الفساد خطر يهدد الاستقرار في اليمن
صوت الأمل – (أفراح أحمد – هبه محمد)
“عندما تغيب الرقابة والمحاسبة، يحدث الفساد في جميع القطاعات الحكومية والخاصة”، بهذه العبارة بدأ علي عمر (تربوي) الحديث عن ظاهرة الفساد وتأثيرها على القطاعات في اليمن.
وكون عمر يعمل في قطاع التعليم؛ فقد كشف عن الفساد التربوي، مؤكدًا أنَّ العملية التعليمية لا تسير بشكل جيد، لا سيما بعد الصراع، حيث انقطعت الرواتب وتسرب كثير من المعلمين والمعلمات من التدريس؛ بحثاً عن لقمة عيشهم في أماكن أخرى، وأدى هذا إلى تراجع التعليم.
مضيفًا أنَّ الفساد جراء الصراع لم يلحق بالعملية التعليمية فقط، بل بالمعلمين والمعلمات الذين انقطعت رواتبهم. مؤكدًا أنَّ مخاطر الفساد في التعليم لها سلبيات على المجتمع كله.
مخاطر الفساد
ومن جهته يرى مصطفى نصر(رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي) أنَّ الفساد آفة تؤدي إلى انهيار بنية مؤسسات الدولة، وأنَّ ما يحصل في اليمن نتيجة ظاهرة الفساد المتفشي بكل أشكاله.
يضيف نصر: “أصبح الفساد هو المتحكم في إدارة شؤون الدولة، وبالتالي أصبحت كل بنى الدولة ينخرها الفساد؛ وهذا يؤدي إلى عدم فاعليتها، فعندما تنهار هذه المؤسسات يحدث انهيار في بنية الدولة؛ لهذا تنهار الخدمات العامة، ما يؤدي إلى الأثر السلبي الذي سينتج على المجتمع؛ وبهذا ينتهي مفهوم ما يسمى بالدولة التي ترعى خدمات الناس”.
موضحًا أنَّ غياب هيئة مكافحة الفساد لمراقبة مؤسسات الدولة يؤدي إلى تفشي ظاهرة الفساد؛ ولهذا تفقد الدولة كل مواردها، وبالتالي لا تستطيع أن تقدم خدمة للمحتاجين أو الفئة الضعيفة، فيستقوي الأغنياء أو من يقدرون على دفع الرشاوى؛ وهذا يوصل المجتمع إلى حالة من الانقسام.
ويزيد نصر على مخاطر الفساد أنَّه يؤدي إلى معاناة شديدة فيما يتعلق بارتفاع مستوى تدهور الوضع المعيشي والإنساني، وتراجع مستوى دخل الناس، وعدم فاعلية المؤسسات الاقتصادية وشللها؛ وهذا يؤدي مباشرة إلى تراجع دخل الأفراد، ويؤدي إلى الفقر.
مؤكدًا أنَّ بنية الدولة ومؤسساتها تنهار بوجود الفساد، وبالتالي تصبح عديمة الفاعلية، والمجتمع يريد فاعلية الدولة؛ حتى تُنصف حقوقه بالقانون عند تعرضه لأي فساد من إحدى مؤسسات الدولة أو المؤسسات الخاصة.
وبخصوص هذا الشأن يقول يحيى مهيم (أستاذ صحافة في جامعة الحديدة سابقاً): “إنَّ الفساد مفردة شاملة لكل ما فيه اختلال وخروج عن الوضع الصحيح في كل مجالات الحياة العامة والخاصة”.
ويضيف مهيم: “إنَّ الفساد المالي والإداري هو أكثر مظاهر الفساد التي يوضحها الأغلبية؛ بسبب انتشاره في المجتمعات على مستوى العالم، وفي المجتمعات النامية بشكل خاص، وتظهر مخاطر الفساد في كثير من الدول على المجتمع؛ فهو يهدر الموارد والمال العام لصالح فئة محددة وطبقة مجتمعية بعينها، كما أنَّه يؤثر على الإبداع الفردي”.
موضحًا أنَّ شيوع الفساد يعمل على خلخلة المجتمع، والحقد على النخب السياسية، وعدم الشعور بالمسؤولية إزاء مقدرات الدولة، وانتشار المظاهر التخريبية، وعدم الاستقرار الأمني.
توصيات ومعالجات
ومن التوصيات والحلول التي اقترحها الأستاذ مهيم لمعالجة ظاهرة الفساد داخل المجتمع ما يلي: إحساس المجتمع من النخبة القيادية إلى الأوساط المتعلمة والمثقفة بخطورة هذه الظاهرة، وعدم القبول بها أو بمظاهرها وعدم التعايش معها، والاتفاق على مكافحة الفساد، وعدم التهاون في محاكمة الفاسدين؛ لردع المجتمع من التمادي في ممارسة الفساد”.
مضيفًا على الحلول: ضخ أنشطة إعلامية وتوعوية وتوجيهية عن عدم مشروعية ظاهرة الفساد بكل أنواعه داخل أوساط المجتمع، ونشر أوضاع المجتمع السليم في ظل عدم وجود الفساد، ونشر أساليب ووسائل الفساد وطرقه الملتوية داخل دهاليز الإدارة وأروقة تحصيل المال العام وطرق صرفه، ونشر وقائع الفساد التي تحدث على وسائل الإعلام، والتشهير بالفاسدين وأساليب فسادهم في نهب المال العام.
