إنشاء مراكز الدعم النفسي والمشافي الخاصة بمرضى الإدمان يحد من تنامي ظاهرة الانتحار
صوت الأمل – أفراح بورجي وعلياء محمد
إدمان المخدرات من الاضطرابات الأكثر تعقيداً؛ لأن التعافي منها رهينة بيد المريض أولاً. أما الأسرة والمستشفى والمجتمع فيقومون بدور الإسناد فقط، وهذا يعني أن المريض إذا لم يقتنع بالابتعاد عن المخدرات والتعافي منها فلن يستطيع إيقاف إدمانه مهما قامت مراكز علاج الإدمان بتأهيله ومساندته؛ لذا فإن حالات الإدمان تزداد سوءًا.
يُعرِّف محمد عقلان (دكتوراه، طبيب في العلاج المعرفي للقلق والاكتئاب) الإدمان بأنه سوء استخدام المواد، الذي لم يعد مقتصرًا على إدمان المواد التي تعمل على تغييب الوعي لدى الإنسان وحسب، بل ضمت أنواعًا أخرى كالإدمان السلوكي (الإدمان على الأكل وعلى وسائل التواصل الاجتماعي) وغيرها كثير.
وأشار في حديثه إلى تعريف منظمة الصحة العالمية للإدمان بأنه “تعوُّد الجسم نفسيًا وجسديًا على مادة من المواد التي إذا توقف الشخص عن تعاطيها ترتب عليه أعراض جسدية ونفسية ومعرفية تدفعه إلى ارتكاب حماقات وتصرفات غير مسؤولة للوصول إلى هذه المادة”.
وترى سلوى بن بريك (ناشطة حقوقية ومجتمعية) أن الإدمان شيء مخيف يُفقد الجهاز العصبي وظائفه، ويقضي على الرغبة في الحياة، ويترك نوعًا من العدوانية التي تشبع غالبًا عن طريق السرقة أو القتل. مضيفة: “بعض المدمنين، بعد ارتكابهم الجرائم، يدخلون في نوبة من الكآبة. الأمر الذي يؤدي إلى تدمير الخلايا الدماغية، ويصل ببعضهم إلى الانتحار بسبب عدم الرضا عن النفس. وفي نفس اللحظة، لا يستطيع المدمن مقاومة الحاجة الملحة في تعاطيه المواد التي أدمن عليها”.
تشير بن بريك إلى العديد من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى الانتحار، منها: ضعف الوازع الديني، تأثير وسائل الإعلام، ضعف دور الأسرة، الفقر، البطالة والتشرد، عمالة الأطفال. مؤكدةً أن هذه العوامل تقف عائقًا أمام الحد من انتشار هذه الظاهرة، بالإضافة إلى عدم توفير مراكز لعلاج وتأهيل المدمنين، وهنا يكون الدور ضعيفًا في مكافحة الإدمان الذي يعد سببًا رئيسًا للانتحار.
وكشفت كذلك أن اليمن لا تمتلك إلا مركزًا واحدًا متخصصًا في علاج الإدمان، يقع في محافظة حضرموت، وقد بُني بجهود شخصية. أما في محافظة عدن فهناك مطالبة بافتتاح وحدة لعلاج الإدمان منذ ست سنوات، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن.
الإدمان طريق إلى الانتحار
تقول الأستاذة نورا عبد الغني (مديرة الوحدة النفسية بمستشفى الأمل للأمراض العقلية والنفسية بصنعاء): “العلاقة بين الإدمان والانتحار علاقة وثيقة لا يمكن إنكارها، وتعد من العلاقات السامة والقاتلة للإنسان بطريقة غير ملحوظة. تُبنى هذه العلاقة على السبب أو الدافع وراء تعاطي المخدرات، الذي قد يكون وفاة شخص عزيز أو الصدمات العاطفية أو الأمراض النفسية وغيرها. يستغل مُرُّوجُو المواد المخدرة هذه الأوضاع، ويبدؤون في إقناع الضحية بأن المخدر يساعد على تخفيف المشاعر السلبية، والتخلص منها بشكل نهائي من أول جرعة”.
وتؤكد عبد الغني لـ”صوت الأمل” أنه: “وفقًا للدراسات الحديثة، العلاقة بين الإدمان والانتحار قوية، فأكثر من 15% من حالات الانتحار كانت بين المدمنين ومتعاطي المواد المخدرة أو العقاقير الطبية”. وذكرت أن أعداد المنتحرين في تزايد مستمر، بسبب إدمان هذه المواد المخدرة، مثل الخمر والكحوليات والكوكايين والأفيون.
في سياق متصل، يبين الدكتور عقلان وجود علاقة طردية بين الاكتئاب والانتحار، ومن ثمَّ إذا كان لدى الشخص المدمن اكتئاب فإن حياته تكون أكثر عُرضةً للانتحار. موضحًا أن عددًا من الدراسات العلمية تثبت أن الناس المكتئبين يدمنون على الأشياء التي تفصلهم عن العالم، أما الأشخاص القلقون فإنهم يدمنون على مواد تجعلهم متفاعلين أكثر مع العالم.
وحول الأشخاص المعرضين للانتحار، يقول الدكتور عقلان: “الأشخاص المعرضون للانتحار هم المكتئبون، وهؤلاء من الممكن أن يأخذوا جرعات زائدة تؤدي إلى الانتحار أو يمكن أن ينتحروا وفقًا لخطة مسبقة. لكن الإنسان الذي يتناول مادة -مثل الخمر- ويصلون إلى درجة السكر (الغياب) التام؛ فهؤلاء لن يفكروا بالانتحار؛ لأن الانتحار يحتاج إلى التخطيط، وجلب المواد المساعدة في العملية وجميع ذلك يحتاج إلى وعي كامل”.
مضيفا: “لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا ومهمًا في عدوى السلوك؛ فالكثير من الأشخاص يقومون بتقليد ما يشاهدونه من مقاطع وقصص حول الانتحار. وبسبب قلة الوعي والظروف التي يمرون بها، من صراع وتفكك أسري وغياب القدوة في المجتمع، زادت نسبة الانتحار في المجتمع اليمني”.
وأفاد عقلان أن الانتحار والإدمان عمليات مركبة ذات أسباب بيولوجية ونفسية واجتماعية، وعادة ما يُسجل الانتحار بين المكتئبين ذوي الاكتئاب الشديد والوجداني. مضيفًا: “يفقد المكتئب الأمل بالمستقبل والثقة بالحاضر، ويعتقد أن الماضي أسوأ. وهذا ما يسمى بـ”ثالوث الاكتئاب”؛ ولذلك يغلب على الشخص المُدمن التفكير في الانتحار في حالات متعددة”.
ذات الأمر أكدت عليه الدكتورة نورا في حديثها لـ”صوت الامل”، قائلة: “يخوض المدمن معركة كبيرة للتعافي من الإدمان، بالإضافة إلى المشاكل الأخرى كالمشاكل المالية، وخسران الوظيفة، وتدهور الصحة، مما يؤدي إلى فقدان الأمل في التعافي”.
وتابعت القول: “كل ذلك يجعل المدمن يشعر بالتعاسة التي تبدأ بمشاعر الضيق والحزن، ثم تتراكم فيصبح المدمن تحت وطأة الاكتئاب الكامل. وكما هو معروف أن الناس تلجأ إلى المخدرات لتخدير المشاعر والذكريات المؤلمة، إلا أنها تؤدي إلى دوامة غير صحية من الانعزال، وزيادة الحزن، والاكتئاب التي تقود الإنسان إلى الإدمان ومن ثم إلى الانتحار”.
مؤكدة على أنه في حال حدوث انتكاسة تزداد مشاعر الفشل والندم، ومع ثقل هذه المشاعر على قلب الشخص يشعر بأنه لا يستحق العيش، فيقرر الانتحار.
تحديات وصعوبات تواجه المدمن ذاته
يرى الأخصائي الإكلينيكي في مستشفى الأمل للأمراض النفسية والعقلية عبد العزيز النمري أن هناك تحديات وصعوبات تواجه مراكز علاج الإدمان، مبينًا أنه لا نستطيع القول للشخص الذي تعالج من الإدمان إنه متعافٍ بشكل كامل، فقد تحدث انتكاسة ولو بعد حين؛ كون البيئة التي نعيشها في الوضع الراهن هي في الأساس بيئة ضغوط بسبب الظروف المعيشية الصعبة. مؤكدًا أن العودة إلى نفس البيئة بعد التعافي هي من أكثر أسباب الانتكاسات. أي أن تغيير بيئة المتعافي تلعب دورًا كبيرًا في مرحلة علاج المدمنين.
وأشار النمري إلى أن أبرز عوامل القصور تكمن في التوعية المجتمعية بمخاطر المواد الإدمانية؛ حيث من الملاحظ أن المترددين على مركز علاج المدمنين غالبًا لا يأتون بقناعتهم إلى العلاج بل إرضاءً لأسرهم، فيما بعضهم يأتي إجباريًا. لذلك، هناك مخاطر كثيرة. وتعد هذه أكثر الصعوبات التي تواجه مركز علاج الإدمان، إلى جانب عدد من الصعوبات والتحديات التي تواجه الأخصائيين النفسيين أنفسهم أثناء علاج المدمن، أبرزها رفض المريض للعلاج والمتابعة بسبب الضغط الذي يعيشه. ويوضح قائلًا: “من الممكن أن يكون هناك خط عودة إلى الإدمان بعد مرحلة التعافي. بالإضافة إلى التعرف على مواد أخرى تغير حالتهم من السيئ إلى الأسوأ”.
