مبادرات مجتمعية فاعلة لترميم وصيانة شبكة الطرق الريفية
صوت الأمل – علياء محمد
يشكو سكان المجتمعات الريفية في اليمن من تحديات وصعوبات عدم تأهيل ورصف الطرق، والذي يؤدي بدوره إلى منع سكان هذه المناطق من الوصول إلى الموارد الحيوية والخدمات الأساسية والإمدادات الغذائية.
هذا ويواجه سكان المناطق الريفية مشقة كبيرة في التنقل بسبب الطرق غير المعبدة، والتي تتسبب في أغلب الأحيان بحوادث مأساوية وخسائر كبيرة.
ناصر عبد الله، أحد سكان المناطق الريفية يحكي معاناتهم في التنقل في طرق وعرة وغير معبدة ويقول: ” في كل يوم أتجرع مشقة التنقل من قريتي الواقعة أعلى الجبال للوصول إلى مقر عملي في العزلة الأخرى من المحافظة”.
يعمل ناصر كمدرس لمادة الرياضيات في إحدى مدارس القرية المجاورة له، ولا تقف معاناة ناصر إلى هذا الحد فقط، فهو يتحمل تكاليف نقل عالية لإيصال المواد الغذائية والأساسية إلى منزله.
صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية
“يعاني ما يزيد عن 8000 نسمة من وعورة الطريق ويصعب على السكان توفير الخدمات الصحية، نتيجة بعد المراكز الصحية عن القرى وصعوبة الوصول إليها”.
هكذا عبر عبد الله محمد علي الجابري، عضو في المبادرات المجتمعية في محافظة المحويت عن معاناة السكان في قريته. وأكد على فقدان الكثير من الأشخاص حياتهم بسبب تأخر وصولهم إلى المستشفيات. مضيفا: “يتجرع الناس تكاليف باهظة الثمن في عملية نقل المرضى إلى مراكز المديرية الصحية وتصل تكاليف النقل إلى ما يقارب 30 ألف ريال يمني للنقلة الواحدة”.
وأشار إلى فقدان الكثير من الأمهات الحوامل حياتهم والبعض يخسر أطفاله بسبب مضاعفات الولادة وتأخر وصول الأم الحامل إلى المستشفى. ويقول: “ينتهي المطاف ببعض النساء الحوامل على توابيت الموتى، بسبب صعوبة الانتقال والذي يستغرق ساعات طويلة”. وأوضح أن سكان القرى يعيشون ظروفًا اقتصادية صعبة، والأغلب لا يستطيع توفير تكاليف النقل في هذه المناطق، الأمر الذي يفاقم من حدة المشكلة.
عدم توفير مياه شرب صالحة
يرى عبد الحميد النمر (مشرف صحي) أن الطرق في المجتمعات الريفية تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات المناسبة التي من الممكن أن تقدم لسكان المنطقة. مضيفا: “غالبا ما تكون الطرق في المجتمعات الريفية غير معبدة ومليئة بالصخور والحفر والمنحدرات شديدة الانحدار، ونتيجة لذلك يصعب على الكثيرين التنقل بأمان”.
وأشار في حديثه إلى صعوبة التواصل والاتصال في مثل هذه الطرق، نتيجة غياب خدمات الواي فاي وشبكات الاتصال، مما يجعل التنقل خطيرا. موضحا أن المناطق الريفية تعاني من أحوال جوية غير مستقرة بسبب الأمطار والسيول التي تتسبب بالانهيارات الأرضية مما يجعل الطرق غير سالكة وخطيرة.
وفي سياق متصل، قال نور الدين صالح (صحفي): “إن سبب انقطاع ووعورة الطريق في المناطق الريفية هو انعدام الصيانة للطرق”.
