الفتيات يدفعن ثمن الصراعات بمغادرة مقاعد التعليم
صوت الأمل – أحمد عُمر
خلفت الصراعات والأزمات التي عصفت باليمن لأكثر من ثمان سنوات على التوالي آثاراً اجتماعية واقتصادية بالغة ومختلفة على كثير من القطاعات الخدمية في البلاد، منها قطاع التعليم، وبالأخص تعليم الفتيات في اليمن.
فقد ساهمت الصراعات الدائرة في البلاد في عزوف العديد من الفتيات في عموم المحافظات عن التعليم خلال مراحل الدراسة بسبب ظروف اقتصادية أو لنزوح من مناطقهم؛ كونها واقعة على خط النزاع أو لتدمير المدارس التي هي الأخرى كانت لها نصيب من فتيل النزاع.
إحصائيات حكومية
تشير إحصائيات وزارة التربية والتعليم اليمنية، للعام الدراسي 2015- 2016م، إلى أنَّ إجمالي عدد الطالبات النازحات جراء الصراع في البلاد واللواتي تركن التعليم في المرحلة الأساسية حوالي 39466 طالبة، وفي المرحلة الثانوية حوالي 7471 طالبة.
وتعمل وزارة التربية والتعليم بالجمهورية على معالجة حالات النزوح، وتخفيف حدة الخوف والهلع الذي زُرع في جوف الكثير من الطالبات؛ مما جعلهن يتركن التعليم، ولا يشعرن بالأمان لمواصلة الدراسة جراء الصراع المستمر، والعمل على استيعاب الطلاب والطالبات في المدارس القريبة من المناطق التي نُزح إليها.
إحصائيات منظمات دولية
في تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة في الـ 5 من يوليو 2021م، أكد التقرير أنَّ: “مليوني طفل وطفلة في سن الدراسة باليمن أصبحوا خارج المدارس؛ بسبب الفقر والنزاع وانعدام فرص التعليم جراء الصراعات المحتدمة في البلاد، وهدم عدد كبير من المدارس؛ حيث يُعد هذا العدد أكثر بكثير من ضعف عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس في عام 2015م، الذين بلغ عددهم حينها 890,000 طفل فقط”.
وبحسب التقرير ذاته، فإنَّ أكثر من 523,000 طفل وطفلة نازحين، ممن هم في المراحل الدراسية الابتدائية، يعانون من صعوبة الحصول على فرص التعليم؛ بسبب عدم وجود مساحة كافية في الفصول الدراسية الحالية؛ فقد تضررت الكثير من المدارس جراء الصراع ، واُستخدم البعض منها من قبل أطراف النزاع، وأخرى استوطنتها العائلات النازحة التي لم تجد لها مأوى سوى المدارس، كما فقد معلمون وطلبة حياتهم، وجُرحوا وأصيب آخرون بصدمات نفسية.
وفقاً لبيانات البنك الدولي المنشورة في 18أبريل عام 2022م: “ما يزيد على نسبة 22% من أطفال اليمن لا يتحصلون على التعليم، نسبة الفتيات خارج المدارس تفوق بكثير عدد الأولاد، إذ تمثل نسبة الفتيات 30% خارج المدارس للعام 2020م، ونسبة الأولاد 14%، فضلاً عن وجود تحديات أخرى في الجانب التعليمي”.
وكان بعض الآباء قد أوضحوا العديد من العوائق التي تحول دون توفير أي أجواء مناسبة لتعليم أطفالهم، إضافة إلى عدم القدرة على تحمل تكلفة التعليم الباهظة والنقل، ومشاركة الأطفال في الأنشطة المنزلية.
