قصة اغتراب ورحلة التعريف بتراث الطهي اليمني
صوت الأمل – حنين الوحش
“سلام سلام” هكذا يفتتح الشاب اليمني ياسين السقاف فيديوهاته التعليمية عن المطبخ اليمني بصوت مليء بالحماس والشجن، وسلامُهُ ليس مجرد هوية تميزه فحسب، لكنه يريد إيصال رسالة خالدة إلى وطنه؛ فحسب قوله: السلام الأولى هو للتحية، والسلام الثانية هي سلامه إلى وطنه الذي يتمنى له السلام والأمان، ويريد أن يسمع صداه ويعرف بأنه بلد فيه من الجمال والتراث والثقافة ما يميزه عن غيره.
في رحلة الغربة والعيش بعيدًا عن كنف العائلة، وبين الحنين لرائحة البلد وطبخ الأم، عانى السقاف في فترة اغترابه في دولة اختلفت ثقافتها ونمط الحياة فيها كليًا عن بلده الذي نشأ وترعرع فيه، خصوصا في جانب المطبخ والأكل.
طموح وغربة
درس السقاف الجرافكس من شدة شغفه وحبه للفن الإبداعي والهندسي. وعند انتهائه من دراسة الجرافكس، قرر دراسة الماجستير الدولي في إدارة الأعمال؛ لينمي نفسه ويستغل وقته في بناء الذات والتطوير من مهاراته ومواهبه وهواياته.
في طريق البحث
منذ أكثر من أربع سنوات، والسقاف يمارس الطبخ ليوصل ثقافة الطبخ اليمني إلى العالم بأكمله بسهولة وبالطريقة الصحيحة. يقول السقاف: “في البداية كنت أبحث عن نكهة طبخ أمي، وكانت أكلتي المفضلة هي المندي التي بدأت بتعلمها من خلال عدة محاولات حتى أتقنت عملها بعد استشارة المحيطين بي. وبعد أول تجربة ناجحة لي بدأت بنشرها؛ ليستفيد منها المغتربون والذين يواجهون صعوبة في الطهي”.
ويتابع: “أول فيديو نشرته لاقى استحسانَ الناس وأحبوه كثيرا، وجاءتني نصائح ومشاركات عن نشر فيديوهات تعليمية عن الطبخ اليمني”.
الغربة والطبخ
يحكي السقاف مشواره مع السفر والطهي قائلاً: “في الغربة تعلمت الاعتماد على النفس في كل شيء، خاصةً في إعداد الأكل، وهذا يعود إلى أسباب عدة، منها: عدم وجود مطاعم يمنية في الدولة التي أقيم فيها (ألمانيا)، ولأني غير معتاد على الأكل الموجود؛ لهذا ما كان أمامي إلا أن أخرج موهبة الطبخ التي لدي وأنطلق بها”.
ويضيف: “اكتشفت وأنا أقوم بعمل تجارب الطبخ الخاصة بي أن لدي حبًا للطبخ، وأنني متميز فيه، بحسب إشادة من حولي؛ وهذا ما جعلني أتخذ قرارَ إنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي (الإنستجرام)؛ لأنشر فيها طبخات تعكس الثقافة اليمنية بطريقة مبسطة وسهلة، خصوصًا أن الأكلات اليمنية تحتاج إلى فهم دقيق وإتقان”.
ويشير السقاف إلى حرصه أثناء عمل فيديوهاته ألا تتجاوز مدتها من دقيقة إلى اثنتين؛ ليسهل على المشاهد متابعتها، ولتبسيط كيفية الطبخ على المتابع، ولضمان عدم شعوره بالملل خاصةً أن الفيديو يعاد أكثر من مرة لاستذكار المقادير والتأكد من صحة الوصفة.
ومن ناحية التفاعل الصوتي فيه وعدم اعتماده على كتابة المقادير فقط، يقول السقاف: “صوت الشرح يضيف للفيديو نمطًا تفاعليًا، ويصل إلى الناس بصورة أكبر، ويبقى عالقًا في أذهانهم. إضافة إلى أن كثيرًا من الناس يعتمدون على الصوت فقط أثناء التطبيق؛ وهذا يسهل عليهم مهمة الطبخ. أما بالنسبة للموسيقى فأدمج الموسيقى اليمنية في الفيديو ليضفي عليه طابع الانتماء لليمن؛ ولأن الأكلات التي أطبخها يمنية أصيلة، ومن ثم لا بد أن ترتبط بالثقافة المجتمعية والحضارية لليمن فيعرفها الجميع أيضًا”.
استضافات أجنبية
وفي إطار تعريف الأجانب بتراث الطهي اليمني ونشره على مدى واسع يوضح السقاف أنه أثناء نشر الفيديوهات نجد الكثير من الطهاة غير اليمنيين المهتمين بهذا الجانب يقلدون بعض الوصفات التي نشرت؛ إذ يتواصلون به وينسقون فيما بينهما لعمل بث أولي مباشر، يضمه والشخص الذي استضافة فقط؛ ليشرح له الطريقة ويطبقها. وفيما بعد ينشئ المستضيف فيديو آخرَ مباشرًا يطبق فيه الوصفة أمام الناس.
ويضيف: “من الأصناف التي تم طبقتها معهم: الزربيان العدني، العشار، الفاصوليا، وزودت بعضهم بالبهارات؛ لتكون الوصفة كما هي يمنية أصيلة”.
وينوه إلى أن فكرة الظهور في بث مباشر عبر الإنستجرام كانت جديدة، وتعود أصلا إلى الناس الذين لا يجيدون الطبخ، ولفت نظرهم إلى جمال الأكل اليمني. وقد لاقت تفاعلًا وانتشارًا واسعًا، تحديدًا في فترة انتشار فيروس كورونا؛ لأنها جديدة، ولانشغال الناس بالحجر المنزلي وعدم قدرتهم على الخروج. مؤكدًا أن الغرض الأساسي من ذلك هو جعلهم يحبون الأكل اليمني بطعمه الأصيل.
خطط مستقبلية
وفي الحديث عن الخطط المستقبلية وما الذي سيقدمه من أجل نشر تراث الطهي اليمني، يقول السقاف: “حاليا، أعمل على إعداد كتاب إلكتروني مكون من تسعين طبخة (وصفة) يمنية، سينشر في الأيام المقبلة باللغة الألمانية، بحكم وجودي فيها، والإنجليزية والعربية؛ لمساعدة من يجهلون الطبخ أو من لا يتقنون هذه المهارة”.
ويتابع: “أنا أسعى إلى إيصال رسالة، وهي التعريف بتراث الطهي في اليمن على نطاق واسع وليس الهدف نيل الشهرة”.
رسالة خالدة في نهاية الحديث عن فكرة السقاف وإبداعه في الطهي وانجذاب المتابعين له، يوجه رسالته إلى الشباب الطموح القادر على تقديم شيء يخدم فيه مجتمعه ويخدم نفسه، يقول: “لا بد من استغلال الظروف والفراغ في أشياء مفيدة للنفس وللتعلم، ولا بد من تنمية المواهب وإخراج الشغف المدفون في الأعماق والاستفادة منه في صنع نقطة تحول على الصعيد الشخصي والمجتمعي”.
43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني
صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…