وأكد في حديثه أن بعض القرى لا يوجد لديها طريق إلا للحمير، وأن الكثير من القرى تعاني من عدم توفر مياه صالحة للشرب، ويعتمد السكان في هذه المناطق على المياه الجوفية السطحية المؤقتة ومياه الأمطار والسدود. موضحا أن قيمة صهريج المياه تختلف في السعر بحسب الطريق. كما أن دخل الفرد يقارب عشرة آلاف ريال يمني، والقرى بعيدة وطريقها وعرة وقد يصل تكاليف ذلك إلى 30 ألف ريال يمني.
تشكو وفاء ناصر، البالغة من العمر 15 عاما من معاناتها هي وفتيات قريتها في جلب المياه من نبع صغير في مكان يبعد العديد من الكيلو مترات. وتقول: “نخرج مبكرًا ونقطع المسافات ونتحمل وعورة الطريق لجلب المياه”.
تجلب وفاء المياه في أواني بلاستيكية، تقوم بنقلها على ظهور الحمير أو على رأسها. ولا تكمن خطورة جلب المياه إلى هذا الحد فقط، بل تواجه الفتيات في القرى خطر الطرق الوعرة والتي قد تؤدي إلى الموت والسقوط.
صعوبة الاستمرار في التعليم
أفاد عبد الله الجابري “أن المدارس في المناطق الريفية تبعد مسافات طويلة عن منازل الفتيات اللاتي التحقن بالتعليم، وتبعد مدارسهن وجامعتهن عن مناطق عيشتهم الكثير من الكيلو مترات، ولا توجد خدمات نقل مناسبة تقوم بنقلهن”. مضيفا: “تتسرب الكثير من فتيات القرى من مدارسهن قبل الثانوية نتيجة لبعد المسافة ووعورة الطريق المؤدية لها، والتي تفرض تكاليف كبيرة في ظل انخفاض المستوى المعيشي لأسرهم”.
تقول آسيا عبد الله، إحدى طالبات الصف الثاني ثانوي: ” تقع مدرستنا في عزلة أخرى بعيدة عن قريتي، وإلى الآن أقطع مسافة طويلة للوصول إلى المدرسة ولا يوجد طريق يوصلني إليها، فأنا أسلك طريقًا وعرة”. وتضيف: “هناك الكثير من زميلاتي لم يستطعن إكمال تعليمهن نتيجة خوف أهاليهم من أي خطر قد يتعرضن له وقت الذهاب للمدرسة”.
قوة الشراكات
في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي تعيشها بلادنا جراء الصراع، استمرت الكثير من المشاريع والمبادرات المجتمعية في تقديم تدخلاتها الإنشائية ولعبت دورا حيويا وفعالًا في تحسين البنية التحتية للطرق في المجتمعات المستهدفة.
حيث عمل البنك الدولي – بتمويل من المؤسسة الدولية للتنمية -مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن ومع المؤسسات الوطنية- الصندوق الاجتماعي، بتنفيذ عدد من مشاريع تأهيل ورصف الطرق. كان الهدف من هذه المشاريع إتاحة وصول سكان المجتمعات الريفية إلى المدارس والمراكز الصحية، وزيادة فرص حصول الأمهات على خدمات الأمومة والطفولة.
هذا وقد اهتم مشروع الأشغال العامة بتعبيد الطرق الريفية ورصف الأحياء الحضرية، وخدمت هذه المشاريع الكثير من السكان في القرى ونجح المشروع في تسهيل آلية تنقل السكان وساهمت في خفض تكلفة النقل للمواد الغذائية والبضائع، بالإضافة إلى تراجع نسبة الحوادث في الطرق الريفية والجبلية.
ووفقا للتقارير الصادرة عن وزارة الأشغال العامة في العام 2021 فقد استفاد ما يقارب، 282 ألف شخص من 68 مشروعا، خلال سنة2020م وقدرت التكلفة ب8,6 مليون دولار.
وكان لمثل هذه التدخلات أثر إيجابي في حياة الناس في كافة القطاعات، ويؤكد التقرير تنفيذ 1250مشروعا في مختلف محافظات الجمهورية حتى نهاية 2020م.
