الاستثمار في تراث الطهي اليمني.. طموحٌ تجاريٌّ يعزّز من المكانة التراثية لليمن
(صوت الأمل – ( أحمد باجعيم – علياء محمد
تُعدُّ المشاريع الخاصة التي تستثمر في مجال الطهي والأكلات الشعبية في اليمن فرصة ممتازة للاستفادة من الثقافة الغنية والتراث المتنوع في الوقت الحالي؛ إذ إنّ بلادنا تشتهر بتنوع تراث الطهي وأصناف المأكولات الشعبية، التي ترتبط بتراث ثقافي عريق وتاريخ طويل، حيث تنفرد كلُّ محافظة بتشكيلة واسعة من الأطعمة التقليدية المشهورة غير متوفرة في المحافظات الأخرى، ممَّا ساعد على تصدير الكثير من الأطباق اليمنية إلى الخارج، وحققت شهرة واسعة للذّتها وجودتها.
وتُعدُّ المشاريع التي تستثمر في الطبخ والأكلات الشعبية وسيلة للحفاظ على التراث الثقافي وتطويره، فبواسطة توفير المأكولات الشعبية المحلية والترويج لها، وأيضًا المحافظة على تراث الطبخ التقليدي وروح المنطقة في مجال الطعام، ستُوفَّر فرص عمل للأفراد المهتمين بتراث الطهي اليمني وتجارته وتسويقه، ويعزز التماسك والتواصل الاجتماعي من خلال تقديم وجبات مستمدّة من تراث الطهي اليمني الأصيل تجمع الأهل والأصدقاء.
وعلاوة على ذلك، فالمشاريع الخاصة التي تستثمر في هذا المجال تعزّز النشاط الاقتصادي المحلي، وتسهم في التنمية التجارية، بالإضافة إلى أنّها تلبّي رغبة العملاء في تناول الأطعمة الشعبية ذات الجودة العالية والمذاق الرائع، سواء داخل اليمن، أو من خلال تجربة طهي بعض الأطعمة المحلية في المطاعم الخارجية.
الاستثمار في الأكلات الشعبية.. حضرموت نموذجًا:
تمتاز محافظة حضرموت بالعديد من الأصناف والوجبات الشعبية ذات شهرة كبيرة ومذاق شهي؛ كالصيادية، والكراش (وهي أمعاء وباطنة السمك)، واللُّخم (وهو نوع من سمك القرش المجفف)، والهربس والباخمري، وغيرها من المأكولات الحضرمية الشعبية، التي تعبّر عن إرث المحافظة الغني في مجال الطهي، ناهيك عن الحلويات، كلُّ هذه ساعدت القطاع الخاص على الاستثمار وفتح مشاريع تقدّم تلك الأنواع للعملاء المحليين أو لزوار المحافظة.
مطعم (صادق) للأكلات الشعبية تأسس في مدينة المكلا مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، ويعدُّ أحد أقدم المطاعم بالمحافظة في تقديم الوجبات الشعبية، التي أبرزها (الصيادية واللُّخم)، حقق خلال تلك المرحلة سمعة وشهرة واسعة ذاع صيتها في مختلف مديريات المحافظة، وكذا المحافظات المجاورة؛ لجودة أطباقه ومذاقه الفريد، وأسعاره التي تناسب كافة شرائح المجتمع.
وأكد المدير التشغيلي للمطعم محمد باحويرث أنّ المطعم استطاع أن يحافظ على جودة الأكلات الشعبية التي يقدمها منذ انطلاقته قبل نحو (70) عامًا، ولهذا بقي المشروع قائمًا متماسكًا رغم الوضع الاقتصادي الصعب، الذي تسبب بإفشال الكثير من المشاريع المماثلة في البلاد، مبينًا أنّ وجبة (الصيادية) الشعبية لها ارتباط وثيق بالبيئة الحضرمية واليمنية على وجه العموم، ولها إرث ثقافي يعبّر عن هوية اليمن، وأيضًا لسعرها المقبول مقارنة بالأطباق الأخرى باهظة الثمن، التي أصبح في غير مقدور الكثير من الناس تناولها؛ نتيجة الظروف التي تعاني منها اليمن في السنوات الحالية.
وأمّا عن إقبال النّاس على المطاعم التي تقدّم تراث الطهي الشعبي، أوضح باحويرث أنّ الإقبال على الأكلات الشعبية في ازدياد مستمر؛ نظرًا لأسعارها المناسبة مقابل المطاعم الفارهة، التي أسعارها غالبًا ما تكون مكلفة ولا تناسب أغلبية شرائح المجتمع، مضيفًا أنّ المشاريع الخاصة التي تستثمر في المطاعم الشعبية لا تحتاج إلى رأس مال كبير، وهذا ما يسهّل على الكثير من رجال الأعمال الاستثمار فيها وتحقيق أرباحٍ جيدة.