مدارس مدمرة
ونشرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، في تغريدة لها على “تويتر” في 11 أكتوبر عام 2021، أنَّ عدم الاستقرار والنزوح الناتج عن الصراع في اليمن أدى إلى عدم قدرة الفتيات على مواصلة تعليمهن. إضافة إلى أنَّ المدراس تواجه كثيراً من التحديات، خصوصًا في المناطق التي ينزح إليها الأهالي بسبب الصراعات التي فرضت عليهم لمغادرة الديار، وباتت تلك المدراس مأوى وملجأ لهم. كما تأثرت طالبات تلك المناطق سلبًا وتوقفن عن مواصلة الدراسة بسبب تحول المدارس إلى مأوى للنازحين.
ويكشف تقرير آخر، بعنوان “ما هو مصير التعليم في اليمن؟”، صادر عن منظمة اليونيسف في الثالث من أبريل 2019م، أنَّ أكثر من 2500 مدرسة لا تعمل في اليمن؛ إذ دُمّر ثلثاها بسبب العنف، فيما أغلق 27% منها، ويستخدم 7% منها في أغراض الصراع أو مأوى للنازحين.
وكانت ميريلا هديب (المتحدثة من مكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في صنعاء) قد صرحت أنَّ أحدث الإحصاءات التي نشرت في الثالث من أبريل 2019م تظهر أنَّ هناك أكثر من 2500 مدرسة تضررت أو دمرت خلال الصراع في اليمن، وأنَّ الكثير من المدارس تحولت إلى ملاجئ للنازحين؛ حيث تضطر عائلتان أو ثلاث عائلات أو للسكن في غرفة (صف واحد)، أحيانا.
ويتلقى التلاميذ في إحدى المدارس في محافظة صعدة تعليمهم بين ركام مدرستهم، وعلى النقيض من هؤلاء التلاميذ الذين يواصلون الدراسة في الفصول المتضررة، انقطع كثير من الأطفال (من الجنسين) في سن الدراسة عن التعليم؛ بسبب قلق أهاليهم بشأن سلامتهم.
وقالت ميريلا هديب: “مستقبل جيل كامل من أطفال اليمن مثير للقلق، معظم الأهالي يترددون في إرسال الأولاد إلى المدارس؛ بسبب أعمال العنف، المستقبل يبدو قاتماً لنحو مليوني طفل يمني”.
مضيفة: “يعيش الناس في اليمن تحت تهديد شبحين مروعين، وهما الصراع والجوع، حيث يدفع المدنيون اليمنيون ثمنًا باهظًا للنزاع في اليمن، وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة والعيش والتعليم”.
وتواجه كثير من العائلات اليمنية تحديًا يوميًا في الاختيار بين الطعام والدواء والتعليم الذي يعد إحدى الخدمات العامة الكثيرة التي تضررت؛ بسبب النزاع المستمرة في اليمن.
فتيات حرمن من التعليم بسبب الصراع
“صوت الأمل” التقت بإحدى ضحايا الصراع اللواتي تركن التعليم وهجرن بيوتهن واتجهن إلى مأوى خارج مناطقهن جراء العنف. الفتاة أروى أحمد تبلغ من العمر 13 عامًا، من منطقة حيس الواقعة بمحافظة الحديدة شمال البلاد، ذكرت أنَّها تدرس في الصف التاسع في إحدى مدارس (حيس)، ولكنها تركت دراستها عام 2019م؛ بسبب الصراعات المشتعلة في منطقتها، ومثلها الكثير من الفتيات اليمنيات لم يتمكنَّ من الحصول على هذا الحق المكفول لمواصلة الدراسة.
اتجهت أروى أحمد إلى محافظة حضرموت، وعلى وجه الخصوص مدينة المكلا، وسكنت هي وعائلتها في سكن للنازحين حسب قولها. وعند سؤالها عن سبب عدم مواصلتها للدراسة بعد أن انتقلت من أماكن النزاع إلى مناطق النزوح أجابت بكل حزن: “لم نستطع توفير المصاريف الخاصة بنا، إضافة إلى ضعف الدخل المادي للبيت جعلني أتوقف تمامًا عن مواصلة الدراسة لمدة عامين”.
