المعلمون والتعليم في اليمن بين الماضي والحاضر
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
يبلغ حميد سعيد من العمر سبعين عاما، يروي قصة كفاحه في سبيل أن يتعلم القراءة والكتابة ويقول: ” التعليم قبل سبعين عاما كان مختلفا تماما عما هو عليه اليوم، كانت دفاتري عبارة عن لوح خشبي واحد تكتب عليه الحروف الهجائية وكان الحبر من صنع والدي وهو عبارة عن كحل أسود ومادة سائلة تستخرج من جذوع الأشجار، وأما الأقلام فكانت عبارة عن أعواد من أغصانها نجلبها من مكان بعيد وبعيد جدا، وكانت أقلام تسمى (البركال) وهي أقلام تصنع في الخارج لا يحصل عليها إلا الفقهاء والقضاة وأهل العلم”.
يقول حميد: “إن العلم في زمانه كان متاحا للجميع من الذكور، أما النساء لم تكن حاضرة والسبب هو عدم وجود مدرسات إناث، فكانت المرأة حينها وفي قريته التي يسكن بها في أحد أرياف مدينة تعز تكتفي بالعمل في خدمة أهلها وفي المدرجات الزراعية وجلب الماء من مناطق تبعد عن المنازل ساعات طويلة وكذا في تربية الماشية”.
مر التعليم في اليمن بعدة مراحل تاريخية حتى وصل إلى وقتنا الحالي، فمثلا، أثناء حكم الدولة الأيوبية لليمن، أنشئت 13 مدرسة في كل من تعز وإب ومدينة زبيد ومحافظة أبين. وفي عهد الدولة الرسولية تم بناء ما يقارب40 مدرسة في مدينة عدن وتعز وإب وزبيد وأبين ثم جاء عهد العثمانيين، فأنشئت العديد من المراكز والمنشآت التعليمية في كثير من المدن اليمنية ومنها صنعاء.
أما في جنوب اليمن، فقد بدأت العملية التعليمية في بعض المدن في محافظة حضرموت عن طريق مؤسسات تعليمية متخصصة في تعليم العلوم الدينية واللغة العربية، وفي عدن تم بناء كلية عدن عام 1956، وهي ما تسمى ثانوية عدن في الوقت الحالي ومدرسة أخرى في عام 1937.
وبعد العام 1962 ظهرت العديد من المدارس في مدينة عدن خاصة في كريتر والشيخ عثمان وخور مكسر. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية تم دمج العملية التعليمية وتم تقسيم الدراسة إلى قسمين: أدبي وعلمي.
وضع المعلمين والتعليم في السابق
يرى علي مختار، وهو معلم منذ عشرين عاما في مدرسة حكومية في إحدى أرياف مدينة تعز، أن المعلمين هم أهم شريحة داخل المجتمع حيث يتخرج على أياديهم كافة الشرائح الأخرى من أطباء وإعلاميين ومهندسين وطيارين وغيرهم، وأنه بالرغم ذلك إلا أن المعلم هو أكثر الأفراد الذين يعانون من التهميش والإجحاف لحقوقهم في البلاد منذ سنوات.
يقول: ” كان المعلم يعاني لكن ليس بالشكل الذي وصل إليه اليوم. كنا نستلم رواتبنا كاملة ونحصل على إكرامية رمضان إضافة إلى علاوات وإن كانت نادرة ومتدنية، إضافة إلى أن المعلم كان آمنًا ومستقرًا لا نازحا ولا مشردا هو وتلاميذه، ولا يعاني طلابه من أزمة الكتب الدراسية ولا تعاني المدارس التي يعمل بها من ازدحام الطلاب ولم يكن قد فقد عزيزا عليه ولا غادره طالبا كان متعودا على مشاغبته وربما معجبا بذكائه”.
يؤكد علي أن التعليم كان قد بدأ بالنهوض قبل سنوات الصراع وبدأ المعلم يحصل على حقوقه بشكل أفضل، حتى أنه تجرأ على المطالبة بإصلاحات العملية التعليمية وتحسن وضع المعلم، أما الآن فوضع المعلم والتعليم مختلف كثيرًا ويدمي القلب خاصة أن التعليم هو أساس نهوض وتقدم المجتمعات.
وضع المعلمين والتعليم حاليا
في هذا الشأن تقول لبنى عبدالرقيب (مديرة مدرسة أسماء للفتيات): “يواجه المعلم اليمني مشاكل كبيرة، حيث أصبح أكثر فئات المجتمع فقرا وتدنيًا في المستوى المعيشي، وخاصة بعد تدهور العملة الوطنية، حيث أصبح الراتب لا يغطي أيامًا من الشهر لتوفير القوت الضروري”.
وتضيف: “عزف الكثير من خريجي الثانوية العامة عن دخول كليات التربية في الأعوام الأخيرة، لأنها لا تلبي احتياجاتهم ومتطلباتهم كما يقول المصريون “ما تأكل عيش”. كثير من المعلمين بلغوا السن القانونية للتقاعد ولا زالوا مستمرين في العمل رغم أن طاقاتهم قد نفدت وأداءهم لم يعد كما كان، لكن لا مجال للتقاعد، كما فترت همم الكثير من المعلمين وبدأوا يهملون ويتغيبون ويبحثون عن بدائل وبدأوا بالبحث عن أعمال أخرى ليعيشوا.
