‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الأطفال في اليمن عمالة الأطفال بين اقتصاد متدهور وواقع مرير

عمالة الأطفال بين اقتصاد متدهور وواقع مرير

صوت الأمل – منال أمين

(محمد) ذو الاثني عشرَ عاما نازح من محافظة الحديدة في عدن، يعمل كل يوم في مسح السيارات تحت أشعة الشمس لإعالة والدته وإخوته الثلاثة بعد وفاة أبيه، جراء الصراع في 2017، متحدياً حالة الفقر والمعاناة التي فرضت عليه.

     يشق (محمد) طريقه يومياً من خيمته الصغيرة التي تأويه هو وعائلته في منطقة النزوح بمديرية البريقة إلى إحدى جولات المدينة، حاملاً بين ذراعيه قطعة قماش وقنينة ماء ومواد تنظيف خاصة بالسيارات برفقة الكثير من الأطفال  بعد أن أجبرتهم الحياة على ترك منازلهم ومقاعدهم الدراسية من أجل إعالة أسرهم ومواجهة تحديات الحياة.

80% من اليمنيين تحت خط الفقر

     “تسبب الحصار والصراع المستمر بخسائر فادحة على اقتصاد اليمن الذي تقلص بما يزيد عن النصف منذ بداية الصراع في 2015، ومن المتوقع أن تشهد البيئة الاجتماعية والاقتصادية المزيد من التدهور في عام 2021″، هذا ما أشارت إليه وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية لعام 2021- مكتب الشؤون الإنسانية OCHA)) التابع للأمم المتحدة.

     وأوضحت الوثيقة أن خسائر الناتج المحلي الإجمالي، التي تم تحملها في السنوات الخمس الأولى من الصراع في اليمن، يمكن أن تتضاعف إلى (181) مليار دولار أمريكي في حال استمر الصراع خلال عام 2022، ومن المتوقع أن تستمر قيمة الريال اليمني في الانخفاض، الأمر الذي يؤثر بشدة على القوة الشرائية للسكان. وبينت الوثيقة أن ما نسبته (80%) من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، فيما (40%) من الأسر اليمنية فقدت مصادر دخلها الرئيسة.

    كما لا تزال اليمن تشهد أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم – استناداً إلى تحليل وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية لعام 2021-؛ حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من (20.7) مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في عام 2021، في حين تشير التقديرات إلى أن (12.1) مليون شخص منهم بحاجة ماسة إلى المساعدات.

قصص ومعاناة

    والد الطفل (أحمد خالد) يقول إن ما دفع ولده البالغ من العمر خمسةَ عشرَ عاماً إلى العمل في إحدى المطاعم هو عدم قدرة ابنه على فهم المناهج الدراسية إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور ما دفعه إلى ترك المدرسة منذ سنتين والالتحاق بسوق العمل من أجل أن يكسب مصدر رزقه، ولإيمانه أن الحياة تعد أكبر مدرسة.

الطفلة (ح. ع) ذات الـعشرة أعوام تقريباً تبيع الأقلام في إحدى جولات مدينة عدن، ترتدي قبعة متسخة لتحميها من أشعة الشمس الحارقة، وتحاول بيع تلك الأقلام على المارة والسائقين والركاب من خلال عرضها بصوتها الخجول معرضة حياتها للخطر؛ وتقعد بين فترة وأخرى منهكة من الوقوف طيلة ساعات طويلة، متمنيةً من الجميع أن يشتري منها الأقلام لتعود إلى منزلها ومعها مصاريف اليوم.

وزارة الشؤون الاجتماعية

   تعدد (منى سالم البان)- مدير وحدة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن – أسباب انتشار عمالة الأطفال، منها: الظروف الاقتصادية وأهمها الفقر، التسرب الدراسي الناتج عن عدم فهم المنهج الدراسي، العنف، غياب الأنشطة اللاصفية، عدم وعي مجتمعي بخطورة عمل الأطفال في سن مبكر، وغير ذلك.

