أثر الصراع على الوضع الإنساني في اليمن
صوت الأمل – سماح عملاق
في مطلع أكتوبر 2021 وصفت الأمم المتحدة الوضع الإنساني في اليمن بالخطير، وقالت إن الأزمة اليمنية لا تزال هي الأسوأ في العالم.
وقد حذر منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، المقيم باليمن ديفيد جريسلي، من أن الوضع الإنساني في اليمن يتفاقم ويتجه نحو الأسوأ؛ إذ يعاني ما يقارب من (16) مليونَ مواطنٍ يمني انعدامَ الأمن الغذائي، وفي الوقت ذاته يقف خمسة ملايين يمني على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ويواجه حوالي (400) ألفِ طفلٍ الموتَ بسبب سوء التغذية.
وأضاف جريسلي -في مؤتمر صحفي عقده في جنيف عاصمة سويسرا- أن حوالي (20) مليونَ شخص في اليمن –أي ما يوازي ثلثي عدد سكان البلاد- بحاجة عاجلة إلى المساعدة الطارئة، بحسب ما نشر الموقع الرسمي لمنظمة الـ”OCHA” بتاريخ 11 أكتوبر 2021.
تداعيات مختلفة للصراع
نشرت الأمم المتحدة في موقعها الرسمي أواخر فبراير 2021 تقريرًا أفاد بتضرر أكثر من (9) ملايين شخص بسبب تراجع المساعدات، وتشمل برامج الإغاثة الإنسانية مساعدات منقذة للحياة كتوفير الغذاء والماء والرعاية الصحية، ويذكر التقرير أن المساعدات كانت تصل إلى حوالي (14) مليون شخص كل شهر، غير أن العدد تراجع إلى حوالي (10) ملايين فقط.
ويضيف التقرير أن عدم توفر التمويل الكافي للاستجابة الإنسانية في اليمن الآن يشبه تمامًا عقوبة الإعدام على ملايين الأسر؛ حيث انخفض تمويل وكالات الإغاثة بشكل حاد العام الماضي 2020، ولم تتلقَ الاستجابة الإنسانية للاحتياجات في اليمن سوى نصف المبلغ الإجمالي المطلوب لتمويلها الذي قُدر بـ(3.4) مليارَ دولارٍ أمريكي؛ نتيجة لذلك، اُضطرت المنظمات الإنسانية إلى إلغاء أو تقليص برامج إغاثية مهمة خلال عام 2020، وقد نشرت معظم هذه المنظمات تحذيرًا أنها إذا لم تتلق التمويل اللّازم خلال العام الحالي، فستتقلَّص البرامج المنقذة للحياة بشكل أكبر في اليمن.
وتقول صباح فرحان -تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية بمنظمة Care- إن اليمن لم يواجه وضعًا أصعب مما يمر به حاليًا، من أزمة اقتصادية خانقة، وانخفاض في التحويلات المالية من الخارج، وتراجع دعم المانحين للمساعدات الإنسانية، كل ذلك فيما يبدو تهديدًا كبيرًا وحقيقًا لحياة آلاف اليمنيين.
وتضيف فرحان أنها تأمل عودة التبرعات السخية لصالح دعم الاستجابة الإنسانية الطارئة في اليمن، وتدعو جميع المانحين الدوليين للاستمرار بدعم المدنيين اليمنيين، لا سيما الفئات الأشد فقرًا؛ لأنها الأكثر تضررًا وتأثرًا بأحداث الصراع.
ما قبل الصراع وبعده
تعد معظم القوى العاملة في اليمن غير مؤهلة أو رسمية إلى حد كبير، وتتسم بمعدل مشاركة منخفض كلما تدنى مستوى تعليمها، كما يعرف عن فرص العمل عدم الانسجام بين مؤهلات العمال وأدوارهم، مع ارتفاع معدلات البطالة. وعلى الرغم من عدم توفر إحصائيات نهائية، فإن تقديرات ما قبل الصراع تشير إلى أن ما بين 12.5% و25% من القوى القادرة على العمل كانت فعليًا عاطلة عن العمل. ومع ارتفاع هذه الأرقام بشكل كبير بين الشباب والنساء، كانت حوالي 42.4% من القوى العاملة تعمل لحسابها الخاص أو في شركات مملوكة للعائلة.
