التغيرات المناخية مشكلة تهدد سبل العيش والأمن الغذائي
صوت الأمل – هبة محمد
تعد قضية التغيرات المناخية من القضايا البيئية الكبرى التي تستولي على اهتمام صناع القرار في كل دول العالم لما لها من تأثيرات طالت وستطال كل مناحي الحياة، وبالذات ما يتعلق بالأمن الغذائي للشعوب. وفي اليمن يعاني الإنتاج الزراعي من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، كتقلبات درجة الحرارة وزيادة موجات الجفاف والفيضانات.
نتناول في هذا التقرير تلك التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للمناخ على المحاصيل الزراعية في اليمن بالتركيز على محافظة إب باعتبارها من أبرز المحافظات الزراعية وسط اليمن.
آثار التغيرات المناخية على المحاصيل الزراعية
للتغيرات المناخية تأثير كبير على كثير من جوانب الحياة، وبشكل خاص على الزراعة والإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في اليمن. يقول مدير مكتب الزراعة والري بمحافظة إب حمود الرصاص “إن الكثير من المدن اليمنية اليوم تواجه موجة عنيفة من تسارع تغيرات المناخ من العواصف والسيول وسقوط الأمطار خارج المواسم الزراعية والجفاف والتصحر، وكل هذا تسبب بأضرار في الأراضي الزراعية”.
ويشير إلى أن محافظة إب في اليمن تشهد تأثيرات سلبية جداً بسبب التغيرات المناخية على المحاصيل الزراعية؛ حيث يعد قطاع الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية في المحافظة ويعتمد عليه الكثير من السكان لسد احتياجاتهم الغذائية والاقتصادية. وموضحا أن محافظة إب، تتميز بمناخها الجاف والحار وتعتمد الزراعة فيها بشكل كبير على مواسم الأمطار، ومن محاصيلها الرئيسة الحبوب، مثل القمح والشعير والذرة، والبقوليات مثل الفول والعدس، والخضروات والفواكه.
وذكر الرصاص بعض الأودية والمناطق التي تأثرت سلبا بالتغيرات المناخية؛ ففي منطقة الخشابي بمحافظة إب حدثت تشققات كبيرة في البيوت والأراضي الزراعية، وفي مديرية يريم وقعت انهيارات صخرية من أعالي الجبال إلى وسط المحاصيل الزراعية في الوديان، وتعرض وادي حوار بمديرية القفر ووادي الأحكوم في حزم العدين لفساد المحاصيل الزراعية نتيجة التغيرات المناخية المفاجئة بين الأمطار الغزيرة والتصحر والجفاف في فترات متباعدة.
ووفقا لتقرير “تقييم تأثير التغيرات في المياه المتاحة على إنتاجية المحاصيل الزراعية 2019” -تقرير دراسة الحالة في اليمن (ESCWA)- تقدر مساحة الأراضي الزراعية في اليمن بحوالي 1,6 مليون هكتار من إجمالي مساحة البلاد المقدرة بـ45,55 مليون هكتار، منها 51% أراضٍ مطرية، و31% أراضٍ مروية من الآبار، و10% أراضٍ مروية من الفيضانات، و6% أراضٍ مروية من السدود، و2% أراضٍ مروية من الينابيع.
وذكر د. عبدالله الذيباني -استشاري تلوث الهواء- أن تغير المناخ يؤدي إلى تغيرات في أنماط درجات الحرارة (موجات الحر) وهطول الأمطار (الفيضانات أو الجفاف)، مما يؤثر على نمو المحاصيل وتطورها، ومن ثم قلة إنتاجية تلك المحاصيل، وظهور أمراض وآفات جديدة تصيب المحاصيل والحيوانات بمناطق جديدة بسبب التغير المناخي، وبالذات درجات الحرارة، مما يؤدي إلى قلة الإنتاج الزراعي.
ويرى الذيباني أن موجات الجفاف تؤدي إلى قلة المياه السطحية والجوفية وبالتالي حدوث عجز في مياه ري المحاصيل، وقلة مراعي الحيوانات، وهكذا يقل الإنتاج الزراعي. ومن الظواهر الجوية التي تأتي نتيجة للتغيرات المناخية حدوث المظاهر المتطرفة للمناخ، مثل العواصف الهوائية والمطرية (الفيضانات)، فتصاب التربة بالتعرية وانجرافها وقلة إنتاجية الأرض.
توقعات مستقبلية
يقول الأستاذ عبد الفتاح الغرباني -متخصص في التغيرات المناخية-: “وفقا للعديد من السيناريوهات المتوقع حدوثها فيما يخص تأثير تغيرات المناخ على منطقة شبه الجزيرة العربية بشكل عام واليمن بشكل خاص، فسوف تحدث تغييرات ستطرأ على خارطتها الجغرافية، مع استمرار هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة على وديان تهامة ومناطق ممتدة من سفوح العدين بمحافظة إب -وسط اليمن- وحتى البحر، فإذا استمرت هذه التغيرات بهذا النحو فنحن سنكون بحاجة إلى مصانع تعليب الكثير من منتجات الفاكهة وعلى رأسها المانجو”.
وأشار الغرباني إلى تفاوت تأثير التغييرات المناخية على المحاصيل الزراعية بناء على حجم المساحة الزراعية وغزارة المحصول أو ضآلته، وهذا يحتاج إلى نزول ميداني وفق دراسة بحثية وأسس علمية. ويضيف: “وفي محافظة إب نصحنا قبل سنوات جميع المزارعين بزراعة الأشجار التي لم تكن تزرع فيها وفي مرتفعاتها. وأصبح بالإمكان الآن زراعتها مثل زراعة أشجار اللوز، والبن اليمني في جبال بعدان نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة”.
تأثير التغير المناخي على التوسع في زراعة البن
يتحدث الدكتور عبده النمير مختص في زراعة البن -كلية الزراعة، جامعة إب- عن التأثيرات المناخية والبيئية على زراعة البن قائلا: “تتناقص مساحة زراعة البن سنة بعد أخرى؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن المساحة المزروعة في عام 2014م بلغت 34652 هكتارًا، بينما كانت في 2018م 32984 هكتارًا، أي بفارق 1668 هكتارًا. لكن الإنتاجية تظل في مستوى واحد خلال الخمس السنوات (2014- 2018م) 0.58 طن/ هكتار تقريبا. ويعلل سبب ذلك بعدم إضافة الأسمدة المعدنية بسبب ثمنها المرتفع أو اعتقاد كثير من الفلاحين أن الأسمدة المعدنية تضر بالأشجار والمحصول معا، وإذا قارناه بالإنتاج العالمي الذي يبلغ 2.8 طن/ هكتار، فإنه يقارب أربعة أضعاف إنتاج الجمهورية اليمنية”.
ويواصل الحديث لـ”صوت الأمل”: “لكننا في مزرعة كلية الزراعة في جامعة إب حصلنا على إنتاجية 1.3 طن/ هكتار من أبحاث علمية تم نشرها، مع استخدامنا للأسمدة العضوية والمعدنية والري المطري والصناعي. ومما لا شك فيه أن الظروف المناخية (درجة الحرارة – الرطوبة -الرياح – كمية الأمطار الهاطلة) في الجمهورية اليمنية وخاصة محافظة إب تلعب الدور الأساسي في عملية انحسار المساحات الزراعية وانخفاض الإنتاج، وهذا يرجع إلى التغير المناخي العالمي نتيجة انطلاق الغازات من المصانع الهائلة والتجارب النووية الضارة بالبيئة (الإشعاعات النووية) والنزاعات المستمرة في العالم اليوم. إلا أن عملية التصحر في اليمن نتيجة إزالة الغطاء النباتي لاستخدامه كوقود يؤثر على التغيرات المناخية في المنظور القريب”.
تحديات بسبب التغيرات المناخية
تواجه المحاصيل الزراعية في محافظة إب تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية، ويشير حمود الرصاص إلى أن إنتاجية المحاصيل في محافظة إب تأثرت سلبًا بشكل كبير منذ بداية النزاع؛ حيث انخفض إنتاج الحبوب والبقوليات بنسبة تصل إلى 50٪ في بعض المناطق، بسبب قلة الأمطار ونقص المواد الزراعية والأسمدة والمبيدات الحشرية وغيرها من المستلزمات الزراعية. ويزداد هذا التحدي بسبب نقص المياه الجوفية والسطحية التي تستخدم في الري، حيث يعاني الكثير من المزارعين من نقص المياه وعدم توفرها بشكل كافٍ خلال فترة الزراعة.