ومن جانبه قال سعود النعماني، وهو (صانع محتوى): “إنّ المحتويات التي يقدمها المشاهير على مواقع التواصل أسهمت في إشهار تراث الطهي اليمني؛ ومنها الأكلات الشعبية داخليًّا وخارجيًّا، وشجّعت القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال؛ لما له من عوائد ماديّة كبيرة، وأيضًا خلقت المحتويات، التي يقدمها المشاهير، روح التنافس بين مالكي المطاعم في تقديم الأكلات بطرق متنوعة ومبتكرة لجذب الزبائن”.
وتابع النعماني تصريحه بقوله: “إنّ المشاهير يقدمون محتويات ذات مصداقية لدى المتابعين بعيدًا عن الترويج المبالغ فيه كالإعلانات الممولة”، وأشار إلى أنّ إقناع المشاهد أو المستثمر بمنتج معين يحتاج إلى مصداقية وتجربة ناجحة، يستطيع المتلقي من خلالها أن يخرج برؤية واضحة تساعده على البدء في مشروعه بما يتواكب مع سوق العمل.
تحديات الاستثمار في الطهي الشعبي
لم تدخل الوجبات المستمدة تراث الطهي اليمني ضمن اهتمامات المستثمرين بالقطاع الخاص في اليمن بالشكل المطلوب؛ وذلك لتدني رؤية رؤوس الأموال حول العوائد المادية من الاستثمار في هذا المجال، كما أنها لم تحظَ باهتمام الجهات المعنية، وتشجيع رجال الأعمال من خلال التسويق والترويج، وإقامة ورش عمل تحث على الاستثمار في الأكلات الشعبية.
إلى ذلك، أشار باحويرث أنّ عدم تطور الطهي الشعبي لمواكبة الأطباق التي تلاقي إقبالًا عليها، خصوصًا الأطباق ذات المواصفات المتعددة التي يروَّج لها على وسائل التواصل الاجتماعي، هو أحد أسباب جنوح بعض القطاع الخاص عن الاستثمار في الأكلات الشعبية، التي غالبًا ما يكون زبائنها الأيدي العاملة والطبقة الكادحة؛ لأسعارها الزهيدة مقارنةً بالأطعمة ذات المواصفات والمكونات المتعددة.
وعدد النعماني أبرز التحديات التي تواجه القطاع الخاص في استثمار الأكلات اليمنية الشعبية، وهي: ضعف الترويج الإعلامي لإظهار الموروث الثقافي، والنظرة المالية المتواضعة للاستثمار في هذا المجال، كما أنّ معظم العاملين في إعداد الأكلات الشعبية هم من ذوي الدخل المحدود أو هم معدومو الدخل، وبأدوات وطرق بدائية، يفترشون أزقة الشوارع أثناء طهوها وبيعها، كل هذه التحديات ألقت بظلالها على القطاع الخاص والاستثمار.
حلول لتشجيع القطاع الخاص
الاقتصادي سالم باجعيم وضع عدة عوامل تعزّز من تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في الأكلات الشعبية؛ منها: توفير البيئة الاستثمارية المناسبة من خلال سياسات وإجراءات تعمل عليها الدولة لتشجيع الاستثمار في المجال الغذائي، بما في ذلك كل ما يتصل بتراث الطهي الشعبي اليمني، ووضْع نظام قانوني ملائم يسهّل على رجال الأعمال الاستثمار في هذا القطاع أو غيره، وكذا تقديم التسهيلات المالية لتشمل تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتقديم منح وقروض بأسعار ميسرة.
وشدّد باجعيم على أهمية الحملات الترويجية والتسويقية القوية للأكلات المتوارثة عبر الأجيال اليمنية لجذب المستثمرين والمستهلكين، لتشمل هذه الحملات الإعلان عن المنتجات والخدمات الغذائية عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأيضًا تنظيم المعارض والفعاليات لعرض تراث الطهي اليمني والمشاركة في الفعاليات الخارجية، وتعزيز الجانب التدريبي لتطوير مهارات العاملين في هذه المهنة، من خلال الأنشطة والمشاريع وورش العمل، ومنح العاملين أدوات طهي حديثة.
وختمَ تصريحه قائلًا: يجب توفير المباني والتجهيزات اللازمة، أو تحديد موقع ملائم في الأسواق لهذه الفئة بدلًا من افتراش أرصفة الشوارع. كلّ هذه العوامل أو الحلول يجب تنفيذها بشكل صحيح لما لها من شأن في جذب المزيد من الاستثمارات في الأكلات الشعبية اليمنية.
إنّ للقطاع الخاص أهميةً كبيرةً وتأثيرًا إيجابيًّا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستثمار في الطبخ المحلي، ومنه الأطعمة الشعبية التي تعد جزءًا من التراث اليمني والثقافة التاريخية، وتعمل هذه الاستثمارات على خلق فرص عمل جديدة لتوفير دخل للعديد من العائلات اليمنية.
