صناعة الأفلام خطوات أولية تحتاج إلى سوق للعرض
صوت الأمل – علياء محمد
عرفت مدينة عدن بأرض الفنون والثقافة، وكانت من أوائل المحافظات اليمنية اهتمامًا بالفن، ولعبت دورًا كبيرًا في إبراز الثقافة اليمنية والفنون. وكان الفن السينمائي من أكثر الفنون ظهورًا وبروزًا في مدينة عدن التي احتضنت أكثر من أربعين دار عرض سينمائي في مطلع التسعينيات.
في الوقت الراهن، لا توجد أي صالات سينما في المدينة، لكنها شهدت تجارب سينمائية، وعادت إلى صناعة الأفلام من جديد، وحصل عددٌ منها على عدد من الجوائز العالمية؛ كان أهمها فيلم (عشرة أيام قبل الزفة) الذي تم إنتاجه في عام 2018م، ويعد الفيلم اليمني الأول الذي يتم إنتاجه في عدن بعد عدة سنوات من الصراعات، وبعدها جاء فيلم (المرهقون) بالإضافة إلى عدد من الأفلام القصيرة. وبالرغم من دعم بعض المنظمات والأفراد لصناعة الأفلام وتطويرها، فإن هذا الفن في عدن يحتاج للكثير من الجهود لإعادته إلى الساحة من جديد.
خطوات أولى
يرى مروان علي مفرق (مؤلف ومخرج) أن تجربة صناعة السينما في عدن ما زالت في خطواتها الأولى رغم نجاحها الكبير مؤخرًا، لكن لا نستطيع أن نعمم ذلك النجاح على المستوى العام؛ كون صناعة السينما لم تحظَ بمساحة كبيرة واهتمام حقيقي.
وأكد في حديثه أنّ صناعة الأفلام تحتاج إلى سوق، والسوق عبارة عن دور عرض وبأعداد كبيرة تتسع لعدد كبير من الجمهور، الأمر الذي يشجع التجار للاستثمار في صناعة الأفلام، وسيصبح هناك سوق حقيقي للصناعة، وبذلك سنجد الحلول بشكل أساسي لإعادة السينما إلى الساحة.
من جانب آخر أشار شعيب العفيف (رئيس منتدى الفن من أجل السلام وكاتب سيناريو) إلى أن صناعة الأفلام في عدن تأتي بمبادرات شبابية وجهود ذاتية من شباب مبدعين وموهوبين ينحتون في الصخر من أجل إثبات وجودهم، والعمل على تأسيس سينما حقيقية في المنطقة.
مؤكدًا أنه لا يوجد أي اهتمام من قبل السلطات المعنية منذ سنين، وبالرغم من ذلك قدم الشباب مجهودًا كبيرًا يشكرون عليه.
وأضاف: “قدم الكثير من الشباب أفلامًا كانت ما بين الأفلام القصيرة والطويلة، حتى أنّ أغلب الأفلام شاركت بمهرجانات السينما في المنطقة العربية والعالم، وحصدت عددًا من الجوائز، وعلى سبيل المثال الفيلم التجريبي (1941) للمخرج عصام عزيز، فاز بجوائز في كندا ولبنان واليمن، وفيلم (فتاة الجمبري) للمخرج مروان مفرق شارك في مهرجان الغردقة للأفلام القصيرة”.
تراجع صناعة الأفلام
كان عقد السبعينات في مدينة عدن من أفضل العقود ازدهارًا في عروض السينما؛ فقد توفرت دور العرض السينمائي في عدد من المديريات، وعُرضت أفضل الأفلام العربية والأجنبية والهندية آنذاك.
وذكر الكاتب عبد القادر باراس في مقال صحفي في العام 2013م بعنوان: (السينما زمان في عدن) أنّ الأفلام في عدن في ذلك العقد كانت تُعرض بدون مقابل.
وأشار باراس في مقاله إلى أن مدينة عدن عرفت السينما منذ بداية عهد الأفلام الصامتة، وبعدها ظهرت دور العرض، ونظرًا لعدم تمكن الناس المعدمين من دخول صالات العروض، بادر المجلس البلدي إلى إقامة عروض سينمائية متجولة بواسطة سيارة متنقلة تجوب الأحياء الشعبية لتعرض من خلاله الأفلام الصامتة الإنكليزية، وتقدّم أيضًا مقتطفات لرواد الفضاء.
تراجع
“هناك انعدام وتراجع كبير لإنتاج الأفلام وصناعتها في عدن”، هذا ما أكدته صانعة الأفلام منال الشيباني. موضحة: “أنّ الوجود البسيط للأفلام في مدينة عدن جاء نتيجة لدعم المنظمات أو بعض الجهات الخاصة، وتنتج أفلامًا لصالحها، ولا تنتج أفلامًا حرة أو تجارية”.
وأشارت الشيباني إلى أن المخرج عمرو جمال من أكثر الشخصيات في عدن حرصًا على إنتاج أفلام تجارية، وعمل في مجال صناعة الأفلام ما يقارب 14 عامًا؛ وهذه المدة كانت كفيلة بإقناع المانحين والداعمين على إنتاج الأفلام وصناعتها، وهذه المدة كبيرة جدًّا بالنسبة للإنسان أن يبقى 14 سنة من حياته؛ لإقناع الجهات بإنتاج أفلام رغم المهارات والكفاءات.
وترى “أن بعض صناع الأفلام الآخرين هم عبارة عن أشخاص تحركهم منظماتٌ مانحة نحو مواضيع واتجاهات معينة تخدم نشاطات هذه المنظمات، فعلى سبيل المثال هناك الكثير ممّن يستطيعون إيجاد الأفكار والسيناريو ويمتلكون مهارة في الأداء والإخراج وخبرات مختلفة، ولكنهم لا يستطيعون تنفيذها على أرض الواقع، إلّا عن طريق المانحين والداعمين، لكن -وللأسف- لا يكون الهدف من هذا الدعم صناعتك للفيلم بقدر هدف نجاح المشروع، وبالتالي يحصل تعارض على أنك تصبح صانع أفلام حرًّا؛ لأنّ الفيلم ملك للداعمين وخاص بهم، وحتى عرض الفيلم يظل تحت قرارهم في العرض”.
وفي سياق متصل رجح مروان مفرق أسباب التراجع الأساسي في صناعة الأفلام في عدن إلى الصراعات المتتالية التي مرت على البلاد. ويقول: “أثر الصراع بشكل كبير على صناعة الأفلام، وأدت هذه التأثيرات إلى قلة الإنتاج وقلة الموارد المالية والأدوات التقنية، وعدم توفير الإمكانيات اللازمة لإنتاج الأفلام”.
بدوره أشار شعيب العفيف إلى عدم اهتمام الدولة بصناعة الأفلام وانعدام القاعات والدُّور السينمائية لعرض الأفلام في المدينة. مؤكدًا على غياب دور وزارة الإعلام والثقافة في تنظيم مهرجانات الأفلام أو تقديم منح مالية للعاملين، بالإضافة إلى عدم وجود إستراتيجيات واضحة لدعم صناعة الأفلام وتطويرها. منوهًا إلى حاجة الشباب للعديد من البرامج التدريبية والتوجيهية والإرشادية في موضوع صناعة الأفلام.
تحديات وصعوبات
وحول أهم التحديات والصعوبات التي تواجه صانعي الأفلام في عدن، تقول منال الشيباني: “تواجه صناعة الأفلام في اليمن عامة، وفي عدن خاصة، نقص الوعي لدى الداعمين والدولة والتجار في مسألة أهمية صناعة الأفلام ومدى تأثيرها على المجتمع”.
وتابعت القول: “نواجه، كصانعي أفلام، صعوبة في كيفية إقناع التاجر أو صاحب المال لدعم إنتاج فيلم يحمل قضية إنسانية -مثلًا- أو قضية دينية أو تعايشية؛ بسبب عدم وجود تشجيع كافٍ ووعي بأهمية صناعة الأفلام”.
وأشارت أن عدم وجود سينما ودُور عرض من التحديات التي تعوق عملية صناعة الأفلام. مضيفة: “من الطبيعي ألَّا يتسابق المنتجون على إنتاج الأفلام دون عرضه في دور عرض سينمائية والاكتفاء بعرضه على الإنترنت، فوجود دور عرض سينمائية يعني زيادة في الإنتاج والدعم لصناعة الأفلام؛ نظرًا للاستفادة منها في عرض الشعارات والإعلانات للداعمين والشركات المنتجة داخل الفيلم والسينما”.
وأوضحت أن الوضع الأمني والسياسي الراهن يشكل صعوبة في الحرية في صناعة الفيلم وإنتاجه بسبب تحكمه في محتويات الأفلام، حتى وإن كان محتواها يتحدث عن قضايا عادية وتعايشية.
وأفادت أن بعضهم يعدّها ضربًا في الوتر الحساس، ويفسرها الكثيرون كلٌّ بحسب توجهاته السياسية، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير جدًّا على كاتب سيناريو الفيلم الذي لا يجد مساحة آمنة ومريحة للكتابة، ويضطر إلى الانتباه والتغيير والتنويع في المحتوى لإرضاء جهات الدعم والجهات المنتجة.
وأوضحت أنّ للقنوات المحلية دورًا كبيرًا في تشجيع صناعة السينما. مؤكدة على أهمية تبني القنوات التلفزيونية عرض الأفلام القوية والمؤثرة كل شهر أو ستة أشهر، الأمر الذي يشجع الكثيرين لصناعة الأفلام.
تبقى صناعة الأفلام فنًّا جميلًا يحتاج إلى تكاثف الجهود والجهات المختصة لتطويره وتحسينه وإعادة رونق الفن السينمائي في عدن.
72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…