‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفن في اليمن المرأة اليمنية اتخـذت مـن الأهازيــج الشعبية وسيلـة للتعبير عن همومها

المرأة اليمنية اتخـذت مـن الأهازيــج الشعبية وسيلـة للتعبير عن همومها

صوت الأمل – فاطمة رشاد

دعوة استغاثة لإنقاذ التراث   الشعبــي اليمنـي من الضيــاع

صوت الملالاة ما يزال يرج في مسامع اليمنين الذين يعشقونها، وهي نوع من التراث الشعبي الفني اليمني المتوارث من جيل إلى جيل تعرف باسم “أهازيج شعبية”، فبين أهازيج ومهاجل للزراعة وصيد الأسماك وملالاة امرأة تتغنى بصوتها الشجي للتعبير عن مشاعرها، وبين حزازير (حكايات) الأطفال وأغانيهم التي أصبحت فيما بعد موروثا شعبياً، كل هذا من الفنون التي تشتهر بها اليمن على مستوى العالم.

عندما تغني المرأة

يمثل صوت المرأة اليمنية عبر الغناء الخاص بها في البوح عن وجعها وما تعانيه من قسوة المجتمع لها؛ فالملاذ الوحيد للتنفيس والترويح عن مكنونها الداخلي كان ومازال عبر “الملالاة” التي عرفت بها المرأة الريفية منذ القدم، بالإضافة إلى (ترانيم) بكلمات أقرب إلى الشعر الشعبي وباللهجة العامية، ولأن المرأة الريفية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأرض الزراعية ومواسم الحصاد وطحن الحبوب فهي تترنم بصوتها الشجي عبر مهجل أو ملالاة تعبر عن شعورها الحزين أو السعيد.

يقول الكاتب عبد القادر الشيباني عن أغاني المرأة الريفية: “غالباً ما كانت أغاني المرأة الريفية تتمحور حول نفسها أو ما تلاقيه من ظلم لها، ولا تخلو أغانيها من الشكوى وخاصة تعسف العائلة للبنت التي تجاوز عمرها سن الزواج. ومن أشهر تلك الأغاني هي تلك التي لا تستطيع المرأة البوح بها لأهلها بداعي الحياء أو العيب مثل رغبتها بالزواج ومعاناتها من رفض أبيها أو ولي أمرها لموضوع زواجها”.

ويواصل الشيباني حديثه لصوت الأمل قائلاً: ” تستوحي المرأة أغانيها الشجية من أجواء بيئتها، وأكثر أغانيها التي تحمل الشكوى والاغتراب من مطالع النجوم أو لوامع البروق وأنوار الصباح وأصوات الطيور وفي هجعة الليل ويقظة الفجر وهبوب الرياح أو ساعة هطول الأمطار؛ فلم تكن تلك الأغاني عبثاً أو ترفاً بل تعتبر جزءاً من تكتيك المرأة الريفية للسيطرة على عوامل طبيعية في سرائها وضرائها، وكل غنوة من أغانيها تحمل مدلولات غاية في الإيحاء والتحفز فأغانيها في العمل والطحن والزراعة تتنوع أهدافها وإيقاعاتها حسب مواقيتها ومناسباتها من الصباح إلى امتداد الضحى ووصولاً إلى الظهر والعصر. أما أغانيها في العشية فتكون أكثر تأثيراً وشجوا خاصة عند جنوح الشمس للمغيب”.

ملالة شوق

“عامين لك غائب والثالث أقبل (جاء)

واني مناظر لك (منتظرة لك) يا الحبيب توصل”

بهذه الملالاة الحزينة التي قالتها أم عمر -من محافظة تعز- وبصوت يعود بها إلى ذلك الزمن الذي كانت تنتظر فيه أبا عمر بعد أن ذهب إلى السعودية للاغتراب، والبحث عن فرصة عمل هناك وهي تحمل بين أحشائها جنينها: “كنت أردد هذه الكلمات طيلة اغتراب زوجي؛ فقد تركني بعد سنة من الزواج كنت أشعر بالحزن لذهابه ولكن كانت هذه الكلمات تصبرني لفراق زوجي”.

 “مشتاق لك قلبي قدوه على نار

أرجع بحجر الله (استحلفك بالله) يكفي اعذار

ما شتيش (لا أريد) رسائلك ولا قروشك (مالك)

أسأل من الباري يزفروبك (يرحلوك) “

تعتبر محافظة تعز من المحافظات اليمنية المنتشر فيها فن الملالاة، خاصة منطقة الحجرية المتصدرة على هذا اللون من الغناء الشعبي؛ فالملالاة يتغنى بها أغلب أبناء محافظة تعز ولأن فيها إيقاعًا موسيقيًا خفيفًا بصوت النساء فكانت النساء هن المتصدرات لفن الملالاة.

