الاهتمام بالصناعات القائمة على مدخلات القطاع الزراعي مستقبل واعد بالتنمية
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
“إن التنوع المناخي الذي تتميز به اليمن أكسبها القدرة على إنتاج مختلف المحاصيل الزراعية طوال العام، وعلى وجه الخصوص محاصيل الخضروات التي تعد أهم مصدر لدعم قطاع الصناعات الغذائية بالمواد الأولية اللازمة لإنتاجها الصناعي” هذا ما يتفق عليه مختصون في المجال الزراعي.
مضيفون أنَّ هذا -التنوع المناخي- قد أدى إلى تنوع في الغطاء النباتي الطبيعي الذي يعرف بـ “الفلورا النباتية” (والمقصود بالفلورا النباتية: هي النباتات التي تنمو بشكل طبيعي في الجبال والبراري بدون أي تدخل من قبل الإنسان، وهي مصدر هام لكثير من المركبات الحيوية الطبية).
في المقابل، يكشف تقرير صادر عن المركز الوطني للمعلومات، بعنوان “الاستثمار في المواد الغذائية” أنَّ القطاع الزراعي من أهم القطاعات الإنتاجية المساهمة في تحريك عجلة الصناعة التحويلية في أي دولة؛ نظرًا للاعتماد الكبير على منتجاته من المواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات الغذائية، التي تسعى الكثير من الدول لتطويرها؛ من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، والأمن الغذائي لشعوبها.
ويؤكد التقرير ذاته أنَّ الصناعات الغذائية في اليمن تحتل رأس القائمة من إجمالي إنتاج الصناعات التحويلية، ومنها المواد الغذائية والمشروبات. مشيرًا إلى أهم المحاصيل الزراعية التي تعتمد عليها أهم الصناعات الغذائية ومنها: الحبوب، والتي تشتهر بزراعتها مناطق متفرقة من البلاد، ومنها الذرة الشامية، الدخن، ومحصول القمح، والذرة بأنواعها (الذرة البيضاء، الذرة الحمراء)، و-حسب التقرير- تحتل محافظة الحديدة المرتبة الأولى من حيث إنتاج الحبوب، ومن ثم صنعاء وذمار وإب وعمران ومحافظة حجة وغيرها من المناطق في اليمن.
وأوضح تقرير المركز أنَّ أهم المواد الغذائية التي تنتج من تلك الحبوب، هي المعكرونة، والدقيق، والنخالة (والنخالة -حسب مختصين تغذية- هي: القشرة الخارجية للحبوب الناتجة من عملية النخل التي تتم بواسطة ما يعرف بـ”المنخل” قبل مرحلة العجن والطهي والتي تحتوي على الألياف التي توجد في الحبوب كونها أحد مكوناتها، وتتميز بفوائدها الصحية وبزيادة محتواها من الفيتامينات).
لافتًا إلى مجموعة من الصناعات التي تعتمد على القطاع الزراعي منها: السكر، والزيوت النباتية، وصناعة العصائر المعلبة، والبقوليات، والخضروات، والعصائر والمشروبات، وتعليب التمور والبسكويت وغيرها، وأنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين تطوير القطاع الزراعي، والنهوض بقطاع الصناعات الغذائية؛ كون النهوض بالقطاع الزراعي يسهم بشكل كبير في ازدهار ونمو وتقدم الصناعات الغذائية.
قطاع يكمل الآخر
“يعد القطاع الزراعي أحد أهم الركائز المهمة التي يقوم عليها القطاع الصناعي، وهي توفير المواد الخام، أغلب الصناعات معتمدة اعتماداً أساسياً على المنتجات الزراعية” هذا ما أكده صخر إبراهيم الكندي (المدير التنفيذي لشركة آفاق بلا حدود).
ويتابع: “الأمثلة على ذلك كثيرة، ومن الممكن أخذ صناعة القطن أنموذجاً، فعند توقف زراعة القطن في أبين ولحج توقفت محالج القطن، وانتهت صناعة القطن التي كانت أحد روافد الاقتصاد الوطني وهذا مثال واحد فقط”.
إذ يرى الكندي أنَّ هناك ارتباطاً قوياً بين القطاعين الزراعي والصناعي وتقدمهما، مستشهداً: “مصانع تعبئة الطماطم التي كانت موجودة في منطقة باليمن –تحتفظ صوت الأمل باسم المنطقة- توقفت بشكل مفاجئ وقد أثر توقفها على الصعيدين، توفر المنتج الوطني، واستعداد المزارع لبذل مجهود أكبر في زراعة الطماطم”.
مردفًا وبذلك أصبح منتج الطماطم في المناطق المنتجة له لا يجد سوقًا مناسبًا لتصريفه؛ وبالتالي تأثرت زراعته كثيرًا في السنوات الأخيرة، ويؤكد صخر: “إنَّ أهم المنتجات التي من الممكن استغلالها في القطاع الصناعي كثيرة، ويكفي أن نقول إنَّه من الممكن تعبئة وتغليف كل ما زاد عن حاجتنا وخفنا تلفه من منتجات زراعية”.
من جهته يبين عبدالله عاموه (وهو مهندس زراعي في الهيئة العامة لتطوير تهامة في الحديدة) أنَّ القطاع الزراعي يشكل أهمية كبيرة في دعم قطاع الصناعة في اليمن) ويمثل اللبنة الرئيسة والرافد الأهم لقطاع الصناعة؛ حيث إنَّه يمد القطاع الصناعي بالمواد الخام الأساسية في التصنيع، وأنَّ تقدم القطاع الصناعي وازدهاره سوف يسهم في بذل جهود كبيرة سواء من قبل الدولة أو المزارعين للاهتمام بالزراعة.
العسل
عبد الوهاب عطاء (مهندس زراعي) يوضح أنَّ العسل يمكن أن يُصنع بصور عديدة لكل صورة منها أهمية اقتصادية وطبية ومنها الغذاء الملكي، وسيروم العسل وغيرها من أنواع العسل التي تشتهر بها اليمن.
مؤكدًا أنَّه رغم إنتاج البلاد العسل بأنواعه، فإنه يُصدَّر بطرق تقليدية عن طريق تجار مهتمين بتربية النحل، وأنَّ الاستثمار في هذا المنتج يعد مغيبًا في البلاد -حد وصفه- إذ يمكن أن يُستغَل في إنتاج العديد من المواد الغذائية، وغيرها.
البُن
ويرى المهندس عطاء أنَّ البن من المحاصيل الاقتصادية الهامة، والذي يُصنع ويستهلك بصور عديدة ومنها: منتج “نسكافيه” والذي يحظى بطلب عالمي كبير، حيث يمكن تصديره، كما يصنع منه القهوة الخضراء، أو ما يعرف باسم حبوب القهوة الخضراء ذات الأهمية الطبية حيث تحتوي على نسبة عالية من “الحمض الفينولي” الذي ثبت علميًا فوائده المذهلة في علاج أمراض القلب وتصلب الشرايين وقدرته العجيبة في التخسيس وإنقاص الوزن، إلا أنَّه في اليمن لم يُستثمر استثمارًا مناسبًا.
مضيفًا “ويأتي تغيب استثمار البن في قائمة الصناعات في البلاد، رغم أنَّ هناك إحصائيات كبيرة لإنتاج البن في مناطق كثيرة، والذي تُستهلك كمية كبيرة منه محليًا، ومنها ما يُغلَّف ويصدَّر إلى الخارج، خاصة دول الخليج العربي”.
في ذات السياق يوضح المهندس عبدالله عاموه أنَّ وضع الصناعات القائمة على المنتجات الزراعية في اليمن مثل: البن ليس على ما يرام ولا في المستوى المطلوب الذي يتماشى مع مستوى زراعته والإقبال عليه محلياً ودولياً، ولا يعرف إلا منتجاً واحد هو الكبوس الذي أنتج البن، ولا توجد منافسة في السوق المحلية.
العصائر
وعن إنتاج العصائر في اليمن يقول صخر إبراهيم (المدير التنفيذي لشركة آفاق بلا حدود) أنَّ المصانع الموجودة كثيرة إلا أنَّها توفر موادها الخام بالاستيراد من الخارج، ولا تعوِّل على المنتج الزراعي المحلي، ويرى أنَّ ذلك يعود بالسلب على المزارع المسكين الذي لا يجد حلاً سوى استبدال مزروعاته المنتجة إلى محاصيل أخرى مثل القات.
وعلى النقيض كشف تقرير المركز الوطني للمعلومات بعنوان “الاستثمار في المواد الغذائية” أنَّ هناك الكثير من الشركات اليمنية التي تصنع العديد من منتجات العصائر الطبيعة ومشروبات الفواكه من المنتج الزراعي بالفواكه المحلية، منها الموز والمانجو والبرتقال وعنب الفلفل والعنب والرمان والتفاح، وجميعها محاصيل زراعية تشتهر بزراعتها الكثير من المناطق في البلاد مثل: مأرب وصنعاء والحديدة وتعز وذمار وصعده وحجة وحضرموت وغيرها.
السكر
وكشف التقرير أنَّ شركة هائل سعيد هي الشركة التي بدأت بإنتاج السكر في البلاد، من خلال إقامة مصنع لتكرير السكر؛ وقد دفعها حاجة السوق لمادة السكر والذي كان يستورد من الخارج، وأيضاً شركة العمودي، وغيرها من الشركات ساهمت في إنتاج السكر وتغطية احتياج السوق.
فيما يقول المهندس عطاء أنَّ في السنوات الأخيرة أصبحت صناعة السكر في اليمن تعتمد على الاستيراد من الخارج عن طريق الموانئ، يُحوَّل عبر حاويات وتقوم الشركات بتعبئته وبيعه في الأسواق؛ وذلك نتيجة عدم زراعة قصب السكر والاهتمام بها في البلاد.
الزيوت
وجاء في تقرير “الاستثمار في المواد الغذائية” أن نسبة إنتاج اليمن من الزيت ما بين العام 2004-2008 تصل إلى 180 ألف طن من الزيوت، و140 ألف طن من السمن، وذكر التقرير أسماء لشركات تعمل على صناعة السمن والزيوت، أهمها الشركة الوطنية لصناعة السمن والزبدة وتكرير وهدرجة الزيوت، والشركة اليمنية لصناعة السمن والصابون.