ويُسهم القطاع الخاص أيضًا في تحسين جودة الأكلات الشعبية، وتوفير الخدمات الصحية والنظافة المطلوبة من خلال توفير مطاعم ومحالّ أكل محترفة ونظيفة؛ وهو ما يعزّز سمعة الأكلات الشعبية، ويزيد من ثقة الناس في تناولها، وحتى يستمر هذا التراث الغذائي ويظل يتمتع بالنجاح الدائم، ويشارك مع بقية المجالات والقطاعات في ازدهار الاقتصاد اليمني.
المشاريع المنزلية الأكثر انتشارًا لمواجهة البطالة
أصبحت المشاريع الصغيرة الخيار الأمثل لعدد من الأفراد في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، حيث توجه الكثير من الأفراد إلى إقامة المشاريع المنزلية الخاصة؛ لتحسين المستوى المعيشي في ظل انعدام فرص العمل وانتشار البطالة.
وتُعدُّ المشاريع المنزلية الخاصة بتراث الطهي اليمني من أكثر المشاريع انتشارًا؛ فهي تكسب ثقة الكثيرين ممّن يشتهون مذاق المأكولات المصنوعة في المنزل، بالإضافة إلى أهميتها في توفير الوقت والجهد.
توفير فرص للعمل وتحسين مستوى الدخل
“الاحتياج وظروف الصراع الصعبة سببٌ في فكرة مشروعي”؛ لهذا السبب اختارت بثينة العمري تنفيذ مشروعها المنزلي الخاص بطهي عدد من المأكولات المستوحاة من تراث الطهي اليمني الأصيل.
وتقول: “في العام 2019م ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءًا، وتوقف راتب والدي؛ لذلك فكرت أنا ووالدتي بمشروع نستطيع من خلاله تحسين مستوى المعيشة، ولأنني ووالدتي نتفنن بطهي عدد من المأكولات اخترنا مشروعنا هذا وبدأنا بطبخ المأكولات اليمنية الشعبية وتوصيلها إلى المنازل والمؤسسات والمنظمات”.
مضيفة: “نقدّم عددًا من المأكولات المتنوعة والمختلفة، ويزيد الطلب على وجبات الأرز بأنواعه والمكرونات واللحوم والأسماك”. وهي ترى أنّ المشاريع الخاصة توفّر فرص عمل للنساء، وتقلِّل نسبة البطالة، وتسهم في تحسين دخل الفرد.
وتؤكد قائلة: “مشاريع الطبخ المنزلية توظف الكثير من النساء، وتقلّل نسبة البطالة لدى النساء، وتلعب دورًا كبيرًا في تمكين المرأة اقتصاديًّا عن طريق توفير فرص عمل مناسبة تستطيع من خلالها أن تستقل ماديًّا”.
وفي سياق متصل اتجهت صاحبة مشروع (وجبات مدهش) إلى طبخ عدد من المأكولات المتنوعة، وتؤكد على أهمية مشروعها كونه مصدر الدخل الأساسي لها ولعائلتها. وانطلاقًا من هوايتها ونَفَسها الرائع في الطهي، وفقًا لوصفها، أصبحت تتفنن في طهي الكثير من الوجبات الشعبية والعربية والعالمية.
وأشارت في حديثها إلى أنّ فرص العمل الشبه منعدمة، وندرة الوظائف في القطاعات الحكومية والخاصة سببٌ رئيسيٌّ لتنفيذ المشاريع المنزلية الخاصة.
اكتساب المهارات
استغلت ندى سالم هوايتها في الطبخ وحولته إلى مشروع خاص، وأصبحت تسوّق لما تحضّره من مأكولات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول: “تلقى المشاريع المنزلية الخاصة بالطهي رواجًا كبيرًا؛ حيث لا يتوقف الطلب عليها، ويكمن التحدي في كيفية التسويق لهذه المأكولات”.
مضيفة: توفّر المشاريع المنزلية التكاليف، فلا يحتاج صاحب المشروع المنزلي مكانًا للاستئجار، ويتم العمل بحرية أكثر وبدون قيود، بالإضافة إلى أنّ المشاريع المنزلية تكسبنا الكثير من المهارات في البيع والشراء والتسويق والإدارة والتنظيم والترويج للمنتجات، وتجعلنا أكثر انفتاحًا على الأسواق.
صعوبات وتحديات
“هناك تحديات وصعوبات كبيرة تواجه صاحبات المشاريع الصغيرة” هذا ما أكدته نسيم خالد صاحبة مشروع “منزلي” الخاص بالطهي، وقالت: “توقّف مشروعي أكثر من مرّة بسبب عدم القدرة على توفير المواد والأدوات؛ بسبب ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، ورفض عدد من البنوك والجمعيات تقديم قروض تمويل للمشاريع”.
مضيفة: “نواجه مشاكل كبيرة عند توصيل الطلبات لعدد من المناطق؛ بسبب ارتفاع أسعار المواصلات، وانعدام المشتقات النفطية في أغلب الأوقات”. وأشارت في حديثها إلى ضرورة تقديم المؤسسات والمنظمات الدعم؛ لتطوير مثل هذه المشاريع.
43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني
صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…