“أكلاتُنا اليمنية لا يُعلى عليها”
صوت الأمل – حنان حسين
رغم أن الصراعات أوقفت الكثير من سبل الرزق، لكن المطاعم اليمنية ما زالت فاتحة مصراعيها وتستقبل زوارها في كل وقت وحين، وما زالت ربات البيوت من مختلف المحافظات يعملن في المطبخ اليمني ويستقبلن ذويهن بكل ما لذّ وطاب؛ فالمطبخ اليمني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب على امتداد الآونة والعصور تأثر بالعديد من النكهات والمطابخ الشرقية والغربية كالمطبخ التركي والهندي. فالسلتة التي يعتقد أنها طبق من صنعاء أصلاً، يتضح أنّ أصولها تركية، وكذلك الحال مع الزُربيان والصانونة والمطفّاية المنتشرة بكثرة في عدن فتعدُّ أكلات ذات أصول هندية.
ونرى شواهد حية أنّ تراث الطهي اليمني كما تأثّر بالمطابخ الأخرى فكذلك أثّر في مطابخ عالمية، واتّسع نطاقه ليصل إلى دول الخليج وشرق آسيا وتركيا والصين. وتشهد على ذلك الانتشار بعضُ الأكلات اليمنية المميزة؛ كالمندي الحضرمي والعصيدة والزربيان والصيادية والحنيذ.
نكهات مميزة
تصف عنود ياسين -يمنية من أصول سودانية- تراث الطهي اليمني بالزاخر والغني والتنوع شكلًا ومضمونًا، وتصف المائدة السودانية بالبسيطة حينما تقارنها باليمنية، وتؤكد قائلة: “أعتمد طريقة الطبخ اليمنية (الكُشن اليمني) وأستخدم البهارات بشكل كبير، حتى عندما أطهو أطباق سودانية، فهي ممتازة جدًّا وتُعطِي لذة للأطعمة”.
وتؤكد وئام المختاري -من محافظة عدن وتحمل الجنسية البريطانية- أنّ تراث الطهي اليمني مميز جدًا، رغم جولاتها في العديد من الدول كمصر وبريطانيا فإنّ التراث اليمني عالي اللذة وتقول:” أكلاتنا اليمنية لا يُعلى عليها”.
هبة عبد الله الصلوي –خريجة إدارة طبية- ترى أنّ ميزة تراث الطهي اليمني في نكهته الفريدة، وهذا ما يلاحظه من يأتي من خارج اليمن، وتوضح قائلة: “محافظتنا على الأسلوب التقليدي هو ما يجذبنا إلى الأكل اليمني خاصة في المطاعم حاليًا، فهناك دمج رهيب بين الشكل والمضمون بنفس النكهة واللذة”.
مستر هانجري –يمني متذوق ومالك لمنصة جائع hungry على السوشل ميديا والمتخصصة بالتذوق- يتحدث قائلًا: “ما يمتاز به تراث الطهي اليمني ليس المكونات الصحية فحسب، بل المذاق اللذيذ والفريد والمميز عن جميع مطابخ العالم، وكذلك أساليب التحضير للأصناف والأواني وأسلوب التقديم الذي يسمح لك أن تعيش تجربة تذوق تقليدية فريدة لا يمكن لأي بلد أن يقدمها لك”.
ويضيف مستر هانجري أن المطبخ اليمني يعدُّ واحدًا من أشهر المطابخ العربية وأكثرها تنوعًا، ويتميز بنكهاته القوية واستخدامه للبهارات بشكل مميز وتقليدي؛ فالمطبخ اليمني فريد ومتنوع الأطباق على مستوى جميع المحافظات اليمنية وليس في منطقة محددة فقط، ومن جميع المأكولات؛ منها اللحوم والأسماك والدواجن حتى المقبلات والمخبوزات، ومن أشهرها: الزُربيان العدني، المقلقل الحضرمي، المضبي، المندي، كباب اللحم، سلتة اللحم المفروم، الفحسة، العقدة، المخمود، الحنيذ، القوزي، الصيادية، الصانونة، المطفّاية، الربيس، كبسة اللخم الحضرمية، سمك الموفى، السطاوة.
