شكلت المرأة إثراء واسعًا وملهمًا لصناعة الأفلام في اليمن
صوت الأمل – حنان حسين
صناعة الأفلام في اليمن لا تعدُّ من الصناعات الجوهرية التي يشارك فيها الكثير من النساء. رغم ذلك، في السنوات الأخيرة نجد بعض النساء اليمنيات اللواتي يعملن في مجال صناعة الأفلام بشكل فردي أو بالتعاون مع الرجال، تلمع أسماؤهنّ في العديد من المشاركات المميزة، سواءً على المستوى المحلي أو الدولي.
المرأة اليمنية صنعت تجارب ناجحة، فنراها ساعدت في بناء صورة متألقة في مجال صناعة الأفلام في اليمن، كيف لا وأغلب الأفلام التي ظهرت في السينما اليمنية ووصلت لتحقق جوائز دولية كبرى، نراها صنعت بأعين ورؤى نساء يمنيات نجحنَ وتميّزنَ وأبدعنَ.
ورغم كل القيود التي تحيط بالنساء في مجال صناعة الأفلام فإننا نجد أسماء نساء متألقات في هذا المجال، أمثال خديجة السلامي، التي تعدُّ من أوائل المخرجات اليمنيات. أنجزت خديجة الكثير من الأفلام التي تناولت قضايا النساء في اليمن، وعلى مستوى عالمي نجد خديجة فازت بالكثير من الجوائز، منها وسام جوقة الشرف برتبة ضابط التي منحتها فرنسا تقديرًا لأعمالها.
إيمان العبسي (خريجة كلية الإعلام، جامعة صنعاء) هي أول امرأة تعمل مساعد مخرج في الدراما اليمنية. تصف إيمان تجربتها بالممتعة، وتصف أهمية وجود النساء بقولها: “للنساء في مجال صناعة الأفلام والدراما أهمية ودور كبير، سواء في كتابة السيناريو أو الإخراج أو التمثيل، وأشياء عديدة في هذا المجال”.
وذكرت إيمان أن تجربتها في المجال بدأت عندما انتهت من مرحلة دراستها للإعلام في جامعة صنعاء، وبعدها عملت في إحدى شركات الإنتاج كمساعد مخرج، وكان الطلب على الفتيات أكثر؛ كون البنات دقيقات ومجتهدات في العمل”.
وتضيف إيمان: “اشتغلتُ لمدة ثلاثة أشهر بجهد كبير كي أثبت أحقيتي للفرصة، وبعدها كانت تجربتي كمتابعة للإسكريبت (السيناريو) ومساعد مخرج. بعدها اشتغلت في تفريغ النصوص (تحويل الصوت إلى كتابة)، وهذي تعد واحدة من مهام مساعد المخرج، وهذا ما أكسبني خبرة كبيرة في مجال الإخراج”.
منال الشيباني من صانعات الأفلام اللواتي ظهرنَ مؤخرًا، تتحدث عن تجربتها في مجال صناعة الأفلام بقولها: “بدأت عام ٢٠١٢م، أول فيلم لي كان حول خطر المخدرات، وكان من تصويري، وشجعني فيه أحد زملائي”.
وتضيف: “كان إنتاج الفيلم بدعم ذاتي مني، لذلك تفاجأت للغاية أنه لا يوجد لدينا منصات مخصصة لدعم الإنتاج. أرى أنّه لا بُدَّ من دعم كبير للخروج بإنتاج ممتاز وقوي”.
وتوضح منال أنّ فيلمها الأول حبيس ذاكرة الحاسوب الخاص بها حاليًا، ولم يطّلع عليه إلَّا القليل من المشاهدين.
وتضيف منال أن جهودها في تطوير ذاتها هي من أوصلتها لصناعة الأفلام القصيرة بمستوى رائع، وقالت: “بدأت بعدها بصناعة العشرات من الفلاشات التوعوية، ومرحلة تلو مرحلة، وبجهود ذاتية، ومساعدة فريقي، بدأت بصناعة الأفلام القصيرة”.
