القمريات لوحة جمالية تناضل من أجل البقاء
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
رغم التصاميم المعمارية العصرية التي بدأت تأخذ شكلها في أنماط البناء الحديث، فإنَّ القمرية لا زالت جزءاً لا يتجزأ من النهضة العمرانية في اليمن، تقاوم الاندثار رغم ويلات الصراعات، التي أثقلت كاهل الإنسان اليمني في جميع جوانب الحياة. بهذه الصناعة الجميلة تُرسَم لوحة جمالية للبناء من صنع أنامل اليد اليمنية، وتضيء هذه اللوحة أشعة الشمس المتسللة إلى الداخل.
القمريات إرث تاريخي تشارك به عدد من المناطق اليمنية، وتتزين بها معظم العمارات في اليمن. وهي قيمة تاريخية قديمة، يمتد تاريخها إلى عصور بعيدة، وفقاً لتصريحات الدكتور علي إبراهيم (محاضر في قسم التاريخ بكلية الآداب، جامعة الحديدة) حول تاريخ القمريات في العمارة اليمنية. ويقول في حديثه لصوت الأمل: “للقمرية قيمة تاريخية موغلة بالقدم، ليست نابعة فقط من مراحل التاريخ الإسلامي، بل كانت موجودة قبل ذلك بكثير، حيث ظهرت في القصور اليمنية القديمة، مثل قصر غمدان سنة ٢٥ ق.م”.
ويضيف: “ازدهرت القمريات بشكل كبير في التاريخ الإسلامي، خصوصاً في العهد العباسي والفاطمي، وشهدت الفترة العثمانية في اليمن ازدهاراً كبيراً في تزيُّن المنازل والمساجد بالقمريات، التي كانت تمثل مصدراً للجمال المعماري، ومصدراً لدخول الضوء، ودليلاً على الإبداع الفني اليمني في العمارة على مر العصور.
وضع صناعة الزجاج
أشار راشد البكالي (مدير سابق لدى مكتب الثقافة في محافظة ريمة) إلى أنَّ صناعة القمريات تأخذ طابعاً أصيلاً وجميلاً؛ وذلك لما تحويه من زخارف متعددة، وأشكال بديعة، بألوان زاهية تعكس الأضواء بشكل بديع، وتتفرد اليمن بصناعة القمريات، حيث تنتشر في القرى والمدن بشكل كبير؛ حتى أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالفن المعماري الأصيل.
ويصرح بنَّاؤون لـ”صوت الأمل” أنَّ أي مواطن يفكر ببناء منزل، يضع في حسبانه القمريات؛ كونها تجمع بين الأصالة والمعاصرة. وأضافوا : “يتنافس الكثيرون على شراء أفضل وأجمل القمريات بألوان وأشكال مختلفة، وتحظى غرف استقبال الضيوف في المنزل بأفخر الأنواع وأثمنها، مقارنة ببقية الغرف الأخرى”. مؤكدين أنَّ القمريات أصبحت جزءاً مكملاً للعمارة اليمنية، ولا تدخل فقط في بناء المنازل فحسب، بل في بناء المقرات الحكومية، والمؤسسات، والشركات، ومختلف المرافق الخدمية.
مراحل الصناعة
أوضح أحمد منير (أحد العاملين في صناعة القمريات) مراحل صناعة القمريات، إذ تبدأ بخلط مادة الجص بالماء، وصب الخليط على لوح خشبي يأخذ مساحة القمرية التي تُحدد، وبعد أن يجف، يُرسم شكل القمرية الخارجي. مضيفاً: “المرحلة الثالثة هي مرحلة إخراج الجص من الأشكال داخل القمرية؛ فتظهر بذلك الزخارف والنقوش التي قمنا برسمها، وبعد ذلك تُترك معرضة للشمس لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام؛ حتى تصبح صلبة ورصينة، ثم يوضع الزجاج داخل الأشكال”.
القمريات استهلاك دولي وإسلامي
يرى أحمد منير أنَّ هناك استهلاكاً إقليمياً ودولياً لها، خاصة لدى الدول الإسلامية، التي تعتمد في بنائها على التراث الإسلامي، مثل دولة المغرب، وغيرها من الدول الإسلامية، وبالنسبة للاستهلاك المحلي فهناك إقبال كبير، خاصة في المناطق الجبلية. ويؤكد على أنَّ أسعار القمريات تتوقف على نوع الزجاج المستخدم، وأحجامها، والنقوش والزخارف المعمولة فيها.
وفي السياق ذاته، يقول البكالي في حديثه لـ”صوت الأمل”: “صناعة القمريات كانت من الصناعات اليمنية التي تُستهلك بشكل كبير، ولكن في الآونة الأخيرة بدأت بالتراجع والانحسار؛ حيث قل الطلب عليها”. مرجعًا السبب إلى انتشار المباني المسلحة، التي تعتمد في الغالب على النوافذ المصنوعة من الألومنيوم، وتأخذ معظمها شكل القمرية، بالإضافة إلى أنَّ صناعة القمرية تتطلب وقتاً وتكلفة أكبر، وتكون معرضة للكسر والتحطيم.
نسبة المشتغلين في الحرفة
أكد البكالي أنَّ المشتغلين بالحرفة قليلون، مقارنة بورش النجارة والألومنيوم، التي بدأت تأخذ مكان القمرية في بعض المباني التي بُنِيت بطريقة عصرية، إلا أنَّها لم تحتل نفس المكانة والإقبال.
ومن جانبه، أشار أحمد منير أنَّ نسبة العاملين في هذه الصناعة قد تراجعت مقارنة بما كانت عليه منذ سنوات؛ وذلك لاعتماد المعامل الخاصة بصناعة القمريات على مصبات صينية (أشكال جاهزة) في صناعة القمريات، بالإضافة إلى أخذ الكثير من الأيادي الماهرة اليمنية العاملة في هذه الصناعة إلى دول الخليج، وبعض الدول العربية والإسلامية؛ للعمل.
تحديات وعوائق
ذكر البكالي في حديثه عدداً من المشاكل والتحديات التي تواجه هذه الصناعة، أهمها عدم التشجيع على تعلم هذه الحرفة، بالإضافة إلى غياب الدور الإعلامي في التعريف بالقيمة الجمالية والفنية الأصيلة لمثل هذه الصناعات. ويوافقه الرأي الإعلامي محمد الصلوي، الذي يقول: “إنَّ المنتجات الحرفية بشكل عام في أمس الحاجة لإعلام يسوق لها؛ فالإعلام هو من سيعمل لها سوقاً ورواجاً”. مضيفاً: “للأسف الإعلام لا يهتم بالمنتجات الحرفية؛ وهذا يؤثر على أصحاب المنتجات، ويقلل من مبيعاتهم، ويضعف سوق العمل لها”. مشدداً على ضرورة أن تقوم وسائل الإعلام بدورها البارز في تسليط الضوء على هذه الصناعات.
وأشار إلى أهمية أن تقوم الجهات المعنية بإعداد برامج هادفة؛ للترويج والتعريف بهذه الصناعة، أو إعداد خطط للنزول الميداني إلى المدن التراثية، ونقل تصوير حي للمباني التراثية، التي تتخذ القمريات نمطاً بارزاً لها، إلى جانب التعريف بجمال المباني التي تتزين واجهتها بالقمريات بألوانها الزاهية الجميلة.
استراتيجية لإنعاش الصناعة
وعن أهم الخطوات التي يجب أن توضع لإنعاش صناعة القمريات، يقول البكالي: “إنشاء مراكز تدريب مهني وفني ومعاهد عليا، تُفتَح أقسام فيها لفن صناعة القمريات، بالإضافة إلى عمل برامج ترويجية هادفة؛ للتعريف بالقيمة الجمالية والفنية الأصيلة لهذه المهنة”. ويضيف في حديثه عن الاستراتيجيات: “لا بد من تشجيع أصحاب المهن ودعمهم والاهتمام بهم، وتطوير هذه الصناعة بما يتناسب ويتواكب مع النهضة العمرانية الحديثة”.
فيما يرى أحمد منير أنَّ توفير المواد التي تحتاجها الصناعة، وفتح معامل وورش خاصة لصناعة الحرف، وتسهيل حركة التنقل أمام هذه المنتجات يلعب دوراً هاماً في زيادة الطلب عليها، بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على التمسك بهذا الإرث الثقافي الأصيل.
92.5% يرون أنَّ الصراع يتسبب بشكل كبير في إعاقة الصناعات الحرفية في اليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد أجرت وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في مركز “يمن انفورميشن سنت…