أثر الصراع والتغير المناخي في الاقتصاد اليمني
صوت الأمل – رجاء مكرد
الاقتصاد أحد الركائز المهمة التي تُسهم في النهوض وإحلال الرفاهية في الدولة، ولما كانت التجارة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعجلة الإنتاج والتنقلات والحركة التجارية، «صوت الأمل» تستعرض أبرز التطورات والانعكاسات التي شهدها اليمن خصوصًا مع تداعيات الصراع والتغير المناخي.
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، نتيجة استمرار الصراع للسنة السابعة على التوالي، أثر النزاع تأثيرًا مباشرًا على النشاط التجاري في اليمن وحركة السلع والبضائع، كما لم تسلم سلسلة توصيل المساعدات الإغاثية.
ويتجلى تأثير الصراع على الاقتصاد في زيادة تكاليف تجارة بيع وشراء البضائع والسلع في اليمن التي باتت مكلفة للغاية، إذ إن الشحنات التي تصل في غضون شهر تستغرق الآن من ثلاثة إلى أربعة أشهر، وهذا يزيد من تكلفة الشحن البحري على المستوردين المحليين.
وتعود زيادة تكلفة الاستيراد إلى التأخيرات الكبيرة في عمليات مناولة وتفريغ شحنات البضائع في المواني اليمنية، وإدخال آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش. وفقًا لـ (مذكرة سياسة اليمن رقم (3)، الصادرة عن البنك الدولي في 23مايو 2017م).
وفي المذكرة تبيَّن سبب ارتفاع أسعار التأمين على الشحنات الواصلة إلى اليمن؛إذ إنه غالبًا ما تتضمن عقود إيجار السفن أحكامًا تتعلق بالصراع، تُعرف باسم (اتفاقية شروط مخاطر الحرب)، هذه الشروط تضيف أقساط تأمين إضافية بقيمة 500 دولار لكل شحنة تعادل سعة حاوية 20 قدم و1000 دولار لكل شحنة تعادل 40 قدم.
الجدير بالذكر أنه مع أن عدن منطقة آمنة وليست ضمن نطاق آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، إلا أنه لم يُتفَاوض على التكلفة الإضافية للشحنات المتجهة إلى ميناء عدن، وتقوم شركات التأمين بفرض رسوم تأمين بنسبة 200 دولار على الخطوط الجوية اليمنية، ومن المرجح أن ينخفض انخفاضًا كبيرًا بعد عودة السلام وتراجع مستوى مخاطر تعرض الشحنات لأضرار مباشرة جراء الصراع. تبعًا لمذكرة البنك الدولي.
الصراع والسلع التجارية
وعن تضرر أسعار السلع على المستهلكين تبعًا لارتفاع تكلفة الاستيراد، أشار تقرير (تقييم الأضرار والقدرات) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن 26 أبريل 2021م؛ إلى زيادة سعر القمح بمقدار 69% منذ أبريل 2017م، وأنه في 26 أبريل 2021م فإن 50% من سعر تكلفة الكيلوغرام الواحد من القمح تأتي من تكاليف النقل مثل تكلفة الشحن والتأمين وغرامات التأخير.
كما بيّن التقرير تراجع الواردات التجارية المهمة مثل القمح، والأرز، والسُكر، والأدوية والزيت بنسبة بلغت نحو 35.7%، 59.2%، 50.1%، 76.8%، و58.1 على التوالي، هذا التراجع كان له أثر في سُبل عيش اليمنيين وتدفق السلع، بخاصة مع تضرر المواني اليمنية بسبب الصراع، وإغلاق بعضها إغلاقًا مؤقتًا وبعضها الآخر إغلاقًا دائمًا، والحال نفسه تعانيه المطارات التي يعتمد عليها القطاع التجاري في الاستيراد اعتمادًا كبيرًا.
كمال الخامري(الجهاز المركزي للإحصاء) يقول: «إن تدهور خدمات النقل الجوي والبحري، أدَّى إلى تزايد الحاجاتالإنسانية وتزايد مخاطر المجاعة وسوء التغذية، ومع استيراد ما يقارب 90% من المواد الغذائية عبر مواني البلاد، هناك تأخير في توصيل المواد الغذائية وارتفاع التكاليف”.
ويضيف الخامري:»اليمن شهد أزمات مشتقات نفطية متتالية، بجميع أنواعها (الديزل والبترول والغاز المنزلي) الأمر الذي تسبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية، واتساع معدلات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وصعوبة توفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه”.
في تقرير تقييمي خلال الفترة (2015 – 2020م) صادر في 2021م عن وزارة المياه والبيئة ـ حصلت صوت الأمل على نسخة منه ـ أن خلاصة حجم الأضرار في المنشآت والمعدات ومنظومة المياه والصرف الصحي نتيجة الصراع، كالآتي:
عدد المعدات المدمرة 73.3% منها (72.8% مدمرة كليًّا، 27.2% مدمرة جزئيًّا)، أما عن عدد المنشآت المتضررة 26.7% منها (50.9% مدمرة جزئيًّا، 49.1% مدمرة كليًّا) في عموم محافظات الجمهورية اليمنية.
