‫الرئيسية‬ تقارير وتحقيقات 70% من الأطفال العاملين للعام 2022م في اليمن ينتهي بهم المطاف إلى دار الأحداث

70% من الأطفال العاملين للعام 2022م في اليمن ينتهي بهم المطاف إلى دار الأحداث

صوت الأمل – أحمد عُمر

نظرًا للوضع الاقتصادي المعقد الذي تمر به اليمن، والذي بات يفرض حضوره على جميع الفئات الاجتماعية – تحديدًا- على ذوي الدخل المحدود أوالمعدوم؛ مما أدى إلى تفاقم مشكلة عمالة الأطفال وازديادها بشكل مخيف.

“صوت الأمل” سلطت الضوء على فئة الأطفال المساقين من العمالة إلى دار الأحداث، فقد نشر قطاع الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة –اليمن، في تقرير مفصل لشهر أغسطس هذا العام 2022م حركة أطفال الأحداث “بنين” في (الأمانة)، حيث أنَّه تم إيداع “43” طفلًا خلال شهر أغسطس في سجن الأحداث بينما تم الإفراج عن “40” طفلًا بواقع 24 من النيابة و16 طفلًا من المحكمة.

ولم تعد الفئة الوحيدة –اليوم- للأحداث الجانحة هي فئة الفقراء –فحسب-، بل حتى من الأسر ميسورة الحال والغنية من وضعوا في دار الأحداث؛ وذلك لأنَّ المعضلة تكمن في ضعف جودة التربية والمراقبة للأطفال ورعايتهم والاهتمام بهم من قبل الوالدين؛ مما ينتج عنه الانحراف وارتكاب جرائم قد تكون بعضها جسيمة.

وبحسب تصنيف وزارة الشؤون الاجتماعية لشهر أغسطس من هذا العام، فإنَّ تلك القضايا التي تم إيداعهم على خلفيتها في دار الأحداث صُنفت إلى عدة أنواع  كالتالي: قضية سرقة عدد 14 طفلًا، ضرر بالمال العام عدد 2، تزوير عملة عدد 2، تملك شيء مفقود عدد 2، الإيذاء العمد عدد 9، شروع في القتل عدد 3، فعل فاضح طفلين، تعرض للانحراف عدد 5، لواط عدد 4 أطفال بحسب جهة إيداع نيابة الأحداث.

يُرجع الكثير من الأخصائيين الاجتماعيين سبب سلوك الطفل الخاطئ إلى خروج الأطفال للعمل في الشارع واختلاطهم بمنحرفين أخلاقيًا، وتؤكد دراسات وتقارير نشرتها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية “سبأ” في 11 مايو 2017م، صادرة عن وحدة مكافحة عمالة الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالجمهورية عن وجود علاقة وطيدة بين الحالة الاقتصادية للأسرة في المجتمع وعمالة الأطفال؛ كون الأسر الفقيرة تضطر إلى الدفع بأطفالها لسوق العمل في سنوات عمرية مبكرة؛ الأمر الذي يحرم الطفل من الحقوق التي ينبغي أن يحصل عليها في مرحلة الطفولة، وأبرزها حق التعليم واللّعب والترفية والصحة والغذاء وغيرها من الحقوق الواجب توفرها للطفل.

وبحسب ما ذكرته الوكالة فإنَّ ظاهرة عمالة الأطفال في الأعمال ما بين (6-14 سنة) بلغت حسب إحصائية مسح القوى العاملة في الجمهورية اليمنية -لعام 1999م-  326608 أطفال على مستوى كافة محافظات  الجمهورية.

 في  13 مايو عام 2007م، نشر المركز الوطني للأبحاث إحصائية أعدتها إدارة مكافحة عمالة الأطفال لـ6 محافظات، وصلت فيها عمالة الأطفال إلى189000 طفل، وبلغ تعداد حصة محافظة حجة 50 ألف طفل فضلاً عن أنَّ المحافظة تعدُّ منطقة عبور لهروب وتهريب الأطفال للبحث عن فرص عمل خارج الوطن.

أسباب وتأثيرات عمالة الأطفال

عمالة الأطفال سببها ليس الفقر فقط، وإنما هناك عدة عوامل وقضايا ثانوية أخرى منها: الطبقات الاجتماعية والتمييز العرقي وفئة المهمشين والنازحين  التي ينتمي إليها الأطفال  في بعض المجتمعات –خصوصًا- في البلدان التي تشهد صراعات كاليمن والعراق وسوريا، و عند الحديث عن عمالة الأطفال وعن نسبة الأطفال المعنيين بالعمالة، يُنظر مع هذه الإحصائيات إلى أنواع الأعمال التي تُعطى  للأطفال  والظروف التي يتعرضون لها حين يتم تنفيذها أو “إنجازها” والمخاطر أو الاعتداءات التي تمسهم أثناء العمل وهذه من أكثر العوامل تأثيراً على سلوك الطفل وصحته النفسية.