ويؤكد التقرير أيضًا أن معظم القوى العاملة في اليمن من الذكور، ولا تتوفر بيانات كمية حاليًا عن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث كانت تقديرات مشاركتها قبل أحداث الصراع متباينة. وتعد عملية قياس مشاركة المرأة في سوق العمل مهمة صعبة تنطوي على تحديات منهجية، منها مسألة ما إذا كان ينبغي إدراج العمل غير مدفوع الأجر -كجلب المياه- في النشاط الاقتصادي أم لا.
ووفقاً لتقرير إحصائي أجرته منظمة العمل الدولية في 2013-2014، فإن 6% فقط من النساء أصبحن ضمن القوى العاملة، في كانت 7% من الوظائف تشغلها النساء اليمنيات عام 2013، وتم ربط مستويات التعليم العالي بزيادة مشاركة النساء في القوى العاملة، حيث إن نسبة 62.1% من النساء الحاصلات على تعليم جامعي تشكل جزءًا من القوى العاملة في اليمن، مقارنة بـ 4.5% فقط من الحاصلات على تعليم ابتدائي أو أقل.
وبحسب استطلاع آخر أجرته منظمة العمل الدولية في الفترة ذاتها، فإن من بين (293) ألفَ امرأة تم توظيفهن قبل الصراع، كان حوالي نصفهن يعملن في الزراعة، إما في عمل إنتاج الألبان والتربية الحيوانية أو في الزراعة، فيما كان ثلثهن يعملن في قطاع الخدمات.
قصص من الواقع
تقول نادية عبد الله -شابة عشرينية من محافظة تعز، تعيش بعد قصف منزلهم في حي الحصبة عام 2015 ووفاة أمها وأبيها مع أخ وأخت صغيرين لا تتعدى أعمارهم سن العاشرة-: ” كنت مع إخوتي الصغار الوحيدين الغائبين عن المنزل يوم القصف، غادرنا عمارة من دورين، وعدنا لنجدها ركامًا، عائلتنا المكونة من خمسة أفراد فقدوا حياتهم وكانت تجربة أكثر من مؤلمة بالنسبة لي”.
تضيف نادية: “عدنا للعيش برفقة خالتي في قرية من قرى صبر (مشرعة وحدنان)، ونقلت إخوتي إلى مدرسة أخرى، وها أنا أعمل بمجال الزراعة لأتمكن من إعالتهم وتوفير متطلباتنا الخاصة”.
في محافظة إب، وجدنا وجدي وصديقه أنور (شابين عشرينيين) يقفان منذ ثلاثة أيام في طابور سيارات امتدّ لأكثر من كيلو متر، ينتظران دورهما في محطة المشتقات النفطية لتعبئة باصين صغيرين لهما بمادة البترول.
يقول أنور: “ألقت أزمة المشتقات النفطية بظلالها على جميع المواطنين، وها نحن نقضي أيامًا بلياليها لنحصل على (20) لترًا من البترول كي نتمكن من إعالة أهالينا”.
يشاركه وجدي بقوله: “إن المشتقات النفطية متوفرة في السوق السوداء بأسعار باهظة تثقل كاهل المواطن البسيط، وعلى مرأى ومسمع الجميع، ومع ذلك فنحن نلتزم بالوسائل القانونية كي لا نزيد الطين بلّة، وكي لا نسهم دون وعي في صناعة الأزمة وتفاقمها”.
عَهْد بكيل -إحدى النازحات من قصف وقع على مديرية صالة بتعز، وقد انتقلت للعيش في مدرسة من مدارس محافظة إب برفقة زوجها وأبنائها الأربعة- تشير إلى بضع صور محفوظة في هاتفها الخليوي، وترينا منزلها الذي هاجروه بحثًا عن الأمان، وتحكي بغصة عن محطات النزوح الكثيرة التي مرت بها عائلتها الصغيرة حتى استقرت في المدرسة، كانت حكايا كثيرة مثّل العائق المادي معظم تحدياتها.
يعمل شركاء العمل الإنساني على توسيع نطاق الاستجابة الإنسانية تجاه الأوضاع المتغيرة بسرعة، حيث أدى تصعيد الأعمال القتالية منذ 2015 إلى سقوط آلاف الضحايا في صفوف المدنيين، وجدد عمليات النزوح، وأدى إلى تقييد تحركات المدنيين وتقييد وصول المنظمات الإنسانية إلى المحتاجين. خلال تلك الفترة -وإلى الآن- فرّ أكثر النازحين إلى محافظة مأرب، في حين ذهب آخرون إلى مناطق آمنة في محافظات أكثر استقرارًا كـحضرموت والمهرة وعدد من المحافظات الأخرى.
