دور القانون والشريعة الإسلامية في مكافحة الانتحار
صوت الأمل – أفراح بورجي
يعد الانتحار أحد المشاكل الإنسانية التي تستدعي الوقوف عليها ومعالجاتها؛ كونه يثير المخاوف العميقة ويعد من المخاطر التي تهدد حياة الإنسان، وينبئ عن تدهور وتزعزع كبيرين في البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أي مجتمع. غير أن كل هذه الأمور لا تعد مبررا لأن يقتل المرء نفسه مهما كانت الأسباب والمسببات.
في اليمن، يعد الانتحار من القضايا التي يلفها الغموض وتُعامل معلوماتها بتكتم وسرية، سواء من المجتمع أو من الجهات الرسمية. وتتسم بعدم الدقة بسبب تردد الكثيرين عن الإبلاغ عنها بدافع العيب والخوف من الفضيحة أحيانا كثيرة.
وعلى الرغم من شحة المعلومات بخصوص الانتحار، فإن كثيرا من المؤشرات تؤكد أن الظاهرة في تزايد مستمر، لا سيما في ظل الظروف المعيشية الصعبة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها اليمن بشكل عام في السنوات الأخيرة.
في إطار الحديث عن الانتحار ودور القانون في مكافحته، يقول الصحفي والكاتب الأستاذ أكرم عبد الفتاح: “لا شك أن وصول الإنسان إلى فكرة الانتحار لا يأتي إلا بعد معاناة هائلة، وهي معاناة تستدعي التعاطف، وتوجب على المحيطين الدعم والاحتواء والتبصُّر والعلاج، كي لا يتطور الأمر إلى الانتحار، فتنفيذ فعل الانتحار هو الخطوة الأخيرة من المعاناة في سياق ما، غالبا ما يكون محكومًا بخلل فادح على المستوى النفسي أو العقلي أو الإدراكي أو الفكري، وربما لأعراض فسيولوجية أيضًا كـ”اختلال كهربية الدماغ”.
وواصل عبد الفتاح: “قطعا، العامل الأهم في تطور المأساة هو ذو طبيعة فردية تختلف من حالة لأخرى باختلاف الظروف والسمات الشخصية لكل فرد بحد ذاته، إلا أن دوافع الانتحار الشائعة تشمل: صعوبات التوافق مع المجتمع، والاكتئاب الحاد وما يرتبط به من مسببات وصدمات تتراكم وتتفاقم نتائجها دون تسويتها، والعجز عن تحمل واقع مؤلم. بل وقد يحدث الانتحار أيضا استجابةً لهلوسات سمعية وبصرية، أو تطورًا لحالات الوسواس القهري وبعض أنواع الفصام”.
الانتحار وفلسفة الإيمان المطلق
يرى عبد الفتاح أنه “بالنسبة لنا نحن اليمنيين، من المهم مناقشة القضية ضمن إطار مجتمع إسلامي يقوم على قاعدة أن الحياة الدنيا دار امتحان لكل البشر، يليها حياة الخلود حيث دار الحساب والجزاء، فهذا المنظور هو الأقدر على تشكيل حاجز نفسي أمام الانتحار في بلاد صارت الحياة داخلها أشبه برحلة عذاب لا ينتهي”.
وأردف قائلا: “فكرتي هي أن داخل كل إنسان شيء من روح الله، وهي قوة كفيلة بتغيير الموازين على الأرض، لكن عملها يشترط إثبات قوة الإيمان أولا، فكلما زادت قوة الإيمان زادت فعاليتها ومدى تأثيرها، وبهذا ستكون هي مفتاح الخلاص أو هي -على الأقل- الحبل الذي يربط الإنسان بالمنقذ، ويكون الانتحار فعل جحود أشبه برمي المفتاح في وجه من منحك الفرصة للخلاص بشكل أو بآخر، والمنتحر هنا في حكم الرافض للنجاة في الدنيا وفي الآخرة معا”.
مؤكدًا أن المنطق أعلاه قد لا يعترف به غير المسلمين، وهؤلاء قد يفيدهم التفكير في النظريات التي وضعها علم النفس عن مكونات النظام النفسي (الأنا، الهو، الأنا الأعلى)؛ ففي مواجهة صعوبات الحياة، والصراع الدائم مع الذات والآخرين ضمن متواليات الشرور والطغيان والأطماع، يحتاج الإنسان إلى مرجعية يستند عليها لاتخاذ قراراته وتصويب مساره، ويستمد منها اليقين لمواصلة الصمود عند المعاناة في سبيل خياراته. وبدون تلك المرجعية -في حالتها المثالية- يختل النظام النفسي وما يصدر عنه من سلوكيات وأفكار. وبالطبع، يفترض بالإنسان التسليم لها بقدر تشبثه بمبادئه وانتمائه للنموذج الخيِّر في الحياة. وتلك المرجعية شبيهة بما يسميه علم النفس بـ”الأنا الأعلى”، ويفترض أن يكون لها قدرة على التأثير في السلوك والأفكار، وتتصف بتوجهها نحو سلوكيات النموذج المثالي. ولا جدال في أهمية الإيمان بالذات، واليقين بقدرتها على تجاوز مصاعب العيش، فهو العامل الأساسي للبقاء، وهناك يوم يحاسب فيه الناس وتوضع الموازين للاقتصاص من المعتدين على الضعفاء.
الانتحار في سياق الإسلام والقانون اليمني
اعتبرت الشريعة الإسلامية الانتحار مثل بقية السلوكيات الإجرامية التي نهى عنها القرآن الكريم والسنة النبوية. بل أكثر من ذلك، فهي أعظم الجرائم وأخطرها؛ لذا صنفت جريمة قتل النفس من بين كبائر المعاصي وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي.