   وعن جهود الجهات الرسمية لمكافحة عمالة الأطفال  تقول (منى البان): “منذ عام 2000 بدأت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مع منظمة العمل الدولية عبر البرنامج الدولي لمكافحة عمل الأطفال (ايبك) بتنفيذ عدد من الأنشطة واتخاذ مجموعة من الإجراءات التي من ضمنها: إصدار قرار بلائحة الأعمال المحظور على الأطفال العمل بها وتوزيعها على أصحاب الأعمال والجهات المعنية، وإعداد الكثير من الدراسات والأبحاث في الميدان بكل المحافظات اليمنية بمختلف القطاعات (المهنية والزراعية والاقتصادية) وبحسب نشاط كل محافظة”

    أما عن دور الوحدة في حماية الأطفال من الانتهاكات فتقول: “بعد أن صادقت بلادنا على أهم اتفاقيتين مع منظمة العمل الدولية -الاتفاقية رقم (138) الخاصة بتحديد الحد الأدنى لسن العمل، والاتفاقية رقم (182) الخاصة بالحظر على أسوإ أشكال العمل للأطفال- تم إنشاء وحدة مكافحة عمالة الأطفال في الوزارة التي نفذت سلسلة من الأنشطة بوصفها المظلة التي ترعى كل الجهات المعنية المرتبطة بموضوع الطفولة كـوزارات الإعلام، والصحة، والتربية والتعليم، والاوقاف.

أسباب انتشار الظاهرة

  وفقًا لمدير وحدة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن فإن أهم مسببات انتشار ظاهرة عمالة الأطفال  في الآونة الاخيرة هو استمرار الصراع في مختلف المحافظات اليمنية، وما نتج عنه من نزوح الكثير من الأسر، وتهدم المدارس الذي دفع الكثير من الأطفال إلى ترك مقاعدهم الدراسية والبحث عن عمل.

يبين تقرير الوضع الإنساني (1 يناير ـ 31 ديسمبر 2020) الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن اشتداد وتيرة الصراع الدائر في البلد أثر على (4,4) مليون نازح منهم (7,1) مليون طفل. وأنه خلال النصف الأول من العام 2020 نزح ما يزيد عن (100) ألف نازح تركوا منازلهم بحثاً عن وجهة أكثر أمناً.

  هنا تشير (البان) إلى أن جائحة كورونا قد ساهمت أيضا في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن بسبب بقاء الكثير من الآباء بدون أعمال، لا سيما في العام الماضي الذي سمي بـ “عام الانتكاسة العالمية”، نتيجة لإغلاق العديد من المنشآت والمدارس، وهذا انعكس بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي في البلاد.

    وقد رجح تقرير آخر صادر عن (اليونيسف) في يونيو 2020 أن ملايين الأطفال في اليمن على “شفا المجاعة” بسبب النقص الكبير في تمويل المساعدات الإنسانية وسط جائحة (كوفيد-19)، وأن أكثر من (7.8) مليون طفل محرومون من متابعة تعليمهم بسبب تدابير الإغلاق، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعرض الأطفال  لخطر العمالة والتجنيد بشكل أكبر.

الصعوبات

     وحول الصعوبات التي تواجه عمل الوزارة، توضح (منى البان) أن عدم إمكانية الوصول إلى بعض المحافظات اليمنية التي تقع تحت “خط النار” يمثل أهم التحديات التي تواجه العمل؛ لذا لجأت الوزارة إلى عملية التواصل والتنسيق مع المنظمات المحلية العاملة في تلك المناطق لضمان استمرار توفير الحماية للأطفال، وتوعية المجتمع بخطورة إشراكهم في الصراع والأعمال الخطرة.

   كما تؤكد على أهمية تعزيز الشراكة مع المنظمات المجتمعية في عملية التوعية بمختلف المجالات التي تحد من ظاهرة انتشار عمالة الأطفال، وتحسن من العملية الدراسية.

تفاقم مستويات عمل الأطفال

  يوضح تقرير “عمل الأطفال في المنطقة العربية: تحليل كمي ونوعي” – الذي تم إعداده بتكليف من جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية، وأشرفت منظمة العمل الدولية على إصداره بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في مارس 2019- أن آثار الصدمات الاقتصادية الأخيرة واستمرار الصراع قد أدى إلى تفاقم مستويات عمل الأطفال عما كانت عليه في السابق، كما أنها تسببت بعكس مسار التقدم الذي سبق أن أحرزته البلدان العربية في مكافحة عمل الأطفال من خلال سياسات وإجراءات عملية وضعتها.

