الاستثمار في الطاقة المتجددة.. تنمية مستدامة ونقلة نوعية للاقتصاد اليمني
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تحظى اليمن بموارد طبيعية غنية تحقق تنمية اقتصادية مستدامة للبلاد، كالطاقة النظيفة والمتجددة المتنوعة؛ لذا تعدُّ الاستثمارات في الطاقة النظيفة مجالًا مهمًّا يعمل على تعزيز التنمية المستدامة، وتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني.
اليمن -كدولة نامية- تعاني من نقص في إمدادات الطاقة التقليدية، وارتفاع تكاليفها، وعجز في تغطية احتياجات البلاد؛ ممّا يجعل البحث عن مصادر طاقة بديلة ونظيفة أمرًا ضروريًّا لتلبية احتياجات السكان، وتعزيز التنمية المستدامة؛ لتوفرها بشكل هائل ومستمر، كما تعدُّ صديقًا للبيئة.
إنّ الاستثمار في الطاقة النظيفة له تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي؛ إذ يمكن أن يسهم في توفير فرص عمل جديدة وكبح البطالة، وفي تحسين الوضع البيئي والصحي في اليمن. ويحتاج الاستثمار في هذا القطاع توفير إجراءات رسمية كبيرة، لعلَّ أبرزها تسهيل التراخيص والتصاريح والضرائب الجمركية، إلى جانب الدعم التقني والتدريب المهني؛ لرفد المستثمرين بكوادر مؤهلة، وغيرها من الإجراءات التي سنعرضها في هذا التقرير.
أبعادها الاقتصادية
يشير البنك الدولي، في تقرير له في 4 ديسمبر 2018م بعنوان: “لمحة عن الكهرباء في اليمن؛ المساعِدة في تعزيز الطاقة الشمسية من خلال ريادة الأعمال والابتكار”، إلى أن الاستثمار ارتفع إلى أكثر من مليار دولار في الطاقة النظيفة، وتحديدًا الطاقة الشمسية (الكهروضوئية)، منذ نشوب الصراع وحتى إصدار التقرير. مبيِّنًا أنّ هذا الاستثمار تمَّ أغلبه في المنازل نتيجة انقطاع التيار الكهربائي التقليدي عن معظم المدن اليمنية. وشهدت صناعة الطاقة الشمسية ازدهارًا سريعًا منقطع النظير، ممّا رفع سقف الاستثمار بشكل كبير في هذا القطاع.
وأضاف التقرير: “ازداد الاستثمار في الطاقة الشمسية بعد ترابط كبار الموردين في الخارج مع التجار المحليين بهذا المجال؛ ممّا جعل صناعة الطاقة تشهد ازدهارًا في ظل الظروف الراهنة التي تمرُّ بها البلاد”.
إنّ الاستثمار في هذا القطاع حقق نجاحًا كبيرًا، ووصل إلى نحو (14) محافظة من أصل (22) محافظة يمنية، ويعدّ مصدرًا رئيسيًّا للطاقة وفقًا لتقرير البنك الدولي، في حين المحافظات الثمان الأخرى بدأ قطاع الطاقة الشمسية ينتشر فيها بشكل ملحوظ، وأصبح الاعتماد عليها كبيرًا في المنازل أو القطاع الزراعي، وتوصيل مياه الآبار إلى المناطق، خصوصًا الأرياف.
إلى ذلك، أوضح مدير مركز الأبحاث والدراسات للطاقة المتجددة والخبير المعتمد لدى قطاع الطاقة المتجددة من جامعة الدول العربية، الدكتور عبد الله بارعدي، أنّ الاتجاه العالمي اليوم أصبح نحو الطاقة المتجددة، وذلك بسبب تراجع المخزون النفطي وارتفاع تكاليفه، وكذا فإنّ سعر الكيلو وات الطاقة النظيفة أقل من سعر الكيلو وات من الطاقة التقليدية بأكثر من عشرة أضعاف.
وخلاصة القول إنّ الاستثمار في هذا يجعل العائدات الاقتصادية كبيرة ومهمة. وفي اليمن يمكن أن تحقق العائدات الاقتصادية نقلة نوعية للقطاعات الأخرى، ومثال على ذلك أنّ خسائر الدولة في كهرباء ساحل حضرموت في اليوم الواحد أكثر من مليون دولار، ولو كان هناك طاقة نظيفة لاُستغِل هذا المبلغ في مجالات أخرى، وحقق تنمية ملحوظة.