وأكد هانجري أنّ هناك العديد من الأطباق اليمنية المميزة التي لا تتشابه مع غيرها من الأكلات على مستوى عالمي مثل: العصيدة بأنواعها، المرق الحامض، فتة المطيط، فتة التمر، مشكل الفرن والخضار، الهريش، الطلمة، المعصوبة، الباجية، المقصص، السمبوسة، المدربش، المطبق، الفلوري، الطعمية، الكاتلكس، البطاطا بالحمر، العجة.
وأضاف أنه حتى في المخبوزات فإن المطبخ اليمني يتفوق بامتياز بتنوعه في مخبوزاته ومن أشهرها: خبز التنور، الملوج، الرطب، العيش، خبز الموفى، الكَدِر، البلسن أو القفوع، الروتي، اللحوح اليافعي، الجبيز، خبز الطاوة العدني، الكُدَم، التَّمِيز، الذمول.
لا للضياع
يؤكد مستر هنجري أنّ الطهي اليمني الأصيل جزءٌ مهمٌّ من التراث الثقافي اليمني، ويحتاج إلى الحفاظ عليه من الاندثار، والحفاظ عليه كواحد من الأصول الهامة للهوية اليمنية، ويشدد على ذلك للحفاظ عليها من الضياع والاندثار، قائلًا: “يجب توثيق الوصفات والأطعمة الشعبية بشكل كامل ودقيق، مع الحرص على توثيق طريقة إعدادها والمكونات المستخدمة فيه، والترويج المستمر للأطعمة الشعبية بشكل جيد، وذلك من خلال إعداد الأطباق الشعبية في المطاعم والفنادق والمناسبات الثقافية، وكذلك عبر شاشات التلفاز في برامج الطبخ وعبر منصات التواصل الاجتماعي”.
وأضاف هانجري أنّه يجب تعليم الأجيال الجديدة الأطعمة الشعبية وطريقة إعدادها وطباختها، وذلك من خلال تنظيم ورش العمل والدورات التدريبية التي يجب أن تقام على يد أمهر الطباخين اليمنيين.
كما تطرق إلى وجوب المحافظة على نكهة الأطعمة الشعبية ذات الموروث التقليدي من تراث الطهي اليمني وعدم تعديلها بشكل كبير أو تطوير الإضافات عليها، وذلك للحفاظ على طعمها الأصلي. ويجب أيضا تنظيم المهرجانات الغذائية ومسابقات الطهي؛ لتشجيع المجتمع على إعداد الأطعمة الشعبية والحفاظ عليها بصورتها الأصلية وبمذاقها التقليدي.
بدأت بعض الأكلات تندثر بفعل الحداثة ومحاولة استبدالها بنفس المسمى وبطرق طباخة مختلفة، هذا ما أكدته سوسن عبد الله -مالكة مشروع طعام منزلي- قائلة: “الوسيلة الأقوى لحماية هويتنا اليمنية في المطبخ اليمني هو عدم خلط مكونات أي طبخة، وإطلاق مسمى جديد على هذي الأطباق؛ كي لا تضيع هوية الطبق الأساسي، كما يتم العمل حاليًا مع البُرَيك، فقد بدأنا نرى حشوات متنوعة من الدَّقَّة (اللحم المفروم) والأجبان والبيض إلى حشوات مختلفة من النكهات المحلّاة كالفراولة والفانيلا وغيرها”.
ويضيف الطباخ عبد الله علي حازم أنّ الأسعار المناسبة والجودة في الطباخة والنظافة في التقديم هي أهم عوامل الاستمرار لأي مشروع طعام، فكيف إذا كان المطعم أو المشروع يقدّم مأكولات شعبية يمنية! تعدّ هذه النقاط أساسية وتشكل عامل جذب لعودة الزبائن مرات عديدة، كما قد تُسهم في تناولهم المأكولات الشعبية بدلًا عن الوجبات السريعة، لكن عدم الاهتمام بالنظافة وانعدام الجودة وعدم الأمانة في استخدام النكهات والأطباق جعلت الناس ينفرون إلى الوجبات السريعة (الفاست فود).