     وقد بين التقرير أيضاً وجود تباين كبير في درجة مشاركة الأطفال في العمل في جميع أنحاء المنطقة العربية؛ حيث أظهرت (السودان واليمن) أعلى معدلات في عمالة الأطفال ما بين (19.2%) و(34.8%) على التوالي.

 وأشار التقرير إلى ارتفاع نسبة تجنيد الأطفال، لا سيما في (اليمن وسوريا والعراق)، وأن غالبية الأطفال المجندين هم من الذكور عموماً. ومع ذلك، هناك نزعة ناشئة لتجنيد المزيد من الفتيات والأطفال دون سن (15) عاماً.

  وفي تقرير ثالث لليونيسيف يونيو 2020 وثقت الأمم المتحدة تجنيد (3،467) طفلاً، بعضهم لا يتجاوز عمره العشر سنوات، على مدى السنوات الخمس الماضية.

  تفيد (منى البان) أن موضوع “تجنيد الأطفال” يعد من المواضيع التي تهتم بها الوزارة، من خلال العمل المشترك مع منظمة اليونيسف ووزارة حقوق الانسان لمنع إشراك الأطفال  في الصراع؛ لأن ذلك يعد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل حسب ما جاء في اتفاقية (182).

العمالة تمتص طاقة الأطفال

    (الدكتورة رضية يسلم باصمد) – أستاذ علم الاجتماع المساعد ونائب عميد كلية الآداب لشؤون خدمة المجتمع والتطبيق العملي- ترجح لـ “صوت الأمل” سبب انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في هذه المرحلة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وإلى الظروف الاجتماعية المتمثلة في التفكك الأسري المتفاقم بسبب الوضع الاقتصادي، الأمر الذي ساهم في خلق مشاكل نفسية للطفل ليجد نفسه مجبراً على مغادرة مقاعد الدراسة والاتجاه مباشرة إلى سوق العمل الذي يمتص طاقته وقدراته ولا يساهم في إنتاج قيمة اقتصادية تذكر.

   بحسب رأي (باصمد) تتمثل الأضرار الاجتماعية والاقتصادية في حرمان الطفل من حقه في التعليم والتمتع بطفولته الطبيعية، وفي تعرضه لظروف عمل صعبة لا تتناسب مع حالته الجسمية والعقلية، ويصبح أكثر عرضة للأمراض والإصابات الخطيرة، وفي اكتساب بعض العادات والظواهر السيئة مثل التدخين والمخدرات، وفي تعرضه لانتهاكات من أرباب العمل تؤثر على طبيعته، فيصبح عدوانياً. كما أن انتشار هذه الظاهرة يؤدي إلى تعزيز حالة الفقر المجتمعي الذي  يؤدي بدوره إلى إعاقة خطط التنمية المجتمعية في البلاد.

الحلول

    تقدم (باصمد) عدداً من الحلول لمواجهة ظاهرة عمالة الأطفال، منها:

•      الاهتمام بسلوكيات الطفل بشكل مستمر، من خلال محاولة تحسين بيئته التي ينتمي إليها عبر الجهات المعنية (المحلية والدولية)،

•      إنشاء مكاتب خاصة تأخذ على عاتقها مسؤولية توعية الأسرة بضرورة إعطاء الأولوية في الاهتمام لأطفالهم.

•      وضع إحصائية لعدد الأسر محدودة الدخل بغرض مساعدتها ومحاولة التخفيف من أعبائها كي تتجنب إخراج أطفالها إلى سوق العمل.

•      تقديم الرعاية الصحية في المناطق الفقيرة.

•      فرض قوانين عامة تمنع كل أشكال العمل التي يقوم بها الأطفال في مختلف القطاعات الخطرة دون السن القانوني، وتعزيز قدراتهم عبر تفعيل الأنشطة المدارسية.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

89% يؤكدون استمرار أثر الصراع على صحة الأطفال ونفسياتهم

أكد (89%) من المواطنين في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية أن صحة الأطفال ونفسياتهم قد تأثر…