‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الإنتحار في اليمن الاعتداءات الجنسية في اليمن.. معارك نفسية تقود إلى الانتحار

الاعتداءات الجنسية في اليمن.. معارك نفسية تقود إلى الانتحار

صوت الأمل – حنين الوحش

تمتنع النساء عادة عن الإفصاح عن جرائم الاعتداءات التي تمارس ضدهن بسبب الخوف المجتمعي المغروس فيهن من العائلة والمحيط. وفي الغالب ترى العائلة والمجتمع أن المجني عليها مذنبة، وبدون أي سبب.

العديد من الشخصيات المعتدى عليها ويتناولها هذا التحقيق لم يسجلن شكوى ضد الجاني، وأغلب الحالات تم معرفتها عن طريق علاقات شخصية بأقرباء وصديقات الضحايا. إن قصص الاعتداءات والتحرش معروفة لدى الجميع، وفي الغالب تكون القصص متشابهة، لكن بعض الضحايا أثرن الانتباه وبعضهن وصلن إلى قرار الانتحار أو حاولن بالفعل.

في اليمن، لا تلقى الضحية نصيرًا من أهلها في مثل هذه القضايا. وما يدعو للذهول والحيرة معاً أن يكون حامي الشرف هو نفسه الجاني. تقول نورا سعيد (اسم مستعار) إنها تعرضت عدة مرات لمحاولة اعتداء جنسي من أخيها الذي يكبرها بثلاث سنوات تقريبا. وقد أبلغت والديها في ثاني مرة تعرضت للاعتداء، ولم تبلغهما في أول مرة؛ لأنها كانت في حالة صدمة وخوف من أخيها ومن ردة فعل أهلها.

وتتابع: “لم أتمكن من خلال حديثي مع والداي سوى إصابة أخي بحالة خوف مؤقتة. وعاقباه بطرده من المنزل. وفيما بعد حملاني مسؤولية هذا الاعتداء بحجة أن ملابسي لافتة للانتباه، ويجب أن أرتدي ملابس الصلاة طالما هو موجود في المنزل؛ لأنه شاب يمر بفترة مراهقة ومثل هذه النزوات تحصل أحيانا. وفور مجيء أخي للاعتذار، انتهت فترة عقوبته ورجع إلى المنزل كأن شيئًا لم يكن. وهنا بدأ سجن روحي مؤبد، ومحاولاتي الفاشلة في إنهاء حياتي والخلاص؛ فلا يمكن أن تعود العلاقة بيننا كالسابق مهما كان الندم شديدًا. ومع هذا، وفي عموم الحال، هو لم يكن نادمًا من الأساس؛ فقد أعاد المحاولة مرات عدة، ولديه تبريرات جاهزة؛ مما دفعني إلى التفكير جديًا في الانتحار. لكن القرار البديل كان قرار الزواج العاجل؛ للهروب من جحيم البيت أو فكرة الانتحار”.

نهايات مبكرة

غالبًا لا نسمع عن قصص التحرش إلا في حال موت الضحية أو انتحارها، ما عدا ذلك هناك تكتم شديد يخفي القصة كأن لم تقع. وفي إطار قصص الانتحار، توسعت هذه الظاهرة مع ازدياد الابتزازات والاعتداءات الجنسية. ومن أمثلة ذلك، قصة الناشطة الاجتماعية المعروفة سارة علوان التي أثارت ضجة في إطار واسع على المواقع الإلكترونية والوسائل الإعلامية. وتسببت قصتها بجدل مجتمعي انقسم بين تعاطف شريحة ولوم الشريحة الأخرى لها.

حاولت سارة الانتحار بعد قصة ابتزاز طويلة فشلت بالتعامل معها وأجبرتها على إطلاق النار على نفسها معلنة أنها لن تستطيع إكمال الحياة وأنها يائسة من الحياة ومن خذلان الجميع لها، ولكن لحسن الحظ نجت من الموت وعادت إلى الحياة بقلب جديد ووعي أكبر.

وتعليقًا على تفشي ظاهرة الاعتداءات الجنسية والابتزاز التي ذهبت بالعديد من الضحايا إلى حضن الموت، يرى الناشط الحقوقي لؤي العزعزي أن تفشي الاعتداءات الجنسية تعود أسبابها غالبا إلى الكبت الجنسي الشديد، والفصل بين الجنسين مما جعل من لقائها فرصةً سانحة لأي تحرش أو اعتداء أو فعل جنسي. ومن ثم لم يعد اللقاء عابرًا أو عاديًا، بل صار مليئًا بالشك والريبة. ومن ناحية أخرى، يقع على الحرب القائمة اللوم الأكبر في تفشي الجريمة بشكل عام. ويؤكد أنه حتى اللحظة لا توجد أرقام دقيقة لدراسات أو تسجيل لحالات اعتداء جنسي ولا قانون حامٍ للأسف. وهنا يأتي دور المجتمع المدني في المعالجة، وكأول خطوة يتوجب الإبلاغ وعدم السكوت أو الخوف من المحيط؛ لأن هذه القضايا تحديدًا بحاجة إلى سن قوانين وإلى توعية مجتمعية حتى لا تصل الأمور إلى إعطاء الجاني الحق في إنهاء حياة الضحية.

رؤية حقوقية وقانونية

وفي الحديث عن الجانب الحقوقي، قالت المحامية هدى الصراري رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات إن ظاهرة الاعتداءات الجنسية بحق النساء والأطفال ارتفعت بسبب استمرار الحرب وتعطل القوانين وتدهور الوضع الاقتصادي وازدياد معدلات الفقر. مضيفةً أن ما ساهم في تفشي انتهاكات حقوق الإنسان بحق النساء هو تضاؤل العمل الحقوقي الموجه لحماية الفئات المستضعفة (النساء والأطفال) بشكل عام، والتوقف عن تقديم الحماية القانونية ومناصرة القضايا المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. وبصفة عامة، تعد اليمن ضمن الدول العربية التي تتميز بضعف التشريعات القانونية لحماية النساء والأطفال. وهناك العديد من النصوص والمواد التشريعية التي توجد بها فجوات تساهم في التنصل من الحماية ومساعدة الجاني أو المنتهك بالإفلات من العقاب.

وحول الإحصائيات، أكدت الصراري على أن السبب الرئيس في عدم وجود إحصائيات رسمية هو تشتت الجهود في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان فيما يتعلق بالنساء والأطفال وغياب آليات المساءلة والحماية، وضعف دور المؤسسات الرسمية أثناء تسجيل ورصد حالات العنف وإحالتها الجهات المختصة، وكذلك ضعف المؤسسات الحقوقية والمنظمات المتخصصة بتقديم الرعاية والحماية لضحايا العنف الجنسي بسبب إطالة أمد الحرب وانشغال معظم منظمات المجتمع المدني ببرامج الإنعاش المبكر والطوارئ نتيجة الوضع الأمني والسياسي المحتدم.

مشيرة إلى أن المنظمات المتخصصة بحماية ومناصرة قضايا النساء والأطفال –مثل فروع اتحاد نساء اليمن في المحافظات- لم تعد تتلقى الدعم الكافي لمواصلة برامجها وأنشطتها التي كانت تقدمها للمجتمع، وتستهدف من خلالها الفئات الضعيفة في المجتمعات المحلية وتناصر قضاياهم عبر مختلف المجالات وصولًا إلى تغيير السياسات والتشريعات لصالح تلك الفئات ولو بالحد الأدنى.

وحول المعالجات ترى الصراري أن من ضمن الخطوات التي يجب اتخاذها للحد من هذه الظاهرةِ تغييرَ التشريعات القانونية لردع المنتهكين، وتغليظَ العقوبات. بالإضافة إلى إنشاء قانون يكافح العنف ضد النساء والأطفال، وحثِّ الدولة على الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها ومواءمتها بالتشريعات الوطنية، واستهداف المجتمعات المحلية والأرياف للحد من ظاهرة العنف، ودعم البرامج التعليمية وتغيير المناهج الدراسية للارتقاء بدور الأسرة والتنشئة الأسرية لتغيير المفاهيم الجندرية التي تعزز ثقافة العنف.

 أما بالنسبة لدور المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان في اليمن، فتقول الصراري إن للمجتمع المدني دورًا هامًا يكمن في رفع وعي أفراد المجتمع واستهداف الضحايا لتوعيتهم بحقوقهم المنصوص عليها في القوانين المحلية والدولية، بالإضافة إلى مهمة الرصد والتوثيق لوقائع العنف، والتعاون المستمر مع أجهزة إنفاذ القانون والمؤسسات ذات العلاقة؛ لتفعيل برامج الإحالة وتقديم المساعدات الاقتصادية والإيواء والتأهيل والتدريب للضحايا من النساء والأطفال، وحث الدولة على القيام بمهامها المنوطة بها؛ لتغيير السياسات والتشريعات التي تعزز حماية الفئات المستضعفة.