وأردف بارعدي: “مع ذلك، العائدات الاقتصادية من استثمار الطاقة النظيفة في اليمن سيحقق نقلة نوعية بتقليل مستوى البطالة، وسيخلق فرصَ عملٍ وتنافسًا بين شركات الاستثمار، كلُّ ذلك لصالح البلاد. كما أنّ اليمن، وفق تنوع تضاريسها ومناخها، لديها عدد من أنواع الطاقة النظيفة، لو استثمرت بالشكل الصحيح لغطت احتياجات البلاد من الطاقة بشكل مستدام ومستمر، وبصورة شبه مجانية، ويمكن تصدير الطاقة للخارج، وستعود لليمن بعوائد مالية ضخمة تنعش الاقتصاد”. مشدّدًا: “لو اُستغلت الطاقة المتجددة المتوفرة باليمن بالشكل الصحيح، لارتقت البلاد إلى مصافي الدول الغنية”.
التكلفة الاقتصادية
أحمد بن شملان، مهندس في قسم الدراسات بالمؤسسة العامة للكهرباء بساحل حضرموت، قال: “إنَّ التكلفة الاقتصادية للطاقة النظيفة في بداية إنشاء المشروع تعدُّ باهظة التكاليف المادية مقارنة بالكهرباء التقليدي الأحفوري، وهذا ما جعل الاستثمار في الطاقة النظيفة ضعيفًا، خصوصًا المشاريع الكبيرة والعملاقة، فضلاً عن الوضع الأمني المتردي، وعدم الاستقرار السياسي في اليمن. لكن بعد اجتياز مراحل التأسيس والإنشاء والبدء في إنتاج الطاقة ستكون تكلفتها قليلة والتوليد كبير، ومستدامة أيضًا، بعكس طاقة المولدات التي تكون في بداية التأسيس أقل كلفة مادية بنحو ثلاثة أضعاف، لكن تكلفتها تستمر، ومراحلها الافتراضية قصيرة”.
وأضاف: “إنّ العمر الزمني للمشروع وإنتاجه للطاقة المتجددة هو حافز للجهات المستثمرة لتغطية التكلفة الاقتصادية مع أعوام الإنتاج، التي تعدّ مكلفة، ومرتفعة النفقات؛ لذا فإنّ النظر للسنوات الطويلة التي يتمُّ فيها إنتاج الطاقة، وإلى أرباحها الكبيرة التي لا تتطلب أموالًا ضخمة بعد الإنشاء، كل ذلك يعدّ عاملًا إيجابيًّا ومحفّزًا للاستثمار، ولا يمكن للتكلفة الاقتصادية أن تؤثر على الطاقة النظيفة، كما أنّ هناك دخولًا للشركات المصنعة للطاقة النظيفة، وهذا سيخلق تنافسًا كبيرًا، وسيُقلل من أسعار التكلفة خلال الأزمنة القادمة بشكل ملحوظ”.
وفي ذات الصدد، بيَّن بارعدي أنّ تقليل الضرائب، مثل ما هو معمول في دول الخارج، سينعكس إيجابيًّا على التكلفة الاقتصادية للطاقة النظيفة، مع وجود ضمانات وتشريعات حكومية تحمي حقوق الجهات المستثمرة؛ إذ يضمن المستثمر حقوقه المالية ويعوِّض التكلفة أثناء إنشاء المحطات التوليدية، مع توقيع اتفاقيات لمدّة معينة، بالإضافة إلى تقديم دراسات وبحوث تضمن نجاح هذه المشاريع من ناحية المنطقة ونوعية الطاقة؛ كل ذلك يعطي تطمينات مباشرة لجهات الاستثمار بتغطية التكلفة أثناء تشغيل المشاريع.
أهم المشاريع
ذكر المهندس بن شملان، أنّ الجهات الرسمية اليمنية لديها توجه نحو الطاقة النظيفة خلال مدّة ما بعد اندلاع النزاع؛ نتيجة العجز الحاصل لتغطية الجمهورية من الكهرباء عبر المولدات وشحة توفر الوقود. أغلب المحافظات، خصوصًا شمال البلاد، تشهد انعدامًا كليًّا للكهرباء، وبعض المحافظات تقطع الكهرباء لساعات طويلة، ومن هذا المنطلق أصبح التوجه إلى الطاقة البديلة أمرًا حتميًّا؛ لتغطية احتياجات السكان من الكهرباء، ومن أهم تلك المشاريع للطاقة النظيفة هي مشاريع الطاقة الشمسية.
وأضاف، إذ تمَّ الانتهاء في الآونة الأخيرة من مشروع في صنعاء، نحو حوالي (20 إلى 40) ميجاوات، وحاليًا هناك عمل جارٍ في محطة بعدن ستنتج (120) ميجاوات، بتمويل خارجي، وكذا محطة أخرى في المخا بقدرة إنتاجية (40) ميجاوات، بالإضافة إلى مشروع آخر في محافظة الحديدة؛ فإن كل تلك المشاريع هي توليدٌ عبر الطاقة الشمسية. كما أنّ هناك مشاريع أخرى قيد الدراسة للطاقة النظيفة والمتجددة، ومنها في محافظة حضرموت، لذا تعدُّ هذه المشاريع أكثر استدامة، وستعطي الاقتصاد الوطني دافعًا نحو الأمام في المستقبل.
تدخلات القطاع الخاص: مؤسسة “صلة” نموذجًا
نفذت مؤسسة “صلة” للتنمية منذ العام 2016م (315) منظومة طاقة شمسية في 8 محافظات يمنية، وتساوي القدرة المجتمعة للمنظومات (3.8) ميجاوات، وفقًا لمدير إدارة المياه والبيئة بالمؤسسة الدكتور عمر باجبع؛ إذ أكد أنّ مؤسسة “صلة” تجمعها شراكة فاعلة مع كلٍّ من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، وبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند)، عبر مشروع: “استخدام الطاقة المتجددة لتحسين جودة الحياة في اليمن” الذي يأتي بتمويل ثلاثي، وبتنفيذ من مؤسسة “صلة”، بكلفة إجمالية بلغت (2,100,000) دولار في 5 محافظات، بواقع (16 مديرية) مستهدفه في التدخل.
وأكد باجبع أنّ هذه المشاريع تأتي للرفع من مستوى استخدام الطاقة النظيفة، والتقليل من الاعتماد على الطاقة التقليدية والوقود الأحفوري، وانبعاث الغازات الدفيئة، إلى جانب تخفيف معاناة المواطنين. وشمل المشروع تنفيذ (12) منظومة طاقة شمسية لآبار المياه، و(35) منظومة طاقة للمزارعين في ثلاث محافظات (حضرموت –أبين – لحج)، بالإضافة إلى تنفيذ (20) منظومة طاقة شمسية لـ(20) مرفقًا صحيًا وتعليميًا في (حضرموت – تعز – الحديدة)، وأيضًا تنفيذ (133) منظومة طاقة شمسية لمثلها من الأسر في تعز والحديدة. حققت تلك المشاريع استدامة للمستفيدين، ورفعت مستوى الوعي المجتمعي باستخدام الطاقة المتجددة، والتقليل من التأثيرات المناخية، متبعة بذلك ممارسات متقدمة تعمل من خلالها على تعزيز الحوكمة والاستدامة خلال جميع مراحل المشاريع.
استيراد معدات الطاقة
يقول الخبير الدكتور بارعدي: “أغلب الشركات الخارجية التي تصدر معدات الطاقة النظيفة لليمن، أبرزها الطاقات الشمسية، ترسل معدات تكون مستخدمة في الدول المتقدمة؛ ممّا يقصر من عمرها الافتراضي، إلى جانب ضعف قدرتها في الإنتاجية، وبعض تلك المعدات رديئة الجودة والصنع. كلُّ ذلك يقلل من ثقة المواطن باستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، إضافة إلى تكلفة مصاريف الشحن والنقل والجمارك، فتصل إلى المستهلك بأسعار باهظة، وسريعًا ما تنتهي. كما أنّ زيادة الأنواع والأصناف التي لا تحمل الجودة الجيدة تسبب أيضًا في تضارب الأسعار”.
أمّا عن الحلول، فيقول الدكتور بارعدي إنه “يتحتم عمل مراكز وهيئات مواصفات لفحص للمعدات القادمة من الخارج ومراقبتها والتأكد من جودتها في المنافذ والموانئ، وإقامة مؤتمرات وورش عمل للشركات المستورِدة، بالإضافة إلى نشر التوعية لدى المجتمع، وتحسين صورة الطاقة النظيفة وتعزيز الثقة بها، وكذا إبرام اتفاقيات مع الشركات المصنعة محددة باستيراد معدات الطاقة بمواصفات عالية وأكثر تطورًا، إذ تكون المشاريع في هذا الجانب أكثر استدامة ونقلة على مستوى الطاقة”.
وفي الختام يمكن القول إنّ توفر عوامل الاستثمار في الطاقة النظيفة في اليمن سيجعل اليمن محط اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب، للاستفادة من البيئة الاستثمارية المشجعة على تطوير مشاريع الطاقة المتجددة وتعزيز التنمية الاقتصادية والبيئية في البلاد، وإن لم يحدث بالصورة المطلوبة نتيجة الوضع القائم منذ نحو ثماني سنوات، فعلى الأقل هناك إشراقة أمل لطالما حلمَ بها اليمنيون.
91.9% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن من المهم بدء الاعتماد على الطاقة النظيفة لتحقيق تنمية مستدامة في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد الطاقة النظيفة شكل من أشكال الطاقة المستدامة التي تُولّد من مصادر ط…