مسار الدول المانحة

صوت الأمل – الباحث/ نبيل الطيري (مدير عام الدراسات السكانية والموارد البشرية قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية- وزارة التخطيط والتعاون الدولي)

أعلنت الأمم المتحدة بأنَّ الصراع في اليمن يعد أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم. على مدى سبع سنوات من النزاع عانى ملايين الأشخاص في اليمن من الآثار المعقدة للتداعيات والأزمة الاقتصادية المستمرة، وزيادة النزوح وتعطل الخدمات العامة؛ مما أدى إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية، ووفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن 2022م (أبريل 2022م)، فقد أدى تفاقم انهيار الاقتصاد اليمني الناجم عن تداعيات الصراع، إلى تزايد معاناة الأسر الفقيرة، حيث يحتاج أكثر من 23.4 ملايين شخص -ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان- إلى المساعدة الإنسانية والحماية في عام 2022م؛ والذي يمثل زيادة بنسبة 13% عما كان بالفعل في عام 2021م. وهو رقمًا مخيفًا يُظهر تزايد تدهور الظروف المعيشية في اليمن بشكل ملحوظ خلال العام 2022م ومن المتوقع أن تزداد سوءًا مع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث وصل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية إلى مستويات مثيرة للقلق، بعد سبع سنوات من النزاعات والصراعات أدت إلى إفقار السكان، مع انخفاض دخل الأسرة، وتدهور الإنتاج الغذائي المحلي والأصول الزراعية، وزيادة أسعار المواد الغذائية، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية منذ منتصف عام 2020م بعد أن تسبب فيروس كوروناCovid-19  في مزيد من التداعيات على الاقتصاد.

على الرغم من التحديات الهائلة، فإنَّ اليمنيين يواصلون إظهار مرونة لا تصدق. تلتزم الدول المانحة ووكالات المعونة الدولية بالبناء على تلك المرونة بشكل أكبر وفق منهجية أولويات الاحتياجات الحرجة المحددة في استعراض الاحتياجات الإنسانية وخطة الاستجابة الإنسانية وتحليل المخاطر التي تعالج – مجتمعةً- العديد من الاحتياجات والأولويات، والتركيز على التحديات متعددة القطاعات، ومنها الأمن الغذائي والزراعة، التعليم، الصحة، التغذية، الحماية، المياه والصرف الصحي، وإدارة وتنسيق مخيمات النازحين.

وتزداد أهمية المساعدات الإنسانية والإنمائية في اليمن كونها واحدة من البلدان الأقل نمواً والبلدان المتأثرة بالصراعات. وهناك 47 بلدًا في العالم تعدُّها الأمم المتحدة في عام 2020م أقل البلدان نمواً من بينها اليمن (الأونتكاد، تقرير أقل البلدان نمواً، 2020م).

وهذا يستدعي استمرار دعم اليمن من أجل التخفيف من مخاطر استمرار الصراع، وتعظيم أوجه التضافر على مستوى الإجراءات الإنمائية والرامية إلى بناء السلام، واستشرافٍ للمستقبل، في مجال الإنعاش وإعادة الإعمار، وتقديم المساعدات الكافية والضرورية لمواجهة أزمة سعر الصرف.

 من الضروري التركيز بشكل خاص على الوضع الراهن لدعم المانحين الدوليين للاستجابة، الاستجابة للفترة من2021-2022م، وفق الأبعاد الإنسانية والإغاثية والتنموية واستعراض حجم الاحتياجات الإنسانية وحجم تعهدات المانحين لتمويل الاستجابة الإنسانية من جميع الدول المانحة (العشر الأعلى) لتقديم تمويلات لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2021م وعام 2022م، بالإضافة إلى القطاعات الإنسانية التي تكتسب الأولوية الأولى في تمويلات الدولة المانحة.

   يعد نظام التتبع المالي (Financial Tracking Service (FTS، مصدرًا مركزيًا للبيانات والمعلومات المنسقة والمحدثة باستمرار والقابلة للتنزيل بالكامل حول تدفقات التمويل الإنساني. حيث تتبادل الدول المانحة والصناديق التي تديرها الأمم المتحدة ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة الإنسانية الأخرى البيانات والمعلومات مع FTS من أجل توفير صورة يتم تحديثها في الوقت المناسب وبشكل مستمر لتدفقات التمويل إلى العمليات الإنسانية القائمة، والتقدم في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية.

وطبقاً لأحدث البيانات المتوفرة في نظام التتبع المالي (FTS) حتى 3 يونيو 2022م فقد شكلت التمويلات الفعلية المقدمة من الولايات المتحدة، السعودية، المفوضية الأوروبية، ألمانيا، الإمارات، كندا، اليابان، السويد، ما يقارب 85% من إجمالي التمويل المقدم لتلبية احتياجات خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2022م والذي بلغ نحو 1.1 مليار دولار أمريكي يغطي 25.6% من إجمالي الاحتياجات المطلوبة والتي تقدر بنحو 4.3 مليارات دولار أمريكي. وعلى الرغم من ذلك لا تزال 74.4% من الاحتياجات الإنسانية لعام 2022م غير متوفرة، حيث توزعت التمويلات الفعلية المقدمة لعام 2022م على خمسة قطاعات رئيسة بنسبة تصل إلى حوالي 76% وهي الأمن الغذائي والزراعة، الصحة، القطاعات المتعددة، المأوى وحالات الطوارئ، والتغذية. بينما كان أكبر خمسة متلقين لهذه التمويلات بنسبة تقارب 70% وهم: برنامج الأغذية العالمي، المنظمة الدولية للهجرة، صندوق الأمم المتحدة للطفولة(اليونيسيف)، مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الصحة العالمية.

وفي إطار الاتجاهات والتوقعات المستقبلية، فإنَّ تداعيات وآثار الحرب الروسية الأوكرانية ستزيد من تفاقم هذا الوضع الكارثي بالفعل في اليمن إذ أنَّها تمثل تهديدًا مضاعفًا للتوجهات الحالية لبناء السلام والاستقرار في اليمن، حيث تعتمد تمويلات الاستجابة الإنسانية على حوالي 70% من الدول الأوربية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ومن المتوقع أن يشكل انخفاض ​​دعم هذه الدول المانحة أكبر التحديات التي تؤدي إلى زيادة شدة الاحتياجات، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد أثرت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأسعار والأمن الغذائي في اليمن، وبالتالي فإنَّ الحل يكمن في توفير الدعم لتصميم وتنفيذ تدخلات تقوم على نهج قائم على الاستجابة الإنسانية الإنمائية ودعم الاستثمار في إنتاج الغذاء المحلي وتنمية القدرات المحلية فهذا يمثل أفضل الفرص المتاحة التي يمكن أن تعمل على تعزيز فرص السلام المستدام  في اليمن، ويساهم في توفير بيئات أكثر استقرارًا تعتمد على تكامل نهج متعدد الأبعاد لبناء سلام دائم يعمل على الحد من مخاطر الانتكاس وتحسين التماسك الاجتماعي والمساعدة وإعادة بناء رأس المال الاجتماعي والتماسك والثقة وتنمية القدرات وبناء المؤسسات وفق أنظمة موحدة. من خلال التحول من البرامج الإنسانية والإغاثية إلى إطلاق مسارات إنمائية متوسطة وطويلة الأجل، وتعزيز دور المانحين في إعادة الإعمار والتعافي وبناء التنمية.

يجب ألا ينسى العالم أنَّ اليمن يواجه أزمة إنسانية خطيرة. وعلى الرغم من ذلك فإنَّ اليمنيين لا يزال يأملون في السلام. مما يتطلب من المجتمع الدولي العمل على تعزيز الجهود في إيجاد حل شامل ودائم من خلال الاستعداد لتقديم الدعم اللازم والكافي والسعي في إيجاد حل لإنهاء الصراع والوصول إلى سلام عادل يلبي تطلعات الشعب اليمني في الحياة الكريمة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

استطلاع .. (94.4%) المنح والمساعدات الدولية لا تصل بشكل كامل إلى المستفيدين

صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن إنفورميشن سنتر في بداية يونيو…