وتضيف أروى: “عندما تحسن وضع أبي ماديًا بعد التحاقه بالعمل في أحد المصانع لإنتاج البُلك (الطوب). وبعد مضيّ عام ونصف، عدت إلى مواصلة تعليمي في الصف التاسع”. وتشير أروى أيضًا إلى أنَّ أحد إخوانها الذي يصغرها سنًا قد توقف عن مواصلة الدراسة في الصف السابع لذات السبب.
فتاة أخرى اسمها زهراء عادل، تبلغ من العمر 20 عامًا، من محافظة الحديدة، تركت التعليم ونزحت برفقة أسرتها مع اشتداد الصراع في منطقتها، واتجهت إلى مديرية الخوخة التابعة للحديدة.
تذكر زهراء أنَّه كان لديها أمل أن تواصل تعليمها بعد نزوحها إلى الخوخة، وأن تعيش حياة هانئة وتحقق أحلامها الوردية، وأن تستكمل دراستها الجامعية التي كانت تطمح إليها، لكن سوء الظروف المعيشية التي رافقتهم في الخوخة حالت دون ذلك؛ فقد نزحت هي وعائلتها مرة أخرى إلى محافظة أبين، وعاشت في مأوى للنازحين، لم تكن الحياة بسيطة وهانئة بحسب ما كانت تتوقع؛ فقد اشتدت بهم الصعاب -حسب قولها- وعادوا مرة أخرى إلى الخوخة، واستقروا هناك فترة زمنية؛ لمواصلة الدراسة الجامعية. وعندما قدمت أوراقها إلى إدارة القبول والتسجيل بالجامعة أخبروها أنَّ الرسوم الدراسية قيمتها 400 دولار أمريكي للسنة الواحدة، ولم تكن الجامعة معتمدة خارج المحافظة. إضافة إلى أنَّ طلبها قوبل بالرفض؛ لعدم اعتماد شهادتها الثانوية التي أُصدرت في الحديدة في ظل حكم إحدى قوى الصراع في البلاد.
مواصلة حديثها أنّهَ بعد كل تلك التنقلات والمحاولات، اتجهت وأسرتها أخيرًا إلى محافظة حضرموت للاستقرار فيها، لعل الرياح تجري بما تشتهي السفن، أي تتحسن الأوضاع. موضحة أنها لا زالت تبحث -إلى هذه اللحظات- عن جامعة لإكمال دراستها فيها.
لم تكن أروى وزهراء الضحيتين الوحيدتين المجبرتين على ترك التعليم في اليمن بسبب تداعيات الصراع؛ بل هناك الكثيرات مثلهن تركن التعليم لذات السبب، وتورات أحلامهن وتبخرت أدراج الرياح دون أن يجدن ضالتهن في فضاء من الصراع العارم في اليمن.
توصيات للمعالجة
لم تأمن الفتيات على أنفسهن، في كثير من البلدان التي تعيش حالة الصراع الدائر، من مواصلة الدراسة دون قلق أو خوف، ولكن تميل كثيراً كفة ترك الفتيات الالتحاق بالتعليم الجامعي والثانوي والأساسي في اليمن إلى الزيادة، مقارنة بالأولاد. وتبدو الفجوات أشد وضوحًا في البلدان المتأثرة بأوضاع النزاع. ولعل التوعية بأهمية تعليم الفتيات والتحاقهن بالمدراس والجامعات، وإنهاء الصراع في البلاد، وتقديم الإرشاد النفسي، وإزاحة القلق، وإحلال السلام وتثبيت دعائم الأمن، كل ذلك هو غاية حتمية من شأنها زيادة الوعي والشعور بالأمان الذي سيفرض على الفتيات الالتحاق بالتعليم؛ فعندما تتحصل الفتيات على فرصة سانحة لمواصلة التعليم، سيكون لديهن قوة التغيير، وهذا ما تطمح إليه الفتيات.
استطلاع.. 90%: يوجد تمييز نوعي في نيل فرص التعليم باليمن
صوت الأمل – يُمنى أحمد توصلت نتائج استبيان إلكتروني نفذته وحدة المعلومات واستطلاع الرأي في…