‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الصناعات الحرفية في اليمن سعف النخيل.. من قشٍّ يابسٍ إلى صناعاتٍ مفيدةٍ وصديقةٍ للبيئة

سعف النخيل.. من قشٍّ يابسٍ إلى صناعاتٍ مفيدةٍ وصديقةٍ للبيئة

صوت الأمل – أحمد عُمر

لم يقتصر الإنسان في العديد من الدول العربية من شجرة النخيل على ثمرة التمر “البلح” فحسب، بل استخدم جميع فروع وأجزاء هذه الشجرة  في شؤون حياته اليومية، واعتمد الإنسان منذ عقود من الزمن على “سعف النخيل” في العديد من مصنوعاته الحرفية الصديقة للبيئة.

في اليمن تتركز الصناعات الحرفية النباتية على سعف النخيل، ويُستخدم في  العديد من الصناعات، أبرزها:

الأدوات المستخدمة في المنزل كالحصير، والقفة المستخدمة لحفظ الطعام، والمسرفة (سفرة يقدم عليها الطعام)، والمكانس  المستخدمة في تنظيف المنازل، بالإضافة إلى المراوح اليدوية، والستائر الخارجية لنافذات البيوت، ويعتمد المزارعون على  سلال من السعف لجني الثمار، والمرابش (الزنابيل) لنقل التربة، والمظلات للوقاية من حرارة الشمس، ويكثر استخدامها في مناطق وادي حضرموت (جنوب البلاد).

أما سكان مناطق تهامة (في محافظة الحديدة، شمالي اليمن) فيبنون أكواخهم  من سعف النخيل  وشجرة “الدوم” المعروفة محلياً.

صحيفة “صوت الأمل” سعت في هذا التحقيق إلى الغوص في تفاصيل وعالم صناعة المنسوجات النباتية في اليمن، وعرض مميزاتها.

مميزات سعف النخيل

“يحتوي سعف النخيل  على نسبة عالية من الألياف؛ الأمر الذي جعلها تعمر عقوداً من الزمن دون أن تتحلل بيولوجياً، خاصة في المناطق الجافة”، جاء ذلك في دراسة جدوى لإسلام النجار، صادرة عن  مجلة “رواد الأعمال”.

وأوضحت الدراسة التي نشرتها المجلة في 11 يونيو 2021م  نمو زراعة النخيل منذ أكثر من  5 آلاف عام، وبلغت نسبة قيمة سوق إعادة تدوير سعف النخيل العالمي في العام 2019م أكثر من  53.74 مليار دولار أمريكي، وتوقعت الدراسة وصول القيمة  إلى نحو 95.54 مليار دولار أمريكي  في العام 2025م.

هذا وتمتلك البلدان العربية ما نسبته 93% من إجمالي أشجار النخيل، وفقاً لاستناد الدراسة على تقارير عالمية.

ويبلغ إنتاج سعف النخيل من النخلة الواحدة حوالي  10سعوف في السنة، وفقاً لما ذكرته  “جريدة  الجامعة الإسبانية العربية” في تقريرها الصادر  بتاريخ 1 نوفمبر عام 2020م.

وتحتوي السعفة وفقاً للتقرير على عدد من الأوراق يتراوح عددها ما بين 120-240وريقة.

وبالإضافة إلى استخدام سعف النخيل في الصناعات الحرفية، أشار التقرير إلى استخدام سعف النخيل بعدِّه سماداً طبيعياً يحافظ على البيئة ويحسن خواص التربة الزراعية.

ويُصنَع السماد منه عن طريق فرم مخلفات النجيل كالسعف والجريد، ووضعها في صوامع من الطوب  لتخميرها.

الصناعات النباتية، “حضرموت أنموذجاً”:

تمتهن العديد من العاملات من فئة “الإناث” دون الذكور في مديرية “حجر” (غربي محافظة حضرموت) مهنة صناعة المنتوجات اليدوية من سعف النخيل وسعف شجرة “النشرة” (وهي شجرة “النبيذ” المعروفة  في المحافظات الشمالية بشجرة “الدوم”).

وذكر عدد من أهالي مديرية حجر لـ “صوت الأمل”  المراحل التي  تمر بها أشجار سعف النخيل؛ لتكون قابلة للصناعة، حيث  في كل عام تُلقَّح أشجار النخيل من قبل المزارعين  في شهر فبراير ومارس، وفي ذات الوقت يُقطع السعف؛ لتقوم النساء بتجميعه وتقطيعه طولياً إلى ثلاث قطعات،  وتُعرِّضه  لأشعة الشمس المباشرة لعدة أيام.

مضيفين: “تقطف الأوراق في المرحلة الثانية،  وتقطَّع إلى  أحجام بحسب  الطلب المراد تصنيعه، وفي المرحلة الأخيرة من التحضير يوضع في الماء حتى يتشبع؛ ليعطيه قوة ومتانة ضد الكسر”. هذا و تستغرق هذه المرحلة  أقل من نصف ساعة فقط.

من جانبها تقول  بشائر صالح (إحدى النساء الممتهنات لحرفة صناعات السعف) في حديثها لـ “صوت الأمل”: “نقوم بحياكة السعف بشكل دائري؛ لصناعة المسارف، وتستغرق صناعة المسرفة الواحدة من يوم ونصف إلى يومين، ثم نقوم بتطريزها من الخارج؛ لتبقى مترابطة مع بعضها البعض، ولمنع تمزق أطرافها، وحفظ عمرها الافتراضي”.

مضيفة “نستغرق نصف اليوم لصناعة الأغطية، ويوماً كاملاً لصناعة القفة  والمضلات والمرابش”.

وعن العائد المادي من المنسوجات النباتية  أكدت    بشائر  أنَّ المردود المادي من هذه الصناعات  ضعيفاً مقارنة بما تتحمله من مشقة وتعب، حيث يصل سعرها في السوق  إلى  1500 ريال يمني  (أي ما يعادل دولاراً ونصف الدولار الأمريكي)، وفقًا لأسعار العملات في محافظة حضرموت؛ مما أجبر  الكثير من الحرفيين على التخلي  عن هذه الحرفة حال توفر أعمال أخرى.

الاستهلاك المحلي والدولي

تتوفر المنسوجات النباتية في أغلب الأسواق المحلية،  ويقتني عدد كبير من الناس هذه المنسوجات الحرفية.

ذكرت الحرفية بشائر صالح أنَّ نسبة الطلب على المنسوجات النباتية يزداد يوماً بعد يوم، وبالتالي تواجه صعوبات في  تغطية الطلب عليها من التجار -خاصة في الأشهر ما بعد التلقيح-؛  نظراً  لقلة توفر السعف.

وفقًا لأحد تجار المنسوجات في مدينة المكلا، فإنَّ  الإقبال اليومي على شراء المنسوجات، في الأسواق المحلية، في تحسن مستمر رغم الوضع المعيشي المتدهور الذي يعاني منه المواطنون.

 مرجعًا سبب ذلك إلى أسعارها المتدنية، مقارنة بأسعار السلع الأخرى، وانهيار العملة المحلية. 

تمتلك قمر باوزير ركناً في سوق المكلا القديم، تعرض فيه العديد من أصناف المنسوجات النباتية التي تجلبه لها النساء الحرفيات من “مديرية حجر”.

وتقول لصحيفة “صوت الأمل” :”إنَّ طلب السوق يرتفع بشكل كبير خلال موسم شهر رمضان المبارك؛  لما لهذه المنسوجات من مدلولات تراثية ودينية مرتبطة بهذا الشهر”

وحول استهلاكه دولياً أفادت باوزير نقلاً عن الحرفيات أنَّ العديد من التجار يشترون كميات كبيرة من المنسوجات؛ لبيعها في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات. موضحة أنَّ نسبة الطلب عليها تزداد.

وأضاف أحد أهالي مديرية حجر: “تُصدَّر كميات كبيرة من المنسوجات (مسارف – قفف – غطيان – مرابش..إلخ) عبر تاجر إلى سلطنة عمان”. منوهاً أنَّ تلك المنتجات تُشترى بأسعار زهيدة؛ لبيعها في الخارج بأسعار مرتفعة. مستبعداً في حديثه وجود  جهة أو وكالة رسمية تصدر تلك المنسوجات، وإنما هي مجهودات فردية، حد وصفه.

المشاكل التي تواجه الصناعة

من خلال المقابلات التي أجرتها صحيفة “صوت الأمل” مع الحرفيات توصلنا إلى  أنَّ هناك صعوبات  تسببت بتراجع صناعة المنسوجات النباتية، كان أبرزها: ضعف العائد المادي من المنسوجات، وضعف الدورات التأهيلية، والاهتمام الحكومي بالمرأة المصنعة في الريف والتي تعد المصدر الأهم في صناعة المنسوجات، بالإضافة إلى عدم تطوير العملية التسويقية للمنتج،  وغياب المعارض السنوية المحلية.

التسويق من متطلبات إنعاش صناعة المنسوجات النباتية

أشار عبدالله باهادي (المختص التسويقي) إلى أنَّ محاولة زيادة الاستهلاك للمنسوجات النباتية في السوق المحلي  ليس بالأمر السهل، ويتطلب جهوداً تسويقية كبيرة، واهتماماً واسعاً من قبل  الحرفيين في  تطوير المنسوجات النباتية؛ لتواكب احتياجات المستهلك، سواء داخل  السوق المحلية أو خارجها.  

وعن الآلية التسويقية التي يجب على الحرفيين اتباعها حتى تبرز منتجاتهم في السوق، أشار  باهادي إلى أهمية  إظهار المنسوجات النباتية بوصفها جزءاً من التراث اليمني الذي لا يزال يُستخدم حتى اليوم،  وتشجيع الكثير لاستخدامها، والحفاظ عليها عن طريق تبني الدولة والمؤسسات الثقافية دعم هذه الصناعات، بالإضافة إلى تفعيل دور الإعلام في  نشر ثقافة صناعة المنسوجات النباتية؛ لفتح آفاق  لإقامة المشاريع الخاصة في هذا المجال.

وأوضح باهادي  أنَّ  مشاركة الحرفيين في المعارض الدولية السنوية فرصة هامة وناجحة لإظهار وترويج المنسوجات المصنوعة من سعف النخيل، وتعريف مرتادين المعارض بالمنتوجات الحرفية.  وتبقى الصناعات النباتية اليمنية طموح وشغف يتحدى بها الحرفيون غياب الدعم الحكومي وقصوره.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن

صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…