وتؤكد منال أنّ صناعتها لفريقها أتى بعد الكثير من الجهد والتعب بمجهود فردي، كان تأسيس فريقها في 2016م، وأتت هذه الخطوة بعد عدة تجارب في سوق العمل، أكدت لها أنّ العمل بفريق لديه علاقات واسعة مطلوب للغاية.
سارة ساري، متخصصة في الدراسات الإسلامية والنظريات السياسية، وحصلت على شهادة في علم الاجتماع سنة2007م من جامعة إدنبرة في إسكتلندا. بعد ذلك درست الماجستير في العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة إدنبرة، وبعدها ذهبت لدراسة الماجستير في الإخراج السينمائي من كلية أدنبرة للفنون عام 2012م.
هي كذلك مخرجة، لها العديد من الأفلام التي عملتها لعدد من الجهات، منها فيلم (اليمن أجرة) من إنتاج (مخيم قُمرة)، وتمّ عرضه في بريطانيا وعدة دول. كما قامت بصناعة عدد من الأفلام لصالح منظمات دولية. قدَّمت سارة العديد من دورات السيناريو والتمثيل والإخراج والمسرح بشكل تطوعي، كمبادرة منها لدعم صناع الأفلام؛ ليمارسوا شغفهم ويحققوا أحلامهم في صناعة أفلام متميزة.
وكما نجد اسم سارة إسحاق معروفًا في وسط صنّاع الأفلام في اليمن، كصانعة أفلام يمنية، فقد عرفت بإخراجها لعدد من الأفلام الوثائقية، منها: (ليس للكرامة جدران) الذي رشح لجائزة الأوسكار، وفيلم (بيت التوت).
المرأة كعنصر مساعد في صناعة الأفلام
المرأة اليمنية أثبتت أحقيتها في العديد من المجالات، ومنها صناعة الأفلام، ولكن لا يزال الرجل يأخذ المساحة الأكبر لعدة أسباب، هذا ما تحدثت عنه الممثلة عبير محمد؛ إذ تقول: “وجود المرأة في صناعة الأفلام أراها مهمة جدًّا، فالمرأة نصف المجتمع وأكثر، وشريكة للرجل في كلِّ شيء، خصوصًا الدراما، ولكن يظل وجود الرجال أكثر”.
ابتسام الحيدري (مخرجة) تصف وجود المرأة كعنصر أساسي في صناعة الأفلام بالجوهري كدور الرجل، ولا يجب أن يوجد تمييز بينهما، وترى أنّه لا يوجد تمييز بينهما إلّا بمدى الخبرة والممارسة والإبداع لدى الجنسين.
وتوضح قائلة: “بالنسبة لي دور المرأة في صناعة الأفلام مثله كمثل دور الرجل، فصناعة الأفلام لا علاقة لها بالمرأة أو الرجل، هي صناعة تتطلب فنًّا وإبداعًا ومهارة وممارسة، بصرف النظر عمّن كتب النص أو حمل الكاميرا”.
وتضيف: ” بالنسبة لي لا يوجد شيء اسمه دور المرأة في صناعة الأفلام، لأنّ هذه الفكرة يجب أن تكون بديهيّة، لكن يجب أن نقول هناك دور للإبداع والفن والمهارة والممارسة، قد يقول بعضهم إنّ المرأة يمكنها إيصال أفكار النساء أو تقديم أفلام أقرب فهمًا عن مشكلات المرأة، ولكن التاريخ والواقع أثبتا أنّ كثيرًا من المؤلفين والمخرجين الرجال استطاعوا إيصال إحساس المرأة، ونقلوا للمجتمع كثيرًا من القضايا النسائية”.
