‫الرئيسية‬ تقارير وتحقيقات العمال المتاجر بهم.. هروب من الفقر إلى التهريب والاستعباد

العمال المتاجر بهم.. هروب من الفقر إلى التهريب والاستعباد

صوت الأمل – حنين الوحش

منذ القدم حتى الحاضر وظاهرة الاتجار بالبشر، لا سيما المتاجرة بالعمال، في تنامٍ مستمرٍ إلى درجة أنها صارت آفة مجتمعية. وهي من أبرز الآفات التي يتعرض لها العالم بشكل عام والبلدان النامية بشكل خاص في الآونة الأخيرة، وبطرق مختلفة.

تعيش اليمن أوضاعًا سيئةً من الفقر والجهل والتشتت المجتمعي، فتصدع أساسها وباتت لقمة العيش وطرق توفيرها همًّا عظيمًا لكل معيل أسرة؛ فيجد نفسه مجبرًا على اتخاذ طرق رديئة والبحث عن أعمال بطرق غير شرعية قد تكون قسرية مقابل الحصول على فرصة للعيش.

تقارير محلية

في تقرير للمؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر للعام 2012، بين فيه مفهوم الاتجار بالعمال حين يتم تحويل عقد العمل الخاص بهم إلى عقد استعباد. وبيّن الخطورة التي يواجهونها أثناء تهريبهم والاتجار بهم والأسباب والدوافع التي تجعلهم يقدمون على هذه المخاطرة التي تهضم حقوقهم إلى أقصى حد ممكن.

وكشف التقرير أيضًا، أن هناك نسبًا كبيرة من الرجال والنساء والأطفال ممن يتم تهريبهم لأغراض العمل، وأن ظاهرة التهريب إلى دول الجوار قد تفاقمت. وأرجع التقرير السبب إلى ازدياد الفقر وسوء المعيشة، بالإضافة إلى موجات الغلاء وارتفاع الأسعار التي تشهدها اليمن، وقد أخذت بالاتساع والانتشار، وألقت بسلبياتها على مختلف مناحي الحياة؛ إذ ألحقت الأضرار بالعديد من الفئات والشرائح الاجتماعية، وأصبحت مشكلة اجتماعية واقتصادية مزمنة ذات أولوية أمام الدولة والمجتمع.

يؤكد التقرير أن هناك أماكن تشكل مناطق استقبال غير قانونية لهؤلاء العمال الذين يعانون الكثير من أضرار ومخاطر التهريب، وأن بعضهم يتعرض للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي الذي يتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية التي تضمنتها المواثيق والعهود الدولية، مثل: التعذيب والضرب والإساءة أثناء التسلل والحبس عند القبض عليهم. وقد يتعرض كثير من النساء والأطفال المهربين للتحرش الجنسي من المهربين أنفسهم أو من قطاع الطرق، أو يتعرضون للإجهاد البدني والتأزم النفسي والخوف والقلق من الإمساك بهم أثناء التهريب، إضافة إلى عدم الحصول على الاحتياجات الأساسية بشكل كافٍ مثل الطعام والدواء، أو يتم نهبهم أو سرقة ممتلكاتهم من قبل قطاع الطرق، أو مصادرة وإتلاف بضائعهم.

إن من أسباب نمو ظاهرة التهريب تأخر الاعتراف بالظاهرة من قبل الدولة والمجتمع، والقصور الشديد في دور أجهزة الإعلام فيما يخص التوعية بالظاهرة وتأثيراتها السلبية على الأسرة والمجتمع، وضعف وعي الأسر بالمخاطر، وانتشار الأمية بين أفراد الأسرة، وعدم معرفة البعض بسن العمل القانونية، ومحدودية إمكانية المنافذ لدى الأجهزة الحدودية وضعف المراقبة للحدود لاتساعها ووجود مهربين محترفين، بالإضافة إلى ارتفاع أعداد أفراد الأسرة، هذا ما وضحه التقرير أيضًا.

بحوث دولية

أوضح بحث قانوني حول جريمة الاتجار بالبشر في الأحكام والتشريعات الدولية للعام 2020 أن منظمة العمل الدولية اهتمت بموضوع (السخرة والعمل القسري أو الخدمة القسرية) على اعتبار أنها شبيه بالرق، حيث عُرفت الخدمة القسرية بأنها الخدمات التي تُفرض عنوة على أي شخص تحت التهديد بأي عقاب، ولا يكون هذا الشخص قد تطوع بأدائها بمحض اختياره، ويستثنى من ذلك الخدمة العسكرية الإلزامية.

