صغيرات لا يعرفن من الحياة سوى الكد
صوت الأمل – أفراح أحمد
واقع يجعل الأطفال مرغمين على الذهاب لسوق العمل، فمع استمرار الصراع للعام السابع، وفقدان الكثير من الأسر لمصادر دخلها؛ الوضع دفع بالكثير من الأطفال إلى موقع المسؤولية، من بينهم فتيات صغيرات اجتهدن للبحث عن أعمال؛ لمساندة أُسرهن، وأخريات يفترشن الأرصفة ليبعن ما لديهن من حاجيات كالمناديل وعلب الماء، وبعض الحلويات المعلبة، وهناك فتيات اضطررن للعمل في تنظيف المنازل والاهتمام بها.
الطفلة (علياء علاء)، وشقيقها (محمد)، يفترشان الرصيف المقابل لمدرستهما؛ ليكون مصدر رزق لهما ولعائلتهما، من خلال بيع بعض الحلويات والمياه، وبعض المثلجات التي تعدها والدتهما في المنزل، ويقتسمان أوقات العمل بينهما بالتناوب، حيث تعمل علياء من الساعة السابعة صباحًا وحتى الساعة الثانية عشرة ظهرًا؛ ليبدأ من بعدها شقيقها محمد العمل إلى ما قبل الغروب.
تخبرنا (علياء -12 عامًا) أنَّها اتخذت مع شقيقها هذا العمل، لمساعدتهما في تيسير أمور دراستهما بادئ الأمر، ولكن عندما توفي والدهما منذ عامين، أصبحت علياء وشقيقها يعملان من أجل توفير قوت أمهما وشقيقيهما الأصغر منهما.
وتضيف علياء أنَّها تتعرض للكثير من المضايقات والتنمر والتهكم، حتى من بعض المدرسين والعاملين في المدرسة، ولولا الحاجة لما قامت بهذا العمل وهي ما تزال في هذا العمر.
دوافع عمالة الفتيات
الفقر والعوز ليسا الدافع الوحيد وراء عمل الفتيات في مقتبل أعمارهن، فالصراع الدائر في اليمن، كان له الدور الأكبر في تفشي ظاهرة الفقر والبطالة؛ حيث اضطرت الكثير من الفتيات للخروج بحثًا عن عمل يشبعن به جوعهن وحاجتهن.
تذكر(سمية إبراهيم -16عاماً) أنَّها تقوم بتنظيف بعض المنازل المجاورة لهم يوميًا، لقاء ما تحصل عليه من طعام وشراب وبعض المال الزهيد، وكل همها أن تعود ببعض الأكل لها ولأختيها.
تعيش (سمية) مع أمها وأختيها في غرفة صغيرة مصنوعة من السواتر المعدنية (الصندقة) بداخل حوش أحد المنازل في الحديدة، بعد أن نزحت هي وعائلتها من مديرية الدريهمي جنوبي مدينة الحديدة.. غرفة لا تقيهم حرارة الصيف ولا برد الشتاء، وكل ما يغطيهم سقف من البلاستيك (طربال) وبعض القطع الخشبية التي تثبته.
وبكلمات تخنقها العبرات، تقول سمية: “بعد أن مات والدي، لم يعد لدينا أحد يهتم لأمرنا، حتى عمي الذي كان يرعانا عندما كنا نسكن في منطقة بـ (الدريهمي) مات على إثر إصابته بغارة جوية، فازددنا يتمًا على يتمنا”.
عمالة الفتيات الصغيرات ظاهرة ليست بالجديدة على المجتمع اليمني، وإن كانت المؤشرات الملموسة على أرض الواقع تشير إلى الارتفاع في معدلات هذه الظاهرة جراء الصراع، غير أنَّه لا يوجد أي إحصاءات عن عدد اللاتي يمارسن أعمالًا مختلفة.
