الصناعات الفخارية جودة متميزة ومعاناة مستمرة
صوت الأمل – أحمد عمر
صناعة الفخار في اليمن
اهتدى الإنسان القديم قبل الميلاد إلى صناعة الفخار بعد تجارب عدة، فقد كان يصنع الأوعية للأكل والشرب من الحجر، وأغصان الشجر، وأعواد النباتات اللينة. واستُخدم الفخار في مجالات عدة وبأشكال مختلفة حسب الحاجة إليه.
في اليمن امتدت صناعة الفخار إلى آلاف السنين قبل الميلاد؛ إذ يعود تاريخ الصناعة إلى سنة 2600 ق.م، بحسب اكتشافات البعثة الإيطالية في المرتفعات الوسطى بقيادة “دميغريه” في منطقة مذبح بصنعاء. وكشفت ذلك -أيضًا- الحفريات التي قام بها الباحث عبده عثمان غالب، في سنة 1993م، أثناء توليه رئاسة قسم الآثار بجامعة صنعاء؛ إذ عثر غالب على فخار خشن الملمس بسيط في صناعته. وفي تهامة فقد أُقيمت أعمال التنقيب الأثري المنتظم بشكل علمي في عامي 1996م و1997م، وقامت البعثة الكندية التابعة لمتحف أونتاريو الملكي بأعمال التنقيب بقيادة “إدوارد كيلي”، وتحديداً في قرية المتنة.
تنتشر صناعة الفخار في اليمن بمدن حيس وزبيد والجراحي وبيت الفقيه، في إقليم تهامة جنوب مدينة الحديدة، يليها عدة مناطق في محافظة حضرموت وصنعاء، بحسب وكالة الأناضول التركية، موقع “مدى بريس الإخباري”.
مراحل صناعة الفخار
تمر صناعة الفخار بعدة خطوات للوصول إلى الشكل النهائي والمطلوب، إذ تختص المرحلة الأولى باختيار التربة بعناية فائقة، وتنقيتها من الشوائب؛ وذلك من أجل المزج والخلط السريع، قبل نقلها إلى المعمل، بعدها تُصفَّى وتُنظف وتُغربل؛ لتصبح مناسبة للاستخدام، بعد ذلك تُرشُّ التربة بالماء ويُخمَّر الطين جيّدًا، ومن ثم يُعجن بالعجّانات الخاصة لذلك، ويُداس عليه بالأقدام، وهذه هي الخطوة الأخيرة قبل أن يُقطَّع الطين إلى أقسام متعددة، وَفق الأشكال المطلوبة وأحجامها: من أواني للطبخ وتحف وأدوات منزلية، تُوضع في أفران تقليدية، تُوقد بالحطب قبل الوصول إلى المنتج في صورته النهائية، هذه العملية بطريقتها المبسطة يُصنع بها هذا الإبداع الإنساني الذي توصَّل إليه الإنسان قبل آلاف السنين.
بسبب الصراع الدائر في البلاد؛ أصبحت حرفة صناعة الفخار من الحرف المهددة بالاندثار، ووفقاً للأمم المتحدة: “اليمن تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يعتمد غالبية شعبها على المساعدات الإنسانية القادمة من المانحين المحليين والخارجيين”؛ لهذا أصبحت الحرف اليدوية اليوم مهددة بالاندثار؛ بسبب الصراع القائم ولمدة ثمان سنوات.
“صناعة الفخار من أوائل الحرف المهددة بالاندثار”
بسبب الصراع الدائر في البلاد، أصبحت حرفة صناعة الفخار من الحرف المهددة بالاندثار؛ فوفقًا للأمم المتحدة تعيش اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ إذ يعتمد غالبية شعبها على المساعدات الإنسانية القادة من المناحين المحليين والخارجيين، لهذا فقد أصبحت الحرف اليدوية اليوم معرضة للهجر والاندثار بسبب أمد الصراع الذي طال، ودفع الناس إلى ترك الحرف التي تدر القليل من المال والانتقال إلى استيراد المصنوعات الصغيرة رديئة الجودة قليلة الكلفة.
عبد الله باني، القاطن في تريم (حضرموت شرق البلاد)، والعامل بمجال صنع الفخار، تحدث إلى صحيفة “صوت الأمل” عن الصعوبات التي تواجههم في هذه الصناعة المتوارثة عائلياً قائلاً: “يتسلط بعض المتنفذين على مصدر الطين، الذي يُجمع؛ بوصفه المادة الأساسية لصناعة الأدوات الفخارية، ويبنون عليه دون أي ردة فعل تذكر من الجهات الرسمية”. ويرى بأنَّ هذه الحرفة شغف، يهوى العمل بها هو وعائلته؛ ولكنَّها بدأت تنحصر، وقلَّ عدد مستخدميها؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وضعف المستوى المعيشي للأسر؛ الأمر الذي جعلهم يستغنون عن هذه المعدات الفخارية ويستبدلونها بأدوات بلاستيكية، وأخرى مصنوعة من الحديد، رغم أنَّ الفخار أكثر إفادة صحية، ولكنَّ الأخرى أكثر ديمومة واستمرارية.
أنواع الصناعات الفخارية
وفي سياق متصل، أشار باني إلى أنَّ التنانير: عبارة عن أفران منزلية صغيرة مصنوعة من الفخّار؛ لإعداد أقراص الخبز، وأحد أهم المصنوعات الفخارية استخداماً. مضيفاً: “منطقة الحزم بمدينة شبام حضرموت من أشهر المناطق في صناعة تنور الفخار”. ويتابع القول: “إنَّ “التنور” هو الأكثر طلباً محلياً، إذ أنَّه يشكل عنصراً أساسياً في كل بيت حضرمي؛ لصناعة أنواع الخبز الحضرمي (كـالحيف) وهو رغيف خبز سميك القوام يُعجن من السمن والطحين بإضافة الماء والملح، إضافة إلى خبز “الخمير” وهو مشابه لخبز “الحيف” إلا أنَّه في بعض مناطق وادي حضرموت يضاف إليه السكر فيصبح حلو المذاق، وبمناطق أخرى يكون طعمه مائلاً إلى الملوحة أو الحموضة بإضافة مكونات أخرى، ويُستخدم كذلك التنور لطهي اللحم بأشكال أشهرها اللحم المندي والحنيذ”.
المباخر هي الأخرى لها رواج في الصناعة الفخارية؛ إذ تعد المباخر الفخارية من مظاهر الجمال في البيوت، ويتفاخر بها بعض الأهالي.
وتتميز منطقة دوعن باستخدام الفناجين الفخارية لشرب القهوة؛ بوصفها رمزاً أصيلاً لتقديم القهوة العربية، وتنحدر بعض هذه العادات إلى مدينة تريم وسيئون.
“الجحلة” وهو مسمى يطلق على الإناء الفخاري العميق؛ لحفظ الماء قديماً، وكما أنَّه أيضاً يُستخدم في بعض مناطق حضرموت؛ لحفظ التمر ولكن بأحجام أكبر، ويطلق عليها في العرف المحلي “الزير”، فيقال زير التمر أو زير الماء، وغيرها من الأدوات الفخارية.
المشاكل التي تواجه صناعة الفخار:
قال الحرفي أحمد فرج (صاحب ورشة لصناعة الفخار في مدينة تريم بوادي حضرموت):”تعاني صناعة الفخار من قلة الاهتمام الحكومي والخاص، فلا توجد معارض نستطيع من خلالها تعريف الزوار بقيمة هذه الحرفة، وعراقة تاريخها المرتبط بعقود طويلة”. مضيفاً: “نطالب الجهات المعنية وذات العلاقات بالاهتمام بهذا الجانب من الصناعات، وإقامة المعارض المحلية والدولية”.
الحلول من وجهة نظر الحرفيين:
يرى أحمد فرج أنَّ الحلول الممكنة لتفادي اندثار المهنة تكمن في دعم الحرفيين مادياً، من قبل الجهات المانحة؛ حتى يتمكنوا من مواصلة عملهم. منوهاً إلى أنَّ إقامة معارض سنوية ترويجية للمصنوعات الفخارية يعد حافزاً للمصنعين للصناعة، وتقديم إبداعات جديدة تلبي احتياجات السوق. وأكد في حديثه على ضرورة وجود شركات تصدر منتجاتهم إلى الخارج؛ لما لهذا من فائدة تعود على الحرفي بعائد مادي جيد.
من جانبه، بيَّن أحد بائعي الفخار ارتباط ارتفاع الطلب على بعض المنتجات الفخارية ببعض المواسم، كما ينخفض في مواسم أخرى، مستشهداً بأنَّ في فصل الصيف يرتفع الطلب على “الزير الفخار” المستخدم في تبريد المياه، وفي شهر رمضان المبارك يزيد الطلب على أكواب القهوة الفخارية. إنَّ الصناعات الفخارية اليمنية تمتاز بجودتها وتفردها، وتعدد منتجاتها وأشكالها، وتحتاج إلى من يأخذ بيد من يعمل على إحيائها من العدم، وترميم ما تبقى من أثرها، والسعي إلى إقامة العديد من المعارض والمهرجانات الخاصة لها، وعمل الأسواق الخاصة بها، ودعم من يعملونها فيها.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…