لماذا توقفت الأعمال الأثرية العلمية في اليمن؟
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
يعرف علم الآثار أو الأركيولوجيا (Archaeology) بأنَّه علم يختص بدراسة البقايا المادية التي خلفها الإنسان، ويبدأ تاريخ دراسة علم الآثار ببداية صُنع الإنسان لأدواته (القواطع والأدوات القاطعة)، وهو علم يدرس فيه حياة الشعوب القديمة، وتشمل تلك المخلفات أشياء مثل: المباني والعمائر، والقطع الفنية، والأدوات، والفخار، والعظام.
كما يعد دراسة علمية لمخلّفات الحضارة الإنسانية القديمة، ويكشف جوانب كثيرة من حياة القدماء، وما يكشف أوجه الشبه بين حياة أولئك الشعوب وحياتنا كتاب “منهج البحث الأثري والتاريخي” للكاتب كامل حيدر فقد عرف علم الأثار بأنَّه(دراسة ماضي الأنسان ومخلفاته المادية والأثرية).
التنقيب عن الآثار
يقصد بالتنقيب عن الآثار جميع أعمال الحفر والسبر والتحري؛ بهدف العثور على الآثار منقولة كانت أو ثابتة في باطن الأرض أو مجاري المياه والأنهار أو المياه الإقليمية، ولا يعد مجرد العثور على أثر أو آثار دون ذلك تنقيب، وبحسب المادة 24 من قانون الآثار فإنَّ الهيئة العامة للآثار والمتاحف هي الجهة الوحيدة التي لها الحق في القيام بأعمال التنقيب أو الحفر، ولها أن تسمح للهيئات والجمعيات العلمية والبعثات الأثرية بالقيام بالتنقيب عن الأثار بترخيص خاص وفقاً لأحكام قانون الأثار، ويحظر على أية جهة أو أي فرد التنقيب عن الآثار إلاَّ بترخيص من السلطة الأثرية حتى ولو كانت الأرض مملوكة لفرد أو جهة.
وتنص المادة 25 من قانون الآثار، أنَّه لا تمنح التراخيص للهيئات والجمعيات والبعثات الأثرية والأفراد إلاَّ بعد التأكد من مقدرتهم وكفاءتهم من الناحيتين العلمية والمادية، وللسلطة الأثرية أن تشترط وجود عناصر فنية معينة في من يقوم بإجراء الحفريات وينبغي عمومًا أن يتضمن كل ترخيص تمنحه السلطة الأثرية على الآتي: صفة هذا التنقيب والبعثة المرخصة له، خدماتها السابقة في هذا الميدان داخل الدولة والدول الأخرى، المواقع الأثرية التي تنقب فيها مصحوبة بخرائط، برنامج التنقيب ومواعيده، أية شروط أخرى ترى السلطة الأثرية إثباتها .
أهداف التنقيب عن الآثار
(كتاب مناهج البحث الأثري والتاريخي للباحث كامل حيدر) أوجز الأهداف الرئيسة للتنقيب عن الآثار بـ إنقاذ الآثار، حيث إنه يجري التنقيب لإنقاذ الآثار المعرضة للهدم عند إقامة المشاريع الضخمة كفتح الطرقات والقنوات وتشييد الدور أو الآثار المعرضة للغرق عند بناء الري كالسدود والبحيرات الصناعية وغيرها من المشاريع الأخرى؛ لاستجلاء مظاهر حضارية.
وضمن الدراسة يوضح الباحث كامل حيدر أنَّ الهدف من التنقيب عن الآثار، استيضاح قضايا مبهمة، ترد في بعض الأحيان معلومات معينة في كتب التاريخ أو على رقم طينية أو على نصب تذكارية، تتحدث عن وجود آثار معينة غير مكتشفة، فيجري البحث عنها؛ لحل مشكلة معينة، في بعض الأحيان يجد الباحث عن الآثار أو التاريخ ثغرات في مسيرة حضارية معينة أو حلقة مفقودة في حلقات التاريخ؛ مما يستدعي الحصول على معلومات جديدة، لسد تلك الثغرات فيجري البحث عن الآثار التي يمكن أن تبين العصر المجهول.
مضيفًا أن التنقيبات تجري أحيانًا لتدريب طلاب الآثار لاكتساب الخبرات والمهارات اللّازمة في عملية الحفر؛ لتهيئتهم مستقبلاً للقيام بحفريات علمية في مواقع مختلفة.
المسح الأثري
لقد تناولت كتب التاريخ وغيرها من المصادر التاريخية العديد من التعريفات للمسح الأثري، منها (كتاب المسح الأثري للمؤلف جمعة الطلبي) والذي تناول تعريفات عديدة للمسح الأثري منها :أنه ارتياد المواقع القديمة التي بقيت آثار الإنسان على سطحها؛ لاختيار الموقع التي يمكن إجراء الحفريات فيه، وغالبًا ما تكون هذه الآثار قد تأثرت بكثير من العوامل المختلفة على السطح والخطوط الكنتورية، وتغيرات الطقس وتطور الزراعة، وتوسع المستوطنات السكنية، وما فرضته الأعمال التحصينية لهذه المستوطنات.
وتناول الكاتب جمعة جملة من الأمور التي يجب على الباحث الأثري التركيز عليها، منها تركيز عمله على منطقة محددة، في هذه الحالة فإنه من المؤكد أن يهتم بمظاهر دون الأخرى، أما إذا كان مضطرًا لدراسة منطقة غير معروفة بشكل غير كافي، فيصبح من الضروري القيام بمسح أثري عام؛ غايته الحصول على جرد لأعداد كبيرة من المواقع.
مضيفًا أنَّه على الباحث تركيز اهتمامه على المخلفات المادية التي تظهر على السطح، مثل العناصر المعمارية القديمة كالأسس أو الجدران أو الأبنية الكاملة، مثل الأبنية الدينية والمدنية والتجارية، وغيرها مماعرفته عمائر الحضارات القديمة.
ويردف المؤلف الطلبي أنه يمكن للباحث الأثري الذي يقوم بالإشراف على مشروع بحث أن يتابع دراسة مدة تاريخية محددة؛ لتبيين الكيفية التي كانت تتوزع وفقها المجموعات البشرية، ومثل هذا البحث سيساعد غالبًا على عملية اختيار موقع أثري محدد، ويجعله مؤهلًا؛ لتقديم الإجابة الصحيحة على المشكلات التي تطرح أمامه للشروع بعملية حفر منهجي.
مؤكدًا أنه يمكنه أيضًا القيام بدراسة نوع محدد من المستوطنات؛ مواقع المخيمات والملاجئ والقرى المحصنة من العصر البرونزي والمدن المسورة العائدة للألف الثالث قبل الميلاد، وأماكن التزود بالماء في الصحراء …إلخ.
التوثيق الأثري
صنفت صفحة عالم ترميم الأثار أنواع التوثيق الأثري على النحو التالي: أولًا التوثيق الفوتوغرافي، يتم استخدام الكاميرا في عملية التوثيق، ويجب أن تتميز اللقطات المأخوذة بالدقة العالية لإظهار جميع تفاصيل الأثر مع التركيز على أماكن التلف وذلك للرجوع إليها وقت المقارنات بين ماهو تالف وما هو بحالة فنية جيدة…إلخ.
ثانيًا التوثيق المساحي والهندسي، يتضمن قياسات للعنصر الأثري لمعرفة مساحة الكتلة ومساحة سطح الأثر ويتم استخدام الأجهزة المساحية المختلفة في عمليات الرفع -خصوصًا- عند الرفع المعماري باستخدام الأجهزة المساحية مثل: جهاز التديوليت، وجهاز الأوتار ستيشن وغيرها، من الأجهزة المساعدة بواسطة فني المساحة.
ثالثًا التوثيق الوصفي، ويتم فيه تسجيل شكل الأثر كتابةً وتحديد ماهيته إذا كان تمثالاً أو قطعة حلي أو مخطوطة مع ضرورة كتابة معلومات كافية عن الحالة الفنية وإلى أي المدارس ينتمي وأي فترة تاريخية وكتابة اسم الصانع إن وجد على سطح الأثر، كما يتوجب رفع قياساته بكل دقة وذكر نوعية المادة بكل تفاصيلها والتي تم تنفيذه منها.
رابعًا التوثيق السينمائي، كثيرًا ما يتم اللجوء في الوقت الراهن إلى الأفلام السينمائية أو التسجيلية القديمة؛ للحصول على معلومات فنية لا يوجد لها تأصيل تاريخي أو غير موثقة بشكل دقيق؛ لذا يتوجب تنفيذ عملية توثيق سينمائي أو بالفيديو بشكل دقيق وفي جو مناسب من الإضاءة الكافية لإيضاح التفاصيل الفنية والمعمارية للأثر وكذلك الدرجات اللونية للعناصر الفنية مع التركيز أيضًا على أماكن التلف داخليًا وخارجيًا للمنشأة.
