التغيرات المناخية ستؤدي الى انخفاض إنتاج الأغذية الأساسية بنسبة تصل الى 50٪في بعض الدول ومنها اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
أصر المزارع أحمد عمر -أحد سكان مديرية الصلو، تعز- على التوقف عن زراعة حب العزيز (الفول السوداني)، هو وكثير من المواطنين بعدما خسروا محصولهم في أكثر من موسم؛ نظرا لقلة سقوط الأمطار في بعض عُزل المديرية.
يقول أحمد: “تراجعت الزراعة كثيرًا في السنوات الأخيرة، وشحة المياه عامل رئيسيٌ في ذلك. إضافة إلى أننا نواجه مشكلة أخرى هي ارتفاع أسعار الوقود التي من شأنها تشغيل المضخات إذا أردنا الاعتماد على مياه الآبار التي لم تنضب بعد”.
ويرى أحمد أن لتقلبات الطقس التي تشهدها البلاد تأثيرات سلبية على المحاصيل الزراعية في كثير من المناطق، خاصة أن عددًا كبيرًا من المزارعين في البلاد لم يحصلوا على الدعم المالي الذي يجعلهم يواجهون تلك التغيرات، ولم يعطَ القطاع الزراعي الاهتمام المطلوب.
في المقابل يعد القطاع الزراعي من القطاعات الهامة؛ كونه يساهم بشكل كبير في توفير جزء كبير من احتياجات المواطنين من الغذاء، خاصة في الريف، وله أهمية كبيرة في نمو وتطور اقتصاد البلدان. وتعد اليمن من بين دول الشرق الأوسط والمصنفة ضمن المناطق الحارة التي تعاني الكثير من المشاكل البيئية ما يجعلها أكثر عرضة للتغيرات المناخية، وعلى رأسها ارتفاع درجة الحرارة وتذبذب هطول الأمطار بشكل غير منتظم كما تعود عليها المزارع اليمني، بحسب عدنان الصنوي أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة صنعاء.
ويرى الصنوي أن تغيرات المناخ تؤثر في العوامل الاجتماعية والبيئة، كالهواء النقي ومياه الشرب والغذاء الكافي والمأوى. ويؤكد أن ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الهطول التي يقصد بها أنواع هطول الأمطار على سطح الأرض كأن تكون على شكل أمطار أو رذاذ أو بَرَد أو ثلوج.
وأوضح الصنوي أن ذلك سوف يتسبب في انخفاض إنتاج الأغذية الأساسية في الأعوام القادمة بمقدار قد يصل 50% في المناطق الأشد فقرًا في بعض الدول ومنها اليمن، وهذا يؤدي إلى زيادة معدل انتشار سوء التغذية. ويؤكد كثير من المهتمين في المجال الزراعي أن التأثيرات السلبية لتقلبات الطقس على القطاع الزراعي في اليمن تفوق التأثيرات الإيجابية لا سيما في السنوات الأخيرة.
مؤشر إيجابي
يرى المهندس الزراعي عبد الوهاب شرف أن هناك مؤشرًا إيجابيًا لتأثير التغيرات المناخية على اليمن فيما يتعلق بالأمطار فقط، وقد شمل عددًا من محافظات اليمن، وهو مؤشر يبعث الاطمئنان لما يترتب عليه من منافع تعود لصالح القطاع الزراعي في البلاد. ويقول إن للأمطار تأثيرًا جيدًا على المحاصيل الزراعية من حيث زيادة المساحة المزروعة وانخفاض تكلفة الإنتاج، بما فيها قيمة المشتقات النفطية والزيوت والآلات المستخدمة في الري، بالإضافة إلى أجور العمال الذين يقومون بري المزروعات. ويؤكد أن الأمطار ستغذي المياه الجوفية التي أوشكت على النضوب في بعض مناطق البلاد وهذا ساهم في قيام موسم زراعي خلال فصلي الخريف والشتاء.
ويرى أن هناك فوائد أخرى لزيادة معدل هطول الأمطار، ومنها زيادة خصوبة التربة الزراعية بشكل مباشر أو غير مباشر؛ حيث إن الأمطار والسيول تعمل على تفتيت الصخور التي تحوي عناصر غذائية هامة للنباتات وتجرفها نحو الأرضي الزراعية.
ويتطرق المهندس عبد الوهاب في حديثه إلى أن الأمطار تساهم في زيادة الأشجار التي تلعب دورًا هامًا في حماية التربة الزراعية من التصحر إضافة إلى تنقية الهواء الجوي وذلك في زيادة الأوكسجين وسحب غاز ثاني أكسيد الكربون منه.
ويضيف مزارعون ممن أجرى معد هذا التقرير مقابلات معهم أن زيادة الأمطار تعمل على معالجة مشكلة الأراضي الزراعية التي تحتوي على نسبة عالية من الأملاح التي تعيق الزراعة فيها. وأفاد آخرون أن الأمطار الغزيرة التي تشهدها مناطق كثيرة من اليمن إذا استمرت سوف تساهم في حدوث تنمية زراعية في البلاد.
وهذا ما أكده المزارع قائد سعيد قائلاً: “عندما أصاب القحط مناطق اليمن أدى ذلك إلى إهمال الأراضي الزراعية بشكل كبير، وغادر الفلاحون مناطقهم مهاجرين إلى المدن لتحسين دخلهم؛ لأن الدخل من العائدات الزراعية ضئيل جدا ولا يفي بالغرض”.
ويضيف: “لكن عندما يحدث تغير مناخي ويرتفع معدل هطول الأمطار ويستطيع المزارع أن يستفيد من كمية هذه المياه في السقي والتخزين، فإن ذلك يؤدي إلى زيادة دخل الفرد ومن ثم الاستثمار في الجانب الزراعي وإعطائه الأولوية”.
يوافقه في الرأي عبد الله أحمد (ناشط في المجال الزراعي) الذي يقول: “الزراعة الآن في اليمن تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار وعلى الآبار، والمعروف أيضا أن الآبار في مناطق عديدة من البلاد كانت على وشك أن تجف، لكن بفضل هطول الأمطار الغزيرة فقد تغذت المياه الجوفية”.
ويؤكد عبدالله على أنه يُستفاد من تخزين مياه الأمطار بواسطة الحواجز المائية ويُنتفع بها في الشتاء، وهذه من العوامل التي جعلت الفلاحين والمزارعين يهتمون بالمجال الزراعي؛ حيث ستصبح الزراعة عاملا أساسيا في تأمين مصدر رزق لهم. ويبين عبدالله في حديثه أن استمرار هطول الأمطار سوف يساهم في ازدهار السياحة وستتحول كثير من مناطق اليمن إلى أماكن جذب سياحي لما تتمتع به من خضرة وطبيعة خلابة. ويتابع: “الغطاء النباتي سينمو بشكل أكبر، وهذا سيساعد في زيادة الثروة الحيوانية وتربية النحل، وكلها عوامل مجتمعة تصب في حدوث تنمية زراعية تساعد في رفد الاقتصاد الوطني”.
آثار التغير المناخي السلبية
يعتبر ارتفاع درجة الحرارة التي تشهدها كثير من المحافظات اليمنية من التغيرات المناخية التي لها تأثير سلبي على المستقبل الزراعي في اليمن، خاصة أن الحرارة المرتفعة تنهي عددًا لا بأس به من المحاصيل الزراعية. في هذا الشأن يقول المهندس عبد الوهاب إن دراجة الحرارة بين 30 إلى 40 درجة مئوية تساعد على زيادة تكاثر الحشرات وانتشار الأمراض والآفات الحشرية التي تصيب مختلف المحاصيل الزراعة. ويرى أن ارتفاع درجة الحرارة مع زيادة معدل الرطوبة في الهواء الجوي يؤديان إلى انتشار الكثير من الأمراض الفطرية والبكتيرية، مثل فطريات البياض الدقيقي والبياض الزغبي التي تصيب بعض النباتات. وهناك الكثير من المحاصيل الزراعية التي تعيق نموها درجة الحرارة المرتفعة، مثل أشجار التفاح والكمثرى والعنب والبرقوق والمشمش، إلى جانب العديد من محاصيل الخضروات التي تحتاج إلى درجة حرارة معينة.
من جهته يقول فؤاد سعيد (مهندس زراعي) إن درجة الحرارة عامل مُحدِّدٌ لنوعية المحاصيل التي يمكن زراعتها؛ فـ”هناك محاصيل زراعية تنمو في درجة حرارة تتراوح بين 15 إلى 30 درجه مئوية، وعليه سيكون ارتفاع الحرارة عن الـ40 معيقا لزراعة الكثير من المحاصيل. وهناك أشجار تنمو في درجة حرارة مرتفعة، ومنها أشجار الفاكهة مثل المانجو والموز وغيرها”.
ولاستمرار هطول الأمطار بكميات كبيرة أضرارٌ على المجال الزراعي، وهو ما أوضحه رشيد أحمد (ناشط في المجال الزراعي ومن كبار المزارعين في أحد أرياف محافظة تعز) قائلاً: “نزول الأمطار بشكل متصل قد يؤدي إلى إتلاف بعض المحاصيل الزراعية، وانجراف التربة؛ فغزارة الأمطار قد تؤدي إلى تصدعات وانهيارات في السدود والحواجز المائية، كما أنها تتسبب في بقاء المزارعين والفلاحين في بيوتهم فلا يتمكنون من القيام بأعمال الزراعة كما ينبغي. وبالتأكيد فإن الأمطار الغزيرة تؤدي إلى طمر الكثير من المساحات الزراعية”.
إلى جانب هذه التغيرات المناخية التي تحدث تأثيرات مختلفة في القطاع الزراعي، هناك تقلبات أخرى للطقس، مثل الجفاف والتصحر، إضافة إلى انتشار السحب والغيوم بشكل كبير في بعض المواسم الزراعية مما يحجب الشمس لأيام وأسابيع، وهذا من شأنه –أيضًا- أن يؤثر على المحاصيل الزراعية وقد تتلف جراء عدم تعرضها للشمس، إلى جانب عدم تمكن المزارعين الذين يعتمدون على منظومة الطاقة الشمسية في الري من ري مزارعهم.
التغير المناخي والاقتصاد الوطني
يرى نبيل الشرعبي (باحث اقتصادي) أن التغيرات المناخية في اليمن وما يصاحبها من ظواهر مختلفة ناتجة إما عن الجفاف الذي يحدث معه انتشار الجراد الصحراوي، أو عن الأمطار الغزيرة وغير المعهودة وما ينجم عنها من جرف للأراضي الزراعية والمحاصيل وغير ذلك، قد صارت تشكل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد اليمني، كفقدان موارد اقتصادية وتحميل الدولة موازنات إضافية لمواجهة اضرار هذه التغييرات.
ويقول في حديثه إن قطاع الزراعة يعتبر أكثر القطاعات التي تدفع فاتورة باهظة الثمن لهذه التغيرات، يليه الغطاء النباتي والثروة الحيوانية والنحل وغيرها، ثم شبكة المواصلات. وهذا يمتد تأثيره إلى القطاع الصناعي والتجاري؛ فبسبب تأثر شبكات النقل تصبح عمليات النقل محفوفة بالمخاطر وتزداد كلفتها، وغير ذلك.
ويتابع الشرعبي: “وتمتد التأثيرات إلى الأملاك الشخصية من مبان ووسائل نقل، وزيادة على ذلك ارتفاع “فاتورة الأرواح”، وهذا كله يشكل في مجمله نزيفًا في موارد كانت تساهم في رفد الاقتصاد اليمني. وكتقدير شخصي، أعتقد أن كلفة التغيرات المناخية في اليمن سنويا تصل إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار، خسائر مباشرة وغير مباشرة”.
ويواصل الشرعبي حديثه قائلا: “ونتيجة العجز عن معالجة التغيرات المناخية في اليمن، وصعوبة توفير الإمكانات لمواجهة الأضرار الناجمة عنها، تبقى الأضرار قائمة وتتوسع آثارها من عام إلى آخر وبشكل يزيد من تعقيداتها وكُلفتها. ومع تأخر المعالجات فقد ترتفع الكلفة في الأعوام القادمة لتصل إلى حوالي خمسة مليارات دولار”.
وعن الحلول والمقترحات لمواجهة هذه التأثيرات المناخية وغيرها على القطاع الزراعي، اتفق الكثير من المختصين على أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة عبر الجهات ذات العلاقة والمختصة بالمجال الزراعي، وذلك في دعم المزارعين المتمثل في تزويدهم بالأغطية القماشية التي تحافظ على النبات من موجات الحر أو الصقيع.
ويدعو آخرون الجهات والمنظمات الداعمة للقطاع الزراعي إلى بناء الحواجز لتجميع مياه الأمطار في موسم الصيف والانتفاع بها في عملية الري وغسل الأراضي المملوحة في فصل الشتاء التي تقل فيها الأمطار وتجف الكثير من الآبار والعيون.
يواجه العالم اليوم تحديا كبيرا أمام التغير المناخي الذي من شأنه أن يؤثر على مختلف جوانب الحياة الإنسانية، وذلك على الرغم من الجهود العالمية المبذولة للحد من هذه الآثار بعدما تراكمت الأدلة العلمية التي تشير إلى أن أهم أسباب التغير المناخي راجع إلى انبعاثات الغازات الدفيئة التي تساهم في زيادة حرارة كوكب الأرض.
84.2% يعتقدون أن التغيرات المناخية ستؤثر سلبًا على الحياة في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد التغير المناخي هو التغير طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس في…