المعلم في الاستراتيجيات الوطنية لتطوير التعليم
صوت الأمل – أ.د / عبد الجبار عبد الله الوائلي (مستشار صوت الأمل)
إن الإحاطة بموضوع التعليم ومنظومته ومكوناته التفصيلية تحتاج إلى فتح النوافذ الدستورية والقانونية أولاً، والتركيز على بنيته وفلسفته ومبادئه من خلال العودة إلى المكونات الدستورية والقانونية له، ومن أهم المبادئ العامة لنظام التعليم وخدماته في اليمن هو التأكيد على:
أن التعليم في كل مراحله تكفله الدولة، وتحقق هذا المبدأ تدريجيًا وفق خطة يقرها مجلس الوزراء.
التعليم إلى جانب كونه استثمارا تنمويًا فهو حق إنساني مشروع تكفله الدولة وتيسره لجميع أبناء الشعب.
تعمل الدولة بما في وسعها على تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في التعليم وتتحدد الغايات من النظام التعلمي في الآتي:
تحقيق تربية شاملة متجددة تسهم في تنمية الجوانب الروحية والخلقية والذهنية لتكوين المواطن السوي المتكامل الشخصية مع توخي العدالة في توزيع الخدمات والإمكانات التعليمية بين المحافظات والمناطق.
الاعتماد على اللامركزية في الإدارة التعليمية لتلبية حاجات المجتمع وخطط التنمية من القوى البشرية.
ويحدد قانون التعليم رقم (45) لسنة 1992م فلسفة التربية وغاياتها ومراحل التعليم وأهدافه وإجراءات التنظيم وإداراته.
مما سبق تتضح مسؤولية الدولة دستوريًا وقانونيًا للشؤون التعليمية والتي تتمثل في عدد من المدخلات ومن أهمها (المبنى المدرسي، المناهج الدراسية، توفير الكادر التعليمي، توفير الأنشطة والوسائل، توفير المستلزمات المدرسية، توفير الإدارة المدرسية …الخ)
وبالتالي فإن موضوع الاهتمام بالتعليم موضوع واسع ومتشعب، وقد كان للأصدقاء المانحين دور فاعل في تمويل مكونات الإستراتيجية، وأسمهوا في مساعدة الوزارة على تشخيص الاختلالات التعليمية، وبالتالي وضع البرامج والأنشطة اللازمة لها لمتطلبات سير العملية التعليمية وتطويرها وقد ابتدأ ذلك بتحديد متطلبات التطوير والتحديث من خلال تجميع القوى التربوية وتكليفها بإعداد إستراتيجية وطنية تعنى بتحقيق إلزامية التعليم وتقديمه بالمجان وفق رؤى تطويرية للكثير من المدخلات التي تم ذكرها سابقًا.
وخلال الأعوام 2002 إلى عام 2015م حدثت قفزات نوعية في مكونات الاستراتيجية الوطنية للتعليم الأساسي في جوانبها المتعددة، ومنها ما يتعلق بإعداد وتأهيل المعلمين وإعادة توزيع اختصاصاتهم وإخضاعهم لبرامج تدريبية متعددة ( عامة – نوعية )، وكان ذلك بعد رصد الاحتياجات التي تتطلبها كل مرحلة وكل فترة زمنية وكان ذلك يتم من خلال عقد اللقاءات الخاصة بالمراجعات السنوية لمستوى التنفيذ وكان الدور الأبرز في تمويل تلك الفعاليات وإعادة تأهيل المباني المدرسية، بل أن التوسع في بناء المبنى المدرسي كان يخصص له ما يقارب 60% من الدعم الكامل للمدخلات الأساسية للتعليم، وذلك بسبب التشتت السكاني الذي تعاني منه اليمن.
لقد كرست الإستراتيجية الوطنية للتعليم الأساسي جل جهودها في معالجة الاختلالات التعليمية للمدخلات التربوية والتعليمية للمدرسة حتى وصل على تخصيص الدرجة الوظيفية للمدرسة بحسب الاحتياج. وتم تطبيق إلزامية التعليم في الحدود القصوى من خلال تطبيق مبدأ المجانية للرسوم المدرسية وغيرها وحصل أطفال المرحلة الأساسية على إعفاء شامل من كافة الرسوم التي كانت مقررة ووصلت حد العقوبة لمن يقوم باستلام رسوم دراسية تحت أي مسمى، وركزت الإستراتيجيات المنفذة في مجال التعليم على تضييق الفجوة التعليمية بين المحافظات والمناطق من خلال تشجيع إرسال المعلمين إلى المناطق النائية والبعيدة وإرسال التغذية الجافة للسكان الذين يقعون في الأرياف.
وخلال تنفيذ تلك الخطط والبرامج تبدد التذمر الذي كان سائدًا في الوسط الاجتماعي، والتي كانت تعزى أسبابه إلى ثقافة ومستوى وعي السكان بأن التعليم لا فائدة منه وأن مردوده على المستوى البعيد ضئيل جدًا إذا ما قورن باستثمار وقت المتعلم في أنشطة تعود عليه بالمردود الاقتصادي، كالاشتغال في القات أو قطفه أو غيرها.
مما سبق يتضح أن طفرة نوعية في مدخلات النظام التعليمية قد ظهرت خصوصًا بعد السيطرة على المدخل الإداري المتمثل في توسيع صلاحيات المحافظة والمديرات وتحجيم دور الإدارة المركزية، ليصبح مهامها التخطيط ورسم السياسيات والرقابة والإشراف وهكذا. استمرت الأحوال حتى حلت الكوارث والنزاعات المسلحة التي عانت منها اليمن فانحسر الوضع التعليمي وتلاشت مقومات الدعم والتمويل له، حتى أصبح عبثًا ورغم محاولات القيادات التربوية الإمساك بزمام الاستمرارية والنهوض بدور الدعم الذي قدمته الهيئات والمنظمات الدولية تحت شعور بالواجب لتطبيق شعار (التعليم للجميع ) والتعليم حق من حقوق الإنسان وغيرها، إلا أن التدخل لم يكن بالحجم النوعي وذلك لاقتصار الدعم على برنامج الغذاء والدعم النقدي غير السخي لأبرز مكونات العملية التعليمية وهو المعلم؛ الأمر الذي حدا بالقيادة التربوية بإعادة فرض الرسوم الدراسية على الطلبة والطالبات وإلزام أولياء الأمور بشراء الكتب المدرسية من الأسواق وغيرها من الإجراءات التي تضمن استمرار العملية التعليمية .
إن انقطاع راتب المعلم والموظف في وزارة التربية والتعليم وتعهده بنصف راتب كل ثلاثة أشهر في بعض المحافظات، مثل ضربة شديدة في العمق التربوي لأحد مكونات العملية التعليمية، ونزوح الكثير من المعلمين وبحثهم عن مصادر دخل جعل الإدارة التعليمية تستعين بالمعلم البديل والمعلم المتطوع والمعلم المتعاقد، وكل هذه الفئات لم تتلق تأهيلا تربويًا مناسبًا؛ الأمر الذي أبرز صيحات تنادي بضرورة إصلاح التعليم في اليمن.
وكان من أبرز تلك الدعوات: معرفة الاختلالات التعليمية ومحاولة إيجاد المعالجات من خلال عدد من المحاور (17 محور)، اشتملت على البينة وبروز الاحتياج إلى تعليم ذي معنى وتحديث التربية ومواكبة التغيرات السياسية لمسار الدولة وظهور مسارات عالمية لإصلاح التعليم وخفض معدلات التسرب في المدرسة وقصور المناهج التعليمية …الخ.
وإشارة الدراسة إلى أن محاولات إصلاح المنظومة التعليمية في اليمن كان شكليًا خلال الأعوام (90 /91 / -2015م )، برغم أنها قد نفذت من خلال استراتيجيات وطنية ( محو الأمية، تعليم الفتاة، التعليم الأساسي، المسار السريع، التعليم الثانوي) وعددت الورقة مشروعات وطنية لم ترَ النور بعد. منها مشروع اللغة الإنجليزية (4-6) نهج القراءة المبكرة 2014م، الحسابية 2016م والتعليم الذاتي وغيرها.
المؤتمر الوطني الأول لتطوير المناهج وتنويع مسارات التعليم (التعليم في اليمن المواقع والتطلعات والتحديات والمعالجات المقترحة، قطاع المناهج والتوجيه 2022م وزارة التربية والتعليم صنعاء) وفي نهاية الورقة التي تم الإشارة إليها وفي التعقيب الصادر منها أوضحت أن كافة الإستراتيجيات كانت ممولة من قبل اليونسيف وGIZ والبنك الدولي وحكومة اليابان والوكالة الأمريكية، ثم أوضحت أن الرؤية الوطنية لبناء الدولة 2019 قد تبنى الدعم المحلي للتعليم في إشارة إلى ضرورة تحميل المجتمع جميع أعباء العملية التعليمية. وتشير إلى قيام الوزارة بوضع خطط طوارئ سنوية لمواجهة المتطلبات التعليمية بحسب الدراسة.
ولم يكن وضع المحافظات الجنوبية والشرقية بأحسن حال من المحافظات الشمالية، إذ إن الصراع والنزاعات ولد ظروفًا مأساوية لا تقل عن المآسي التي حدثت في المحافظات الشمالية فيما عدا التدمير الذي أصاب المؤسسة المدرسية لكن عوامل الخوف كانت قريبة جدًا من العاملين في الحقل التربوي وخصوصًا المعلم، وبالرغم مما حصل عليه المعلم في المحافظات الجنوبية والشرقية من تواصل واستمرار لرواتبه إلا أنه يعاني من الفقر والجوع نتيجة انهيار العملة وارتفاع الأسعار وقلة قدرتها الشرائية الأمر الذي جعلته يبحث عن مصادر أخرى للدخل خصوصًا الشباب منهم.
وبعد أن استوفينا شرح الوضع العام للمعلم، لا بد من طرح مقترحات حلول ومفاتيح عملية لمعالجة الخلل وإصلاح الوضع وفقاً لخطوات ممنهجة. وعليه، ومن خلال خبرتي في العمل في المجال التربوي والتعليمي ومعايشتي للواقع، فأرى أن وضع المعلم اليمني أصبح لا يحتمل مزيدًا من التدهور أو تأجيل التعامل معه وإصلاحه في أقرب وقت ممكن، وأعتقد أن هناك أولويات يجب البدء بها تدريجيا لإصلاح ما أفسدته السنوات السابقة من الإهمال وعدم التخطيط السليم والعشوائية والحلول الجزئية التي ربما فاقمت الوضع أكثر.
ستركز هذه الأولويات في إصلاح الوضع التعليمي على ما يخص المعلم اليمني، وهي:
أولا: إعادة الاعتبار للمعلم من خلال معالجة الآثار المترتبة على الوضع الذي طرأ على مجالات حياته المختلفة وجعلت منه قيمة معطلة في الإنتاج، ومن ذلك إصلاح الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية؛ حتى يؤدي الدور المناط به كقوة إنتاج داخل المجتمع.
ثانيا: وضع خطة احتياجات فعلية لمستويات التخصص على مستوى المديريات والمحافظات وفي عموم أنحاء البلد.
ثالثا: وضع خطة تمهين التعليم باستخدام برامج واستراتيجيات لتحديد مستوى المعلمين لكل ما يتعلق بالمستوى العلمي والمهاري والأكاديمي والشخصي والتربوي، وتثبيت القادرين على اجتياز مقاييس الاختبارات والمقابلات ومنحهم شهادات مهنية تعطيهم الحق في الاستمرار بمهنة التعليم وتعطي من لم يجتازوا المقاييس والاختبارات برامج تدريبية وتأهيلية عليا.
رابعا: إعادة توزيع المعلمين حسب الاحتياج على مستوى المديريات بعد معالجة مشكلة البدلاء والمتطوعين الموجودين في الميدان.
خامسا: وضع خطط احتياجية لتدريب وتأهيل المعلمين مزمنة على مستوى المحافظات لكل ما يتطلبه الميدان من برامج (عام، تربوي، مهاري، شخصي، نوعي، … الخ).
سادسا: فصل التعليم الثانوي عن التعليم الأساسي كلما أمكن ذلك، وجعل التعليم الثانوي في مجمعات ومراكز تستوعب مسارات التعليم الثانوي وأنواعه المختلفة ومنها التخصصات التكنولوجية الجديدة.
سابعا: إعادة هيكلة قطاع التدريب والتأهيل في وزارة التربية والتعليم ودمجه مع قطاع التوجيه ليشكلا معا منظومة تدريب وتأهيل تخطيطا وتنفيذا ومتابعةً وتقويما ومتابعةَ أثر وتغذية راجعة.
ثامنا: تفعيل برامج التدريب والتأهيل عن بعد بالرصد والمتابعة والتقويم وقياس الأثر.
تاسعا: تشجيع الكوادر الموهوبة والمبدعة التي تقدم أفكارًا وبرامج تخدم الميدان التعليمي والتربوي.
عاشرا: إنشاء مراكز متخصصة لتأهيل القيادات التربوية (إدارة مدرسة، إشراف وتوجيه، إرشاد نفسي اجتماعي) تأهيلا مهنيا يعادل الماجستير بعد فترة عمل بعد البكالوريس لمدة لا تقل عن ثمان سنوات، والحصول على ترشيح من المديريات المختصة، والخضوع للاختبارات والمقابلات التي تعقدها المراكز.
98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع
صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…