اقتصار دور المنظمات على الإغاثة يهدد بمخاطر مستقبلية كبيرة؟!
صوت الأمل – عبد الجليل السلمي
تركزت تدخلات المنظمات الدولية العاملة في اليمن، على الجانب الإغاثي بعيداً عن الجانب التنموي، وعدم الاهتمام بالحلول المستدامة لتوفير مصادر الدخل وتأمين الحياة، مما دفع الكثير من المهتمين وخبراء الاقتصاد إلى تبني دعوات لرفع كفاءة أداء المساعدات الإنسانية والتحول نحو برامج التنمية.
وتؤكد مؤشرات مستوى التغطية والانتشار لآليات الدعم التنموي والإنساني في اليمن أنّ البرامج والمشاريع الإغاثية تستحوذ على معظم التمويلات المقدمة من المانحين، وأنها تأتي على حساب المشاريع التنموية التي تضمن الحياة الكريمة للأشخاص على المدى البعيد.
في دراسة اقتصادية رسمية انتقدت إنفاق الأموال المقدمة من المانحين لليمن خلال السنوات الماضية، على الجانب الإغاثي التي تجاوزت 14 مليار دولار، مؤكدةً أنّ المبالغ التي أُنفقت في الإغاثة، لو وجهت للجوانب التنموية كأداة تساهم في إيجاد حلول ومعالجات مستدامة للجوانب الإنسانية والتنموية.
وقالت دراسة «محدودية التمويل للاستجابة الإنسانية في اليمن وتداعياته على الوضع الاقتصادي والاجتماعي» إنّ تركيز المنظمات الدولية على الإغاثة، دون الانتقال إلى الجوانب التنموية أضعف قيمة خطط الاستجابة من الناحية الاقتصادية والتنموية.
وأوضحت الدراسة الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، يونيو2020، أنّ النظر إلى خطط الاستجابة في إطار رؤية اقتصادية كلية لتنمية الأصول الإنتاجية للعاملين وإيجاد فرص عمل للعاطلين من الشباب وإعادة بناء القدرات والطاقات الإنتاجية للنازحين تُفضي إلى النمو المستدام وتعزيز النشاط الاقتصادي.
وقال الصحفي والباحث الاقتصادي مصطفى نصر –رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي- إنّ حجم النفقات التشغيلية لوكالات الإغاثة العاملة في اليمن تتجاوز 40٪ من إجمالي المنح المخصصة لليمن وهو أمر غير مقبول ولا يمكن استمراره.
وأكد نصر أنّ الكثير من تلك الأموال تركز على العمل الإغاثي اليومي-المؤقت وغير المستدام-، ناهيك عن العجز في الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجاً بسبب التعقيدات التي خلقتها الحالة السياسية والأمنية المتقلبة».
يُجمع خبراء الاقتصاد على أنّ الصعوبات التي يمر بها اليمن مع الانهيار الاقتصادي، جعلت المساعدة الإنمائية الرسمية الموجهة نحو الانتعاش الاقتصادي والتنمية أكثر أهمية من الدعم الإنساني.
فيما أكدت دراسة «انعدام الأمن الغذائي في اليمن» أنّ المنح والمساعدات الخارجية المقدمة لليمن على مر السنوات الماضية، بمثابة مهدئات مؤقتة، وعدد الأشخاص المحتاجين للمساعدة الإنسانية في تزايد.
وشددت الدراسة الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، إبريل 2019، على أهمية تلازم التدخلات الإنسانية الطارئة مع برامج سبل العيش، لضمان رفع فعالية واستدامة الدعم الخارجي في منع سقوط مزيداً من السكان في مربع انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والحفاظ على ما تبقى من أصولهم المعيشية.
وأوصت الدراسة، المنظمات الدولية على أن تعمل برامج التنمية بالتوازي مع التدخلات الإنسانية الطارئة مع التركيز على برامج سبل العيش المستدامة، مثل توسيع برامج النقد مقابل العمل والأشغال كثيفة العمالة لإعادة تأهيل وصيانة البنى التحتية والأصول المجتمعية مثل الطرق والمدارس وأنظمة الري.
