الصراع وتداعياته حجر عثرة أمام القضاء على الانتحار
صوت الأمل – علياء محمد
إما القفز من مكان عالٍ أو حرق الجسد أو رميًا بالرصاص، هكذا أصبح الانتحار ظاهرة سلوكية منتشرة في المجتمع اليمني وناشئة نتيجة عدد من المتغيرات المختلفة أهمها الصراع الذي يلعب دورًا رئيسًا في تزايد الظاهرة نظرًا للتداعيات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية .
وما بين الثقافة الاجتماعية والضغوط النفسية التي تقف كتحديات وصعوبات متعددة وحجرَ عثرة أمام الحد من ظاهرة الانتحار لتظهر في الآونة الأخيرة نِسَبٌ مخيفة بين فئات المجتمع المختلفة من حالات الانتحار .
يرى الدكتور أحمد عبد ربه -أستاذ مساعد بكلية التربية، جامعة عدن، قسم علم الاجتماع- أن ظاهرة الانتحار انتشرت بشكل مخيف، وضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف أغلب المنتحرين من الشباب، ومن أفضل الشباب أحيانا.
تداعيات الصراع
مر على اليمن ثماني سنوات من ويلات الصراع، وتفاقمت أوضاع الناس سوءًا، وتعرض الكثيرون لضغوطات نفسية هائلة كانت سببًا في زيادة نسبة الانتحار في المجتمع .يقول الدكتور عارف العولقي -أستاذ في علم الاجتماع-: “إن ظاهرة الانتحار ظاهرة تؤرق كثيرًا من المجتمعات. وأكثر من ينهون حياتهم انتحارًا هم المرضى النفسيون والأشخاص الذين يعانون من ضغوط نفسية ويجهلون التعامل معها، فترهقهم وتثقل كاهلهم”.
مضيفا: “أثر الصراع والأزمة الإنسانية في اليمن تأثيرًا كبيرًا في انتشار حالات الانتحار، وهناك عدد كبير منها تظن أن الانتحار هروبٌ من الواقع الذي فُرض عليهم، ويقررون بذلك إنهاء حياتهم ظنًا منهم أنهم سيصلون بذلك إلى الراحة”. موضحًا في حديثه أن أهم ما يخلفه المنتحر من آثار طويلة الأمد ترتبط بذويه؛ نتيجة إحساسهم بمشاعر الحزن والقهر، وربما قد يكون الشخص المنتحر هو المعيل الوحيد للأسرة.
الفقر والعوز
أدت تداعيات الصراع القائم في البلاد إلى انعدام سبل العيش وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وتسريح الكثير من الأشخاص من وظائفهم وانقطاع رواتب البعض. الأمر الذي دفع الكثيرين من الأشخاص إلى الانتحار؛ للتخلص من ظروف الحياة الصعبة التي طالته وطالت أسرته .
تقول نسيم الفقيه -ناشطة مجتمعية-: “لا يختص الانتحار بفئة معينة دون أخرى؛ فجميع فئات المجتمع معرضة لذلك. لكنه يزداد في الذين تتراوح أعمارهم بين 18-30 عامًا”. وأكدت أن انتشار ظاهرة الانتحار في اليمن هو من الأشياء المتوقع حدوثها؛ بسبب تداعيات الصراع على الوضع المعيشي للأسر، وتسبب انقطاع الرواتب بارتفاع نسبة الانتحار في اليمن، ونحن نرى كيف تضج وسائل التواصل والقنوات الإخبارية بقصص عن أشخاص اختاروا الموت بدلاً من العيش في الفقر والعوز .
عادات وتقاليد تدفع النساء إلى الانتحار
شكلت العوامل الاجتماعية أبرز أسباب الانتحار؛ نتيجة الضغوطات المجتمعية والعادات والتقاليد التي تدفع الكثير من الأشخاص إليه، وبنسبة كبيرة لدى النساء ممن يتعرضن لأشكال مختلفة من أنواع العنف.
” فكرت بالانتحار أكثر من مرة. أعاني من ضغوطات أسرية كبيرة تفرض عليَّ قيودًا وخطوطًا لا يجب أن أتجاوزها”، هذا ما قالته الفتاة العشرينية (م. ع. أ). مضيفة: “أعيش في أسرة قبَلَية. كل ما نقوم به (نحن النساء) محرم وعيب. مُنعت من إكمال دراستي الجامعية بحجة أن البنات لا يجب أن يختلطن بالرجال، ووصلت إلى مرحلة نفسية سيئة فأخذت السكين أكثر من مرة لأقطع وريدي، لكني لم أكمل المحاولة”.
سارة عادل (اسم مستعار)، هي الأخرى فكرت في الانتحار، وأقدمت على هذه الخطوة لكن المحاولة فشلت. تزوجت سارة البالغة من العمر 18 عامًا برجل يكبرها بخمسة عشر عامًا. اختاره لها والدها. ولم تكمل سارة العام إلا وقد حاولت الانتحار عن طريق قطع وريدها؛ كي تضغط على أهلها وزوجها وتجبرهم على الموافقة على أن يتم تطليقها.
