خدمة النقل البري في اليمن تتعرض لتدمير واسع وكارثي
صوت الأمل – هبة محمد
يعتبر قطاع النقل البري في اليمن بوسائله المتعددة أحد أهم مكونات الاقتصاد الوطني لما له من تأثير على مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى، كالصناعة والتعدين والتجارة والزراعة، وتوفر شبكات حديثة للنقل البري مما يمثل عاملاً مهماً في تحديد مواقع الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
ترابط تنموي
هناك ارتباط قوي بين التطور الاقتصادي لبلد ما ومستوى نمو قطاع النقل فيه، حيث يؤدي النمو الاقتصادي بشكل مباشر إلى رفع كفاءة قطاع النقل ومرونته، ويأتي ذلك من خلال شبكات نقل التبادل التجاري بين مراكز الاستهلاك ومراكز الإنتاج، وقد بلغت مساهمة قطاع النقل في الناتج المحلي الإجمالي بين (10-13%) سنوياً وفقا للمركز الوطني للمعلومات.
الحق الدستوري في التنقل
تؤكد كل المعطيات البديهية أنه إذا وجد خلل في خدمات النقل البري أو صعوبات فإن الاقتصاد يتراجع ومعدلات النمو تنخفض، ويصاب المجتمع بالشلل ويُنتهك حقه في حرية التنقل؛ لذا فقد نص المشرع في القانون اليمني في المادة (57) على أن: “حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية حق مكفول لكل مواطن ولا يجوز تقييدها، عدا في الحالات التي يبينها القانون لمصلحة أمن وسلامة المواطنين، وحرية الدخول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون ولا يجوز أبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها”.
ويعد قطاع النقل البري في اليمن الأكثر استخداما، خاصة بعد اندلاع الحرب والصراع وإغلاق المنافذ البحرية والجوية. وهو يؤدي دورًا هاما في تسهيل توصيل السلع والخدمات إلى أسواق الحضر والريف، والتخفيف من الفقر وتحسين مستوى المعيشة بحدها الأدنى، وإتاحة الوصول إلى خدمات التعليم والصحة، خاصة في المناطق البعيدة. وبعد أن أصبحت شوارع اليمن مكتظة بوسائل النقل البري بمختلف أنواعها -شاحنات كبيرة، باصات، تكاسٍ، سيارات، دراجات نارية- كان من الضروري إعداد قانون النقل البري سنة 2003 رقم (33) وإنشاء الهيئة العامة للنقل البري عام 2008 لتنظيم عمليات شؤون النقل البري وفقًا للخطط التي تم إعدادها.
أثر الصراع على النقل البري في اليمن
أثرت النزاعات المسلحة التي اندلعت في اليمن منذ ثماني سنوات على جميع القطاعات الخدمية بشكل سلبي وأكثر القطاعات تأثرًا هو قطاع النقل البري والمواصلات؛ فقد خلقت هذه الصراعات صعوبات كثيرة منعت حركة السير وانتقال المواطنين وحدَّت من تنقل شاحنات البضائع بين المحافظات والمدن اليمنية، بالإضافة إلى انقطاع وإغلاق الطرق بين المحافظات، مما تطلب سلْكَ طرق طويلة ووعرة تأخذ وقتا وكلفة مالية باهظة، فضلاً عن المخاطر البيئية والأمنية، وقد أدى كل ذلك إلى أضرار وخيمة بقطاع النقل في اليمن.
يقول ماجد الداعري -إعلامي ومهتم بالشأن- الاقتصادي: “قضت سنوات الصراع على ما تبقى من بنية تحتية في قطاع الطرق والجسور، وأوقفت المساعدات الخارجية في هذا المجال وقطعت خطوطًا رئيسةً بفعل الصراع المحتدم”.