قضايا النساء اليمنيات وصناعة الأفلام
تعدُّ القضايا التي تواجهها النساء في المجتمع اليمني هي جوهر ما تم إنتاجه في الأفلام التي تمت صناعتها مسبقًا في اليمن، منها قضايا الزواج المبكر، وغلاء المهور، والعادات والتقاليد وغيرها. لكن يبدو أنّه ما زالت هناك حاجة إلى وجود المزيد من المحتوى السينمائي، الذي يستهدف القضايا التي تعاني منها النساء في اليمن، مثل العنف الأسري، والتحرش الجنسي، وسوء المعاملة.
إذ يمكن لهذه المحتويات أن تسهم في رفع الوعي وتغيير النظرة المجتمعية نحو هذه المواضيع، وهذا ما أوضحته كاتبة السيناريو يسرى عباس بقولها: “ما زال ينقصنا الكثير في مجال صناعة الأفلام، من جميع النواحي، منها مجال كتابة السيناريو باختيار المواضيع المناسبة، والسبب هو عدم وجود إمكانيات أو تدريبات خاصة بهذا المجال تمكنّا من إيصال الرسائل بدقة، لكن هناك مخرجات يمنيات، مثل سارة إسحاق، وخديجة السلام، أوصلن قضايا بسلاسة وبشكل ممتع”.
وأضافت: ” لا نستطيع وصف التجربة اليمنية في صناعة الأفلام ككل، بالمتقدمة ولا بالمتأخرة، لأننا رأينا أعمالًا مميّزة ورائعة عرضت بشكل عالمي، لكننا نحتاج المزيد من الجهد والرعاية، وبالتأكيد سنصل”.
تمكين النساء في صناعة الافلام
هدى جعفر (صحفية وناقدة) ترى أن أي مشاركة في هذا المجال تعدّ خطوة مهمّة وتستحق الإشادة؛ لأنّها تعمل ضد منظومة متكاملة مقابل مَن يرى الفن ومجالاته بنظرة العدو، سواء لأسباب قبلية أو اجتماعية أو دينية، حسب وصفها.
وتضيف هدى بقولها: “الفيلم يعدّ جيدًا لأسباب بعيدة عن كون صانعه رجلًا أو امرأة، لكن أبرز الإيجابيات لدعم النساء في هذا المجال هو أن الجهات المانحة، الأجنبية على وجه الخصوص، تتحمس لدعم النساء في هذا المجال؛ لذلك نجد أنّ هناك الكثير من الفرص لدعم النساء أكثر من الرجال”.
وتضيف: “ربّما لأنّ القضايا التي تعرضها النساء في الأفلام تتسم بالأهمية كما في أفلام المخرجة سارة إسحاق، وفيلم (أنا نجوم ابنة العاشرة ومطلقة) للمخرجة خديجة السلامي، الذي عرض على مستوى عالمي، وفاز بجوائز عديدة”.
بلقيس علوان (أستاذة في قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام، جامعة صنعاء) ترى أنّ الأفلام تسهم في نقل قصص النساء وتجاربهنّ، ممّا يمكن أن يساعد في توعية الجمهور بقضاياهنّ ومشاكلهنّ.
وتضيف قائلة: “من الممكن أن تسهم الأفلام في نقل معلومات وفهم أفضل للتحديات التي تواجهها النساء في مجتمعات مختلفة، وعندما يشاهد الجمهور تجارب النساء ومعاناتهنّ على الشاشة، قد يزدادون تفهُّمًا وتعاطفًا مع قضاياهنّ”.
من ناحية أخرى، توضح علوان أن الأفلام ، بشكل عام، تلعب دورًا مهمًّا في تعزيز التمثيل المتنوع للنساء وتسليط الضوء على قضاياهن، وتأثيرها على المجتمع والثقافة.
وتوضح علوان بقولها: “يمكن للأفلام أن تعرض شخصيات نسائية متنوعة من مختلف الأعمار والأعراق والثقافات والتجارب، وهذا يسهم في تعزيز التمثيل الحقيقي والمتكافئ للنساء في السينما”.
وتضيف: “يمكن القول إنّ النساء قد يكون لديهنّ مزيد من القدرة على التعبير عن قضاياهنّ في صناعة الأفلام للأسباب الآتية:
- التجارب الشخصية: النساء يمكن أن يستندنَ إلى تجاربهنّ الشخصية كنساء؛ لتصوير قضايا تمر بها النساء بشكل أفضل وأدق؛ فهنّ يفهمنَ تجارب النساء والتحديات التي يمكن أن يواجهنها بشكل أفضل، ومن ناحية أخرى النساء كممثلات ومخرجات يمكن أن يجسدنَ شخصيات نسائية بشكل أفضل وأكثر دقة، ممّا يسهم في إظهار تجارب وشخصيات كثيرة للنساء في الأفلام.
- التمثيل المتنوع: النساء في صناعة الأفلام يسعين عادة إلى تعزيز التمثيل المتنوع لهنّ، وهذا يعني أنّهنّ يعملنَ على تقديم صور متنوعة ومتعددة لهنّ في الأفلام.
- . الإشراف والإخراج: النساء في وظائف الإخراج والإنتاج يمكن أن يؤثرن على اختيار المشاريع والقصص التي تتناول قضاياهنّ بشكل أكبر، ويمكنهن التأثير على كيفية تقديم هذه القضايا ومعالجتها.
- دعم المشاريع النسوية: فالنساء في صناعة الأفلام يمكن أن يسعين إلى دعم المشاريع السينمائية، التي تركز على قضاياهنّ وتمثيلهنّ بشكل إيجابي”.
وعلى ذات السياق، نرى أنّ الحاجة الملحة تشجع لتمثيل قضايا النساء وتناولها في الأفلام ومشاركة المزيد منهنّ في صناعة الأفلام، وزيادة تمثيلهنّ في وظائف الإخراج والكتابة والإنتاج والتمثيل، وهذا يعزز التنوع ويسهم في تقديم رؤى متعددة ومتنوعة لقضايا النساء في هذه الصناعة.
المعوقات والصعوبات
صناعة الأفلام في اليمن لا يزال تحديًّا بالنسبة للنساء، بسبب القيود الثقافية والاجتماعية الموجودة. تعدُّ النواحي الاجتماعية والثقافية والقوانين الصارمة في اليمن عوائق رئيسية أمام المرأة للانخراط في صناعة الأفلام؛ فعلى سبيل المثال، قد يتم فرض قيود على حركة النساء ومشاركتهنّ في الأماكن العامة، كذلك هناك عادات وتقاليد تقيد حركة المرأة وتمنعها من مشاركة طاقم العمل في كثير من مراحل صناعة الفيلم، ويجب عليهنّ الحصول على إذن من أفراد أسرهنّ أو السلطات المحلية للمشاركة في بعض الأنشطة.
توضح إيمان العبسي (مساعد مخرج): “الصعوبات كانت كثيرة، بالذات لأنني فتاة؛ فكانت تصلني عبارات تنمر من الزملاء الرجال، كوني اقتحمت مجالهم؛ فمنهم من كان ينتقد عدم خبرتي في المجال، ويصف عملي بالتنزه. رغم أنها كانت تجربة صعبة وفي مرحلة من مراحل عملي، وكنت أحتاج للكثير من الجهد والسهر وقوة التحمل والصبر، كنت في أوقات كثيره أبكي من التنمر، لكن كل مرة كنت أبكي، أصرُّ أن أعمل بجهد أكبر وأثبت وجودي بعملي، ونجحتُ بحمد الله”.
المرأة اليمنية رغم الصعوبات التي تحيط بها، برعت في عدة مجالات، خاصة تلك المجالات التي كانت حديثة عليها، أو طالما اقتصرت على الرجل فقط، منها صناعة الأفلام. نرى أسماء نساء يمنيات لمعت كشعاع مشرق في السينما العربية والعالمية؛ فمنهن كاتبات السيناريو، ومنهنّ المصورات، ومنهنّ المنتجات وصانعات الأفلام وغيرهنّ.
72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…