أهازيج الحصاد

 “اليوم يا الله اليوم دايم          قا صربوا الدخًن والذًرة قائم”

أيام الصراب (الحصاد) تعني الكثير للجد أحمد عباد في قريته الصغيرة التي تدعى السحول بمحافظة إب حيث قال :”كنا نقول مهاجل كثيرة للصراب لا يوجد مزارع في الأرض لا يعرف مهاجل الزراعة، الصغير والكبير يتغنى بها أيام الصراب تمثل لنا الحياة والارتباط الوثيق بالأرض”.

وبين ارتباط الجد أحمد بأرضه فإن المهاجل التي تمثل الإرث العظيم من ثراثنا اليمني الذي يعبر عن انتماء المزارع إلى أرضه ومدى حبه في العمل فيها؛ فلكل حركة أو عمل على الأرض نجد صوت المزارع له حضور في ترديد بعض من كلمات لربما السامع لها لن يفهمها ولكن عند الانصات الجيد له سيجد أن الرابطة التي تجمع المزارع وأرضه قوية جدا.

تقول زهرة حيدر -مهتمة بدراسة الموروث الشعبي-:” تعكس المهاجل الشعبية، واقعا اجتماعيا وذاكرة سياسية عن أحداث وقعت في الماضي، كما تعبر عن وجدان الناس وحالهم، وعن أحزانهم وأفراحهم وطريقة حياتهم وتفكيرهم، لتكون رفيقتهم عند قضاء أعمالهم اليومية، وأهمها فلاحة الأرض وزراعتها”.

وتوكد زهرة الإشكالية التي يعاني منها كثير من المؤرخين في تحديد زمن ظهور المهاجل حيث أجمع البعض -حسب قولها- على أن للمهاجل ارتباطًا وثيقًا، فيما عانى منه اليمني أثناء فترة الحكم الامامي -أي قبل ثورة سبتمبر 1962- مما أثر تأثيرًا واضحًا على ثراثنا اليمني، وخاصة أنه إذا حدث أي حدث في تلك الفترة كان المهجل سيد الموقف في الترديد على لسان العامة كأنها رسالة متناقلة عبره.

وتواصل زهرة حديثها قائلة: “هناك أمثال كثيرة رافقت ترديد المهاجل الزراعية عبر المزارع الذي كان في كل لحظة حين يهجل يحفز نفسه على العمل على أرضه واستمراره في إعطاء قصار جهده للأرض”.

تظل مهاجل الزراعة والصراب التي تعبر عن حال المزارع وعلاقته بأرضه وكأن هناك انسجامًا بينهما، هو يحرثها بمهجل وهي تعطيه من خيرها الأوفر.

أهازيج الصيادين

في البحر عالم آخر يأخذ الصيادين عبر ترانيم وأهازيج لكسر الملل والروتين المعتاد عليه أثناء الصيد؛ فالأهازيج التي تقال عند الصيد تجعل الصياد يزداد قوة لكي يواصل عمله؛ فهي تعد متنفسًا له عن ما يشعر به، وتجعله يستمر في عمله، لأن الدخول إلى أعماق البحر يعني المخاطر والمحاولة، ولكي يستعيد الصياد نشاطه وينسى روتينه اليومي لا بد من قول بعض الأهازيج المتعارفة لدى الصيادين في البحر.

  هنا يقول لنا الصياد أحمد بن عامر: “هناك أهازيج للصيد، وكل مهجل يعبر عن حالة شعورية أثناء الصيد فهناك مهجل يقول: (وا صيدو وا عيدو)، بمعنى إن اليوم الذي يكون فيه الصيد وفيرا يعتبر كأنه يوم عيد. وهناك مهاجل متعددة يرددها الصيادون حسب الحالات والظروف التي يمرون بها، ولكل مرحلة من مراحل الصيد مهجل معين يعبر عن العمل الذي يكون في هذه المرحلة”.

ويطالب بن عامر الجهات المعنية بالمحافظة على هذه المهاجل البحرية التي بدأت تهمل من قبل الصيادين الجدد. ليس فقط المهاجل الخاصة بالبحر؛ بل وبالمهاجل الزراعية أيضًا، وكذلك أغاني الأطفال التي تخص التراث الشعبي اليمني الذي يبحث عمن يوثقه ويحافظ عليه من الاندثار.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع.. 67.3% للفن دور في دعم ثقافة السلام في اليمن

صوت الأمل – رجاء مكرد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر فبرا…