‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة تراث الطهي ودوره في التماسك الإجتماعي في اليمن طاهي وجبات شعبية يتحدى الظروف لتحقيق هدفه المنشود

طاهي وجبات شعبية يتحدى الظروف لتحقيق هدفه المنشود

صوت الأمل – أحمد باجعيم

من روح الإلهام والتطلع للأمام، نقدم لكم قصة نجاح شاب أربعيني يعمل في بيع وجبة “الكراش” الشعبية في مدينة المكلا حاضرة محافظة حضرموت. إنها قصة تحمل الكثير من الإصرار والعمل الجاد؛ لتحقيق النجاح والتوافق بين مصدر رزقه وإتمام العملية التعليمية مواجهًا العديد من العقبات والتحديات، إنه الشاب المكافح هاني الجابري.

 وجبة “الكراش”، ومكوناتها

 في البداية لا بد من أن نتعرف على هذه الوجبة الشعبية التي تنفرد بها حضرموت عن غيرها من المحافظات، وهي عبارة عن أكلة بحرية تتكون من باطنة الأسماك “المعدة، والأكباد والأمعاء، وبيض السمك”، وهي أحشاء سمك الثمَد والفرس والغودة والديرك والقرش وغيرها. يتم غسلها وتنظيفها جيدا ومن ثم تُطهى ويُوضع لها التوابل والفلفل، ويقال إن تاريخ هذه الوجبة يعود إلى ما قبل الخمسينيات من القرن الماضي.

تعود قصتنا إلى منتصف التسعينيات بعد أن قرر هاني مغادرة مقاعد الدراسة من الصف الرابع ابتدائي ليبدأ عمله في بيع وطهي “الكراش” برفقة والده؛ حيث نشأ في عائلة كل أفرادها من الرجال الذين يعملون بهذه المهنة، يقول هاني: “منذ عام 1995، عملت كمساعد لوالدي في بيع وجبة الكراش حتى مطلع 2000م لأفكر بعدها بفتح مشروعي الخاص. كنت أذهب أنا وشقيقي فجر كل يوم إلى سوق السمك لجمع الكراش والعودة إلى المنزل لطهيه وتحضيره ثم العودة به مرة أخرى إلى السوق لبيعه”.

فصل جديد

ويتابع هاني: “وفي بداية عام 2002، فتحت مشروعي الخاص لبيع الكراش دون أي أدوات طهي أو بيع؛ حيث كنت أنتظر والدي حتى يبيع وجبته التي حضرها ثم أقوم أنا باستخدام أدواته من بعده لتحضير وطهي الأكلة وأنطلق إلى السوق الواقع في مركز الإنزال السمكي أو كما هو معروف لدى عامة الناس بـ”سوق السمك” ومن المعلوم أن موعد البيع وإقبال الزبائن هو وقت الظهيرة من كل يوم”.

واستطرد هاني: “في منتصف ذات العام استطعت امتلاك أدوات طهي وبيع؛ لأشق طريقي ومستقبلي بكل استقلالية. كما قررت مواصلة تعليمي الأساسي في محو الأمية فترة مسائية إلى جانب مهنتي في بيع الكراش ظهيرة كل يوم”.

 العودة إلى التعليم

بدأ هاني مشواره التعليمي عام 2007 في جهاز محو الأمية وتعليم الكبار من الصف الخامس ابتدائي، واستمر في التحصيل العلمي مع استمراره في مهنته بائعًا لـلكراش من ساعات الصباح الأولى، ما بين جمع وإعداد وبيع، ومن ثم الذهاب الى المدرسة مساءًا ليكمل المرحلة الأساسية بعد انقضاء أربع سنوات. ومن ثم بدأ في التحضير للمرحلة الثانوية وهدفه الأسمى أن يحصل على شهادة عليا، بالإضافة الى التمسك بمهنته ومصدر رزقة الوحيد.

بعد ثلاث سنوات أخرى تضاف إلى الأعوام فائتة من الشقاء والتعب، وما بين عمله الذي يقضي فيه قرابة 10 ساعات في اليوم إلى قرابة 5 ساعات أخرى يمضيها في تحضير ومراجعة الدروس ودوام المدرسة، ينهي المرحلة الثانوية بتقدير مرتفع.

يواصل هاني الجابري رواية قصته المضنية والمليئة بروح الإصرار والتحدي قائلاً: “استطعت جمع مبلغ مالي ادخرته خلال السنوات الماضية واشتريت أرضًا سكنية بمشاركة شقيقي الذي كان يعمل هو الآخر في نفس المهنة”.

وتابع: “وبعد أن زاد عدد أفراد أسرتي لنصبح سبعة أفراد (أربع بنات وولد، بالإضافة إليَّ أنا وزوجتي)، قررت -بالتعاون مع شقيقي- البدء في إنشاء بيت مكون من طابق واحد بنظام شقتين، وكلٌ منا يسكن في شقة مستقلة. تطلبت من هذه المرحلة مني التوقف عن مواصلة حلمي في إكمال تعليمي الجامعي. أما عن دخلي المادي من بيع أكلة الكراش الشعبية فيبلغ متوسط الدخل اليومي نحو 15000 ريال يمني (ما يعادل 12 دولار أمريكي، وفقا للتداولات المصرفية أثناء إعداد المادة الصحفية). وفي مطلع عام 2020م، قررت العودة إلى مواصلة هدفي المنشود الذي طالما حلمت بتحقيقه؛ فبدأت الدراسة بنظام “عن بعد” في جامعة الأندلس، تخصص إدارة أعمال. وها أنا اليوم لم يتبق لي إلا سنتان فقط للتخرج”.

يواصل هاني حديثه: “على عتبة التخرج ونيل الشهادة الجامعية، في هذه الفترة اضطررت إلى التوقف عن مزاولة العمل في السوق أثناء فترة الامتحانات؛ لأتمكن من المذاكرة والاستعداد الجيد حتى أحصل على معدل يلبي طموحي الكبير. كما أن هدفي في هذه الحياة لن يتوقف عند نيلي شهادة البكالوريوس، فحسب بل سأسعى في قادم السنوات إلى تحقيق درجات علمية أفضل”.

في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تمر بها اليمن، وتسببت في عزوف الكثير من الشباب عن مواصلة التعليم، فإن هاني الجابري غيَّر مسار البوصلة وحقق ما لم يستطيع العديد من الشباب تحقيقه، وهو المشي في مسارين مختلفين، وإثبات جدارته بكل تفانٍ وإخلاص.

تعد قصة نجاح هذا الشاب دليلاً على أنه لا يوجد حدود لإمكانات الفرد، كما أنها تدعو الشباب أيضا إلى تحويل شغفهم ومواهبهم إلى فرص عمل ناجحة؛ فالإصرار والعمل الجاد والتفاني، جمعيهم قادرون على تحويل الأحلام إلى حقيقة في أي مجال من المجالات. وفي الختام يمكن القول ببساطة إنها قصة نجاح تلهمنا جميعا متابعة شغفنا والسعي نحو تحقيق أهدافنا التي طالما رأيناها بعيدة المنال في هذه الحياة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

43% يعتقدون أن تنوع المطبخ اليمني أسهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك المجتمعي اليمني

صوت الأمل – يُمنى أحمد تلعب الأطعمة الشعبية دورًا هامًا في تعزيز الهوية الثقافية للشعوب؛ ف…