وفي هذا الجانب تقول المحامية حسناء عقلان: “من المؤكد أن ديننا الإسلامي حرم قتل النفس تحريما مطلقا، ونهى عن الدعاء بالموت أو تحريض الغير على قتل الذات، وهذا ما يؤكده الله في القرآن الكريم. ومن هنا، فما ورد في جريمة القتل يشمل قتل الإنسان لنفسه. فمن قتل نفسه بأي وسيلة من الوسائل فقد قتل نفسًا حرمها الله بغير حق؛ إذ إن حياة الإنسان ليست ملكا له، بل وديعة أودعه الله إياها. والإنسان لم يخلق نفسه؛ لذلك لا يجوز له التفريط فيها، فكيف بالاعتداء عليها أو التخلص منها؟!”.
وأكدت عقلان، أن القانون اليمني يخلو من أي مواد تتناول سوى ما جاء في المادة (269) التي تشير إلى أنه “إذا تسبب فعل الاغتصاب بفتاة ما وأدى ذلك إلى انتحارها، فإن الجاني يعاقب بالحبس لمدة ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمسة عشر سنة”، بينما تناولت المادة (61) من قانون الجرائم العسكرية أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر كل شخص شرع في الانتحار”.
ونظرًا لذلك، تدعو عقلان إلى ضرورة تحديث هذه القوانين لتشمل جرائم العصر، لا سيما الجرائم الإلكترونية التي تسببت معظمها في انتحار الكثيرين في السنوات الأخيرة.
القرآن والسنة النبوية يحرمون الانتحار
من جانب الشريعة الإسلامية يقول الشيخ خالد يغنم (واعظ ديني): “إن الانتحار من أكبر المعاصي في الدين الاسلامي، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من النصوص التي تحرم قتل النفس أو قتل الغير، وتتوعد من فعل ذلك بالعقاب في الحياة الآخرة. والانتحار من أقبح الكبائر، لكن عند أهل السنة والجماعة لا يكون كافراً إذا كان مسلماً يصلي معروفاً بالإسلام موحداً لله عز وجل مؤمناً به سبحانه وبما أخبر به، ولكنه انتحر لأسباب، إما مرض شديد أو جراح شديدة أو أشباه ذلك من الأعذار؛ فهذا الانتحار منكر وكبيرة من كبائر الذنوب، لكنه لا يخرجه من الإسلام، إذا كان مسلماً قبل ذلك، بل يكون –تحت مشيئة الله- مثل سائر المعاصي، إن شاءَ الله ُعفا عنه وأدخله الجنة بإسلامه وتوحيده وإيمانه، وإن شاء عذبه على قدر الجريمة التي مات عليها، وهي جريمة القتل”.
وأشار الشيخ يغنم إلى أن المنتحر يعذب بالوسيلة التي انتحر بها، كما هو معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أسقط نفسه من أعلى جبل وكان بِنِيَّتِه قتل نفسه؛ فهو في نار جهنم على نفس الهيئة التي مات بها، ومن مات وهو يشرب سُمَّا يخلد في النار بنفس الهيئة أيضا خالدا مخلدا فيها”.
وأضاف: “على المؤمن أن يصبر ويستعين بالله تعالى، ويعلم أن كل شدة تصيبه في الدنيا -مهما كانت شديدة- فإن عذاب الآخرة أشد منها. ولا يصح عند أحد من العقلاء أن يستجير الإنسان من الرمضاء بالنار؛ فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة -لا بد لها من نهاية- إلى عذاب دائم لا نهاية له. وليتأمل المسلم أنه ليس هو الوحيد في الدنيا الذي يصيبه البلاء والشدة؛ فقد أصاب البلاء سادات البشر، وهم الأنبياء والرسل والصالحون”.
ونوه الشيخ إلى أنه إذا كان الانتحار بسبب أمراض نفسية أثرت في عقله تأثيراً بالغاً حتى لا يدري ما يقول ولا ما يفعل، فمثل هذا -إن حصل منه- قتلٌ لنفسه، فلا يكون مع المذنبين الواقعين في كبيرة الانتحار، بل يكون معذوراً؛ لوجود مانع من موانع التكليف وهو (فَقْدُ العقل).
حلول ومعالجات
تقول الأخصائية النفسية، عائشة الأهدل: “الانتحار انفعال شخصي يقوم به الإنسان ضد نفسه. ومن خلال التجارب والحالات التي نصادفها في مجتمعنا اليمني، لا بد من القيام بمكافحة هذه الظاهرة والحد منها والقضاء على مسبباتها”.
وتضيف: “تتمثل أهم الحلول والمعالجات لظاهرة الانتحار في عرض الحالة على أخصائي نفسي كي لا تتكرر لديه. ومن خلال الجلسات مع الأخصائي يكون هناك محددات يقوم بها الشخص القائم بالانتحار بمساعدة أهله وجميع من حوله”.
وأوضحت الأهدل بأن تلك الحلول والمعالجات لظاهرة الانتحار ما هي إلا محاولة لاستبعاد الأفكار السلبية عن الفرد من خلال العلاج النفسي والجلسات، وتعزيز قوة الإيمان بالله والتذكير بالآخرة، وإبعاد الضحية عن الضغوط النفسية، ومساعدته على تخطي الوضع الذي يمر به.
يمكن القول إذنْ إن جميع الفلسفات العقلية والقوانين، بالإضافة إلى المنهج الإسلامي، ترى أن الانتحار (قتل النفس) يعد جريمة؛ لهذا فإنه فعل شنيع يهوي بالإنسان إلى الهلاك في الدنيا وفي الآخرة.
85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…