الدور الحكومي
أكد الدكتور محمد عقلان على أننا بحاجة إلى مركز وطني داخل البلد يتخصص في علاج الإدمان، وإلى تأسيس برامج لعلاج الإدمان على المستويين الرسمي والمجتمعي؛ لكي نستطيع منع أكبر قدر من عمليات الانتحار. وأوضح أن كثيرًا من الأشخاص يتطلبون علاجًا لمكافحة الإدمان، فبعضهم قد وصلوا إلى مرحلة الإدمان البيولوجي والسيكولوجي والاجتماعي التي تُوقِفه عن ممارسة عمله، الأمر الذي يتطلب العزل التام للمدمن لمدة أقصاها خمسة وأربعين يومًا أو ثلاثة أشهر.
وشدد عقلان في حديثه على أهمية الدور الذي يجب أن تقدمه وزارة الصحة في مكافحة الإدمان من خلال تفعيل الجانب الوقائي، ومن ثم الدخول في الجانب التشخيصي إلى أن تنتهي بمرحلة العلاج وإعادة التأهيل. منوهًا أن عشرات الحالات تماثلت للشفاء؛ نتيجة إرادة المدمن القوية، بالإضافة إلى وجود أسر داعمة لهم ومساعدتهم بعمل حماية من منافذ الإدمان و”الشللية” وتوفير البيئة المناسبة للعلاج.
افتقار اليمن لمراكز علاج الإدمان ينتج آثارًا سلبية
تفتقر اليمن إلى مراكز علاج الإدمان من المخدرات، بالإضافة إلى عدم توفر فرص للعلاج؛ ومن ثم نحن أمام ازدياد في عدد حالات الانتحار، يقابله ركود وجمود في سُبل مكافحته، خاصة في ظل النزاع وغياب مؤسسات الدولة وعدم وجود منظمات مجتمع مدني تعمل في هذا الشأن بما يساهم في حماية الشباب من هذه الآفة القاتلة.
بدوره، يقول بسام القاضي (صحفي متخصص في الصحافة الإنسانية) إن عدم وجود مراكز علاج الإدمان يؤثر سلبًا، وبشكل كبير في تزايد حالات تعاطي المخدرات وارتفاع عدد المدمنين مما يجعلهم يتجهون إلى الانتحار.
ومن جانب آخر، يرى الصحفي صلاح الجندي أن افتقار المجتمع لمراكز تأهيل نفسي وصحي للمدمنين يتسبب في ازدياد انتشار ظاهرة الإدمان للمخدرات الأمر الذي ينعكس سلبًا على حياة الكثيرين منهم مما يضطرهم إلى اللجوء إلى الانتحار هروبًا من واقعهم البائس.
حلول ومعالجات
يبيِّن النمري أن مكافحة الإدمان والانتحار مسؤولية أخلاقية وإنسانية يجب أن يتحملها رجال الدولة تجاه المدمنين من أجل الحد من تفاقم ظاهرة الانتحار. مشددًا: “يجب العمل بشكل جاد على إنشاء مراكز الدعم النفسي والمشافي الخاصة بمرضى الإدمان؛ ليحصلوا على رعاية صحية ونفسية جيدة تعيدها لوضعها الطبيعي، وتخلصهم من كارثة الإدمان، وبالتالي المساهمة إلى حد كبير في الحد من عدد حالات الانتحار”. يوافقه الرأي الدكتور عقلان مضيفًا إلى ما سبق أهمية التوعية بآثار هذه الظاهرة من خلال بث حلقات إذاعية وتلفزيونية ونشرات تعريفية حول مفهوم الإدمان وأشكاله وأنواعه، وتنفيذ برامج مدرسية تستهدف جميع المراحل التعليمية لمكافحة الإدمان، وعدم نسيان أو تجاهل الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به الأسرة من خلال الرقابة التامة على الأبناء وتنظيم أوقات جلوسهم على الهاتف وإدخال برامج ترفيهية ورياضية تشغل أوقات فراغهم. ويقول: “لكل من يفكر في الانتحار، إذا أنت لا تؤمن بمصيرك بعد الانتحار، إلى أين ستذهب؟ انظر إلى من حولك من عائلتك كيف سيعيشون بعد انتحارك وكيف سيواجهون الناس والمجتمع”.
85% يرون أن استمرار الصراع هو المسبب الرئيس لانتشار ظاهرة الانتحار في اليمن
صوت الأمل – يمنى أحمد غالبًا ما تتسبب الصراعات والنزاعات المسلحة في بعض البلدان بحالة من ف…