منظمات المجتمع المدني .. الحاجة إلى الاستدامة وتوطين العمل الإنساني في اليمن
صوت الأمل – حنين الوحش
مرت منظمات المجتمع المدني بفترات انتقالية منذ سنوات إلى وقتنا الحالي وبشكل عام فقد تغيرت آلية العمل لديها بما يتماشى مع الوضع وبحسب الإمكانيات المتاحة في كل فترة من الفترات بمساعدات حكومية ودولية.
ومنذ بدء الصراع في اليمن، سعت هذه المنظمات للمساهمة في جهود الاستجابة الإنسانية في البلاد محاولةً استعادة الحياة بشكل أو بآخر، لكن على الرغم من المساعدات المنتظمة التي تقدم فإنَّها لم تكن إلا عملية تخدير للمتضررين، وليست حلولًا ستسمر على المدى الطويل بحيث تمكنهم من ضمان استمرارية الحصول على دخل أو تساهم في التمكين الاقتصادي لديهم.
منظمات المجتمع المدني قبل وبعد الصراع
“تفاوت واختلف عمل منظمات المجتمع المدني في الفترة السابقة، وفي وقتنا الحالي بل وقد مر بمرحلة انتقالية من حيث المهام والأولويات الواجب تنفيذها، فبحسب قول الكاتب رعد الريمي في مقال له : “أتاحت التوجهات الديمقراطية التي اعتمدتها الدولة في السابق لمنظمات المجتمع المدني هامشًا واسعًا من الحرية والاستقلالية في ممارسة العملية التنموية؛ ونتيجة لهذه الحرية، حققت المنظمات غير الحكومية نموًا سريعًا، فتأسست الاتحادات الأكاديمية ومنظمات حقوق الإنسان والنوادي المهنية وجمعيات حماية البيئة، وتنامى عدد منظمات المجتمع المدني ليصل إلى نحو (780) جمعية ومؤسسة أهلية في عدن”.
مضيفًا أنَّه يوجد تفاوت في دور منظمات المجتمع المدني خلال فترة ما بعد الصراع من العام 2015م في عملية التنمية والبناء بين مؤيد يرى فيها شريكًا يساهم في توعية المجتمع بشأن أغلب القضايا المجتمعية، ومعارض يرى أنَّها خطر على الاستقرار الاجتماعي، وعلى الثقافة المحلية لكونها نموذجًا غريبًا له ارتباطات عابرة للحدود، حتى يذهب البعض إلى اتهام معظم المنظمات باستغلال صفتها (كونها جمعية) لتحقيق مكاسب شخصية لمن يديرونها، ويرى هؤلاء أنَّها لا تقدم أي استشارة حقيقية للدولة ولا مساعدة للمجتمع، فبطبيعة الحال منظمات المجتمع المدني تعد سلطة خامسة، لا بد لها من مساعدة الحكومة في مواجهة التحديات الراهنة وقد يكون الاختلاف حول هذه المنظمات ناتجًا عن المشاكل البنيوية والإدارية التي تعانيها المنظمات من جهة وعن طبيعة فهم المواطنين لدور منظمات المجتمع المدني الحقوقي الإنساني والتنموي.
في تحليل لـ كتاب (مهدي بالغيث وصدام الأدور) عن محور عمل منظمات المجتمع المدني المحلية قبل عام 2015م وبعده جاء فيه أنَّه قبل عام 2015م ركزت أهداف المنظمات المحلية على تطوير قدرات الشباب اليمنيين، وتعزيز دور المرأة والشباب في التنمية المجتمعية، ومساعدة السلطات المحلية في تقديم الخدمات والمساهمة في حل بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع المحلي.
وفي ذلك الوقت كان العمل في مجال حقوق الإنسان ضئيلًا في مأرب، ولكن مع تزايد التحديات واحتياجات السكان؛ بسبب تطور الصراع، زادت الحاجة إلى تدخل المنظمات المحلية وسد الفجوة القائمة؛ نتيجة لذلك، تحولت أهداف منظمات المجتمع المدني المحلية، وتوسعت الخدمات والمشاريع والأنشطة المقدمة للمستفيدين لتصل إلى مختلف شرائح المجتمع في مأرب، ولا سيما النازحين داخليًا.
أما ما بعد عام 2015م، تغيرت الأهداف الرئيسة للمنظمات المحلية، ركزت المنظمات المنشأة خلال هذه الفترة على دعم مبادرات السلام، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحماية حقوق الطفل، ودعم ومساعدة المرأة في الوصول إلى دوائر صنع القرار. ومع تدهور المستوى المعيشي والوضع الاقتصادي، قادت منظمات المجتمع المدني الجهود الرامية إلى الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للسكان المحليين والنازحين داخليًا من خلال توفير خدمات الرعاية الصحية والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي والمساعدات الغذائية وغيرها من الضروريات، فيما أُسست عدد من المنظمات المحلية للدفاع عن حقوق المعتقلين والمختفين بعد ازدياد حالات الاختطاف مع الصراع .
أبحاث ودراسات
وفي دراسة تابعة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بعنوان (مسار جديد للمضي قدمًا) تتحدث عن تمكين الدور القيادي للمجتمع المدني اليمني، وإعداد خطط استراتيجية تعالج نقاط الضعف التنظيمية، وتدعم احتياجات التطوير المهني للموظفين قبل البحث عن فرص التمويل وعقد الشراكات.
جاء فيها بعض التوصيات التي صممت بهدف المساهمة في النقاش حول كيفية الاستثمار في المجتمع المدني اليمني لحل مشكلة التراجع في تمويل العملية الإنسانية في اليمن، والمساهمة في استدامة منظمات المجتمع المدني، كما هدفت لإحداث تأثير أكثر ديمومة من خلال الاستناد على استثمار المجتمع الدولي الضخم في الاستجابة الإنسانية على مدى السنوات الماضية.
ومن ضمن التوصيات المطروحة هو إعداد خطط استراتيجية تعالج نقاط الضعف التنظيمية، وتدعم احتياجات التطوير المهني للموظفين قبل البحث عن فرص التمويل وعقد الشراكات وتطوير نظم محاسبة التكاليف لحساب نفقات الدعم غير المباشر التي يجب مشاركتها مع الجهات المانحة المحتملة والشركاء الدوليين المحتملين عند توفر التمويل وتنويع مصادره لتشمل الدخل المكتسب وشركاء القطاع الخاص، والانخراط مع الكيانات الخيرية المحلية والإقليمية نحو تحقيق المزيد من الاستثمارات المستدامة.
وأشارت الدراسة إلى أهمية تحليل الدعم الذي يقدمه المانحون والتفكير مع المانحين والشركاء في كيفية المساهمة لاستبقاء المانحين وتحسين الأداء، وتعزيز المساءلة التنظيمية ومعالجة التحديات التي تعكسها السياسات الداخلية وإجراءات التشغيل القياسية.
وبالرغم من إجماع منظمات المجتمع المدني على أنَّ التوطين ضروري من أجل تحسين فعالية وكفاءة واستدامة العمل الإنساني فإنَّ هذا الأمر يواجه المزيد من التعقيدات في سياق متأثر بالصراع مثل اليمن، كما أنَّ هناك مخاطر كبيرة تتعلق بنقص القدرات المحلية، وإمكانية تحويل الموارد عن مسارها، والتحديات في كيفية تقديم المساعدة لمن هم في أمس الحاجة إليها إضافة إلى ذلك هناك اعتراف بأنَّ العمل الإنساني المنقذ للحياة ضروري، ولكن يجب أن تكون هذه الجهود قصيرة الأجل وأن تكون مصحوبة باستثمارات قوية لتحقيق حلول سياسية دائمة.
مشاريع واستدامة
(مؤسسة تمدين شباب) التي قدمت العديد من المشاريع الإغاثية والتنموية في المدن والأرياف وفي عدة محافظات يمنية خلال فترة الصراع ومن ضمن المشاريع الأخيرة التي قدمتها المؤسسة كان مشروع دعم الأمن الغذائي المستدام للسكان الأشد ضعفًا في مديرية مقبنة بمحافظة تعز الذي مُوِّل من صندوق التمويل الإنساني في اليمن
لـ 4200 مستفيد في المنطقة وفي فترة زمنية حددت من سبتمبر 2021م إلى يوليو 2022م.
حول المشروع يذكر محمد الزعيم (المسؤول الإعلامي لمؤسسة تمدين) أنَّ فكرة البرنامج تدور حول صيانة ثلاثة أصول مجتمعية من خلال برنامج النقد مقابل العمل، ودعم سبل العيش للأسر الأشد ضعفًا من خلال برنامج التدريب المهني وتمويل المشاريع الصغيرة.
فيما أوضح أنَّ المشروع بشكل عام يهدف إلى تحسين سبل العيش للأسر الأكثر ضعفًا وإعادة تأهيل أصول الأمن الغذائي والبنية التحتية؛ لتعزيز قدرتها على الصمود في وجه الأزمات المستقبلية.
وزاد من المخرجات التي عمل عليها المشروع هو صيانة ثلاثة أصول مجتمعية في المناطق المستهدفة بمديرية مقبنة ضمن برنامج النقد مقابل العمل، وتوزيع مساعدات نقدية لـ400 مستفيد مشارك في برنامج النقد مقابل العمل، وذلك لثلاث دورات توزيع شهرية، وحصول 200 مستفيد على التدريب المهني، وتحسين قدرتهم على توفير مصادر للدخل، وحصول 175 مستفيدًا على منحة صغيرة (300 دولار لكل مستفيد) لمرة واحدة لتمويل مشاريعهم الصغيرة وإلى وقتنا الحالي العمل في المشروع لا زال مستمرًا.
وفي ذات الإطار (مؤسسة إنسان التنموية) التي تستهدف المشاركة في إحداث نهضة تنموية محلية اجتماعية واقتصادية ومعالجة مشاكل الفقر في اليمن وتحديدًا أبين من خلال المشاركة في تنفيذ برامج ومشاريع تنموية محلية بما يلبي احتياجات المجتمعات المحلية ويشرك فئات المجتمع.
في إطار المشاريع التنموية التي قدمتها المؤسسة ذكرت أندى الصلاحي(رئيسة مؤسسة إنسان التنموية) أنَّ المؤسسة تساهم في عملية التمكين الاقتصادي والاجتماعي من خلال القيام بدورات توسع مدارك الشباب ودورات تطور من مهارات الشباب وتنمي وتوسع مداركهم، والتمكين الاقتصادي لأصحاب المشاريع مثل: صناعة السماد العضوي(الكمبوست)، وكيفية عمل المشغولات والأعمال الحرفية التي تمكنهم من توفير مصدر دخل دائم لهم.
دراسة الاحتياجات الاستراتيجية
وفي هذا السياق مع استمرار حاجة الناس وقلة البرامج الإنسانية المرتبطة مع العملية التنموية أوضح تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في نهاية العام 2021م بعنوان (مواصلة تقديم المعونة لتجنب الاقتراب مجددًا من المجاعة)أنَّه مع وجود نحو 20.7 ملايين شخص يحتاجون إلى المساعدات والحماية، لا تزال اليمن تواجه مخاطر عالية تجرُّها للانحدار نحو أزمة أعمق.
مؤكدًا أنَّ المساعدات الإنسانية ساهمت بمستويات غير المسبوقة في تجنب المجاعة والكوارث الأخرى في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ الدوافع الكامنة وراء الأزمة لا تزال قائمة، ومع التصعيد المستمر للصراع المسلح إلى جانب الاقتصاد المتدهور، سيصبح السكان الضعفاء بشكل متزايد غير قادرين على التكيف. وتجري الوكالات الإغاثية تقييمات للاحتياجات الإنسانية على نطاق البلد لتتمكن من فهم الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحًا لجميع القطاعات في اليمن، وستوفر النتائج معلومات قيمة لاتخاذ القرارات على المستوى الاستراتيجي.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…