المعلمون الجدد يبحثون عن فرصة لإثبات الذات
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تواصل الجامعات اليمنية تخريج العديد من الدفع في كافة المجالات والتخصصات، ومعها تستمر معاناة الشباب الخريجين الذين يواجهون واقعًا مريرًا لا يلبي طموحاتهم وأهدافهم التي نشدوها طيلة أيام الدراسة، يجدون أبواب المستقبل مغلقة في وجوههم وأن الصراع أحدث شرخا عميقا في عملية التوظيف سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
تخرجت فاطمة علي في العام 2015 من كلية التربية قسم إنجليزي، وبعد تخرجها بشهور بدأت في البحث عن فرصة عمل إلى جانب إصرارها على التسجيل في الخدمة المدنية، لعلها تحظى بفرصة توظيف، فكانت المدارس الأهلية في مدينتها المتنفس الوحيد لالتحاقها بوظيفة، وإن كانت شاقة ومتعبة مقابل الأجر القليل الذي تحصل عليه.
تسرد فاطمة قصتها في الحصول على عمل بعد التخرج ومرارة الواقع الذي صدمها بقولها: “عندما تخرجت من الجامعة وعشت فرحة التخرج، ثم وجدت كل الأبواب مغلقة أمامنا نحن المعلمين الجدد، زرت العديد من المؤسسات والمراكز أنا وزميلات من الدفعة بغرض الحصول على عمل دون جدوى فتخصصنا يحتم علينا البحث عن عمل في المدارس الأهلية بعدما توقف التوظيف منذ أعوام قبل الصراع”.
وتتابع: “عندما شاهدت أبي يتخبط من مكان عمل إلى آخر من أجل أن يوفر لقمة العيش، بعدما تغلقت الورشة التي كان يعمل بها قررت البحث عن فرصة في إحدى المدارس الخاصة في المنطقة التي أسكن فيها، رغم أنني كنت معارضة عمل الزميلات في تلك المدارس التي تدفع رواتب ضئيلة مقابل مجهود كبير، لكن الوضع المادي داخل الأسرة أجبرني على البحث عن عمل في مدرسة أهلية”.
توضح فاطمة: ” ذهبت مع صديقة إلى مدرسة مجاورة لمنزلنا وعندما دخلت الإدارة جلست بجانب إحدى المعلمات الجدد وكانت قد تقدمت هي الأخرى بالبحث عن فرصة تدريس، وهي تتحدث عن طموحها في الحصول على وظيفة حكومية وأن تصبح مديرة مدرسة في قريتها شعرت بالحزن، أدركت أن لدينا طموحات نحن المعلمات الجدد لابد أن تتحقق خاصة وأن مهنة التعليم لها أهميتها في كل مكان وزمان”.
كيفية إدماج المعلمين في التعليم
أتاح الصراع الفرصة أمام الكثير من المدرسين الجدد سواء أكانوا خرجين أم الذين ينتظرون منذ ثماني سنوات إدراج أسمائهم في كشوفات موظفي المدارس الحكومية، فمنهم من استطاع الحصول على عمل في إحدى المدارس كمتطوع بمبلغ رمزي من أهل الخير، ومنهم من يعمل في بعض المدارس مقابل الحصول على مبالغ مالية من المنظمات الإنسانية. وآخرون يعملون كبديل لمعلمين غادروا المدارس من أجل البحث عن فرصة عمل أخرى بعدما وجدوا أن رواتبهم لا تفي بسد احتياجات أسرهم ومتطلباتها فعينوا معلمين جدد مقابل نصف الراتب.
تماما كما هو حال سلمى علي (خريجة قسم رياضيات) تقول: “وجدت فرصة عمل في إحدى المدارس الحكومية، استدعاني معلم لكي أواصل عمله في المدرسة مقابل نصف راتب، لأنه وجد راتبه لا يسد كل ما تحتاجه الأسرة فقرر ترك المدرسة والسفر إلى مدينة أخرى للعمل كسائق باص أجرة”.