وحسب الجهاز المركزي للإحصاء (كتاب الإحصاء السنوي) فإن التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة أثرت بشكل كبير على إنتاجية المحاصيل في مواسمها، وتراجعت مساحة الأراضي الزراعية ومنها الإنتاج الزراعي؛ فخلال الأعوام 2010-2020م تراجعت المساحة المحصولية من الأراضي الزراعية في اليمن من 1,6 مليون هكتار عام 2010 إلى أن وصلت في العام 2018م إلى 1,064,182 هكتارًا. ثم عاودت الارتفاع بشكل طفيف خلال 2019 و2020 مستقرة عند 1,2 مليون هكتار. ويمثل معدل تغير القدرة (-26.9%) مقارنة مع العام 2010، وهذا الانخفاض في المساحة من شأنه التأثير على إنتاجية القطاع الزراعي خاصة في المناطق الريفية.
توصيات ومقترحات
بشكل عام، يشكل تغير المناخ تهديدًا كبيرًا للزراعة، وهو أمر ضروري للأمن الغذائي ومن الأهمية بمكان اتخاذ تدابير للتخفيف من آثار تغيره على الزراعة، ذكر بعضها الدكتور عبد الله الذيباني، وتتمثل في تشجيع الباحثين في المجال الزراعي بالتوجه نحو إنتاج أصناف جديدة من المحاصيل التي تتناسب مع الظروف المناخية الجديدة التي خلقتها وستخلقها التغيرات المناخية كإنتاج محاصيل مقاومة للجفاف وأخرى مقاومة لارتفاعات الحرارة .
وأشار الذيباني إلى تغيير خارطة توزيع المحاصيل الزراعية حسب عناصر المناخ، وبالذات ما يتعلق بالحرارة والأمطار، وممارسة الزراعة المستدامة التي تعزز القدرة على الصمود في مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة. وأهم ما يمكن ذكره هنا هو التقليل من المبيدات والأسمدة العشوائية، وكذا استخدام أنظمة ري حديثة وترك استخدام الري بالغمر المهدر للثروة المائية.
ويواصل: “التوسع في مشاريع التشجير الصناعي للجبال والهضاب والمدرجات وأحواض المياه، وتطبيق مفهوم الزراعة البينية (أشجار مع محاصيل) لتوفير الظل للمحاصيل في حال ارتفاع درجات الحرارة، والمساهمة بتقليل الانبعاثات من المصادر الصناعية وحركة المركبات وغيرها من مصادر التلوث وبالذات غازات الدفيئة الأساسية ثاني أكسيد الكربون والميثان، جميعها من مقترحات الحد من التغير المناخي. مشيرًا إلى ضرورة الحفاظ على التنوع الحيوي (البيولوجي) الحيواني والنباتي، ودمجه في النظم الزراعية؛ فزيادة تنوع النباتات والحيوانات تساعد على جعل النظم الزراعية أكثر مقاومة للتغيرات المناخية.
وينصح بالتوجه إلى إنشاء الجمعيات الزراعية والتسويقية لمساعدة صغار المزارعين لأنهم الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، ومعاناتهم في مواسم سقوط الأمطار الغزيرة لا تخفى عل أحد؛ لذا فإن دعمهم من خلال برامج، مثل التمويل الصغير أو التدريب على ممارسات الزراعة المستدامة، يمكن أن يساعد في التخفيف من هذه الآثار وتشجيعهم على الاستمرار بالنشاط الزراعي.
وينهي حديثه بالقول: “كل تلك التوصيات والمقترحات لمواجهة التغيرات المناخية تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمزارعين والمنظمات الدولية والمراكز البحثية؛ لتحسين قدرتهم على التكيف مع التغيرات المناخية وتحسين إنتاجيتهم الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي للسكان المحليين، من خلال حملات التوعية حول الظاهرة لخلق وعي مجتمعي عنها، وتطبيق سبل تقليل آثارها والتعايش معها”.
ولفت الدكتور عبده الحدي -أستاذ في كلية الزراعة وعلوم الأغذية، جامعة إب- الانتباه إلى ضرورة الصيانة الدورية للمدرجات الزراعية، والاستخدام الأمثل لـ”الري السيلي”؛ حتى لا يتسبب ذلك في تدمير المدرجات وانجراف التربة والعناصر الغذائي، من خلال عدم توجيه مقدمة تدفق السيل إلى الحقول الزراعية، ويتم الري عند توفر القدرة على التحكم بكمية المياه المستخدمة، بالإضافة إلى التكيف الصحي والفني واللوجستي مع تغيّرات المناخ.
84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…