سماح محمد(مواطنة) تقول: إن انعدام المشتقات النفطية تسبب في لجوء كثير من الناس خصوصًا في المناطق الريفية إلى الاحتطاب، الذي سبب ضررًا على البيئة اليمنية، مؤكدة أن المنطقة التي تعيش فيها ـ في إحدى قرى تعز الجبلية ـ تكاد تخلو من الأشجار بسبب الاحتطاب الجائر.
التغير المناخي
“شهد العالم والمنطقة العربية واليمن خلال السنوات الماضية العديد من الكوارث التي عصفت بالبلدان نتيجة التغيرات المناخية، وفي البيئة أيضًا، ولاشك أن تلك التغيرات المناخية المتمثلة في ارتفاع حرارة الأرض، ونمط هطول الأمطار والعواصف ومستوى السيول الجارفة التي تنذر بتغيرات غير مسبوقة، وتشير إلى مجموعة من التهديدات التي تفرضها تلك التغيرات سواء على مستوى البيئة أو على مستوى الاقتصاد المحلي والعالمي، يأتي على رأسها تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي ترافق معه وباء كورونا»، وفقًا لـ (الخبير الاقتصادي: أحمد سعيد شماخ).
ويتابع شماخ:اليمن كغيرها من الدول حول العالم استطاعت التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية أن تؤثر في اقتصادها، فنتجت آثارًا مدمرة على الاقتصاد الزراعي بخاصة، وعلى مستوى الموارد المائية، وصحة الإنسان، والموارد الاقتصادية عمومًا.
وأوضح : أنه قد صاحب ذلك ارتفاع في الكثافة السكانية المصاحب للتطور العمراني وهذا سيزيدمن قيمة الخسائر البشرية المحتملة؛كما ستزيد الخسائرنتيجة ارتفاعمستوى سطح البحر والأعاصير الناجمة عن التغيرات المناخية،وقد تقدر تلك الخسائر بالمليارات من بلد إلى آخر، بحسب العواصف الحاصلة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أحمد سعيد، أن ارتفاع درجة الحرارة يعمل تغيّرًا في البيئة المحيطة، إذ إن لارتفاعها آثارًا إيجابية وسلبية، والأكثر هو الأثر السلبي الذي ينتج تغيرًا في حجم المحاصيل الزراعية؛ نتيجة تغير تلك المناخات سلبًا وإيجابًا، إذ يُحدث ارتفاع أسعار الأغذية بنسبة زيادة الطلب، نتيجة تناقص المحاصيل الزراعية؛ الأمر الذي سوف يؤدي إلى انخفاض مستوى الأمن الغذائي خصوصًا لدى الدول المستوردة للغذاء ومنها اليمن، كونها تستورد قرابة90%غذاء من الخارج، تحديدًا محاصيل الحبوب.
ويقول شماخ :إنه في ظل الصراع تفاقم الأمر، فانطلاقًا من التقارير العالمية هناك أنواع كثيرة من النباتات سوف تتأثر وتتعرض لخطر الانقراض بنسبة تزيد على 30%، في حال استمرار ارتفاع درجة الحرارة ، وما سوف يتبعها من آثار مادية نتيجة تأثر الأنشطة الاقتصادية والزراعة والأحياء البحرية، وأن مشكلات التلوث كزيوت السفن وباخرة صافر ممكن أن تؤثر في السواحل الغربية للبحر الأحمر والبحر العربي فتؤدي إلى كارثة إنسانية في حال استمرار الصراع على اليمن.
وسائل إنقاذ
مصرِّحًا بأن : “كل هذه العناصر مجتمعة، ممكن أن تؤدي إلى أمراض معدية وهناك مؤشرات كثيرة في أوساط المجتمع اليمني تشير إلى أن هناك كثيرًا من الأمراض المستعصية موجودة، والحل لهذا يحتاج إلى النزول الميداني من الجهات ذات العلاقة وإلى دراسة التغيرات هذه والانبعاثات نتيجة النفايات الخطرة التي خلفها الصراع على اليمن، كما أن هناك كثيرًا من التأثيرات الضارة على حياة الإنسان تحتاج إلى مؤسسات وجهات ومنظمات متخصصة بهذا الشأن،والحاجة لمثل هذه الأبحاث هيلاكتشاف جملة من الأشياء الضارة خصوصًا مخلفات النزاع”.
ويوضح أحمد شماخ: أن من مخلفات الصراع التي أثرت في البيئة،هي تلك الأسلحة والمقذوفات التي تهدد البيئة وحياة الإنسان والطيور وكل شيء.