وبالرغم من ذلك، تُواصل المنظمات الإغاثية عمليات تقديم المساعدات المنقذة للأرواح، وتركز جهود التنسيق المشتركة بين الوكالات على تيسير الوصول وتوسيع نطاق الاستجابة، وفي المناطق التي تستضيف السكان النازحين، عملت فرق الاستجابة على توسيع نطاق استجابتها المتعلقة بتقديم المواد الإيوائية والمساعدات النقدية وسلال المواد الغذائية والمواد الصحية والناموسيات ومواد أساسية أخرى للنازحين، وعملت الفرق العاملة في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة على نقل المياه بالشاحنات وبناء المراحيض وتوزيع مواد النظافة وغيرها.
كما واصلت المنظمات الإغاثية إجراء الزيارات المتعلقة بعمليات التقييم إلى المناطق المتضررة في المحافظات، وذلك لتقييم الأوضاع الأمنية وتقصي الاحتياجات الإنسانية والقدرات المتاحة على أرض الواقع لتقديم المساعدات حيث تكون الحاجة إليها.
لا زالت الأعمال القتالية النشطة ووجود الألغام الأرضية وانعدام الأمن وسوء حال البنى التحتية للطرق تعرقل تقديم المعونة في الوقت المناسب إلى بعض المناطق، وعلى قدرة فرق الاستجابة على التنسيق بصورة فعالة.
التخفيف من آثار الصراع
تشير أشواق المقطري -متطوعة في مجال الإغاثة الغذائية في اليمن، من تعز- إلى الوضع الإنساني في اليمن بقولها: “تقوم خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن التي تقودها الأمم المتحدة خلال الأعوام (2015 -2021) بدور فاعل ومهم وحيوي في إغاثة الإنسان اليمني؛ حيث تواصل الوكالات الإغاثية في اليمن تكثيف جهودها وتحركاتها في الاستجابة الإنسانية، وتستمر في تقديم السلال الغذائية لبعض اليمنيين الذين يعانون أمراضَ سوء التغذية الحاد خلال عام 2021؛ فقد ضاعف المانحون دعمهم للمساعدات الغذائية بمبلغ قدره (1.2) مليارَ دولارٍ أمريكي. وصل هذا التمويل في الوقت الضائع بحيث أسهم في تخفيف آثار المجاعة في اليمن، وساعد الدعم السخي من المانحين في توسيع نطاق التدخل الغذائي في اليمن.
في السياق ذاته، عُقد عددٌ من مؤتمرات المانحين آخرها مؤتمر دعم الاستجابة الإنسانية في اليمن “سباق لإنقاذ الأرواح”، ومؤتمر مارس 2021، وهو المؤتمر الخامس، لإعلان التعهدات المالية للجهود الإنسانية في اليمن الذي استضافته حكومتا سويسرا والسويد عن بُعد بسبب ظروف الحظر الصحي المرتبط بجائحة كوفيد-19.
تضيف المقطري: “أسهمت المساعدات الإنسانية في التخفيف من آثار الصراع بتوفير الغذاء والدواء والمأوى خلال السنوات من 2015-2021، وبدورها، كان لها الفضل في تجنيب اليمن منحدرًا خطيرًا في أزمته المتفاقمة بتزايد مستمر، حيث أظهرت التقارير الدولية احتياج ما يقارب من (20.7) مليونَ مواطنٍ يمني بحاجة ماسة وملحة للمساعدات الإنسانية والحماية الأمني؛ لأن اليمن تواجه مخاطر محدقة تتمثل بالأزمات وارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية مقابل النقد الأجنبي”. وتضيف: “أسهمت المساعدات الإنسانية في التخفيف من آثار الصراع بتوفير الغذاء والدواء والمأوى خلال السنوات من 2015-2021، وهي كان لها الفضل في تجنيب اليمن منحدرًا خطيرًا في أزمته المتفاقمة بتزايد أحداث العنف والصراع.
استطلاع.. الغذاء أهم الاحتياجات الإنسانية لليمنين في ظل الصراع بنسبة %36.9
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر ينا…