وأضاف: “أصبح قطاع النقل البري اليوم في حكم المفقود، من صفقات طرق معطلة أو مخالفة للمواصفات أو البدء بالعمل فيها ولا يكتمل بفعل خلافات مع المقاول تعود لعدم الاتفاق على حصص النسب والعمولات التي يمنحها المقاول للجهات الحكومية، مقابل منحة المشروع أو إرساء مناقصات شكلية على المشروع بدون رقابة أو معايير مدروسة لتنفيذها”.
وأشار الداعري إلى أنه لا يمكن إصلاح قطاع الطرق في اليمن لتحسين خدمات النقل البري إلا بمنح استقلالية إدارية ومالية للصندوق، وتعيين مهندسين مختصين لإدارته، وفق آلية عمل تعتمد على الأولويات الوطنية في تنفيذ خطة إنقاذ هذا القطاع، ومنحه موارد ضريبية مستقلة من عوائد جمارك السير التي تحتاج إلى إعادة تنظيم وشرعنتها بقانون وآلية ملزمة، فيما الوضع الحالي فوضوي بسبب الصراع”.
واختتم حديثه: “لم يكن وضع قطاع النقل البري قبل الصراع في أفضل حال؛ فقد كان قطاعًا هشًا ينخره الفساد وينقصه الكثير من البنى التحتية الحديثة، فقوانين النقل البري والطرق، لم تخضع للتحديث أو التعديل منذ التسعينيات لتواكب التطورات السريعة، مما يشكل عائقًا أمام جهود تطوير هذا القطاع وتجويده ليلبي احتياجات المتعاملين في هذا القطاع”.
خسائر النقل البري أثناء الصراع
ذكر تقرير رصد الأثر المدني 2020 أن مليوني أسرة تقيدت حركتها بسبب الأضرار المباشرة التي لحقت بالبنية التحتية للنقل المحلي والدولي، كما تشير إحصاءات حول حركة النقل البري الدولي في اليمن للأعوام 2014-2018 أن حركة الركاب الواصلين من الخارج والمغادرين انخفضت خلال عام 2018 مقارنة بعام 2014 بنسبة (-%13) و(-39%) على التوالي. وتشير ذات الإحصاءات إلى أن حركة الشاحنات المحملة تراجعت خلال الفترة نفسها بنسبة (-%35).
ووفقاً لتقرير صادر عن الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري في عام 2019، تجاوزت الخسائر المادية لقطاع النقل البري في اليمن جراء الصراع 222 مليون دولار، منها 132 مليون دولار في قطاع النقل الرسمي، بينما بلغت الخسائر المادية لوسائل النقل البري التابعة للقطاع الخاص أكثر من 90 مليون دولار، تضمنت شاحنات نقل البضائع ونقل الوقود، وحافلات وسيارات نقل الركاب. ولفت التقرير إلى أن “خسائر التحصيل من القنوات الإيرادية والفروع والمركز الرئيسي بلغت 35 مليون و430 ألف دولار”.
وأفاد تقرير عن الأضرار والخسائر الصادر عن وزارة النقل في اليمن، منذ بداية الصراع وحتى ديسمبر العام 2018، أن إجمالي خسائر النقل البري بلغت 132,094,918 دولارًا موزعة بين: 5,999,000 دولار خسائر أضرار مباشرة في البنية التحتية، 35,430,918 دولارًا خسائر فقدان الإيرادات، 90,665,000 دولار خسائر القطاع الخاص في النقل البري.
وأثرت خسائر قطاع الجسور والطرق على عمليات النقل البري بشكل مباشر نتيجة الدمار الهائل الذي تعرضت له الطرق الرئيسة في المدن، مثل صنعاء وعدن وتعز والحديدة وعمران وغيرها من المحافظات. فقد أظهر تقرير صادر عن وزارة الأشغال العامة والطرق في صنعاء بتاريخ 2019 من شهر مارس أن الأضرار التي لحقت بشبكة الطرق تضمنت 46 طريقا رئيسيًا، و99 جسرا كانت تربط بين المحافظات والمدن والمديريات، مثل صنعاء وعدن والضالع وتعز ولحج وعمران.
ويشير التقرير الفني الصادر في ديسمبر 2019 عن صندوق صيانة الطرق في عدن أن نحو 50% من شبكة الطرق الرئيسة التي تربط بين أنحاء المدن اليمنية بحاجة إلى صيانة. وبالمقارنة مع ما قبل اندلاع الصراع، فقد أشارت الإحصائيات الرسمية للعام 2010 نشرها المركز الوطني للمعلومات على موقعه الرسمي إلى أن طول شبكة الطرق البرية في اليمن حتى عام 2010 بلغت 34447,1 كيلو متراً، منها 16347,1 طرقٌ إسفلتية، و18100 كم2 طرقٍ حصوية.
ارتفاع أجور النقل البري
بات من الواضح تمامًا أن النقل البري تعرض لهزة قوية أفقدته الاستقرار، وارتفعت أجوره على نحو كبير للغاية، حيث أوضحت بيانات صادرة في يونيو 2021 للجهاز المركزي للإحصاء أن تكاليف أجور النقل البري المحلي ارتفعت نهاية ديسمبر 2020 بنسبة وصلت إلى 208% مقارنة بديسمبر 2013؛ نتيجة انعدم الأمن والأضرار التي لحقت بالطرق الرئيسة الرابطة بين المدن اليمنية، فضلا عن دفع مبالغ عند نقاط التفتيش وسلك طرق بديلة أطول وفق ما ورد عن مجموعة البنك الدولي في مذكرة سياسية اليمن رقم (3) في يونيو 2017م.
وقد أثر ارتفاع أسعار الوقود على أجور النقل البري، كما أفادت نشرة السوق اليمني خلال إصدار ديسمبر 2020 -العدد (64) أن سعر الديزل بلغ 410 ريال يمني/ لتر، وهو يمثل زيادة بنسبة 173% مقارنة بالسعر السابق الذي كان قبل الصراع والبالغ 150 ريال يمني/ لتر.
قوانينٌ لا تُنَفَّذ
حسن عبدالله، مواطن يمني من محافظة إب، يعتمد على باصات الأجرة للتنقل ولتنفيذ مهامه، يقول: “نشهد اليوم في محافظة إب ازدحامًا غير طبيعي في شوارعها الرئيسة، بالرغم من وجود حملة مرورية مكثفة في جميع الجولات فإننا نلاحظ فشل تنظيم وإدارة حركة خطوط سير الركاب والسلع؛ لأن القوانين الخاصة بهيئة تنظيم النقل البري لا تُطبق. وكذا الخطط والاستراتيجيات الخاصة بالهيئة، مما يعيق حركة النقل داخل المحافظة، فضلاً عن التلاعب المستمر في أجور النقل، وصعوبة تنقل بعض المواطنين من مكان لآخر بسبب الأحداث الأمنية الحاصلة خاصة في الخطوط الطويلة بسبب وعورة الطرقات”.
ويواصل المواطن حديثه: “من حق المواطن اليمني حرية تنقله من مكان لآخر في بيئة نقلية آمنة ومتكاملة، هذا أقل ما يمكن تقديمه في دولة من الدول النامية مثل اليمن”.
من جهته، قال مدير فرع الهيئة العامة للنقل البري في مديرية الظهار في محافظة إب الأستاذ عمار القاسم إنه من خلال الخطة الوطنية المستقبلية للنقل الحضري ستُضبط أسعار أجور النقل على مستوى كل خط، وتُحدد أسعار النقل، ولصق لوحة إعلانية في كل الباصات محددٌ فيها الأسعار وجميع البيانات اللازمة، وسيضبط المتلاعبون في أسعار أجور النقل في محافظة.