الترميم الأثري
عرفت منصة فيدو الترميم الأثري أنَّ ترميم الآثار هى عملية تقنية فنية دقيقة ومتخصصة للغاية يتم من خلالها الحفاظ على الإرث التاريخى والثقافى، من خلال إعادة المواد الأثرية إلى حالتها الأقرب إلى طبيعتها بهدف إطالة عمر الأثر والحفاظ عليه، كما يسمى الشخص الذي يقوم بعملية الترميم (المُرَمِّم) هو شخص مختص ومسؤول عن عمليّة ترميم التحف الثقافيّة والفنيّة
مبادئ عملية الترميم
حسب موقع فيدو إنَّ الأساس المنهجي المتبع خلال عملية ترميم الآثار، هو الممارسة الأثرية لإعادة تجميع أجزاء من الآثار القديم سقطت أو تآكلت خلال استخدام مواد البناء الأصلية؛ ولتحقيق ذلك تأتي الخطوة التالية على التوثيق وهي تطبيق مبادئ الترميم قبل البدء بخطواته الفعلية، وذلك بموجب الميثاق الدولي للحفاظ على الآثار وترميمها، وذكر في المادة التي تناولت هذا الموضوع أنَّ هناك مجموعة من المبادئ التي يتم استخدامها في عمليات الترميم وهي الانعكاس والاحترام والعناية المناسبة وتفكيك وإزالة الصدأ والحفاظ على السطح.
أسباب توقف الأعمال الأثرية في اليمن
علي مغربي الأهدل (نائب مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمحافظة الحديدة)، يذكر في مقابلة أجرتها «صوت الأمل» معه أنَّ التوجهات نحو الأعمال الأثرية هي توجهات محدودة، وما تم كشفه خلال التنقيبات الأثرية التي تمت في اليمن لا يساوي 30% مما تزخر به اليمن من إرث إنساني ومخلفات حضارية، وإنَّ الكثير من مناطق اليمن لا زالت بكراً ولم يتم الكشف عما تكتنزه من آثار.
ويضيف الأهدل أنه مع الأوضاع التي تشهدها اليمن منذ ثمانية أعوام والمتمثلة في الصراع، تأثرت الأعمال الأثرية تأثرًا كبيرًا وتوقفت، بل إن الكثير من المعالم الأثرية تم تدميرها وقصفها وأخرى تم هدمها، وتم العبث بالكثير من المواقع الأثرية وهذا أمر في غاية الأهمية ويحتاج إلى توجهات جادة للحفاظ على ما تبقى من آثار حفاظًا على الهوية والتاريخ.
فيما يرى أحمد صالح (رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية) أن أسباب توقف الأعمال الأثرية في اليمن يعود إلى عدة أسباب أهمها توقف البعثات الأجنبية في اليمن جراء النزاع؛ مما أدى إلى توقف تلك البعثات االموسمية والدعم الأجنبي للتنقيب عن المواقع الأثرية والبحث عن الحضارة وفك رموزها والتعرف على الإرث الحضاري المادي الذي خلفه لنا الأجداد.
يرى صالح أنَّ الخبراء الأجانب لهم دور كبير في التنقيب عن الآثار بالطرق العلمية بالتنسيق مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن فبسبب الصراع؛ أصبح الأجانب لا يستطيعون حماية أنفسهم ولعدم قدرة الدولة على حمايتهم؛ أدى إلى توقف أعمال التنقيب في اليمن.
مشيرًا إلى أسباب أخرى وراء توقف الأعمال الأثرية في اليمن بقوله: “عدم قدرة الدولة على حماية تلك الآثار بعد التنقيب عنها وحماية المواقع الأثرية، إضافة إلى أنَّ الكشف عن المواقع الأثرية أدى إلى لفت أنظار مهربي الآثار؛ وبسبب النزاع وضعف الدولة أصبح تجار الآثار والمهربين يبحثون ويعبثون بالمواقع الأثرية؛ لذلك بقاء الآثار في موقعها وتحت الأنقاض محفوظة أفضل من إخراجها”.
ويضيف أحمد صالح(رئيس مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية) أنَّ هناك أسباباً أخرى لتوقف الأعمال الأثرية مثل: ضعف التوعية لدى المواطن نفسه عن أهمية حماية الآثار والحفاظ على الممتلكات والمواقع الأثرية في ظل ضعف الدولة.
مؤكدًا أنَّ الصراع جعل المواطن اليمني يفكر في لقمة العيش وبيع تلك الممتلكات ونبشها، وقلة الوعي والبحث عن لقمة العيش هذه أسباب جعلته لايهتم بالآثار والمواقع الأثرية، وإنَّ من الأسباب عدم اهتمام الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية بالأثار اليمنية في ظل النزاع، مع تخوف كبير من قبل الهيئة العامة من ضياع كثير من تاريخ وتراث اليمن ذات الحضارة العريقة، ناهيك عن عدم وجود دعوات رسمية ولا محلية تناشد من أجل الحفاظ على الآثار والموروث الحضاري، حيث إن كل الدعوات باتت محلية ولم ترقى إلى مستوى العالمية.
استطلاع لـ YIC: 75 % من الآثار اليمنية لا تتمتع بالحماية الكافية
صوت الأمل كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر مايو 2022م حول (ا…