منبهًا، أن اليمن بحاجة إلى جهود حكومية وشعبية ومنظمات وحكومات محلية لعمل استراتيجيات وأبحاث، وأنه لابد من وجود رؤى وبرامج في سبيل إيجاد حلول بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات ذات العلاقة سواء محلية، أم إقليمية أم دولية. أيضًا، مع بعض البلدان الشقيقة لليمن والدفع في سبيل التحول إلى اقتصاد جديد، هذا الاقتصاد لابد أن يتواءم مع التغيرات الجديدة والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد الأزرق، والالتزام بالسياسات الموجهة لذلك.
مضيفاً، أنه لابد أن يكون هناك تشريعات وقوانين تتغير عن سابقتها التي تتواكب مع هذه التوجهات الحديثة، كل ذلك سيؤدي إلى التخفيف من المخاطر البيئية المحدقة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأيضًا التخفيف من التغيرات المناخية.
وعن مشكلات وطرق تحسين الاقتصاد الزراعي، كان لـ «صوت الأمل» حديث مع المهندس الزراعي «صالح شاهر محمد» الذي أوضح أهم العوامل التي تؤدي إلى تدهور البيئة ووضح كيفية الحد من تأثيرها، وأولها المبيدات الزراعية : إذ إن الاستخدام العشوائي للمبيدات في مكافحة الآفات الزراعية؛ أدى إلى قتل وإبادة كثير من الحشرات النافعة وحدوث خلل في التوازن البيئي الطبيعي، وأدى إلى ظهور أجيال جديدة من الحشرات والفطريات المقاومة لتلك المبيدات، وأنه في هذا الحال تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على مؤسسات الدولة بتقنين استيراد هذه المبيدات ومكافحة تهريبها إلى داخل الدولة.
ويضيف المهندس محمد، فيقول: إن الاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية، يلجأ إليه الكثير من المزارعين؛ لإضافة الأسمدة المعدنية بغرض تحسين جودة وكمية محاصيلهم الزراعية، إلا أنهم على استمرار في إضافة تلك الأسمدة يحصل تدهور للتربة الزراعية، حتى أنها تصبح غير قابلة للزراعة، وهنا يأتي دور الإرشاد الزراعي لتوعية المزارعين بخطورة هذه الممارسات على البيئة الزراعية وما يسببه من أضرار تلحق بالبيئة عمومًا.
مشيرًا إلى «أن التصحر والانجرافات كانت نتيجة الهجرة التي حدثت في السنوات السابقة من الريف إلى المدينة، فحل إهمال للأراضي والمدرجات الزراعية، وتعرضت لعوامل التعرية الطبيعية من أمطار و رياح، ويقع اللوم هنا على المزارع نفسه. وفي حال كان بعض الجادين في استثمار الزراعة يحتاجون إلى مساعدة في صيانة أراضيهم، ندعو المنظمات والصناديق والجمعيات الزراعية التدخل ومساعدتهم في إعادة بناء ماتخرب من أراضيهم ودعمهم بالأشجار وبذور المحاصيل المناسبة».
ويؤكد المهندس صالح شاهر أن النفايات من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الإضرار والتشويه البصري للبيئة (الاستثمار السياحي) خصوصًا النفايات البلاستيكية، ويرى أن منظمات المجتمع المدني والمبادرات التطوعية ستؤدي دورًا ملموسًا في حل هذه القضية؛ وذلك بالقيام بحملات جمع هذه المخلفات والتخلص منها بطريقة علمية، وتوعية الناس بالتصرف السليم مع تلك المواد، فمثلًا تُجمَع في عبوات خاصة وليس مع بقايا النفايات العضوية.
يونس السوسوة (الخبير الاقتصادي في وزارة الصناعة) يقول: إنه مع التدهور البيئي الذي سببه التغير المناخي، الأمطار وتغذية الأحواض المائية والمتمثل في زيادتها وانحصارها، إلا أن الحل في إنقاذ الاقتصاد الزراعي يكون بزيادة الزراعة في كل المحاصيل؛ وهذا سيعمل على انخفاض فاتورة الاستيراد بنسبة كبيرة، وستتضاعف القيمة المضافة للمستفيدين من عمال ومسوقين وتنحصر نسبة البطالة، وتتحسن مصادر الدخل.
وعن حلول تدهور الاقتصاد المتعلق بالمياه والأحياء البحرية، بسبب ناقلة النفط “صافر” يقول عبد السلام الحكيمي(وكيل مساعد بوزارة المياه والبيئة): إنه لا توجد كارثة حتى الآن، وإن حلَّ مشكلة الناقلة سياسيٌّ بحت ومرتبط باتفاقيات.
استطلاع.. ازدياد نسبة التلوث في البيئة بنسبة 89 %
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر …