الدور الرسمي ودعم صناعة الأفلام القصيرة والوثائقية في اليمن
صوت الأمل – هبة محمد
تعد صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة في اليمن جزءًا حيويًا من الثقافة والتعبير الفني في البلاد؛ فهذه الأفلام تساهم في توثيق التاريخ والثقافة اليمنية، وتعبر عن قضايا اجتماعية وسياسية هامة، وتعرض قصصًا شخصية ومأساوية تحتاج إلى الاهتمام. ومن أجل دعم هذا القطاع المهم وتعزيزه يأتي دور الجهات الرسمية في الصدارة. في هذا التقرير نسلط الضوء على الأدوار الرسمية التي تقوم بها الجهات المختصة في دعم إنتاج الأفلام الوثائقية والقصيرة في اليمن.
صناعة الأفلام في اليمن وغياب دور الجهات الرسمية
على الرغم من أهمية صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة في نقل القصص الواقعية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، فإنه يمكن القول إن دور الجهات الرسمية في دعم إنتاج هذه الأفلام في اليمن قد غاب إلى حد ما، يقول الأستاذ عبد الحكيم مقبل (مدير عام مكتب الثقافة في محافظة إب): “يشهد قطاع صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة في اليمن تطورًا بسيطًا في إنتاج أفلام وثقت أوضاع اليمن السياسية والاجتماعية، وكانت تلك المخرجات بجهود ذاتية من قِبل مؤسسات خاصة أو جهود شخصية لصانعي الافلام، أما دور الجهات الرسمية في تقديم الدعم الكامل والدائم، فقد كان غائبًا تمامًا، خصوصًا في السنوات الأخيرة”.
فيما يقول الإعلامي والكاتب مروان الشرعبي: “للأسف، نحن في اليمن ربما لا نعطي الشيء حقه كما يجب، لا سيما فيما يخص السينما وصناعة الأفلام والوثائق، أو بالأحرى المجال الإعلامي والصحفي بشكل عام؛ فاليمنيون طموحون ومبدعون لكنهم في بيئة لا تفتح لهم الأبواب بل تغلقها أمامهم”.
ويواصل: “فأنا، ككاتب محتوى وسيناريو، لا أستطيع العمل على إنشاء فيلم وثائقي حسب الفكرة التي أود إيصالها إلى الفئة المستهدفة؛ لأنني قد أواجه العقوبة في ذلك أحيانًا، أو أواجه صعوبة في إنتاج العمل لعدم وجود الجهات الرسمية الداعمة؛ لأننا في اليمن نقتصر في الإنتاج في زمن معين، في شهر رمضان، وهذا أحد العوامل التي تؤخر الإنتاج السينمائي في اليمن”.
ويشير الشرعبي إلى أنه لا يستطيع إنتاج محتوى وثائقي يتحدث عن الأزمات اليمنية وعن الجهل والصراع والحرية؛ بسبب العنصرية الطائفية، وتقييد حرية الرأي والرأي الآخر. ويوضح أن الدعم أصبح ضئيلًا جدًا، ومقتصرًا على جهات معينة، ولأشخاص محدودين فقط، وأن صناعة السينما والوثائقيات متأخرة جدًا في اليمن، ومقتصرة على زاوية الزمان والمكان لظروف خاصة تتعلق بالكفاءة والدعم والبيئة المنتجة للعمل.
فيما يقول صانع الأفلام إبراهيم الذيفاني: “بما أن اليمن تشهد تحديات كبيرة في مجال الإعلام والثقافة، بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن هذا ينعكس سلبًا على الإنتاج والمنتجين. وفي هذا السياق، يظهر واضحًا إهمال وزارة الثقافة والإعلام للمبدعين ومنتجي الأفلام ومخرجيها، ولا ندري هل هذا الإهمال متعمد أم أن الإمكانيات والميزانيات الكافية في هذه الوزارات لا توجد حقًا؟”.
ويرى الذيفاني أن أبرز التحديات التي تواجه المبدعين وصناع الأفلام في اليمن هو نقص التمويل وعدم وجود دعم كافٍ من الجهات الحكومية؛ إذ تعتمد صناعة السينما والإعلام بشكل كبير على التمويل من الحكومة أو الجهات الرسمية لإنتاج أفلام ذات جودة عالية، والمساهمة في تطوير القطاع الثقافي.