صعوبات تواجه النقل البري في اليمن
شهدت خدمات النقل البري في اليمن صعوبات كثيرة تمثلت في تراكم أعمال صيانة الطرق مما أدى إلى شبكة طرق سيئة وغياب السلامة فيها، وكذلك غياب تنفيذ القوانين وأنظمة المرور وتجاهل تنظيم خطوط حركة السير ووسائل النقل، بالإضافة إلى الوزن الزائد والثقيل مثل الشاحنات والآليات الثقيلة؛ فهي تشكل خطرًا على سلامة الطرق وعدم الالتزام بقانون الأوزان رقم (23) لسنة 1994.
وهناك العديد من خطط الدولة لضبط الحمولات الثقيلة للشاحنات متمثلة في إنشاء محطة أوزان على شبكات الطرق، وفي عدة محافظات، لكن ظروف الصراع التي تمر بها البلاد لم تسمح بتطبيقها في الوقت الراهن.
يرى آل قاسم أن أهم الصعوبات التي تواجه هيئة النقل في محافظة إب هي قصور تعاون الجهات المختصة، كإدارة المرور وصندوق النظافة ومكتب الأشغال العامة والطرق، في ضبط حركة السير وإصلاح الطرق وتنفيذ الخطط المستقبلية. منوهًا أن نقابة النقل، التي تقع تحت مسؤولية مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة إب، تعمل بشكل غير منظم؛ فالمواطن اليوم يعاني من دفع مبالغ مالية بغير حق تفرض على أصحاب وسائل المواصلات الصغيرة من النقابة بطريقة ابتزازية وعشوائية في الشوارع، فعمل النقابة أساسا دعمُ أصحاب الباصات وليس ابتزازهم كما يحصل اليوم.
وأكد أن هناك بعض الحلول التي إذا نفذت ربما تخفف وتعالج الصعوبات التي تواجه النقل البري في اليمن، منها: تقييم شامل لوضع الطرق والجسور المُدمرة في المدن والشوارع التي تربط بينها، قيام وزارة الأشغال العامة والطرق بالاستعانة بذوي الخبرة لعمل خطة تنفيذية وتشغيلية لإعادة تعمير الجسور والطرق؛ لتسهيل تنفيذ خطة النقل الحضري.
الحلول المناسبة للتخفيف من الازدحام المروري
اقترحت الهيئة العامة لشؤون النقل البري عددًا من الحلول والمعالجات للتقليل من الاختناقات المرورية واعتمدتها ضمن الخطة التنفيذية لتنظيم حركة السير، منها عدم منح رخص القيادة إلا لمستحقيها بحسب النظام المتبع والشروط المتبعة في إدارة المرور.
وكذلك رفع السيارات الخردة والمتهالكة الموجودة في الشوارع الرئيسة، وإلزام سائقي القاطرات المتوقفة بجوانب الشوارع الرئيسة بالابتعاد وأن تترك في مواقف خارج المدينة، وإلزام مالكي المنشآت الخاصة والمطاعم السياحية والفنادق والمراكز التجارية بإيجاد مواقف خاصة بها وتوفير منظمين لتسهيل السير أمام منشآتهم.
لا يزال قطاع النقل في اليمن ينزف إلى هذه اللحظة؛ بسبب استمرار الصراع في جميع أرجاء الوطن، واتساع رقعة الدمار التي أصابته خلال أكثر من ثماني سنوات، إضافة إلى عدم وجود اهتمام حقيقي بالمحافظة على البنية التحتية المتبقية، وإن وجدت مشاريع وخطط استراتيجية في تظل سطحية ولا تجدي نفعًا، وإن نُفذت فإنها تُنفذ داخل المدن الرئيسة فقط، وسيحتاج هذا القطاع إلى جهود مضاعفة في المستقبل من أجل تطوير وإعادة إعمار ما لحق به من دمار حتى تعود عجلة التنمية إلى البناء والتطور.
63.6% من المشاركين في الاستطلاع قيَّموا خدمات قطاع النقل في اليمن بالضعيفة
صوت الأمل – يُمنى أحمد يعد النقل أحد العوامل الحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي …