الأزمة الاقتصادية والاستقطاب السياسي تحديان يواجههما الإعلام في اليمن
صوت الأمل – عبد الجليل السلمي
أدَّت الصراعات العنيفة التي ابتليت بها اليمن لمدة سنوات إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتقلص الاقتصاد إلى النصف، وتراجع الإنتاج، والأنشطة الاقتصادية المختلفة، وفقد ثلث السكان مصدر دخلهم. ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد في تعادل القوة الشرائية من 3434 دولاراً في عام 2014 إلى 1931 دولاراً في عام 2020، وبلغ معدل التضخم التراكمي 150٪ تقريباً خلال السنوات السبع الماضية.
تؤكد دراسة «دور الإعلام في بناء السلام في اليمن» أنّ للعلاقة بين الإعلام والاقتصاد وجهين: فمن ناحية أولى، تتأثر صناعة الإعلام والصحفيين -كونها جزءاً من الاقتصاد الأشمل- بالأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد. ومن ناحية ثانية، …».
وأشارت الدراسة التي أعدتها الباحثة فاطمة صالح إلى أنّ عوامل عديدة طوال فترة الصراع قد ساهمت في انخفاض قيمة العملة المحلية «الريال»، وتآكل الاحتياطيات العامة والضغوط الاقتصادية الأخرى قد أدَّى إلى حدوث أزمة مالية حادة مما أثر على وسائل الإعلام وخنقها.
يواجه ممارسو الصحافة في اليمن تحديات كبيرة في إنتاج القصص المهنية، إلى جانب تعرض الصحفيين للمضايقة والترهيب والاختطاف والعنف، كما تسبب تدمير البنية التحتية وانهيار قيمة العملة والتأخر في دفع الرواتب_ في إعاقة العمليات الإعلامية.
تؤكد دراسة «دور الإعلام في بناء السلام في اليمن» أنّ وسائل الإعلام تنشغل في الوقت الحاضر بتغطية تفاصيل الصراع في خطوط المواجهة، أو بكتابة تقارير تتهم الطرف الآخر في الصراع، بينما لا تتوفر سوى نقاشات قليلة ومحدودة للغاية حول شكل الدولة اليمنية المحتمل أو دستورها.
وقالت الدراسة: «إن وسائل الإعلام اليمنية لا تقدم رؤى لدولة يمنية مستقبلية بما يحفز النقاش على نطاق أوسع، ويهيئ أطراف الصراع والمجتمع لمحادثات السلام، كما لا تتوفر أيضًا آليات للمساعدة في مراقبة سلوك هيئات الدولة وزيادة المساءلة».
وأظهرت الدراسة -الصادرة في إبريل 2020- عن مركز الدراسات التطبيقية أنّ آثار الأزمة الاقتصادية والاستقطاب السياسي، هي أكبر التحديات التي تواجه الإعلام في اليمن اليوم، فضلاً عن المخاطر العالية المرتبطة بالعمل الإعلامي.
وبحسب الدراسة، أدى فقدان الإعلانات بوصفها مصدراً مستقلاً للإيرادات إلى اعتماد المؤسسات الإعلامية بشكل أكبر على الممولين السياسيين؛ مما أدى إلى انعكاس حالة الاستقطاب السياسي على المشهد الإعلامي الحالي، في ظل ندرة الإعلام اليمني المستقل.
تشير الأبحاث الاستقصائية التي أجرتها شركة التنمية الدولية «دي تي جلوبال» في أغسطس 2020، إلى أنَّ الاستقطاب الشديد لوسائل الإعلام اليمنية يؤدي إلى تفاقم الصراع المستمر ويضيف إلى العديد من التحديات التي يواجهها اليمنيون في حياتهم اليومية.
قال 70% من جميع المشاركين في الاستطلاع في سبع محافظات يمينة حول بيئة الإعلام المحلي: «إنّ جودة وسائل الإعلام اليمنية قد تدهورت في السنوات الخمس الماضية». وبحسب نتائج الاستطلاع، وافق 57٪ من جميع المستجيبين بشدة على أنَّه يجب زيادة الرقابة على وسائل الإعلام.
وقد أعرب المشاركون من جميع الأعمار عن رغبتهم في رؤية المزيد من التغطية للقضايا المتعلقة بالخدمات الأساسية، بما في ذلك الكهرباء والبنية التحتية.
ومن أجل تحسين المشهد الإعلامي في اليمن وزيادة الثقة في الإعلام المحلي، قال المشاركون إنهم يأملون في رؤية إنشاء وسائل إعلامية إخبارية محايدة سياسياً بالإضافة إلى المزيد من التدريب للصحفيين المحليين.
تواجه المؤسسات الإخبارية في اليمن تحديات جسيمة؛ فالصحفيون مقيدون بشدة، بسبب عوامل عديدة، ابتداء من نقص التمويل الكافي وانتهاء بالقمع المباشر. ونتيجة للاستقطاب والاستحواذ السياسي؛ فإنَّ وسائل الإعلام اليمنية تواجه فجوة مصداقية تقوض قيمة تقاريرها.