ويؤكد أن من واجب وزارة الثقافة والإعلام ومكاتبها المختلفة الالتزام بتوفير الدعم والتمويل اللازم للمبدعين والمنتجين والمخرجين، وتشجيع حرية التعبير والإبداع، وأن تلعب دورًا فعّالًا في تنمية الثقافة والإعلام؛ لأن تحقيق هذا الهدف سيسهم في تعزيز الهوية الوطنية وتوسيع الآفاق الثقافية والإعلامية لليمن.
يقول الإعلامي محمد الداهية: “دور الجهات الرسمية في جانب صناعة الافلام الوثائقية والقصيرة ضعيف نسبيًا، وتحديدًا الأفلام القصيرة؛ إذ لا يوجد الوعي المفترض بأهميتها، فنلاحظ أن أغلب أعمال الأفلام القصيرة هي أعمال خاصة أو عبر منظمات أو مؤسسات متخصصة. وفي الجانب الوثائقي، تكاد تكون الأعمال محصورة ولا تتجاوز المسارات التاريخية القريبة للبلد، فيما الاحتياج أوسع من ذلك؛ نظرا لأهمية هذا النوع من الأعمال الفنية التي تستطيع أن تصنع تحولاً مجتمعيًّا إيجابيًّا”.
ويقول مدير عام المسرح الوطني بوزارة الثقافة صنعاء، أحمد محمد المعمري، لـ«صوت الأمل»: “بالنسبة لإنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، لم تنتج الجهات الحكومية أي أعمال في هذا القطاع، سواء في الوضع الحالي أو في الماضي، بالرغم من وجود جهة مختصة، هي المؤسسة العامة للمسرح والسينما التابعة لوزارة الثقافة، وهي مستقلة ماديًّا وإداريًّا، ومن المفترض أن تنتج مثل هذه الأعمال”.
ويواصل الحديث: “كنت قد وضعت تساؤلاً كمقترح لرئيس المؤسسة العامة للسينما والمسرح، وهو: لماذا لا يكون هناك مهرجان خاص بالأفلام القصيرة كما كان في السابق وتُوزع فيه جوائز لأفضل فيلم؟ لا سيما أن هناك الكثير من الشباب اليمنيين من صانعي الأفلام اختاروا أفكارًا جميلة وهادفة، وقاموا بإنتاجها بجهود شخصية وتم عرضها خارج اليمن”.
وأنهى حديثه قائلا: “نتمنى خلال الأيام المقبلة استقطاب الشباب المبدعين من صانعي الأفلام ودعمهم في إنتاج أعمال خاصة بهم بعيدًا عن الجانب السياسي، وأن تُعرض أعمالهم الاجتماعية والاقتصادية والأسرية لنُظهِرَ اليمن بشكل جميل وهادف فيعرف العالم أن شباب اليمن يستحقون الدعم والاهتمام بمشاريعهم الإعلامية والفنية”.
وزارة الثقافة ودورها في دعم إنتاج صناعة الأفلام
يقول منصور الآنسي (المستشار الإعلامي لوزير الثقافة في صنعاء): “لدينا في وزارة الثقافة قطاع للمصنفات والملكية الفكرية هو المسؤول بمنح التصاريح لتصوير أي أفلام، وثائقية أو علمية أو غيرها، وتتم الموافقة على التصوير بآلية سهلة ومرنة وفق شروط معقولة، وتتضمن طلبًا رسميًا بتوقيع من الجهة أو الشخص الراغب في التصوير يحدد فيها سيناريو الفيلم والمكان والزمان وبيانات طواقم التصوير والعمل، بموجب ذلك يتم منح الترخيص الذي يُشترط فيه ألا يكون موضوع الفيلم يمس الدين الإسلامي والسيادة اليمنية والعادات والتقاليد السارية في اليمن”.
وعن أهم التحديات التي وقفت عائقًا أمام الدعم الرسمي لقطاع صناعة الأفلام في اليمن يقول الآنسي: “أهمُّ التحديات الصراعُ الدائر في اليمن، الذي أفقد توازن مؤسسات الدولة فعجزت وزارة الثقافة عن إنتاج الأفلام الوثائقية، بسبب عدم تمكنها من تحديث معدات التصوير. كذلك كانت الموازنة عائقًا كبيرًا بسبب نقص ميزانية الدولة، واقتصر الإنتاج على القنوات الفضائية الوطنية لإنتاج أفلام وثائقية وبعض المؤسسات الثقافية الخاصة”.
ويواصل: “لا شك أن لدينا في وزارة الثقافة خطة كبيرة وطموحة لإنتاج المئات من الأفلام الوثائقية، خاصة في مجال الآثار والمدن التاريخية، ونأمل أن يتحسن الوضع العام في المستقبل القريب لتنفيذ هذا المشروع الكبير، الذي يتضمن توثيق جميع المواقع والمعالم والمدن الأثرية والتاريخية والإسلامية ضمن الخارطة الأثرية. ومن ضمن مشروع الخارطة إنتاج فيلم وثائقي علمي تاريخي عن كل موقع ومعلم تاريخي وأثري”.
وعن التوصيات المقترحة للتطوير قطاع صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة في اليمن يقول: “من الضروري تسهيل وتبسيط الإجراءات الخاصة بمنح التراخيص وفتح نافذة واحدة تضم كل الجهات المعنية، بما فيها الأمنية والتشجيع على إنتاج الأفلام الوثائقية والقصيرة وإقامة مسابقات محلية بهذا الخصوص”.
وأشار إلى أن الوزارة تطمح مستقبلا لإنتاج أفلام توثِّق التراث الثقافي اللامادي للحفاظ عليه من الاندثار، كالعادات والتقاليد الشعبية المتوارثة جيلاً بعد جيل، وهي تكاد أن تختفي بفعل العولمة والحداثة والغزو الفكري الذي يستهدف طمس الهوية والتاريخ والحضارة اليمنية تحت مسمى التحضر والانفتاح اللاأخلاقي.
فيما يقول الفنان يحيى إبراهيم: “ما زالت اليمن في حقبة متأخرة في صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة، وإن ظهرت بعض الأعمال الناجحة في الساحة اليمنية، فإن قطاع صناعة الأفلام في اليمن مهمشٌ تمامًا، وبعيد عن الاهتمام والدعم من الجهات المختصة كغيره من المجالات الفنية، فيتم إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية في اليمن على نفقة الدولة في الأعمال الفنية الخاصة بها، أما الإنتاج الخاص للقضايا الاجتماعية والخاصة بالشباب الطموحين والمبدعين فيتم الاجتهاد والمغامرة في الإنتاج على النفقة الخاصة”.
المؤسسة العامة للسينما والمسرح
يقول الفنان محمود خليل (نائب رئيس المؤسسة العامة للسينما والمسرح): “لقد توقفت الأنشطة الفنية للمؤسسة منذ زمن طويل، وليس هناك أي دور للمؤسسة في دعم إنتاج صناعة الأفلام الوثائقية والقصيرة، سواء قبل الصراع أو بعده؛ فنحن –كمؤسسة- لا نملك ميزانية معتمدة ونعمل داخل المؤسسة دون أي رواتب أو حوافز، ونصرف على المؤسسة بمجهود شخصي، فليس هناك أي دعم يصل إلينا بسبب أن القائمين في الحكومة لا يدركون قيمة إنتاج أفلام وثائقية نتيجة عدم المعرفة والوعي والجهل بأهمية تاريخ اليمن وهويته، اللذين يحاول بعض ضعفاء النفوس طمسهما”.
وأوضح أن المؤسسة منذ افتتاحها إلى اليوم لم تنتج سوى فيلمين فقط ومسرحية واحدة، أما الوزارة لم تنتج أفلامًا، لا روائية ولا تاريخية أو غير ذلك من الأعمال الفنية، ويعاني الكثير من صانعي الأفلام من صعوبة كبيرة في إخراج تصريح لتصوير فيلم وثائقي نتيجة عدم وجود ثقة بين المواطن والحكومة. ويؤكد أن المؤسسة تعرضت لنهب معداتها وأجهزتها الفنية من قبل أشخاص كانوا يعملون داخل المؤسسة، وأنها تحتاج إلى اعتماد ميزانية خاصة بها لتشغيلها من جديد، وتوفير معدات وأجهزة، ونشر الوعي والمعرفة وسط الجهات الحكومية بأهمية الجوانب الفنية، وأيضًا يشدد على ضرورة وجود ناس وطنيين لتقديم الدعم للمؤسسة، وأن تكون التصاريح اللازمة لصانعي الأفلام والإنتاج الدرامي من مسؤولية المؤسسة -بدلاً من التعقيد في ذلك- نيابة عن وزارة الإعلام.
72.2% من المستطلَعين يرون أنَّ السينما اليمنية ستكون وسيلة فعالة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد عالمياً، ما تزال السينما -منذ بدايتها في نهاية تسعينيات القرن التاس…