معالجات أمنية

في جانب المعالجات والتدابير الأمنية التي يجب ان تتخذ لوضع حد لمثل هذه الانتهاكات والقضايا قبل أن تصل إلى خطر الموت، يقول المقدم وليد الأثوري -ضابط في وزارة الداخلية وباحث في العلوم الأمنية-: “هذا النوع من القضايا يحتاج إلى إجراءات نوعية متعلقة بالتربية الأمنية وإدارة خاصة في الدعم الاجتماعي”. مبينًا أن هذه القضايا يفترض أن يتم التعامل معها خارج الغطاء الإعلامي وفي مساحة آمنة للضحية والمجرم؛ بسبب عدم تقبل المجتمع لذلك.

ويؤكد على أننا لسنا بحاجة إلى توعية ولا ضبط سلوك إجرامي دخيل على المجتمع بقدر ما نحن بحاجة إلى عمل يؤدي إلى إنهاء هذا السلوك بشكل جذري. وموضحًا أن مفهوم الأمن واسع وشامل وفق مبادئ إدارة الشرطة الحديثة؛ ولهذا يجب أن تكون جميع الإجراءات بشكل علمي موجهة لحماية المجتمع من أي سلوك إجرامي يؤثر على مستقبل الفرد والمجتمع، وتفادي أي مخاطر محتملة.

جانب اجتماعي نفسي

 من عمق المعاناة النفسية والاجتماعية، تؤكد الأخصائية الاجتماعية أسماء الحداد على أن ردَّ فعل المجتمع المتخذ ضد المجني عليهن واعتبارَ الأمر فضيحة لا بد من التستر عليها يهدم المنظومة الاجتماعية ويخلق حالة من الرهاب الاجتماعي فيهن ويؤخر عملية التعافي لديهن، وقد يؤدي في حالات كثيرة إلى فقدان الضحية. 

ومن جانبها، بينت الأخصائية النفسية نجلاء علي أن حاجز الأمان لدى معظم من تعرضن للاعتداءات الجنسية قد كُسِر من قِبل الأشخاص والمحيط الخاص بهن، وترسخت لديهن معتقدات سلبية خلقت فيهن جوًا من التوتر والقلق، وأودى بهن إلى الاكتئاب الذي يصعبُ جدًا الخروج منه أو تجاوزه، وقد يصل بهن إلى الانتحار طلبًا للخلاص، لا سيما إذا لم تتوفر بيئة مناسبة تحتويهن.

أرقام عامة

يذكر تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية في العام 2019 أن شخصًا واحدًا ينتحر كل 40 ثانية في العالم، ليصل العدد -طبقاً للتقرير- إلى 800 ألف شخص سنوياً. وقد جاءت اليمن في المرتبة الثالثة من بين البلدان العربية في معدلات الانتحار، وترتفع مؤشرات الأعداد الخاصة بالمنتحرين من يوم إلى آخر.

وفي دراسة منشورة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي، تحت عنوان “العنف ضد المرأة اليمنية في السلم والحرب”، الذي قدمته الباحثة ماريا هولت في (RIVERA OPEN)، كشفت أن 17% من النساء كن ضحايا العنف الجنسي، وأبلغت معظم النساء عن تعرضهن لضرر نفسي نتيجة سوء المعاملة.

وعرضت “منصتي 30” نتائج استطلاع أجرته عن التحرش تبين فيه أن النساء هن الأكثر عرضة للتحرش، بحسب رأي 84% من المشاركين في الاستطلاع، ثم الأطفال بنسبة 7%، ويليهم المهمشون بنسبة 5%. وقد بينت النتائج ومشاركات الأفراد أن التحرش اللفظي موجود أكثر من الجسدي، ويرى 80% من المستطلعة آراؤهم أن الشارع هو البيئة الأنسب للمتحرشين، تليه المجمعات التجارية بنسبة 65%. أما في البيت، فيحدث بنسبة 5% وهذا ما أوضحته الإناث المشاركات في الاستبيان.

من المفترض أن يكون هناك إحصائيات دورية ترصد عدد الانتهاكات الجنسية، غير أن الغياب والتهرب في الرد، وعدم تعاون بعض الجهات العاملة في هذا المجال جعل الرصد عسيرًا وغير موثوق في بعض الأحيان. إن عدم إمكانية الرصد الدقيق لا يعني أبدًا أن هذه الانتهاكات يسيرة، تمرُّ دون أن تترك آثارًا في الضحية؛ بل هي على العكس من ذلك، قد تدفع بالضحية إلى العدوانية أو الانطوائية أو أذية الذات أو الانتحار في نهاية المطاف وحين تتعسر السُبُل.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد

صوت الأمل – هبة محمد  يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…