلعب ويتعلم ويأخذ كل حقوقه من قبل الأسرة والمجتمع.
وتقترح ابتسام قيام الدولة بتوفير كل حقوق الأسرة حتى تتمكن من تلبية احتياجات أطفالها من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم وصحة وأمن وأمان وألعاب للمساعدة في القضاء على هذه الظاهرة.
وترجع ابتسام نزول الكثير من الأطفال إلى سوق العمل إلى الظروف المعيشية لأسرهم التي ينتمون إليها؛ لذا يذهبون للعمل كي يساهموا في سد احتياجات تلك الأسرة، وتؤكد أنَّها شاهدت الكثير من الأطفال يعملون في مهن حرفية كبيرة عليهم وعلى أعمارهم كالنجارة والحدادة وبيع السمك أو القات أو الخضار وغيرها.
ولذلك هي ترفض من حيث المبدأ عمالة الأطفال بعدِّها أم قبل أن تكون أخصائية اجتماعية، وذلك لأنَّ “العمالة” تقضي على مستقبلهم ويكتسب الطفل أحياناً ألفاظاً مخلة وخارجة ناهيك عن تعرضه للتحرش الجنسي وربما وقع بعض الأطفال صيداً لتجار الأعضاء والاتجار بالبشر.
انتهاكات وتحرشات
وترى سلمى نهشل (ناشطة حقوقية من محافظة ذمار) أنَّ عمالة الأطفال ظاهرة سلبية لا شك في ذلك، لكنَّها لا تمانع في أن يعمل الطفل الذي تجاوز عمره الخامسة عشر لوقت محدد وفي عمل بسيط بجانب ولي الأمر شريطة ألا يتعارض العمل مع وقت التعليم والدراسة.
وتعتقد أنَّ هذه الظاهرة سوف تختفي عندما تتطور المنظومة التعليمية ويزداد دخل الفرد وتقل البطالة وتدفع الدولة مبالغ شهرية كافية لمساعدة الفقراء، وترفض “نهشل” عمالة الأطفال كونها تحرم الطفل من التعليم وتعرضه لانتهاكات وتحرشات عديدة.
مسؤولية مجتمعية وحقوقية
وترى عديلة محمد (مدربة وموجهه تربوية) أنَّ عمالة الأطفال انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة وهي ظاهرة مؤذية –حد وصفها- وتحمل الطفل فوق طاقته والمفترض أن يكون في مقاعد الدراسة، مؤكدة أنَّ العمالة للأطفال سلبية “بكل أشكالها”، وقد تكون إيجابية إذا كانت مهنة شريفة ولا تؤثر على دراسته وتمكن الطفل من اكتساب مهنة للمستقبل ويأخذ قسطه من اللعب وتحت إشراف الأهل، وكذلك إذا كان العمل خفيفاً وغير مرهق ولا يؤذي جسمه أو يشوش عقله، كتجارة المخدرات أو أي شيء من الممنوعات الحسية والفكرية. ووفقاً لـ عديلة ستختفي عمالة الأطفال عندما يكون مجتمعنا مهتماً بالعلم ويرنو للتطور والحقوق متساوية وتوجد عدالة اجتماعية، ومنظمات تدعم حقوق الطفل، وترفض عديلة أن يعمل الطفل وهو لا يزال دون الثانية عشر، ولكن إن كبر قليلاً لا ضرر أن يعمل وفق آليات، لا تتعارض مع تعليمه وحاجاته، ويكون ذلك باهتمام الأسرة ورعايتها، واكتساب مهارات تفيده مستقبلاً، وتلبي رغبات ذاتية لديه.
29% يرون أن الحل لظاهرة عمالة الأطفال هي فرض عقوبات على أهاليهم ومستأجريهم للعمل
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت صحيفة “صوت الأمل”، في النصف الأول من شهر أغسطس للع…