تقول سارة: “تزوجت رغمًا عني، وتعرضت للتعنيف من قبل زوجي. وعندما أشتكي لعائلتي يقولون لي: ”اصبري“. لم أستطع التحمل. وفي يوم من الأيام عنفني زوجي، فما كان مني إلا أن أخذت السكين وقطعت بها وريدي”.
ترى الأخصائية الاجتماعية لونا محمد أن الكثير من الفتيات اللاتي يعانين من ضغوطات نفسية وأسرية يعتقدن بأن الموت هو الخيار الأفضل لهن من أن يعشن حياة من العجز لا يستطعن فيها أن ينلن أبسط حقوقهن.
وتضيف: “تتعرض كثير من النسوة لأشكال مختلفة من العنف، الأمر الذي يؤثر على صحتهن النفسية؛ فيقررن وضع حدٍ لتلك المعاناة عن طريق الانتحار؛ بسبب شعورهن أو إحساسهن بالظلم” . مؤكدة على أن للأسرة دورًا كبيرًا في الحد من ظاهرة الانتحار عن طريق فهم أبنائها وبناتها واحتوائهم؛ ففي فترات عمرية معينة يصبح الأبناء أشدُّ حاجة إلى تفهم الأسرة.
تراكم الأزمات وانعدام الدعم النفسي
يرى الدكتور عبد ربه أن تراكم الأزمات وغياب الدعم النفسي والاجتماعي من أهم التحديات التي تحد من عملية القضاء على ظاهرة الانتحار. مضيفا: “كثيرٌ ممن واجهوا الفشل في حياتهم يشعرون باليأس، ولا يجدون الدعم الكافي من الأسرة والأصدقاء والمقربين منهم؛ فيصلون إلى مرحلة متقدمة من الإصابة بالاكتئاب وينهون بذلك حياتهم”، ومشيرًا إلى ازدياد أرقام المنتحرين في المجتمع اليمني بين الخريجين؛ نتيجة اصطدامها بالواقع بعد تخرجهم، وعدم حصولهم على عمل، وتدهور الوضع المادي؛ مما يدفعهم إلى الانتحار هروبًا من الواقع .
وفي سياق متصل، أوضح محمد الإيطالي -مختص نفسي- أن الانتحار كارثة بحق البشرية، وليس من السهل على الإنسان التخلص من حياته، وأضاف: “هناك إحصائيات تؤكد أن 70% في العالم من المنتحرين يكون السبب الأول في إنهاء حياتهم هو تدهور الحالة النفسية. وتزداد محاولات الانتحار نتيجة ظهور عدد من الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والوسواس القهري التي تجعل الإنسان يسعى إلى التفكير الواقعي والسلبي المباشر، ويفقد الإيجابية في التفكير، ومن بين كل حالتي انتحار ناجحة قد نجد حالة انتحار فاشلة”.
وأشار الإيطالي في حديثه إلى أهمية التوعية والإرشاد والتوجيه لمنع محاولات الانتحار. وهذا ما يتم القيام به في اليوم العالمي لمنع الانتحار في العالم؛ حيث يقام في هذا اليوم الكثير من الفعاليات والمؤتمرات والمنتديات؛ لتشجيع الناس على التخلص من المشاكل النفسية .مؤكدًا على أهمية دور الأشخاص المؤثرين والأشخاص القدوة لمنع مثل هذه الحالات؛ فهناك الكثير من الأشخاص، ممن انتهت محاولات انتحارهم بالفشل، استطاعوا أن يستعيدوا صحتهم النفسية وأن يقدموا النصيحة لغيرهم بعد خوض التجربة المريرة.
أهمية التوعية في منع الانتحار
في المجتمعات ذات النسبة العالية من الجهل والأمية، تلعب التوعية دورًا مهمًا في إذكاء الوعي المجتمعي وإخراج موضوع الانتحار من دائرة المحرمات إلى العلن، ومناقشته بكل شجاعة حتى يتسنى مكافحة انتشاره بشتى الوسائل الممكنة.
وهذا ما أكد عليه الدكتور العولقي قائلاً: “يمكننا عبر وسائل الإعلام نشر التوعية الدورية بين أوساط الفئات الأكثر عرضة للانتحار عن طريق عرض موادٍ إعلامية متنوعة بشأنه. بالإضافة إلى تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية لدى المراهقين عبر جلسات الدعم النفسي”، مؤكدًا على أهمية التعرف المبكر على الأفراد الذين يظهرون سلوكيات انتحارية، وتقييم حالتهم وإدارتها ومتابعتها.
ومن جانبه، شدد الدكتور عبد ربه على أهمية تقديم الدعم النفسي في كل المؤسسات والمقرات والمدارس والجامعات حول موضوع الانتحار، وإعطائه أولوية في التوعية والتوجيه والإرشاد. مضيفا: “من المهم أن تقوم مراكز الدراسات والبحوث الاجتماعية في الكليات والجامعات بنشر الوعي بين أوساط الطلاب -بشكل أو بآخر- والبحث في أكثر من مجال من خلال تدريب الطلاب وبناء قدراتهم”.
يظل الحد من ظاهرة الانتحار بحاجة إلى جهد كبير من جميع الأطراف في المجتمع، إلى جانب تكاتف الأسرة لاحتواء أبنائها ومساعدتهم قبل أن تتفاقم الحالات ويحدث الأسوأ الذي لا يُرغبُ فيه .
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…