كما يعاني النازحون من المعلمين، ويتعرضون في كثير من المناطق للتعسفات نتيجة لتغيبهم عن أعمالهم والعمل في أماكن أخرى ويعزي الكثير ذلك بأنهم يمارسون أعمالًا أخرى، رغم انتهاء النزاع في مناطقهم ولم يعودوا لممارسة أعمالهم.
تؤكد لبنى أن في الوقت الراهن تفتح كثير من المدارس بكوادر متطوعة معظمها غير مؤهلة برواتب ضئيلة بمساعدة مجتمعية أو بدون رواتب نتيجة لتوقف التوظيف. وأن كثير ممن دخلوا قسم التربية ملفاتهم تجاوزت 15عامًا في الخدمة المدنية بدون أي بوادر لتوظيفهم. فيضطرون لأخذ دورات في الصحة أو الحاسوب أو الإدارة، ليتمكنوا من الحصول على عمل يمكنهم من العيش تحت هذه الظروف.
وتضيف لبنى: “أن المعلم اليمني يفتقد إلى التأهيل والتجديد والابتكار لعدم توفر الدعم المادي والمعنوي”.
وأن معظم المعلمين لم يعد يحمل دفتر تحضير أو إعداد، وإذا تعرض للمساءلة يرد بهذه العبارة: “مش على قدر الراتب اللي استلمه!”.
وتشير في حديثها إلى أن من أبرز المشاكل التي يواجهها المعلم والتلميذ والمدير في الوضع الحالي أنه أصبح يدرّس أكثر من مادة ولا تمت لتخصصه بصلة، لعدم توفر معلمين بتخصصات مختلفة.
ما بين الماضي والحاضر
تصف المعلمة دينا أحمد عبد الباري وضع المعلمين والتعليم في اليمن ب”محزن جدا”. وتقول عن وضع العملية التعليمية في اليمن: “المفترض أن تكون في تطور مستمر وتأهيل لكل إداراتها ولكن الواقع يثبت أن وضع التعليم والمعلمين يتدهور شيئا فشيئا”. وتتابع: “وهذا ليس سهلا كون العملية التعليمية تتمخض عنها أجيال المستقبل فهي مصنع كبير ضخم إنتاجه يخدم الوطن ويرفع شأنه”.
وتواصل حديثها: “وحول وضع العملية التعليمية في الماضي، فإنه من وجهة نظري وخبرتي الطويلة في هذا المجال أقول إن الماضي كان أجمل وأقوى، فالمدرسة كانت لها هيبة وقيمة كبيرة”.
وتضيف: “المعلم حامل رسالة بناء أجيال متسلحة بالأخلاق قبل العلم، والدولة عامل مساعد لنجاح العملية التعليمية، ومخرجات الجامعات كانت لهدف بناء قوي مليء بالمعرفة والقيم والطرق التعليمية أما وضع العملية التعليمية في الحاضر فمؤسف جدا”.
وتتابع حديثها: “أولا: كثرة المدارس الخاصة وتسابقها في الظهور. ثانيا: الازدحام في الفصول، وعدم تمكن المعلم من إعطاء الدرس بالطريقة المثلى. ثالثا: مخرجات كلية التربية والآداب للأسف لم تعد مثل ما كانت. رابعا: الأوضاع التي تمر بها البلاد وحالة الفوضى والاستقرار لم تعط للأسر الاهتمام بالتعليم وتربية النشء تربية صحيحة، وعزوف الأولاد عن التعليم، والتوجه لسوق العمل لمساعدة أنفسهم في العيش”.
وتقول دينا عن وضع المعلم في السابق: “فقد كان في الماضي محفوفا بالاحترام والتقدير من قبل طلابه وأسرهم، حيث إن المعلم كان له مكانة رفيعة في المجتمع، بالرغم من أن راتبه الشهري ضعيف، ألا أنه يتناسب مع ظروف المعيشة آنذاك.
وتضيف: “الآن أصبح المعلم يعاني من قلة الراتب الذي لا يتناسب مع ارتفاع الأسعار والإيجارات، فهو أيضا مسؤول عن أسرة وأولاد والتزامات كثيرة، التقدير والاحترام أصبح نادرا حيث لا يخفى عليكم تعرض المعلمين للشتم والضرب أثناء تأدية عملهم ولا توجد محاسبة”.
يرى مراقبون أن العملية التعليمية في اليمن تمر بظروف استثنائية وبحاجة لجهود تبذل من قبل الجهات والمعنيين لتحسين وضعها وعمل حلول جذرية لإنقاذ أجيال المستقبل، وطالب آخرون بضرورة تحييد التعليم وحماية المنشآت التعليمية وكذا دفع رواتب المعلمين والتربويين ودعم وتشجيع الأسر، للدفع بأبنائهم من خلال التوعية بأهمية التعليم، سواء من خلال الوسائل الإعلامية أو المسجد أو من خلال برامج تدريبية تستهدف المعلمين والطلاب وأولياء الأمور.
98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع
صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…