من جانبه أوضح سامي الأكحلي، ناشط مجتمعي ورئيس لجنة المستفيدين بطريق هيجة العبد، أن الصراع القائم في البلاد شكل تحديًا آخر إلى جانب التحديات التي كانت تواجه الطرق الريفية في اليمن.
ويقول: “نتيجة للصراع القائم أغلقت الطرق الرئيسية للنقل، وحلت محلها الطرق الريفية، وأصبحت الملاذ الأخير لحركة النقل الثقيلة والمتوسطة ونتيجة لذلك؛ تدمرت وتهالكت الطرق الريفية، بالإضافة إلى تضرر ركاب وسائقي وسكان القرى، وأصبحوا عاجزين عن الوصول إلى كلياتهم، أو أعمالهم أو توفير المتطلبات الأساسية إلى منازلهم”.
وأضاف: “هنا في قرية هيجة العبد في تعز أغلقت الكثير من الطرق نتيجة توقف خدمات ومشاريع الدولة، بسبب الزيادة السكانية والنزوح من المدن إلى الريف، بالإضافة إلى ارتفاع نسب الحوادث في هذا الطريق”.
مشيرا إلى أن الصراع خلف آثارا على الطرق، وأجبر السكان على استخدام الطرق القديمة للتنقل وبشكل أكبر، الأمر الذي زاد من تدهورها في ظل غياب مشاريع الدولة في تعبيدها وشقها.
وفي سياق متصل ذكر الأكحلي أهم تدخلات منظمات الإغاثة لتحسين خدمات النقل، وأفاد بأن هناك عدد كبير من المنظمات قدمت مشاريع تنموية، كان أبرزها منظمة كير، والتي قامت برصف عدد من الطرق المهمة في المناطق الريفية، وفقا للاحتياج الغذائي بتعاون الأهالي بشق الطرق على حسابهم الشخصي.
وأشار إلى أهم المشاريع التي يتم العمل عليها لرصف الطرق وهي: طريق اليافه الذي يربط مديريتي الشماتين مع المواصل قدس، وهو طريق رئيسي دُمر منه أربعة كيلومترات ويقول: “تعاون في هذا المشروع عدد من المنظمات ورجال الأعمال بالإضافة إلى تبرعات الأهالي”.
مضيفا: “ساهمت مثل هذه المشاريع في الربط بين المناطق وتسهيل حركة المسافرين وخاصة الطلاب والمرضى. بالإضافة إلى حركة نقل البضائع التجارية”.
مشددا على أهمية استكمال عدد من المشاريع المنفذة، كمشروع طريق التربة تعز، والذي لم يتم الانتهاء منه بسبب التباطؤ، بالإضافة إلى مشروع هيجة العبد الذي يتوقف بين الحين والآخر.
حلول ومعالجات
يرى عبد الله الجابري أن وجود التمويل المالي اللازم أحد أكبر الحلول لتحسين خدمات النقل في المناطق الريفية، عن طريق إنشاء وصيانة شبكات طرق أفضل، تدعم النقل الآمن والسريع بالإضافة إلى إدخال تقنيات نقل متطورة تعمل بنظام التكنولوجيا المتطور.
ويضيف: “يجب إيجاد شراكة فعالة بين القطاع العام والخاص لتمويل وتشغيل البنية التحتية للنقل وتحديد آليات تدابير السلامة للتخفيف من معاناة السكان”.
مؤكدا على استمرار القائمين في العمل في تحسين ورفع طرق المناطق الريفية وإعطاء أولوية لها لتجاوز كافة التحديات والعقبات في المجتمع. ويبقى تحسين البنية التحتية لطرق المناطق والمجتمعات الريفية المطلب الضروري لضمان إمكانية الوصول إلى الخدمات والتخفيف من المعاناة.
63.6% من المشاركين في الاستطلاع قيَّموا خدمات قطاع النقل في اليمن بالضعيفة
صوت الأمل – يُمنى أحمد يعد النقل أحد العوامل الحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي …