الإعلام اليمني بين سندان السياسة ومطرقة الصراع
صوت الأمل – رجاء مكرد
“في يدي جهاز واحد (الريموت)، أتصفح القنوات التلفزيونية لمشاهدة تفاصيل إحدى الحوادث، فإذا بي أجد في كل قناة من القنوات قصة خبرية مختلفة عن الأخرى”، كانت هذه شهادة (المواطن عيسى إبراهيم) حول واقع الإعلام اليمني في زمن الصراع.
ويضيف إبراهيم، أنه مع استمرار الصراع يزداد التزييف الإعلامي للحقائق، مشيرًا إلى عدم رغبته في متابعة البرامج الإخبارية المحلية والدولية وبكافة الوسائل المرئية والمقرؤة والمسموعة؛ كونها أصبحت أبواق لأطراف النزاع، وتدعو للكراهية أكثر منها للسلام.
يعيش المواطن اليمني اليوم وسط غابة من وسائل الإعلام _خاصة_ الإعلام الجديد بتطبيقاته المختلفة، الأمر الذي أدى إلى خلط أوراق الحق بالباطل وإثارة أطراف الصراع، وبالتالي إضاعة بوصلة التوصل إلى حل سلمي، يرضي الأطراف المتنازعة، ويساهم في إحلال السلام.
قولبة الإعلام جغرافيًا
مع استمرار الصراع لعامه السابع على التوالي، وبروز إحدى تداعياته المتمثلة بـ «المناطقية» (الانقسامات الجغرافية)، نشأت وسائل إعلام موزعة جغرافيًا بين مختلف المحافظات اليمنية، تختلف انتماءتها السياسية باختلاف حدود أطراف الصراع.
وتبعًا لذلك، القائمون بالرسالة الإعلامية إلى جانب المواطنين باتوا ضحايا، فبعض الإعلامين أصبحوا مُخيرين بين أن يكونوا ضمن إحدى وسائل الإعلام الناطقة باسم طرف من أطراف الصراع أو شغر مهنة أخرى بعيدة عن تخصصهم الإعلامي.
كما أن الحدود الجغرافية المحلية التي فرضها الصراع، حالت دون وصول الكثير من الإعلاميين إلى مناطق بعض الأحداث، الأمر الذي أدى إلى ضعف التغطية الإعلامية وضيقها الشديد، بل عدم صدور التقارير الإعلامية المتوازنة والمستقلة، والمساهمة بدلًا من ذلك في نشوء خطاب إعلامي مثير للصراع.
العديد من الإعلاميون يبدون أسفهم حول إنعدام الرقابة على وسائل الإعلام، واستمرار الصراع وأيضًا التقييد المكاني، مؤكدين بأن الفضاء الإعلامي تأثر سلبًا في مضامينه بفعل النزاع.
(الصُحفي: صدام الحريبي) يقول، أن تسييس الإعلام أثر بشكل كبير ومبالغ فيه على الإعلاميين، حيث أن الإعلامي مُطالب بالإلتزام بممارسة أمور معينة تتوافق مع سياسية الجهة التي تمتلك الوسيلة الإعلامية، والتالي قد يتخلى الإعلامي عن المهنية حتى يتوافق مع مسار الجهة التي يعمل فيها، وهذا يؤثر على نفسية الإعلامي وعلى أدائه وإبداعه.
ويؤكد الصُحفي الحريبي، أن هناك الكثير من الصحفيين رفضوا العمل على هذا النحو، وفضلوا أن يتركوا تلك الوظائف، وقد عانوا كثيرًا بسبب عدم الحصول على البدائل، فمعظم وسائل الإعلام _إن لم تكن كلها_ مسيسية ولها أهداف وأبعاد، ربما تحول دون التوصل لحل سلمي.
أرقــــــــــــام
وفقًا لـ دراسة مسحية «المشهد الإعلامي اليمني كما في نهاية العام 2017» أعدها مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي، تبين أن:
عدد القنوات الفضائية اليمنية الحكومية والخاصة والحزبية 22 قناة حتى نهاية العام 2017م، منها 14 قناة تبث من خارج الأراضي اليمنية، وثمان قنوات تبث من داخل اليمن وهي قنوات حكومية.
وفي سياق الدراسة، تبين أن وسائل الإعلام النشطة حتى نهاية العام 2017م وصلت إلى 258 وسيلة إعلامية، مانسبتة 68% مواقع اخبارية، و 14% إذاعات محلية، و 8% مطبوعات (صحف)، و8% قنوات فضائية.
وتؤكد دراسة «المشهد الإعلامي اليمني كما في نهاية العام 2017»، على وجود 37 إذاعة محلية تعمل في اليمن، منها تسع إذاعات تتبع السلطات الحكومية، و28 إذاعة تتبع جهات ومؤسسات خاصة، خمسة منها أعيد تشغيلها بعد توقفها في نهاية العام 2014، في حين أن 21 إذاعة محلية تم افتتاحها بعد أحداث سبتمبر من العام 2014م.
مضيفة، أن البث الإذاعي توزع على ثمان محافظات يمنية، تمثلت محافظة حضرموت وصنعاء أكثر الأماكن تتواجد الإذاعات المحلية بنسبة 70% فيهما توزعت بقية الإذاعات مابين محافظة إب وتعز والجوف ومأرب والحديدة وعدن.
فيما شهدت المواقع الاخبارية الإلكترونية انتشارً واسعًا مقارنة بالوسائل الإعلامية الأخرى منذ مطلع 2015، فقد أشارت الدراسة إلى وجود 177 موقع اخباري، منها 34% تم انشائها خلال الفترة من 2015 حتى 2017م.
وفي المقارنة بعدد الوسائل الإعلامية قبل 2015م، فوفقًا لـ (المركز الوطني للمعلومات)، فقد كان اليمن يتمتع بحوالي 295 مطبوعة، وأربع قنوات تلفزيونية رسمية مملوكة للدولة، وأربعة عشر قناة تلفزيونية مملوكة للقطاع الخاص.
وأنه منذ عام 2015، يهيمن التلفزيون والراديو على المشهد الإعلامي، على الرغم من أن حوالي سبعة ملايين يمني لديهم الآن إمكانية الوصول إلى الإنترنت، إلا أن توفر المحتوى والوصول إلى الشبكة محدودة للغاية.
وتظل هذه الأرقام المذكورة خاصة بـ الإعلام التقليدي، أما الإعلام الجديد (التواصل الاجتماعي) فقد ساهمت التطبيقات والأدوات التقنية على انتشاره أكثر كصفحات الفايسبوك وتويتر ووتساب وغيرها.
أضرار الصراع على البنية التحتية للإعلام
أكد تقرير «تعريض الإعلام للخطر، الهجمات على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في اليمن» أنه بين عامي 2014 و2021، نفذت أطراف الصراع 25 هجوماً مباشراً مدمراً على البنية التحتية الإعلامية في اليمن، من أصل 138 هجوماً موثقاً أثر على البنية التحتية الإعلامية.
وأوضح التقرير الصادر عن مشروع بيانات مشروع الأرشيف اليمني، أن الهجمات المباشرة على البنية التحتية الإعلامية هي: 10 هجمات على وكالات أنباء تلفزيونية، و12 على مرافق إذاعية، وهجمة واحدة على مكتب صحيفة محلية، وهجمة واحدة على سيارة صحفية، وهجمة واحدة على مبنى وزارة الإعلام.
في المقابل من بين 25 هجمة على البنية التحتية لوسائل الإعلام، أسفرت 6 هجمات عن وقوع إصابات، حسب مشروع الأرشيف اليمني، وهو أحد مشاريع نيمونيك وهي منظمة غير ربحيّة مُكرّسة لأرشفة المواد الرقمية.
كانت وسائل الإعلام قضية رئيسية تنازع أطراف الصراع بشأنها، وقعت غالبية الهجمات على وسائل الإعلام المدرجة في قاعدة البيانات في صنعاء – موطن العديد من وسائل الاعلام الحكومية والمستقلة.
ووفقاً لتقرير مشروع اليمن، فإن الهجمات الموثقة ضد البنية التحتية لوسائل الإعلام، والتي تشمل الهياكل المادية المستخدمة والمخصصة لدعم الأنشطة الصحفية، مثل دور الإعلام ومحطات البث التلفزيوني والإذاعي والمعدات ذات الصلة منها الهوائيات.