تختلف الأسباب الدافعة بالفتيات إلى العمل، ولكن الكثير يُرجع السبب الرئيس إلى الفقر وحاجة الأسرة لمن يعيلها، أو بسبب وفاة المعيل أو تدهور وضعه الصحي أو الاقتصادي، والكثير من الأسر تدفع ببناتها إلى سوق العمل لمجرد تحسين دخل الأسرة.
فبحسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في مايو 2015م، إنَّ معدل العمل أعلى عند الأطفال الأكبر سناً مقارنة مع الأصغر سناً، حيث يبلغ معدل الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ(5 و11 عاماً) 11%، يتوزعون إلى ما يعادل 12.3% للفتيات مقارنة ب 9.8% للذكور، ترتفع هذه النسبة إلى 28.5% بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ(12 و14 عاماً)، وإلى 39.1% لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ(15 و17 عاماً).
ويشير التقرير أنَّ الزراعة في جميع أنحاء العالم تمثل المجال الأول لعمالة الأطفال، وأنَّ الغالبية العظمى من عمالة الأطفال موجودة في المناطق الريفية والاقتصادات الحضرية غير الرسمية، حيث يعمل الأطفال في الغالب لدى آبائهم، بدلاً من المصانع.
وبحسب التقرير، فقد أشارت دراسة نفذها المركز اليمني للدراسات الاجتماعية عام 2008م بأنَّ أكثر من نصف الفتيات اللواتي يعملن في القطاع غير المنظم، يعملن في الخدمات والبيع في المتاجر والأسواق، وأنَّ ثلث هؤلاء الفتيات هنَّ المعيل الأساسي لأسرهن، والكثير منهن مشاركات في الإعالة.
معاناة ومخاطر تواجه الفتيات العاملات
تتعرض الفتيات العاملات للكثير من المضايقات والاستغلال أثناء مزاولة العمل، تقول (سعاد سليم -15 عامًا)، أنَّها كانت تعمل بوظيفة (عاملة تنظيف) في أحد المستشفيات في الحديدة، ولكنَّها اضطرت لترك العمل؛ بسبب ما لاقته من المضايقات في فترة عملها.
وبصوت مرتجف وعينين لا تكفان عن البكاء، تتحدث (سعاد) قائلة: “أنا خرجت للبحث عن عمل كوني أكبر إخوتي، وليس لدينا من يعولنا ولا نملك أي مصدرٍ للرزق، فاضطررت للعمل، كي أسد حاجة عائلتي”.
وتضيف (سعاد) أنَّها واجهت صعوبة بالغة في العمل، حيث كانت تعمل بقدرات شخص بالغ؛ حتى تستطيع أن تثبت جدارتها بالعمل، ولتضاعف دخلها؛ حتى تتمكن من سد عوز عائلتها وإشباع جوع إخوتها، فكانت تعمل لفترات إضافية تمتد إلى فترتين في معظم الأيام، حيث كانت تعمل لمدة ثمان ساعات من(7 صباحًا إلى 3 عصرًا) وتواصل العمل مباشرة للوردية الثانية حتى الساعة الـ 11 ليلًا.
وعلى الرغم من عمل (سعاد) لفترتين فإنَّ المبلغ الذي تحصل عليه لا يكفي، إذ أنَّ ما تحصل عليه لقاء العمل لمدة 16 ساعة هو مبلغ 40 ألف ريال يمني (66.67 دولارًا)، فضلًا عن أنَّها كانت تواجه مخاطر كبيرة أثناء خروجها من العمل في أوقات متأخرة من الليل، وكانت تتعرض للتحرش في بعض الأحيان؛ الأمر الذي دفعها لترك العمل.
وبهذا الصدد ترى أفنان طاهر(الأخصائية النفسية)، أنَّ الدفع بالفتيات للعمل في سن مبكرة يجعلهن أكثر عرضة لجرائم الاغتصاب والتحرش والاستغلال الجسدي والنفسي، والذي لا يقتصر تأثيره على الفتاة وحدها ولا على أسرتها، بل ينعكس تأثيره على المجتمع بشكل عام.
وتضيف (طاهر) أنَّ الفتيات اللاتي يمارسن أعمالًا شاقة تتأذى صحتهن ويضعف نموهن الفكري والمعرفي، وقد ينتج عنه فتيات غير صحيحات نفسيًا، كما يسلبهن طفولتهن.
مخاطر ومعاناة كثيرة تواجهها الفتيات العاملات، دون أدنى مسؤولية من الجهات ذات العلاقة، -لا سيما- مع ما تعيشه اليمن من مرحلة سياسية صعبة، زادت من غياب المؤسسات المعنية بالطفولة.
مقترحات حلول
علي مرشد(المحامي) يتحدث قائلًا: «القانون اليمني يعد عمالة الأطفال جريمة بحق الطفل، لأنَّ الطفل مكانه الطبيعي المدرسة، وأنَّ أبويه ملزمان أمام القانون بتوفير متطلباته الصحية والتعليمية، وتلبية احتياجاته من مأكل ومشرب، حتى يصل إلى السن القانونية التي تسمح له بالعمل».
مشيرًا إلى أنَّ القانون قد اهتم بهذه الظاهرة، وأنَّ المشرع أصدر عددًا من القوانين والتشريعات المنظمة لها، والتي تكفل سلامة الأطفال ودفع الضرر الذي قد يصيبهم؛ جراء استغلالهم في العمل، من حيث قلة الأجور، وزيادة ساعات العمل، وهذا الاستغلال محظور بحسب ما قررته النصوص القانونية في جميع أنحاء العالم.
ويضيف مرشد أنَّ المشرع اليمني في هذا الصدد قد أصدر القانون رقم (45) لعام 2002م بشان حقوق الطفل الذي حدد سن العمل بـ 14 عاماً وحظر تشغيل الأطفال دون هذه السن، بيد أنَّه لم يضع أي قيود على عمالة الأطفال في المشاريع العائلية أو الأعمال الفنية.
وأوضح مرشد أنَّ قانون الطفل رقم (45) قد تضمن الحقوق الكاملة التي يجب أن يتحصل عليها الطفل، وبمقتضى هذا القانون، ينتفي أي عارض يجيز أي عمل للطفل يخرجه من بيئته الطبيعية إلى بيئة لا تلائم مرحلته العمرية.
مؤكدًا أنَّ قانون حقوق الطفل قد حدد ساعات العمل للأطفال بـ ست ساعات في اليوم، تتخللها فترة راحة لمدة ساعة، وأنه لا يجوز تشغيل الأطفال بعد أوقات العمل أو في العطلات الرسمية أو ليلًا أو في مناطق بعيدة، وفق ما نصت عليه المادة (137) من هذا القانون.
وتابع المحامي علي مرشد، قائلًا: “غير أنَّ الواقع المعاش يدل على أنَّ الأطفال يمارسون أعمالاً شاقة لا يقدر عليها الكبار، وهذا يعد انتهاكاً لحقوق الأطفال، واستغلالاً يمارسه أرباب العمل لحاجة الأطفال وفقرهم؛ ظنًا منهم أنَّهم بمنأى عن المساءلة القانونية”.
طالبًا من المنظمات الحكومية والدولية المعنية بشؤون الطفولة، وكافة المنظمات الإنسانية تكثيف جهودها من أجل تحجيم وإنهاء ظاهرة عمالة الأطفال، بشتى الطرق والوسائل التي تحد منها وتساعد في القضاء على هذه الظاهرة.
المرأة اليمنية والطهي.. قَدَرٌ منذ الولادة أم مجرد مهارة؟
صوت الأمل – حنين الوحش في مجتمع غلب عليه طابع الحكم على أساس الموروثات والعادات والتقاليد …