النتائج الكارثية لانقسام بنك عدن وصنعاء على القطاع المصرفي اليمني
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
تنحدر الشابة سامية أحمد من مديرية حيس التابعة إداريًا لمحافظة الحديدة غرب اليمن. حصلت على فرصة عمل مع صديقاتها بعد بحث طويل في مدينتها دون جدوى، وبسبب ظروف أسرتها المعيشة؛ قررت العمل هناك من أجل توفير احتياجاتها.
واجهت الثلاثينية سامية صعوبة وصول المبلغ كاملًا الذي تقوم بإرساله بعد انقسام البنك المركزي بين عدن وصنعاء، وصدور العملة الجديدة في عدن، وبات المبلغ الذي تقوم بتحويله لأسرتها يصل إليهم بقيمة النصف، وهو ما لا يستطيع توفير أبسط الأشياء التي يحتاجها أهلها في الحديدة.
تقول سامية: “قبل الصراع، كنت أستطيع أنا وزميلاتي إرسال ما نستطيع تجميعه لأسرنا ويصل إليهم المبلغ كاملًا، بينما نحن الآن نواجه المشقة وأهلنا كذلك، وشقاؤنا هو أنَّ ما نقوم بتجميعها يصل إلى مناطقهم النصف. النزاع أثر على حياتنا من كل الجوانب، وتدهور حال الريال وانشقاقه إلى عملتين أثر على معيشة المواطن بالدرجة الأولى –لاسيما الأشد فقرًا”.
حال سامية لا يختلف عن الخمسيني عبدالرقيب سنان، الذي يعيش في محافظة شبوة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، والذي يعمل مدرسًا في إحدى مدارس المدينة، والذي واجه هو الآخر صعوبة في وصول مصاريف أسرته الساكنة في محافظة تعز إلى النصف.
يقول سنان: “كل أفراد أسرتي يعيشون في محافظة الحديدة فأضطر لإرسال الجزء الأكبر من راتبي لهم نهاية كل شهر لكن بعد اندلاع الصراع في البلاد والذي أدى إلى انقسام العملة إلى عملتين والبنك إلى بنكين، تكدر صفو الحياة بأعيننا وباتت لقمة العيش حصولها أمر صعب للغاية، وأصبح المبلغ الذي أرسله يصل النصف وكأنَّه جزء من جهدك يتم سلبه أمام عينيك، نريد صراع الأوراق النقدية أن يخمد، نطالب بتحييد العملة والقطاع المصرفي حتى نستطيع وأسرنا أن نعيش بسلام –خاصة- مع موجة ارتفاع الأسعار والغلاء الذي يعصف بنا”.
مرفت حسن تواجه نفس المعاناة التي يواجهها التجار بفعل انقسام العملتين، تعمل مرفت في بيع وشراء الملابس النسائية، تعيش نبيلة في محافظة الحديدة، حيث تقوم بشراء أقمشة وعرضها على خياطات ماهرات لتجهيزها في المدينة، ثم إرسالها بعد تجهيزها إلى شقيقتها في تعز لبيعها بسعر ممتاز.
تقول مرفت: “توقف عملي بسبب انقسام العملتين، كنت قبل الصراع أستفيد من عملي بشكل ممتاز، لكن بعد انقسام العملتين واختلاف قيمتها أصبحت الخسارة أكثر من الربح، مثلًا: أشتري بضاعة بعشرة آلاف ريال وأدفع للخياطات مبلغاً، ناهيك عن خسارتي في المواصلات وغيرها، هذا كله بالعملة القديمة، وعندما أريد أن أعوض الخسارة بالعملة الجديدة يتطلب مني رفع سعر البضاعة، وهذا لا يناسب القدرة الشرائية لدى النساء هناك فهن يتعاملن بالعملة الجديدة، وهذا يؤدي إلى عدم الإقبال على شراء بضاعتي، مما تسبب في توقف عملي”.
للعام السابع على التوالي يواجه اليمن صراعاتٍ اقتصاديةً ونقديةً تنال من المواطن اليمني المغلوب على حاله، منذ انقسام البنك إلى إدارتين في صنعاء وعدن بين طرفي النزاع، يعيش البلاد صراع الأوراق النقدية التي ضاعفت معاناة الإنسان اليمني وفاقمت من تردي الوضع المعيشي لديه؛ نتيجة لما خلفه ذلك الانقسام من نتائج كارثية على القطاعات المالية والمصرفية وعلى العملات والذي بدوره ساهم في ارتفاع الأسعار وخلق عراقيل في عملية الاستيراد والتصدير للكثير من المنتجات للأسواق المحلية في البلاد.
تحذيرات لخبراء ومراقبين من استمرار إقحام القطاع المصرفي في الصراع، وتوقع نتائج كارثية إذا استمر الوضع على ما هو عليه، لاسيما مع انقسام العملة في مناطق الأطراف المتصارعة مع تفاوت في أسعار الصرف لنفس العملة، ناهيك عن ارتفاع نسبة عمولات التحويلات المالية الداخلية في مناطق حكومة عدن إلى حكومة صنعاء.
رشيد الآنسي (الخبير المصرفي) يقول في تصريح صُحفي له، نشر في الرابع من أكتوبر 2020م، أنَّه بعد نقل إدارة البنك المركزي اليمني إلى عدن ضعف دور البنك المركزي. وأرجع سبب ذلك إلى أنَّ ذلك النقل لم يتوافق مع ما وصفه “خطة إنعاش أو أي خطة لإعادة دور البنك المركزي في عدن” مما أدى إلى عدم قدرة البنكين في عدن وصنعاء على القيام بدورهما.
الآنسي في تصريحه أضاف أنَّ فارق سعر الصرف بين العملتين نتج عنه ارتفاع في أسعار تحويل العملة المحلية بين مناطق البلاد؛ مما دفع الصرافين في البنوك إلى اعتماد الريال السعودي والدولار بوصفها تسوية، أو مقاصة ما بين أرصدتهم.
أسباب الانقسام
أدى اشتعال المعارك في اليمن إلى وجود بنكين مركزيين في البلاد، -تحديدًا- في 18 سبتمبر 2016م، حينها أمر الرئيس في حكومة عدن بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، هذا القرار كان أول خطوة في انقسام البنك إلى بنكين بين عدن وصنعاء، حينها قال ناشطون أنَّ البنك المركزي في عدن حُظي باعتراف دولي، هذا الاعتراف سمح له بحق الوصول إلى الأنظمة المالية العالمية وحصل على دعم دولي تمثل في طباعة عملة جديدة، على عكس بنك صنعاء.
على خلاف ذلك، أوضح وحيد الفودعي (المحلل الاقتصادي) في مقال نشره في التاسع من أبريل2020م بعنوان “أبرز التحديات وأهم الحلول.. لماذا يعجز البنك المركزي اليمني عن السيطرة على القطاع المصرفي”، أوضح في المقال إنَّ البنوك ترفض تزويد البنك المركزي بالبيانات المطلوبة في عدن وأرجع سبب ذلك إلى عجز البنك المركزي نفسه عن سيطرته على تلك البنوك.
وذكر الفودعي في مقالته أنَّه رغم مرور خمس سنوات على نقل البنك من صنعاء إلى عدن، لا يزال القطاع المصرفي خارج سيطرته، مؤكدًا على عدم التزام البنوك بتزويد البنك المركزي بالبيانات المطلوبة، ويرى الفودعي في تصريحه الصحفي أنَّه رغم الضوابط التي يمتلكها البنك، حتى كتابة المقال، باستثناء بيان أصدره البنك، فقد ألزم البنوك على ضرورة الامتثال للقوانين واللوائح والتعليمات الصادرة منه، أو إدخالهم قوائم سوداء وتعميمها محليًا ودوليًا.
يقول ياسر المقطري (المحلل الاقتصادي) لـ “صوت الأمل”: “يعود الانقسام في السياسة النقدية إلى أسباب قيام حكومة عدن بنقل إدارة ومهام البنك المركزي من صنعاء، بعد أن شهد القطاع المصرفي أزمة في السيولة خانقة ونفاذ الاحتياطي النقدي الأجنبي، حيث ظل البنك المركزي في صنعاء يمارس نفس الدور والمهام للمركزي في حكومة عدن، ومن هنا بدأت السياسات المزدوجة والإجراءات المتضاربة ولعلى أكثرها تأثيرًا على الاقتصاد والسياسة النقدية بشكل خاص منع تداول العملة المصدرة من البنك المركزي في عدن، ناهيك عن الإجراءات المفروضة على القطاع المصرفي والقطاع الخاص بشكل عام”.
وعن الآثار المترتبة عن انقسام البنكين أوضح المقطري أنَّها تنوعت وتوزعت، وأبرزها تدهور قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وخسارتها أكثر من نصف قيمتها مما تسبب بارتفاع معدلات التضخم لبلد يعتمد على 90 % من الواردات.
يضيف المقطري في حديثه أنَّ ارتفاع تكلفة الحوالات المالية بين مناطق النزاع، وإعاقة انسياب السلع بينهما قد كبد القطاع الخاص خسائر كبيرة جراء تلك الإجراءات، وانعكس ذلك على تكلفة السلع والمنتجات المحلية والمستوردة في ظل أسوء أزمة إنسانية تشهدها البلد .
ويرى المقطري أنَّ من الحلول إطلاق مبادرات إنسانية -أممية أو محلية- للتخفيف من آثار تلك الإجراءات تتمحور حول إطلاق هدنة إنسانية يمكن التوصل من خلالها إلى إيقاف الإجراءات المزدوجة والتوصل إلى حلول مشتركة.
نقل السويفت نظام الحوالات الخارجية
تعد سويفت شبكة عالمية أداة لشركات المصارف والمؤسسات المالية الأخرى التي تقوم من خلالها بإرسال المعلومات واستقبالها بطريقة سلسة تتميز بالدقة والأمان، بما فيها إرسال الأموال إلى الخارج، فمنذ ابتكار نظام سويفت عام 1973م، سهلت التحويلات المالية من وإلى الخارج بسرعة وأمان، بل أصبح هذا النظام جزءاً من البنية التحتية للبنوك التي تتعامل مع التحويلات العالمية.
بعد عشرة أشهر من نقل البنك المركزي إلى عدن تم نقل نظام التحويلات المصرفية الخارجية السويفت(swift code) وإغلاقه عن بنك صنعاء، قالت مصادر في البنك المركزي بعدن في تصريحات إعلامية أنَّ عملية نقل النظام استمرت ستة أشهر وبه امتلك البنك كافة الصلاحيات، واستطاع السيطرة الكاملة على كافة التعاملات، حينها توعدت حكومة صنعاء بردة فعل مزعجة دون ذكر تفاصيل طريقة أو ماهية الرد؛ الأمر الذي يشير إلى استمرار الصراع جراء انقسام بنك عدن وصنعاء. محمود ناجي (رئيس جمعية البنوك اليمنية، وهي جمعية مستقلة مقرها في صنعاء)، قال في تصريح صحفي له نشر بتاريخ 30أغسطس 2021م، أنَّ البنوك تختار لمقراتها أماكن تنشط بها وفقًا لما تقدمها من خدمات، وذكر ناجي في تصريحه أنَّ البنوك اليمنية تقدم خدماتها المالية لمؤسسات النشاط التجاري والاقتصادي في البلاد بشكل عام، مستشهداً بأنَّ صنعاء في الوقت الحاضر هي المكان الذي تتركز فيه حركة التجارة والصناعة (ما يزيد على 80% من النشاط الاقتصادي)، ويقع فيها الغالبية العظمى من عملاء البنوك، سواء كانوا شركات تجارية أو أفراداً من الجمهور.
استطلاع.. 40.7%: الانقسام الإداري للبنك المركزي أكبر المشاكل التي تواجه القطاع المصرفي اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن إنفورميشن سنتر (YIC) للبحو…