وأشار التقرير إلى أن العديد من الهجمات الموثقة في اليمن وقعت في مناطق ذات أهمية استراتيجية، حيث تمت على البنية التحتية الإعلامية في صنعاء، تليها تعز والحديدة، ومأرب وعدن.
وبحسب المشروع، يتضح في وقت مبكر من عام 2015، عبّر ممثلو الأطراف الرئيسية في النزاع في اليمن عن نية لاستهداف وسائل الإعلام التي يعتبرونها موالية للخصم. منذ ذلك الحين، استمرت بعض سلوكيات هذه الأطراف في الإشارة إلى نيتها استهداف الإعلام اليمني.
يتمتع الصحفيون والبنية التحتية الإعلامية بالحماية بموجب القوانين الدولية للنزاع المسلح باعتبارهم مدنيين وأعيانًا مدنية، إلا أن أطراف النزاع في اليمن يرتكبون ويبررون العنف ضد وسائل الإعلام.
يحتفظ الصحفيون بهذه الحماية شريطة «ألا يتخذوا أي إجراء يؤثر سلباً على وضعهم كمدنيين» البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقيات جنيف، المادة 79، وبالمثل تحتفظ البنية التحتية الإعلامية بهذه الحماية شريطة ألا تصبح « عسكرية « شرعية « الأهداف، المادة 52.
كيف يتم استغلال وسائل الإعلام في الصراع؟
«لا شك أن وسائل الإعلام الجديدة (وسائل التواصل الاجتماعي) فتحت الباب على مصراعية أمام الجميع، وكان لها مساهمة سلبية في النزاع باليمن، لا تبدأ هذه المساهمة من نشر الشائعات والأكاذيب، ولا تنتهي بتميع العمل الإعلامي والصحفي، كما أثارت البلبلة بين تركيبة المجتمع وخلقت فضاء مختلفًا عن الحقيقة في أرض الواقع»، وفقًا لـ (الصُحفي فهد سلطان).
ويردف سلطان، أن الإعلام التقليدي بات على الهامش، أو تأثيره محدود مقارنة بوسائل الإعلام الجديدة، والتأثير السلبي جاء من خلال استنساخ كثير من وسائل الإعلام وخاصة التقليدية وبات كل تيار وجهة تملك إعلام جديد وتنشر وفق اجندتها على حساب الموضوعية والمهنية
مضيفًا، أن التطور الجديد في وسائل التواصل الاجتماعي عبر ما يعرف «الذباب الإلكتروني، حسابات يقف أشخاص خلفها تنفذ أجندة معينة»، كان لها أثر سلبيًا في الترويج للشائعات وتوجيه الرأي العام نحو أجندات لاعلاقة لها بالسلام، بما يعني أن الإعلام الذي اتسم بالموضوعية والمهنية لم يعد يلقى رواج؛ بسبب أن هذا الإعلام اعتمد على الشائعات والعناوانين الصفراء ومحاولة جذب الناس خلف هذه العناوين.
من جانبه (الدكتور عبدالله التميمي أكاديمي وخبير الإعلام والاتصال)، يقول لـ «صوت الأمل» : «يجب أن نؤكد أولاً أنّ الإعلام بكل وسائله التقليدية والحديثة، هي أحد وسائل الصراعات في الوقت الحالي.. وفي نفس الوقت أحد وسائل التهدئة.. وجر المتصارعين إلى طاولات المفاوضات، لكن ما نشاهده اليوم من تحول للقواعد التي كنا ندرسها لأبنائنا الطلاب عن دور وسائل الإعلام، يدعو للحزن الشديد، الإعلام اليوم بكل وسائله أصبح يصنع أحداث وأزمات لإشغال الرأي العام بها، الأمر الذي يجعلنا كمهتمين ومتخصصين نشعر بالخوف من جراء هذا التحول حيث يعزز لدى الجمهور عدم الأمان.
مضيفًا: إعلامنا العربي على _وجه الخصوص_ للأسف لم يعد ذلك الإعلام الذي ننتظر منه نقل الأخبار والمعلومات والترفيه للجمهور، بل أصبح صانع للأحداث وواضع للكثير من الأحداث التي يجتمع حولها المتصارعون، حتى أصبحت الشعوب وقودًا لنزوات وطموحات وأفكار الإعلاميين والسياسيين، ما نتمناه اليوم جميعًا وفي ظل الأوضاع القائمة في بلادنا وفي غيرها من البلدان أن يكون الاعلام صانعًا للسلام، ومساعدًا ومتهيئا للحوار بين الشعوب، وداعيًا للحوار والتصالح بين الفرقاء.