ومع أنَّ هذا الجانب يجعل  من الصعب جداً تحديد عدد الأطفال الذين  يشاركون  في العمل، بسبب الظروف التي يعيشونها والمحيطة بهم رغم أنَّها قد  تكون ضارة جداً على صحتهم وعلى أفكارهم وعواطفهم وتكون لأجل تدبير حياتهم وإعانة أسرهم مادياً.

في تقرير صادر عن قطاع الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة -في الثامن من أغسطس 2022م- بلغ عدد المرحلين -من شهر يوليو 2022م-  في أمانة العاصمة  41 طفلاً وعدد المودعين خلال شهر أغسطس من نفس العام 43 طفلاً والإفراجات خلال شهر أغسطس تمت لـ40طفلاً، أي بلغ عدد المرحلين والمودعين 84 طفلاً حدثاً.

ترى أميرة بازاهر(الأخصائية الاجتماعية) في تصريح صحفي لـ “صوت الأمل”،  أنَّ دار الأحداث هي من تقوم بتهذيب سلوكيات الحدث من قبل الأخصائيين الاجتماعيين، حتى يتمكنوا من إحداث تغيرات سلوكية إيجابية، إذا ارتكب  الطفل الحدث جرماً أو مارس سلوكيات خاطئة مخالفة إذ يتم تصويبها؛ لجعله يندمج اجتماعيًا مع الأشخاص ويكون فردًا صالحًا ومشاركاً بفعالية في المجتمع .

وشخصت “بازاهر” أبرز الأسباب التي تكمن في انحراف وتغيير سلوكيات الأطفال، بقولها: “لعل التفكك الأسري هو أخطرها، مع التسرب من التعليم والعنف الأسري، كما أنَّ إهمال الأهل وعدم مراقبة أطفالهم له النصيب الأوفر في انتهاجهم ذلك السلوك، فينتهي بهم المطاف إلى دار الأحداث، ويعد ضعف دور منظمات المجتمع في إشراك الأطفال بالبرامج التعليمية  ومصاحبة الأطفال لرفقاء السوء ومرافقتهم  لأشخاص يفوقون أعمارهم سبباً لا محالة للانحراف”.

ووضعت بازاهر حلولًا ومقترحات من وجهة نظرها لمكافحة عمالة الأطفال وتحسين سلوكيات الطفل، كجلسات الدعم النفسي وبرامج تعديل السلوكيات الخاطئة وتمكين الأسر ماديًا، ونبهت الأخصائية بازاهر إلى دور التأهيل والتدريب الداخلي بدار الأحداث، من خلال عقد محاضرات دينية وتعليمية وتثقيفية لتهذيب الأطفال، وتوعية الأهل بأسلوب التعامل مع الأطفال في التربية والتنشئة حتى يستطيع الطفل أن يستمر على إصراره في رسم مستقبله من خلال إلحاقه بالمدارس خارج دار الأحداث؛ الأمر الذي سيحسن من سلوكياته، ويكسبه طرقاً جديدة في التعامل مع من حوله.

وفي تصريح لـمحمد العرافي (مدير الأحداث بأمانة العاصمة)  لـ “صوت الأمل” نفى وجود إحصائية دقيقة أو قاعدة بيانات شاملة للأطفال المعرضين للانحراف بالجمهورية اليمنية؛ جراء عمالة الأطفال؛ بسبب الوضع المعيشي الذي تمر به البلاد.

مؤكدًا: “وفي دار التوجيه الاجتماعي في أمانة العاصمة والمعروف بسجن الأحداث يوجد 70% خلال هذا العام -2022م- من الأطفال الذين كانوا ضمن عمالة الأطفال قبل وصولهم إلى الدار”.

واستبعد العرافي أن يكون الفقر هو السبب الرئيس لانحراف الأطفال، وإنما يعد دافعاً لهذا السلوك، وشدد على أنَّ الأسباب الرئيسة للانحراف تكمن في استغلال الأطفال من قبل بعض الجهات مثل: الشبكات اللاأخلاقية أو العصابات الإجرامية؛ نتيجة تفكك الأسرة، والبيئة الأسرية السيئة أو العنف.