وأضاف البحث ذاته أن ظاهرة العمل القسري هي ذات طابع عالمي، ولا توجد دولة بمنأى عنها؛ ولذلك عُنيت التشريعات الدولية بمحاربة هذه الظاهرة، ومواجهتها من خلال حث الدول على تجريم العمل القسري والمعاقبة عليه بعقوبة جنائية. كما أن تحديد العمل القسري يتم من خلال الرجوع إلى طبيعة العلاقة بين العامل ورب العمل، وليس من خلال الرجوع إلى مشروعية العمل المؤدى؛ حيث إن طوعية العمل أو قيام العامل بالعمل بإرادته هو المعول عليه؛ فلا يشترط لإسباغ وصف العمل القسري على نشاط معين، أن يكون النشاط متوافقًاً مع القوانين الوطنية. وبصرف النظر، أكان النشاط مشروعًاً أم لا؛ فإن ذلك لا يؤثر على كينونة العمل القسري المرتبطة بحرية العامل في العمل وليس بنوعية أو مشروعية العمل الذي يقوم به.

العمالة الوافدة ضحايا الخطر والاستغلال

يتعرض العمال الوافدين للكثير من المعاملة القاسية، ولا يحصلون على الحدود الدنيا من حقوقهم، فضلا عن استعبادهم أو منعهم من العودة إلى أوطانهم في حال عدم رغبتهم في الاستمرار في العمل. وتشير الإحصائيات الخاصة بالمنظمة الدولية للهجرة للعام 2014  إلى أن أكثر من 80.000 مهاجر ولاجئ من القرن الأفريقي قد وصلوا إلى شواطئ اليمن، ووصلت أرقام الوفيات في البحر إلى معدلات عالية. ووفاة المهاجرين أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان مشكلة متنامية؛ ففي كل عام يشرع آلاف المهاجرين العالقين بالخوض في رحلة خطرة من مواطنهم في القرن الأفريقي عبر الصومال وجيبوتي عابرين خليج عدن والبحر الأحمر وصولا إلى اليمن.


 وأكد التقرير أن من أسباب وفود العمال وتحملهم الأعباء الشاقة هي الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية، كالتأثير على الثقافة والوظائف. وفي ذات السياق أكد المحلل السياسي عبد الوهاب سيف (محافظة إب) أن الاتجار بالعمال واستغلالهم أمر خطير وحساس في نفس الوقت، وأن اليمن تواجه مشكلة في إيجاد حلول في الوقت الحالي بسبب الصراع وتبعاته وتردي الوضع الأمني غير المستقر وتزايد هذا النوع من الاتجار.

لافتًا أن المشكلة تكمن في نقص الوعي الحقوقي وضعف الثقافة الحقوقية ما أدى إلى ظهور الثقافة المغلوطة في بلادنا وفي بعض البلاد التي يتاجر الأشخاص إليهم بنية العمل، مؤكدًا على ضرورة عمل برنامج توعوي تثقيفي يتم تفعيله يهدف إلى توعية المجتمع بالمخاطر، خصوصًا الأسر التي تتاجر بأبنائها، إضافة إلى تفعيل الرقابة وتفعيل دور الجهاز الأمني للتصدي لهذا النوع من الجرائم والتجاوزات.

من الناحية القانونية

في إطار قانوني يقول المحامي عدنان مدهش (محافظة تعز) إن الاتجار بالبشر هو أحد القضايا التي بات العالم يلتفت إلى أضرارها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، كاستغلال الفقراء وجرهم إلى مبدأ العمل بدون مقابل، وتقييد حريتهم وعدم دفع الأجور الخاصة بهم. وموضحًا على ضرورة أن يكون القانون هو الحاكم الأول الذي يضمن للضحايا عدم معاودة إيذائهم، وعلى ضرورة عمل لوائح جديدة تحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال بما في ذلك إكراهه أو تهديده أو الاحتيال عليه أو خداعه أو خطفه أو استغلال الوظيفة أو النفوذ أو إساءة استعمال سلطة ما عليه أو استغلال ضعفه أو من أجل العمل أو الخدمة قسرًا أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، وعلى القانون كذلك تقييم عقوبات صارمة.

خطر في الداخل والخارج

الناشط المجتمعي سعيد أحمد (محافظة إب) يقول: “ازدادت عملية الاتجار في العمال ازدياداً هائلا في الوضع الحالي، مع العلم أنها تعتبر مشكلة منذ القدم”. ويضيف أن ما جعل هذه الظاهرة تتفشى هو ازدياد الفقر والمجاعة والوضع غير المستقر في البلاد الذي خلّف معاناة للأشخاص فوق معاناتهم، حتى باتت الطرق الأخرى التي سيسلكونها هي المفر الوحيد دون عمل حساب للعواقب؛ فقد يعاني المتُاجَر بهم من العاملين من تدني الأجور، أو التأخر في دفعها أو عدم دفعها، وتكبد تكاليف إضافية لا مبرر لها. وكثيرًا ما يُجبر العمال ذوو المهارات المتدنية على العمل في ظروف سيئة لساعات طويلة، ودون أي تعويض عن العمل الإضافي، وقد يحرمون من العطل والإجازات، أو يتعرضون للاعتداء البدني والجنسي، وقد يرغمون على العمل في وظائف ليست من اختيارهم.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد

صوت الأمل – هبة محمد  يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…