‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الصناعات الحرفية في اليمن نقص التمويل وقلة الاهتمام يهددان بقاء الحرفيين

نقص التمويل وقلة الاهتمام يهددان بقاء الحرفيين

صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ

وأنت تتجول في أزقة سوق “باب مشرف”، في مدينة الحديدة، تستوقفك العديد من الصناعات الحرفية بمختلف أنواعها وأشكالها وأحجامها، المصنوعة بأيادي ماهرة أتقنت الصناعات الحرفية منذ الأزل، تارة بعدِّها هواية وتارة أخرى في سبيل البحث عن فرص للحياة، صورةٌ تعكس كفاح الإنسان في سبيل البقاء، ومحاولاته الحفاظ على المقومات التاريخية والثقافية لوطنه، وعلى رزقه؛ فقد جاء في مكان وزمان أصبح فيهما الحصول على مصدر للدخل أمراً صعباً للغاية.

يعدُّ سوق “باب مشرف” من أقدم الأسواق الشعبية في المحافظة، حيث يزخر بالكثير من المنتجات الحرفية، مثل: الصناعات الفخارية، وأصناف الإكسسوارات المصنوعة من مختلف المعادن، والملابس الشعبية، وعقود من الأشجار العطرية، وأنواع المأكولات الشعبية، والطِيب والبخور، والأدوات المنزلية المصنوعة من الطين والنحاس والمعدن، وغيرها من الصناعات الحرفية التي تشتهر بها المدينة، وغيرها من مدن البلاد.

وما إن دقت طبول الصراع في البلاد حتى بدأت تختفي العديد منها؛ فبهتت الصورة التي اعتاد أن يظهر بها السوق أمام الزوار ووسائل الإعلام والمارة من الناس. ليس الصراع وحده من أدى إلى تضاؤل نسبة هذا المنتج، وليس في هذا السوق فحسب، بل إنَّ هناك العديد من التحديات التي وقفت حجر عثرة أمام العديد من الصناعات الحرفية في اليمن، وساهمت في تراجعها، لا سيما في السنوات الأخيرة.

يقول ماجد الخليدي (رئيس منظمة شباب بلا حدود): “لم نعد نرى  توجهاً وإقبالاً على المنتجات الحرفية مثلما كان من قبل؛ بسبب انهيار البنية الاقتصادية، وغياب السياحة الخارجية في اليمن، وضعف الإقبال المحلي عليها”. ويرى أنَّ هناك شحة وارتفاعاً في  تكلفة المواد التي تُستخدم في هذه الصناعات؛ لذلك يكون المردود المادي لها ضعيفاً. مؤكدًا أنَّ الصناعات الحرفية في اليمن متنوعة وثرية، ويمكن استثمارها بوصفها مصادر دخل، وأيضًا كونها تُسهم في نشر الثقافة اليمنية.

الصناعات الحرفية والتكنولوجيا

 يقول نبيل الشرعبي (الباحث الاقتصادي): “غدت التكنولوجيا أحد أهم العوامل التي تهدد باندثار عدد من الصناعات الحرفية في اليمن، فمع تغيير نمط الاستهلاك والانبهار بالابتكارات المتلاحقة صار الكثير من الأشخاص ينظرون للصناعات الحرفية اليمنية على أنَّها جزء من الماضي”.

فيما ترى أماني محمد (عضو في مبادرة  همتنا أثر) أنَّ التكنولوجيا تعدُّ منافساً قوياً للصناعات الحرفية؛ بسبب انخفاض سعر بعض المنتجات التي يُروج لها، وسهولة الحصول عليها حتى وإن كانت أقل جودة (وتقصد بذلك خدمات التوصيل).

 بينما أوضحت صباح فرحان (الناشطة المجتمعية) أنَّ التكنولوجيا أحد المساهمين في خدمة الإنتاج المحلي من الصناعات الحرفية، قائلة: “كلما ارتبطت الصناعات بالتكنولوجيا كانت أفضل وأقوى في التسويق، والوصول إلى العملاء بشكل أفضل”. وتتابع: “لقد لاحظنا خلال الفترة الحالية ظهور العديد من المشاريع النسوية في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جيد، فكلما كانت المشاريع قادرة على الاستفادة من التكنولوجيا كانت أفضل في التسويق”.

القوانين

 يرى الصحفي الشرعبي أنَّ القوانين الخاصة بتنظيم قطاع الصناعة والتجارة في اليمن، لم تمنح الصناعات الحرفية أهمية بالمستوى الذي يضمن استمرارها وتوسعها، بل فتحت مجالات للمنافسة على حساب الصناعات الحرفية.

هذا وقد نصت المادة (13)، من القانون الخاص بتنظيم الصناعة اليمنية رقم (20) لسنة 2010م، على تولي الوزارة إعداد الدراسات والخطط والبرامج الهادفة إلى تطوير الصناعات الصغيرة، والتشجيع على إنشاء الجمعيات التعاونية الصناعية، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، والإشراف على أنشطتها، وتقديم الحوافز والمزايا لها.

ونصت المادة رقم (14) على إنشاء لجنة من الأجهزة الحكومية والمؤسسات والمنظمات المتخصصة غير الحكومية، تتولى هذه اللجنة تنمية مشروعات الصناعات الصغيرة، على أن يصدر قرار بتشكيل اللجنة وتحديد مهامها واختصاصاتها من رئيس مجلس الوزراء.

 وذكرت المادة (15) تخصيص الوزارة مساحة 20% من أراضي مشروعات المناطق والمجمعات الصناعية لمشروعات الصناعات الصغيرة.

تكلفة الإنتاج والتسويق

“تفتقر اليمن لمؤسسات تسويق منتجات الصناعات الحرفية”، هذا ما أكده نبيل الشرعبي. ويضيف: “تحصر المؤسسات اهتمامها في جانب تسويق الزي التراثي، الذي تزخر به العديد من المدن اليمنية الغنية بالعديد من الملابس التاريخية اليمنية، ولا تصب اهتماماتها على الصناعات الحرفية الأخرى”.

وفي السياق ذاته ترى أماني محمد أنَّ تكلفة الإنتاج تعدُّ من أهم الركائز التي تساعد الحرفي على فهم الفجوة السوقية، وفهم طبيعة السوق للعرض والطلب، إلى جانب آلية احتساب التكلفة الإجمالية وتسويقها والحفاظ على اسم المنتج في السوق.

 ومن جانب آخر يرى ماجد الخليدي أنَّ معظم أصحاب الصناعات الحرفية أناس بسطاء وفقراء في أغلب الحالات، وليس لديهم الوثائق والخبرات والإمكانات الخاصة للتسجيل والتسويق، خصوصاً في وسائل التواصل التي أصبح الناس يتفاعلون فيها بشكل كبير.

الدعم الإعلامي

في هذا الخصوص يقول علي الحواني (مدير إذاعة مأرب): “مقارنة بما تقوم بها وسائل الإعلام العربية والخليجية في دعم الصناعات الحرفية، فإنَّنا في اليمن لا نجد هذا الاهتمام الملموس لهذه الصناعات”، وأرجع السبب في ذلك إلى ضعف الإمكانات المالية التي تتيح للإعلام أن يتابع مثل هذه الحرف والصناعات. ويضيف في حديثه لـ”صوت الأمل”: “تواجه عدد من المهن الحرفية والمهن الأخرى، كـ: الغناء والفن والرسوم التشكيلية، قلة في تلقي الدعم الإعلامي، وضعفاً في تسليط الضوء على قضاياها ومشاكلها”. موكداً على انشغال وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة بتمجيد السلطة، وتسليط الضوء على الأمور السياسية والعسكرية وأخبار الصراعات، دون الاهتمام بهذه الجوانب المتمثلة في صناعات الفنون والحرف وغيرها.

تحديات أخرى

أكد نبيل الشرعبي على معاناة الصناعات الحرفية في اليمن وتهميشها وإهمالها؛ الأمر الذي تسبب بتراجع كبير في إنتاجها. مضيفًا: “عدد كبير من الصناعات الحرفية اليمنية القديمة توقفت عن الإنتاج، أهمها: صناعة الطوب الرملي، والمحاريث الخشبية (وهي التي كانت تستخدم لحرث وزراعة الأراضي وبالذات في المناطق الريفية)، وصناعات أخرى انحسرت كثيراً وقل الاهتمام بها”.

ويُرجع الشرعبي ما وصلت إليه الصناعات الحرفية إلى عدد من الأسباب، أهمها: نقص تمويل البنوك والمؤسسات المالية اليمنية للمشاريع الخاصة بالصناعات الحرفية، وإحياء الموروثات الشعبية، والتركيز في مشاريعها على الربح؛  لذلك يغيب من أجندتها القروض والتمويلات المخصصة للصناعات الحرفية.  وبدورها أوضحت أماني محمد أنَّ ارتفاع أسعار المواد الخام، وقلة الخبرة في عملية التسويق، وضعف الجودة أو عدم الاهتمام بتغليف المنتج، بالإضافة إلى صعوبة التنقل بين المدن من أكثر التحديات التي تعيق عملية ازدهار الصناعات الحرفية. وتتابع: “ينقص الحرفي الوعي والدراية بمفهوم احتساب القيمة الإجمالية للمنتج وللتكاليف المباشرة، وغير المباشرة، بالإضافة إلى الجهل بالقوانين التجارية، ومواجهة صعوبة في الحصول على الاسم والسجل التجاريين”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

الدورات التدريبية في مجال الطهي إلمام بثقافات مختلفة وفرص مهنية واسعة

صوت الأمل – علياء محمد لا يقتصر فن الطهي على الطبخ المتعارف عليه لدى الأفراد، بل يحمل بين …