بالإضافة إلى ما سبق، أوضح مهيم أنَّ من المعالجات: تحريك قضايا الفساد الكبرى بواسطة لجنة مكافحة الفساد ضد مسؤولين حاليين أو سابقين، ودعم الجهات التشريعية والقضائية لإنفاذ القانون بمكافحة الفساد، وتفكيك منظومة الفساد في كل قطاعات المجتمع، وإصدار قوائم سوداء بأبرز الجهات الفاسدة، وحرمانها من تنفيذ مشاريع عامة بعد ظهور أساليب فسادها السابقة.
مكافحة الفساد في اليمن
بدأت الجهود التشريعية، للأجندة الوطنية للإصلاحات، بمكافحة الفساد الوطني بإصدار القانون رقم(39) لسنة2006 م بتأسيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وكُلِّفت الهيئة بوقف حالات الفساد، والتوعية والتحقيق بقضاياه.
وذكر تقرير حقوق الإنسان الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية عن اليمن، في عام 2013م، أنَّ المنظمات غير الحكومية أبلغت عن العديد من حالات فقدان الأفراد لوظائفهم، أو تعرضهم لأضرار أخرى بعد كشفهم عن حالات فساد.
وتحدث أحمد الآنسي (رئيس الهيئة الوطنية الأسبق لمكافحة الفساد) في المؤتمر الإقليمي الثاني للشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، قائلاً: “إنَّ اليمن وضعت جهودها في مكافحة الفساد على رأس قائمة الأولويات التي تضمنتها الأجندة الوطنية للإصلاحات الشاملة، وبدأت ببرنامج الإصلاح الوطني الشامل في عام 1995م، وأيضًا تشكيل اللجنة العليا لحماية المال العام ومكافحة الفساد في عام 2003 م”.
مضيفًا: “ومهدت الطريق لانضمام اليمن للتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2005م، وأيضًا القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة، وقانون الذمة المالية، وقانون الجرائم والعقوبات”.
وأوضح الآنسي في تصريحه، عام 2010م، إحالة 24 قضية فساد و100 مسؤول إلى نيابة الأموال العامة. وأضاف أنَّ الهيئة العامة لمكافحة الفساد تمكنت بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة من استرداد مليارات الريالات إلى الخزينة العامة للدولة.
وفي تقرير صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية في حقوق الإنسان عام 2013م، ذُكِر أنَّ إقرارات الذمة المالية التي قدمها الموظفون الحكوميون للهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بلغ عددها 25.621 إقرارًا، وحُوِّلت 686 حالة عدم امتثال إلى مكتب المدعي العام؛ لاتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه ذلك، لكنَّ معظم تلك الإقرارات غير متاحة للجميع.
وجدت دراسة أجرتها الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي NORADفي عام 2011م -هدفها محاربة الفساد في إيصال المساعدات الإنسانية- أنَّ الطرق الحالية لمكافحة الفساد عادة ما تفشل؛ لأنَّها تعتمد أكثر مما ينبغي على العمليات “القانونية التقنية” المدفوعة دولياً، والتي تفتقر إلى موافقة محلية واسعة النطاق.
وأوضحت الدراسة: “لا يوجد بلد يمكنه أن يتغير دون عمل جماعي محلي”، وأنَّه ينبغي أن يكون دور المجتمع الدولي يتمثل في دعم استدامة تلك المبادرات وصفتها التمثيلية.
وفي وقت آخر قامت الهيئة العامة لمكافحة الفساد في اليمن بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، في الثاني من يناير 2022-2026م، والتي تتضمن: تطوير منظومة التشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد، والتشريعات المالية والاقتصادية، وسد الفجوات فيها، وتعزيز فاعليتها في الوقاية ومنع الفساد ومكافحته، والتطوير والإصلاح المالي والإداري، وحماية المال العام، والحفاظ على الاقتصاد الوطني.
وصرح مجاهد عبدالله (رئيس هيئة مكافحة الفساد- صنعاء) أثناء فعالية إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في صنعاء: “تجسيداً لمنهاجيتها العلمية ونهجها التشاركي؛ عملت الهيئة على إشراك أطراف المنظومة الوطنية للنزاهة في إعداد الاستراتيجية. أسهم في إعدادها وصياغة مضامينها 30 جهة، مثَّلها 90 مشاركاً من مختلف أطراف منظومة النزاهة، من مجلس النواب، والشورى، والسلطة القضائية، والحكومة، ومكتب رئاسة الجمهورية، والمعنيين بمكافحة الفساد من الأجهزة الرقابية والأمنية ونيابة الأموال العامة”.
بدوره عبَّر الدكتور نعمان فيروز (الخبير الوطني لإعداد الاستراتيجية) أنَّ إعداد الاستراتيجية بعد جهود متواصلة مدة ستة أشهر يعد تحدياً كبيراً حققته الهيئة، ويتبقى التنفيذ الذي يتطلب تشارك الجميع؛ للحد من الفساد.
تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه
صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم) يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…