وهناك الكثير من قصص الأطفال الذين انخرطوا في موضوع العمالة وانتهى بهم المطاف إلى دار الأحداث، فعند سؤال “صوت الأمل” محمد العرافي (مدير الأحداث) عن بعض الأطفال المودعين بدار الأحداث، وماهية الأسباب المؤدية لهروب الأطفال من البيت أجاب: “بسبب العنف الأسري وهذا قد يكون من الأب أو الخالة (زوجة الأب)؛ مما يجعل الطفل يهرب من البيت باحثًا عن العمل تارة بمسح السيارات أو زجاج المحلات، وأخرى ببيع المناديل الورقية، ومنها يتم استقطابهم من قبل بعض الأطفال المشردين أو الأشخاص المستغلين ويؤثروا على سلوكيات الطفل إلى الأسوأ، حتى يقع في المحظور ويتم القبض عليه بقضية من القضايا ويتم إيداعه بدار التوجيه أو دور الاحتجاز”.

وتابع قائلًا: “هنا يتم عمل الدار والنيابة والمحاكم، والبحث عن أسرة الطفل، ويتم دمجه مرة أخرى، ويتم الجلوس مع الأسرة لمعرفة الأسباب أو المسببات، وإخضاع الطفل لبرنامج العلاج السلوكي، فإن كان  الطفل هو العائل الوحيد للعائلة، نحاول بقدر الإمكان أن نجد لهم وسيلة دخل “مصدر” بمشاريع التمكين، وإن كانت الأسرة هي سبب انحراف الطفل يتم توعية الأسرة ومعرفة الأسباب والدوافع لذلك”.

وعن دور دار الأحداث يؤكد العرافي أنَّ بعض الأسر قد جعلت التسول مهنة لديهم، وأحيانًا ينحرف الأطفال؛ بسبب حياة الفقر التي يعيشها الأهل والجانب الاقتصادي السيئ، فيتم أيضًا إعطائهم مشروع تمكين اقتصادي “عربة أو محل”؛ من أجل أن يكون مصدر رزق لتجنيب الأطفال السلوكيات الخاطئة والهروب من البيت، والتسرب من المدارس، والعمل في سن مبكر .

ومن خلال تقصي “صوت الأمل” لقضية الأحداث والنزول الميداني للدار، تبين أنَّ أغلب الأطفال الذين عليهم سوابق تم استغلالهم؛ بسبب العنف والتهديد الأسري الذي فرضته بعض الأسر على أطفالها، فيضطر الطفل إلى انتهاج سلوكيات خاطئة كالسرقة أو ممارسة أي أعمال إجرامية مخالفة تنافيها الأعراف الاجتماعية والدينية؛ لتلبية رغبات أسرته.

وفي ذات السياق قالت حكمت سعيد(مديرة الدفاع الاجتماعي بمكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بساحل حضرموت): “عمالة الأطفال هو أول سبب لحرمان الطفل من كثير من الموارد والحقوق، وخروجه إلى سوق العمل في سن مبكر يجعله عرضه للاستغلال والانتهاكات من قبل عصابات أكثر وحشية واستخدامه للمتاجرة بالممنوعات وغيرها لأنَّه بعيد عن مقدمي الرعاية الأولية له “الوالدين” حيث وصلت كثير من ملفات عمالة الأطفال إلى النيابات بالمحافظة؛ بسبب استغلال كثير من الأشخاص للأطفال والقاصرين في العمل”.

وحول رؤية القانون ومعالجته لقضايا الأحداث ذكر قضاة مكتب النائب العام في تقرير نشرته الوكالة اليمنية “سبأ ” -في21 مارس للعام 2005م- أنَّ هناك مشكلة تشريعية في القانون اليمني تتعلق بالجانب العقابي وجانب التدابير، وذكروا أنَّ النصوص القانونية ما تزال غامضة ويصعب حتى على القضاة أنفسهم إدراك حقيقتها لوضع الأحكام القضائية بموجبها.

قائلين: “إنَّ هناك تعارض في بعض التشريعات، وهذه المشكلة في قانون الأحداث الذي نحن بوصفنا قضاة نريد أن نطبقه، ونحن لا ندرك ماهيته” ولفت قضاة مكتب النائب العام إلى أنَّ قانون الطفل يحدد سناً معيناً وقانون الأحوال الشخصية يحدد سناً آخر.

 يمكن أن نخلص إلى أنَّ ضغط الأسرة على الطفل، بالخروج للعمل –خاصة- في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية بفعل الصراع، تسبب في إكساب الطفل سلوكيات خاطئة يسوقه البعض منها إلى دار الأحداث، وأطفال الأحداث ليسوا خطرًا على أنفسهم فحسب، وإنما خطرًا يهدد المجتمعات في أي لحظة، لأنَّ متشرد اليوم هو منحرف الغد ومجرم بعد الغد.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد

صوت الأمل – هبة محمد  يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…