متى يتحول الاعلام إلى وسيلة صراع؟
ويضيف الدكتور التميمي، يتحول الإعلام إلى وسيلة من وسائل الصراع حينما: تكون هناك أجندات ذات أبعاد إقليمية ودولية يقوم الإعلام بخدمتها والترويج لأفكارها، وحينما تتقاطع المصالح بين وسائل الإعلام والممولين تتحول وسائل الإعلام إلى أطراف في الصراع.
مؤكدًا، أن حالات التنافس بين القوى المتصارعة وتعدد الفاعلين الدوليين والاقليميين يجعل العديد من وسائل الإعلام أحد وسائل هذا الصراع، واخيراً يأتي هيمنة رأس المال الذي بدوره يضعف من استقلالية وسائل الاعلام ويجعلها تابعة لمن يدفع أكثر لتقوم بإذكاء الصراعات وإثارات الخلافات.
(الصُحفي أحمد الأسد) يقول، هناك العديد من الطرق التي يتم إقحام وسائل الإعلام في الصراع، قد تكون من خلال إنشاء وسيلة إعلام حزبية جديده أو عن طريق تمويل وسائل إعلام تعاني من أزمة مالية ويصبح القائمون عليها مضطرون بقبول شروط الممول خشية من التوقف.
متابعًا حديثه بالقول: أما الطرف الآخر من وسائل الإعلام وهي الرسمية التي تجد نفسها مجبرة على أن تكون طرفًا في الصراع عندما يتم حسم النزاع لصالح الطرف المسيطر على مصادر القرار، وبهذه الطريقة تغير سياستها الإعلامية وفق المتغيرات الجديدة، وهكذا تصبح طرف رئيسي في الصراع.
مشيرًا إلى أن، الإعلام يتحول إلى وسيلة من وسائل الصراع، عندما يبداء بنشر الخلافات بين الأطراف المتصارعة ويصبح يمثل طرف معين من خلال مهاجمة الخصم الأخر، ويبرر كل ما ينشره ضده بغض النظر عن مدى مصداقيته.
وعن كيفية ذلك يعقب (أحمد الأسد)، أنه يمكن الإشارة إلى وسائل الإعلام الحزبية التي تتبنى سياسة الحزب الذي تمثلة وتقوم بمهاجمة الأحزاب الإخرى، وبهذه الطريقة تصبح بدون شك طرف رئيسي في الصراع.
محمد محمد الصباحي (دراسات التنمية والنوع الاجتماعي)، يؤكد أن تحويل الإعلام إلى أداة من أدوات الصراع موضوع في غاية الأهمية _خصوصًا_ في زمننا الحاضر، حيث اصبحت معظم وسائل الإعلام أبواق تؤجج الصراعات بل تدعو إليها في أحيان أخرى اذ تناسى القائمون هدفهم الأسمى و الأغلى الداعي الى سلم اجتماعي و سلام دائم يحفظ كرامة الانسان.
توصيـــــــــات
مشروع (التعاون البحثي في مجال بناء السلام في اليمن) الذي نفذه مركز الدراسات التطبيقية بالشراكة مع الشرق (CARPO) نيابة عن الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، وبتفويض من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) أشار إلى أنه من أجل إصلاح المشهد الإعلامي اليمني وتعزيز مبادئ النزاهة والحياد، ومن أجل خلق بيئة إعلامية مواتية للسلام، يتعين على المجتمع الدولي بما في ذلك (المنظمات الدولية غير الحكومية)، ومنظمات المجتمع المدني المحلية توحيد جهودها.
مردفًا، أن الغرض من توحيد الجهود لتحقيق ما يلي: زيادة نطاق برامج دعم الصحافة، دعم تقوية العلاقات بين الإعلام اليمني والقطاع الخاص، دعم المنصات الإعلامية من خلال هياكل التمويل المستقلة، دعم الشباب والنساء في الموؤسسات الإعلامية، زيادة التدخل الدولي للحد من انتهاكات حرية الإعلام.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…