ونصحت دراسة «انعدام الأمن الغذائي في اليمن» المنظمات والوكالات الدولية العاملة في اليمن، بدعم المشروعات الصغيرة والأصغر والأنشطة المدرة للدخل المرتبطة بإنتاج الغذاء، ومساندة الفقراء وذوي الدخل المحدود في امتلاك الأصول الإنتاجية، مثل توزيع أدوات تربية النحل، ومساعدة الأسر الفقيرة على امتلاك الأصول الإنتاجية مع التركيز على المرأة الريفية.
وأكدت الدراسة أنّ توفير سبل العيش للسكان وإنعاشها يمثل أهمية بالغة، تزداد أكثر في أوقات الأزمات والصراعات المطولة لجعل السكان أقل عرضة وأكثر قدرة على مقاومة الصدمات الاقتصادية، وتحويلهم من مستهلكين متّكلين على المساعدات الغذائية الإنسانية المؤقتة إلى منتجين معتمدين على ذواتهم.
كما نصحت الدراسة بإعطاء الأولوية لزيادة دعم برامج الأشغال العامة لتشغيل الشباب مثل مشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية والأصول المجتمعية، وتوزيع الأدوات الزراعية ومستلزمات الصيد على الأسر التي تعاني انعدام الأمن الغذائي الشديد.
وقد أكدت دراسة «محدودية التمويل للاستجابة الإنسانية في اليمن» أنّ تنفيذ وإدارة برامج الإغاثة الإنسانية عبر الوكالات والمنظمات الدولية- دون المؤسسات الوطنية- يتطلب تكاليف إدارية عالية تتجاوز أحيانا 30 % من حجم المساعدات.
ونوّهت الدراسة إلى أنّ تخفيض التكاليف الإدارية للمنظمات والوكالات الدولية في اليمن، تظل قضية محورية واستراتيجية في العمل الإنساني، مشددةً في الوقت نفسه على ضرورة إيجاد خيارات وطنية بديلة أقل كلفة وأجدى نفعاً وأكثر استدامة.
ويرى الباحث الاقتصادي نبيل الشرعي أنّ المساعدات الإغاثية تهدد بمخاطر مستقبلية كبيرة، أبرزها خلق مجتمع واسع من الأشخاص المعتمدين على الإغاثة العاجلة، مؤكدة ضرورة تغيير استراتيجية التعاطي مع هذا الملف من كافة الأطراف.
ودعا الشرعبي المنظمات والجهات الرسمية إلى رفع القدرات التنموية للمجتمع اليمني لاستعادة حياته الطبيعية بعيداً عن الصراع والوصول إلى السلم المجتمعي والسعي إلى التخفيف من معاناته خلال الفترة القادمة.
وأضاف: يجب إعادة النظر في الاستراتيجيات الحالية التي تتبعها وكالات ومنظمات الإغاثة العاملة في اليمن، وتوجيهها نحو الجوانب التنموية، وتعزيز قدرات المجتمع بدعم الأصول عبر مشاريع النقد مقابل العمل وسبل العيش لصغار المزارعين ومالكي المشاريع الصغيرة.
وخلصت دراسة «المساعدات الخارجية بين الإغاثة والتنمية»، إلى أنّ تنوع الشركاء أمر ضروري في المستقبل، مع إسناد دور أكبر للمؤسسات الوطنية بالإضافة إلى دعم جديد للتعليم، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على رأس المال البشري. ولفتت الدراسة، إلى أنّ تجربة البنك الدولي في اليمن، تُظهر أنّه حتى أثناء النزاع، فإنّ التدخلات التنموية ممكنة وقيمة، وتعزيز عملية الرقابة من خلال مراقبة طرف ثالث، وإدخال تقنيات مبتكرة مثل وضع العلامات الجغرافية والتحكم عن بعد والمشاركة المجتمعية.
استطلاع : 56 % عمل المنظمات الدولية في اليمن حاليًا غير مؤثر
صوت الأمل قالت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر مارس 2022 م حول …