ياسين السقاف -يمني مقيم في ألمانيا- يقول: “وأنا في بلاد الغربة شعرت بالحنين إلى رائحة أكلاتنا في اليمن؛ فطبخت بنفسي أكلات شعبية يمنية بدافع الشغف والمحبة والموهبة، ونشرت هذه الطبخات كمحتوى عن طريق إنشاء صفحات على منصات التواصل الاجتماعي باسمي، أعرض فيها الأكلات اليمنية الشعبية المتنوعة بأسلوب تراثي وطرق تقليدية وسريعة وتقديم مميز، وكذلك دونت كتابًا يحتوي على 90 وصفة يمنية بلغات أجنبية، وهذا يعدّ أسلوب حفظ لهذه الأكلات، ومحاولة لتوسيع دائرة انتشارها إلى غير الناطقين بالعربية”.
ويعلق علي الباشا (مسؤول مجموعة الطواهش على الفيسبوك الخاصة بالمأكولات والمطاعم داخل اليمن) قائلًا: “التنوع الثقافي وغزارة الأطباق واختلافها من منطقة إلى أُخرى، هذا أبرز ما يميز المطبخ اليمني عن غيره؛ فهو متنوع وساحر، ويتميز بغنى الطعم وجودة بهاراته المستخدمة بالطهي وتنوعها. ونستطيع أن نحافظ على المطبخ اليمني من خلال القيام بكثير من الأشياء، كالاستمرار في استخدام الأدوات المخصصة للأكل (الحرضة والأواني الفخارية)؛ لتقديم الأكلات الشعبية الشهيرة كالسلتة والفحسة فيها، وعدم استبدالها بالأواني الحديثة اتباعًا لتقليد المطابخ الغربية؛ فسر النكهة موجود في هذه الأواني بالذات. وكذلك استخدام “المسحقة” لعمل السحاوق (الصوصات الشعبية) ونشر هذه الثقافة بكثرة، لأن هذه الأدوات رغم قدمها فإنها تعدّ شاهدة على أنّ المطبخ اليمني أصيل”.
فيما تخالفه الرأي لمياء الضيفي -خريجة إعلام وربة بيت- قائلة: “المطبخ اليمني متفرد ويعدُّ من أشهى المطابخ بشهادة الكثير، خاصة في ظل انتشار المطاعم اليمنية حول العالم، لكن ذائقة الأجيال تختلف من زمن لآخر، خاصة في ظل الانفتاح على الثقافات المختلفة، فأرى أن من اللازم أن نستفيد من المطابخ الأخرى بالتقديم بطريقة عصرية ومواكبة للحداثة، بحيث تكون النكهة شعبية ومتعارفًا عليها، لكن تقديمها يكون بلمسة عصرية تواكب جمال مطاعم الخمسة نجوم وذوق النخبة أو ما يعرف بـ(VIP)”.
ويؤكد ناصر العياني –مواطن- أنّ “الأكل اليمني حافظٌ لذاته ولنكهاته بغير أي مجهود؛ لأنه لذيذ ولا يقاوم، والدليل أنه عندما يجرب الأجانب الأكل اليمني فإنهم يدمنون على طعمه ويصبحون من محبيه. ونستطيع الدخول إلى اليوتيوب ومشاهدة التجارب الحية للعديد من الأشخاص حول العالم عند تجربة الطعام اليمني وكمية الاندهاش الذي يبدونه عند تذوق نكهاته، وبالطبع يكمن السر في طريقة الطهي والبهارات المستخدمة.”
وتضيف هبه محمد –مواطنة- قائلة: “لا يمكن أن نجد طرق ضيافة تقليدية مريحة ورائعة كالطريقة اليمنية، على اختلاف المحافظات، بالجلوس على الأرض حول مائدة واحدة وتناول بعض المأكولات بالأيدي بدلًا عن استخدام الملاعق والسكاكين، وهذا يعزز الطرق التقليدية المتفردة للمائدة اليمنية. وكذلك ترأس رب العائلة للمائدة وتوزيعه للأكل واللحمة -إن وُجدت- وتبادل الأحاديث بحميمية مع أفراد الأسرة وقت الأكل، ولا يمكنني تصوّر أن تندثر أو تتأثر هذه الطرق التقليدية مهما مرَّ الزمن”.
يُعدُّ المطبخ اليمني جزءًا لا يتجزأ من التراث اليمني الغني والمتنوع الذي يتميز بتأثره بثقافات مختلفة على مرّ العصور، مثل الثقافة العربية والعثمانية والهندية وغيرها، لكنها حافظت على هويتها بشكل متفرد ومدهش ومؤثر سيمتدُّ إلى أجيال عديدة.
43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني
صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…