أشار التقرير إلى بعض المحاصيل الزراعية التي تُصنع الزيوت منها مثل: بذور السمسم والتي تزرع في شبوة والحديدة والجوف ومأرب، ومحصول النخيل والذي يزرع في حضرموت والحديدة، ومحصول الذرة والذي يزرع في محافظة تعز وذمار وإب.
في المقابل يؤكد إبراهيم أنَّه مع انتشار الأسواق الذي تشتري الزيوت المنتجة من الذرة في أماكن كثيرة من العالم باستطاعة اليمن إنتاج هذه الزيوت بكميات كبيرة، وتصديرها إلى هذه الأسواق، خاصة أنَّ البلاد تنتج هذا النوع من الحبوب والذي يرى أنَّه بدأ بالاضمحلال في السنوات الأخيرة؛ لقلة المستهلكين لها بوصفها حبوبًا متوفرة في البلاد.
الطماطم
ويرى المهندس عبد الوهاب عطاء أنَّ اليمن يمتلك مصانع كثيرة لتصنيع معجون الطماطم أو ما يعرف بمعجون “الصلصة” وأغلبها من الإنتاج المحلي للطماطم، وأغلب هذه المصانع تتركز في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن التي تزدهر بزراعة هذا المحصول الوفير في البلاد.
في السياق ذاته ذكر تقرير نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ في الرابع من نوفمبر 2013 م، تبيَّن أنَّ إنتاج اليمن من الطماطم بلغ في العام 2010م 261 ألف و930 طناً، وذكر التقرير أنَّ زراعة المحصول تراجع في سنوات الصراع؛ جراء ارتفاع أسعار المشتقات النفطية التي يعتمدون عليها في استخراج المياه لري المحصول ومن ثم شحنه بوسائل النقل إلى أسواق المدن، وهو ما يتطلب رفع أسعارها؛ ما دفع كثير من المزارعين إلى تقليص زراعة المحصول.
الصناعات التحويلية
في هذا الشأن يذكر عدنان الصنوي(أستاذ الاقتصاد الزراعي جامعة صنعاء) أنَّ الصناعات الغذائية التحويلية تعد واحدة من الأنشطة الاقتصادية المهمة لرفد الاقتصاد الوطني والميزانية العامة بالواردات، وتوفير فرص لتشغيل الأيدي العاملة وتحويلها من أيدٍ غير ماهرة إلى أيدٍ ماهرة.
ويرى الصنوي أنَّ في مواسم الإنتاج الوفير والذي يسبب انخفاضاً كبيراً للمنتج الزراعي وخسارة كبيرة للمزارع؛ مما يضطره إلى تحويل أرضه إلى زراعات محاصيل مربحة _مثل زراعة القات الذي أصبح محصولاً مغرياً لكل مزارعي اليمن _ فإنَّ معالجة هذه المنتجات وتحويلها إلى سلع تامّة يمكن استهلاكها في مواسم متعددة؛ وذلك عن طريق استخدام الآلات المتوسطة والبسيطة، والأيدي العاملة، وعمليات المعالجة الحافظة المفيدة مثل: معجون الطماطم وطرق التجفيف لبعض المنتجات مثل الباميا والأسماك وغيرها.
مشيرًا إلى أنَّ قطاع الصناعات الغذائية التحويلية ليس قائماً فقط على الأطعمة والمشروبات، بل هو متعدد متنوع مثل: صناعة الجلود والملابس والخزف والخشب والمطاط وغيرها من المنتجات الزراعية.
يواصل عدنان حديثه: “من أجل تكوين ثقافة جديدة وتشجيع الصناعة التحويلية؛ يجب وضع خطة حقيقية وطنية وتنموية لإنشاء قطاعات خاصة بالصناعات التحويلية، وبالتأكيد سوف نكتفي حينها اكتفاء ذاتياً من كثير من السلع المستورة، بل من المحتمل أن تقوم اليمن بتصدير المنتجات إلى دول الإقليم؛ وهذا بدوره سوف يحقق إيرادات بالعملة الصعبة سواء عن طريق الاكتفاء الذاتي أو التصدير إلى الخارج”.
موضحًا أنَّ اليمن تنتج الكثير من هذه المواد الأولية إلا أنَّها ما زالت تفتقر إلى خلق تلك الثقافة وغياب الرؤية الوطنية، ومن المفترض أن يكون لهذا النشاط الاقتصادي مساحة واسعة على مستوى القطاع الحكومي أو القطاع الخاص؛ حيث تكمن أهميته في توفير الكثير من السلع والخدمات للمواطنين، والتي تقلل من استيرادات البلاد للبضائع المماثلة؛ بما يقلل من مغادرة العملة الصعبة إلى الخارج وإنهاك الاقتصاد الوطني.
51% من الآراء تؤكد على وجود تأثير كبير للصناعات الصغيرة والمتوسطة تجاه الاقتصاد المحلي
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني نفذته وح…