ترى الباحثة فاطمة صالح أنّ قضايا قطاع التعليم أصبحت مجالاً للصراع؛ لأنَّها في الصميم قضايا سياسية لا علاقة لها بالتعليم نفسه، حيث تمتد المماحكات السياسية بين مختلف الأطراف إلى القطاع التعليمي في وسائل الإعلام، فكلا الجانبين يستخدمان التقارير حول التعليم؛ للتشهير بالجانب الآخر.
منذ منتصف عام 2016، بدأت محطات الإذاعة المجتمعية بالظهور تدريجياً في محافظات صنعاء وحضرموت وعدن، لكن بتركيز جديد، موجه إلى البرامج الترفيهية والاجتماعية والدينية، وتجنب القضايا السياسية.
على الرغم من التغييرات العديدة التي طرأت على المشهد الإعلامي في اليمن على مدى العقود الماضية، فإن النماذج التجارية لوسائل الإعلام ظلت كما هي تقريباً.
وأكدت دراسة متخصصة (لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي) «غياب القضايا المجتمعية وسيطرة المادة الترفيهية والغنائية والرياضية والسياسية على 80% من برامج 44 إذاعة في اليمن».
وقالت دراسة «الإذاعات اليمنية واقعها وتأثيرها في المجتمع اليمني» _الصادرة في 2018_ «إنَّ اهتمامات 44 إذاعة في اليمن منها 15 إذاعة حكومية، و21 إذاعة خاصة، إضافة إلى 8 إذاعات مجتمعية بالقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ضعيف)».
وأفادت الدراسة أنّ دور الإذاعات في اليمن لا يزال منخفضًا جداً تجاه قضايا الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه ومشاكل الطرقات والمشاكل الأمنية حيث تمثل نسبة 20 % فقط، بينما تحتل المادة الترفيهية والغنائية والرياضية والسياسية ما نسبته 80 % من برامج هذه الاذاعات.
وأوضحت الدراسة «أنَّ قضايا هامة غابت عن برامج هذه الإذاعات، منها الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية، والأضرار التي تعرض لها القطاع الزراعي بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، والبطالة وغياب فرص العمل، وانقطاع الرواتب وأثرها على الأسر محدودة الدخل».
أظهرت الدراسة ندرة البرامج الخاصة بالمرأة حيث تشكل نسبة 2.2% من أوقات البث الخاص بالإذاعة في الأسبوع، في الوقت الذي يواجه فيه كل فئات المجتمع بما فيها المرأة مشاكل وتحديات اجتماعية ومعيشية صعبة.
وترى الدراسة أنّ معالجة نقاط الضعف هذه وتمكين وسائل الإعلام لتكون بمثابة أداة للمساءلة أمر حاسم لحماية عموم الناس من إساءة استخدام السلطة، مشددةً على ضرورة وجود نظام قانوني فعال لضمان حماية الصحفيين والمحررين.
يُجمع الصحفيون على أنَّ المشهد الإعلامي في اليمن يحتاج إلى معايير تحريرية أعلى وعمليات تدقيق أكثر صرامة من أجل خفض معدل التضخيم والتخمينات في المحتوى الإخباري.
خَلُصت دراسة تحليلية عن «معالجة الصحافة الإلكترونية اليمنية لجائحة كورونا» إلى أنّ تسييس الخطاب الصحفي –بخاصة- في أوقات الصراع والأزمات، يضع مصداقية الصحافة الإلكترونية اليمنية على المحك؛ حيث يلاحظ –إجمالاً-غياب عدد من قيم العمل الصحفي المهني.
وأكدت الدراسة التي أعدها الدكتور عبد الرحمن محمد الشامي -سبتمبر2021- استغلال الأطراف اليمنية المتصارعة لجائحة كورونا للنيل من الآخر، وتم توظيف الصحافة الإلكترونية للحشد والحشد المضاد، وتبادل الاتهامات حول المسؤولية الخاصة بظهور وانشار فيروس كورونا في اليمن.
واقترحت «تعزيز المهنية الصحفية لدى القائمين على صناعة الخطاب الصحفي في مواقع الصحافة الإلكترونية اليمنية، بما يمكنها من أداء وظيفتها المهنية، لا سيما في أوقات الأوبئة والأزمات، والصراعات».
كما نصحت بتحييد العمل الصحفي في أوقات الأوبئة الصحية، والنأي به عن الخلافات السياسية، بما يمكنه من تقديم رسالته التي تساعد أفراد المجتمع اليمني على مواجهة التحديات التي يمثلها الوباء.
ودعت الدراسة إلى ضرورة الاهتمام بالفنون الصحفية الأخرى، كالتحقيق والمقالات الصحفية والقصص الصحفية المنوعة، بما يحدث توازنًا في عدد المواد المنشورة في مواقع الصحافة الإلكترونية.
تنوع تراث الطهي.. عامل اقتصادي مهمّ وتراث حضاري ينبغي الحفاظ عليه
صوت الأمل – (حنان حسين – أحمد باجعيم) يتميز التراث الحضاري العريق للمطبخ اليمن…