تشير سلمى في حديثها إلى أن الفرصة التي حصلت عليها ساعدتها على الاستفادة من وقتها، وكذلك المبلغ الذي تحصل عليه من مدرس المادة استطاعت من خلاله أن توفر بعض احتياجات أسرتها المكونة من أب وأم وشقيقين، إلى جانب عملها بالخياطة.
إصرار في وجه واقع مؤلم
“واقع المدرسين الجدد مؤلم جدا … غالبية فرص العمل نجدها في المدارس الأهلية وهناك نواجه الكثير من الضغوطات، على سبيل المثال: أدرس أربعة فصول دراسية وأتحمل ضغطًا كبيرًا، وراتبي لا يزيد عن 20 ألف وأحتاج منها 4000 ألف لطباعة أوراق الاختبارات لطلابي، وبذلك يصبح راتبي 16000 ريال”. بهذه العبارات بدأت إصلاح علي حديثها حول التحديات التي تواجه المعلمين الجدد”.
وتتابع: ” لو كلمت طالبًا بصوت مرتفع قليلا، ويكون لمصلحته أتعرض للعقاب من قبل الإدارة حتى لو كان الطالب ليس محقا، ويرجعوا اللوم علي إلى جانب أن المدرسة وإدارتها تقدس الطالب وولي الأمر على حساب المعلم، بالإضافة إلى جانب عدم تكريم المعلمات وأحيانا لا نجد حتى كلمة شكر، نحن نعامل الله لأن التدريس مهنة ورسالة سامية”.
توافقها في الرأي صديقتها عبير ياسين والتي تقول: ” واقع أليم يعيشه أغلب المعلمين الجدد الذين يتخبطون في بلاد يعاني فيها معلمون لهم سنوات طويلة بلا رواتب، عندما نراهم نشعر باليأس ونحبط خاصة حين نسمع عن قصص بعضهم ومعاناتهم، وإلى أين وصل بهم الحال فمنهم من مات جوعا ومنهم من أقدم على الانتحار وآخرون تركوا البلاد للبحث عن فرص عمل تنقذ أطفالهم من الجوع ونرى المدارس تركت لمعلمين متطوعين، فندرك بذلك أن المصير الذي ينتظرنا مجهول مادام الصراع لازال مستمرًا والوضع يزداد سوءًا”.
مشاكل تواجه العملية التعليمية في اليمن
يقول ناشط تربوي (فضل عدم ذكر اسمه): “إن أبرز المشاكل والتحديات التي تواجه المعلمين في اليمن بشكل عام تتمثل في انقطاع رواتب المعلمين بشكل متعمد وحرمانهم من حقوقهم وعدم توفر المناهج الدراسية بالشكل المطلوب وتسرب الطلاب بشكل مخيف عن مدارسهم، بالإضافة إلى تكرار غياب الطلاب بشكل كبير وانعدام ونقص الأثاث المدرسي وعدم صلاحية السبورات داخل الفصول الدراسية”.
ويرى أن من المشاكل والتحديات أيضا عدم توفر المقاعد الدراسية للطلاب، بما في ذلك المقاعد الفردية للمعلمين وتعيين مدراء مدارس غير أكفاء وعديمي مسؤولية، وعدم توفر الوسائل التعليمية اللازمة إلى جانب تفشي ظاهرة الغش وإحلال معلمين بدائل غير مؤهلين وغير أكفاء، وترك المعلم وحيدا يواجه واقعًا بئيسًا ومصيرًا محتومًا.
ويضيف: ” توالت الهموم والمصائب على المعلم، وذلك انعكس على أدائه لواجبه بالشكل المطلوب وتعرض المعلمين لصدمات قوية أفقدت البعض حياتهم والبعض عقولهم والبعض صحتهم و تقادم المعلومات لدى المعلمين نظرا لعدم استهدافهم بأي برامج تدريبية تنشيطية ومهنية، وأصبحت العملية التعليمية جامدة وشبه مشلولة، و تردي الحالة المعيشية للمعلمين إلى جانب فقدان معظم المعلمين لمقتنيات وممتلكات تم بيعها لتغطية مصاريف أسرهم، و تحمل المعلمين أعباء ديون باهظة و استغناء المعلمين عن كثير من المتطلبات الحياتية والضرورات والتركيز على شراء الاحتياجات الأساسية التي تسد رمق الأسرة، وتردي الحالة الصحية للمعلمين وأفراد أسرهم”.
ويتابع: “هجرة المعلمين الأكفاء بحثا عن مصدر رزق وتشرد آخرين وأبنائهم للبحث عن مصدر للرزق واضطراب الحالة النفسية والمزاجية لدى أغلبهم، والشعور بالسخط وعدم الرضى وعدم الارتياح لدى البعض منهم واستبعاد المعلمين من برنامج الغذاء العالمي والمنظمات الداعمة، والشعور بالإحباط والحسرة والخذلان لدى كافة المدرسين من اضطرار المعلم للعمل خارج الفصل الدراسي بهدف زيادة دخله وتحسين أوضاعه إلى جانب نظرة المجتمع الدونية له، وتعرضه للخذلان والتخلي في أحلك الظروف”.
ويؤكد أن أكبر شريحة مجتمعية تضررت هي شريحة المعلمين وأن الوضع العام للمعلم انعكس على العملية التعليمية برمتها حتى أصبحت شبه معطلة.
معاير اختيار المعلمين
في هذا الشأن تقول دينا أحمد عبد الباري (تربوية): “تخضع العملية التربوية والتعليمية لمعايير متعددة. ومنها وأهمها المستوى العلمي (المؤهل) للمعلم ثم النطق باللغة الصحيحة الفصحى، لابد عند معاينة الشخص المتقدم لوظيفة معلم التركيز على نطقه ومخارج الحروف والصوت الواضح المسموع لكل طلاب الفصل أيضا، ثم المظهر، وهذا ضروري؛ حيث إن المعلم قدوة لطلابه في أخلاقه وسلوكه وملابسه الأنيقة المتواضعة النظيفة”.
وتؤكد:” وعند المعاينة لهذه الأمور في الشخص المتقدم للوظيفة لا نتجاهل طريقته في الوقوف أو الجلوس وما إذا كان يمضغ اللبان أو القات؛ لأنها سلوكيات يقتدى بها”.
فيما يقول سمير بن دهري (رئيس جمعية الٳرشاد التربوي سابقًا بجامعة سيئون -كلية التربية): “معيار توظيف المعلمين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص متمثل في أكثر من عامل: الأول يتمثل في المؤهل العلمي أما الثاني عامل الخبرة وهو معيار جديد والمعيار الثالث هو الوساطة وهو عامل تسبب في إهانة المعلمين الحاصلين على شهادات متميزة ومعدلات مرتفعة وهذا العامل رفع أشخاص على حساب آخرين”.
ويرى عمر بالعيد (معلم لغة إنجليزية) أن في بلادنا لا يتم اختيار المعلمين حسب معايير معينة بقدر ما يكون للمدرس وساطة تدفعه للالتحاق بالعملية التعليمية، مؤكدا: “أن معايير اختيار المعلمين في اليمن تتم عن طريق المحسوبية فقط، فالكثير من المعلمين الذين لديهم شهادات ثانوية عامة وأساسية يعملون في المجال التعليمي …أنا خريج بكالوريوس لغة انجليزية، تقدير جيد جدا بحثت لقرابة السنة عن وساطة لكي أكون ضمن أحد المعلمين”.
في كل عام يتخرج العديد من الشباب الملتحقين من كليات التربية في عدد من الجامعات اليمنية وفي المقابل هناك من ينتظر أن يدون اسمه في كشوفات الموظفين الجدد من معلمين وفي الوقت ذاته لازال التوظيف متوقفا حسب ما قالت مصادر تربوية “لصوت الأمل” فإن هناك معاناة تترصد هؤلاء الخريجين الجديد، وقد يعجزون في تجاوزها إن لم ينته الصراع إن استمر وضع البلاد على ما هو عليه.
98% يعتقدون أن الظروف السيئة التي يعيشها المعلمون الآن ستؤثر بشكل سلبي على السلوكيات العامة للمجتمع
صوت الأمل – يُمنى أحمد التعليم هو الطريق الأمثل لقيام مجتمع سوي يتمتع أفراده بالحرية والمس…