الإعلام بين التسيـــس والتشويـــــه
صوت الأمل – أمل المحمدي
الأستاذ نبيل العامري خريج شعبة الصحافة من قسم الإعلام بجامعة الحديدة في العام 2019-2020، وأستاذ معيد في القسم منذ سنتين، يعمل في المجال الإعلامي (صحفي حر)، وله عدة أعمال صحفية لا سيما في مجال الصحافة الإنسانية والصحافة الحساسة.
ونظراً للظروف الحالية فإنَّه لم يرتبط بوسيلة إعلامية معينة، إذ لا يزال يعمل في إحدى الشركات الغذائية في الصليف منذ 2012.
*بداية نود أن تطلعنا على أهم الأعمال التي تقوم بها وسائل الإعلام العربية في الوقت الراهن؟
بداية، ماذا تتوقعين من إعلام يرفل في قيود التبعية والسلطة والمال والولاءات، ولا تزال عالقة في قمقم التقليد الأعمى للغرب؟!!
ولأنَّ وسائل الإعلام العربية -بشكل عام- رهينة للسلطة أو لرأس المال أو لنقل التشابك القائم بين كلا العاملين إلى حد التكامل قد جعل منه إعلاماً مكسر الأقلام مكبوت الصوت، لا يعبر عنا بوصفنا أمة إسلامية واحدة ولا ينقل تطلعاتنا بوصفنا شعباً عربياً واحداً من المحيط إلى الخليج، بل حتى في إطار الدولة الواحدة تجده في تخبطات كبيرة فيما بينه البين ويسعى فقط لإرضاء هاتين السلطتين، أضف إلى ذلك غياب حرية الصحافة والإعلام في معظم الدول العربية.
أما من ناحية التقليد الأعمى لوسائل الإعلام الغربية، نجد أنَّ إعلامنا العربي متقوقع بشدة في ذلك وغير قادر على الخروج من ذلك المستنقع، لدرجة أنَّ المشاهد عندما يطالع محتوى قناة عربية لا يظن أنَّه أمام قناة عربية مما يشاهده من برامج “التوك شو” وتقارير إخبارية ومسلسلات وأفلام هابطة غير هادفة، لكن الأدهى والأمر أنَّها قنوات عربية وتبث من بلدان تُسمي نفسها إسلامية
وهذه المضامين المقلدة والمستوردة جعلت البنية الحضارية والقيمية للمجتمعات العربية تتزلزل وتتهاوى يوماً بعد يوم، واكتسبت قاعدة جماهيرية عريضة وجعلتها مسحورة بتلك القيم الوافدة.
والآن وبعد طرح هذه المعطيات الأولية حول واقع الإعلام العربي؛ فإنَّ الإجابة عن سؤالك المطروح حول ماهية الأعمال التي تقوم بها وسائل الإعلام العربية أصبحت مؤشراتها واضحة، وبإمكاننا الإجابة عنها من خلال عقد مقارنة بسيطة بينها وبين وسائل الإعلام الغربية على النحو التالي:
١- وسائل الإعلام الغربية سباقة في دقّ نواقيس الخطر والكشف عن مكامن الضعف في سياساتها وحكوماتها وسلطاتها السياسية، وذلك في سبيل استمرار قوّة بلدانهم وسيطرتها على المجتمعات؛ ولهذا يفسح المجال للإعلام هناك في نقد السياسييّن وبيان فشلهم والوقوف الصريح على جوهر مشكلاتهم والبحث عن حلول لتفاديها من خلال النقد البناء، ويأتي ذلك تقديراً منهم لأهميّة الإعلام ودوره في صيانة المجتمعات والحفاظ على تفوقها بشكل دائم وملحوظ.
وعلى النقيض نجد أن إعلامنا العربي موجّه لتحطيم الأمّة وإحباطها وإشغال أبنائها بتوافه الأمور، عوضاً عن توجيههم للقضايا المصيريّة والحضارية، فهو وإن كشف عن قضية ما -وهذا نادر الحصول- فإنه لا يرقى لمعالجتها وإنّما يتحول ليكون بوقاً من أبواق السلطة وببّغاء بيد أجندتها المختلفة، أضف إلى ذلك حال الإعلام العربي المتواطئ، الذي لا يفرط في أي فرصة إلا ويصوّر لنا الولايات المتحدة الأمريكية “بالقوّة الجبّارة” وهي نهاية التاريخ، وبأنَّها قدر الأمة المحتوم والجيش الذي لا يقهر، وبأنَّها سيدة العالم وغيرها من الصور المنمقة والزائفة، وبالتالي لن تجد أمّتنا ملجأ منها إلاّ إليها.
إن المفارقة بين إعلامنا العربي والإعلام الغربي تتلخص في أن إعلامهم هادف يحمل على عاتقه مسؤوليّة أمته، بينما إعلامنا متواطئ لا يحمل إلاّ الخيبة والهزيمة والانكسار.
٢- الإعلام الغربي جاء منسجماً تماماً مع مبادئهم وأيديولوجيتهم الرأسمالية، إذ أنَّها نابعة عن مصالحهم المرتبطة صعوداً وهبوطاً، وبرغم أنَّهم وإن كانوا يحرصون على مصالح شعوبهم إلا أن إعلامهم لا يتردد إذا حصل تضارب بين مصالح الشعب وبين المصالح الرأسمالية في أن يكشف كل الأستار المتلثمة وراءها.
٣- ولكي أكون منصفاً فإنَّ الإعلام الغربي وإن كان يخدم مصالح الشعب، ولكنَّه ليس بذلك النقاء والطهر؛ فهو في أغلب أحيانه يحمي سياسات النظام الرأسمالي أكثر من مصالح الشعب، كما أنَّه يكذب على الغربيين أنفسهم من خلال تصوير الإسلام على أنَّه الإرهاب بعينه، ويكذب عليهم بالنسبة للأزمات الاقتصادية وترويجه للحريات والديمقراطية بينما يجر أبناءهم للحروب باسم الحرية الزائفة كما حصل معهم في حروبهم مع أفغانستان والعراق ليقتلوا هناك بأيدي المقاومين، ولكن الحقيقة أنَّه يجرهم للحرب من أجل النفط وجلب الثروات للسلطات الحاكمة فقط.
وقبل هذا وذاك، فإنَّ الإعلام الغربي لا يحمل مسؤولية حضارية وليس لديهم منظومة ثقافية متكاملة مثلنا (عرب ومسلمين) فحضارتهم ليست بحضارة وإنَّما تمدن في البناء والعمران والتنمية العلمية والاقتصادية، بينما حضارتنا الإسلامية رائدة وعريقة سادت لقرون طويلة لأنَّ القوة عندنا كانت مقرونة بالرحمة والعدل، والمقدرة مقرونة بالعفو، والحرية والعلم مقرونان بالأخلاق، أما عندهم فلا رحمة ولا عفو ولا أخلاق، فكانت حصيلة سيادتهم على العصر الراهن أن أوصلوا العالم إلى الجحيم المسعور الذي نعيشه.
وللإضافة إلى ما تقوم به وسائل الإعلام العربية نجد أنَّها تتناول السياق السياسي أكثر من تناولها للسياق الحضاري على كافة الأصعدة وطنياً أو قومياً أو دولياً، كما أنَّها مبنية على قاعدة ترى المواطن العربي شخصاً غير جدير بالثقة وإنَّ الصحفي أو الإعلامي مجرد أداة للتصفيق وزمارة تنفخ فيها القوى السياسية ألحانها التي تريد.
*ما هي الأعمال التي تقوم بها وسائل الإعلام المحلية في الوقت الراهن؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أؤكد بأنَّ واقع الإعلام اليمني يعد امتداداً لواقع الإعلام العربي، وأنَّهما الاثنين يخرجان من مشكاة واحدة على الرغم من أنَّه لا يزال -نوعاً ما- محافظاَ على القيم الثقافية للمجتمع اليمني أكثر من باقي وسائل الإعلام العربية الأخرى، ولكن الأعمق هنا هو تضارب الأيديولوجيات والانتماءات الحزبية لدى وسائل الإعلام اليمنية المختلفة.
وبالعودة قليلاً إلى ما تمخضت به الأزمة اليمنية في العام ٢٠١١م والاعتصامات الشبابية التي أطاحت بحكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتغيرت الخارطة السياسية في بلادنا، نجد أن الإعلام اليمني قد تأثر كثيراً بتلك المتغيرات، وأصبح الفضاء الإعلامي ساحة للصراع بين الأطراف السياسية المختلفة التي تسعى كل واحدة منها لترجيح موازين القوى لصالحها؛ فظهرت العديد من القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية (الصحافة الإلكترونية).
إلا أنَّه -وللأسف الشديد- لم تسخر تلك الوسائل الإعلامية لصالح الشعب اليمني وتطلعاته المستقبلية، وإنما جاءت للتعبير عن مصالح الأحزاب والقوى السياسية التي تنتمي إليها وتمولها.
وبدلاً من أن تمهد وسائل الإعلام اليمنية لمرحلة جديدة يخوض غمارها كل يمني برؤية وطنية مستقبلية هادفة واستغلال التعددية الإعلامية لأجل اليمن أولاً وأخيراً، أصبحت مجرد أبواق يكيل من خلالها كل حزب السب والشتائم والاتهامات لمعارضيه، فتماهت هذه الوسائل مع ما تريده الأحزاب والقوى السياسية وليس مع الولاء والانتماء للوطن والشعب.
وهكذا اتجهت كل قناة إعلامية إلى سياسة المعارضة بطريقة مبتذلة ومغالية في شتم الآخر، حتى أصبح المواطن اليمني حائراً من أين يستقي معلوماته التي أُنشئت وسائل الإعلام أساساً لنقلها بصدق وموضوعية، فتضعضعت وانحسرت مع خطابات سياسية ومماحكات، لينتهي الأمر باليمني بأن يُخرج ولاءه للحزب الذي ينتمي إليه ويعادي أخاه ويتهمه بناء على ما استقاه من معلومات مؤدلجة من تلك القنوات.
* ما الذي خلفته التأثيرات الإعلامية على الأوضاع؟
لقد خلقت الفوضى الإعلامية في اليمن حالة من خيبات الأمل لدى الشعب اليمني، وأدخلت اليمنيين في مفترق طرق متعرجة ومعتمة، وزادت من حدة الصراع بين فئات المجتمع، ولتلخيص ما تقوم به وسائل الإعلام اليمنية حالياً لا يخرج عن النقاط التالية:
١- السعي لتحقيق مصالح الأحزاب والقوى الخارجية الموالية أو التي تنتمي إليها كل وسيلة، وتلميعها وإظهارها بالطابع المنمق الذي لا يصلح غيره لحكم الشعب.
٢- الخوض في معارك كلامية واتهامات للأطراف الأخرى تثير وتؤجج الصراع القبلي والطائفي والمناطقي.
٣- التحريض على الفتنة والنزاعات والتنقيب عن كل ما من شأنه تعميق الصراع وتمزيق النسيج المجتمعي وتدمير الوحدة اليمنية المباركة.
٤- البحث عن كل ما يضع الطرف الآخر (المعارض) موضع الاتهام ومحاولة تشويهه بدلاً من تقويم اعوجاجه بالنقد والتحليل البناء
*ما هو تقييمك للاستراتيجيات الحالية التي تتبعها وسائل الإعلام المحلية والعربية التي تتناول الشأن اليمني؟
عربياً ودولياً، لا يمكننا أن ننتظر منهم استراتيجية إعلامية مسؤولة وصادقة وموضوعية في تناول الشأن اليمني ما دمنا نحن لا نمتلك رؤية ولا استراتيجية كهذه تناقش الأوضاع في بلادنا وتسعى إلى العمل الجاد لإيجاد الحلول المناسبة للحد من تفاقم الأوضاع المأساوية التي نعيشها، فلا تنتظر من أحد أن ينتشلك من السقوط وأنت تدور في فلك رخيص ومتضعضع مع المصالح الفردية والحزبية والخارجية.
*كيف يمكن للإعلام المحلي أن يرتقي بتغطية وتناول الشأن اليمني؟
لن يرتقي إعلامنا اليمني لأن يكون إعلاماً يحمل مسؤولية حضارية ويناقش قضايا مصيرية إلا إذا تخلصت الأحزاب السياسية والقوى المتنازعة على السلطة من نطاق تفكيرها الضيق لمصالحها، وسلطت الضوء لما يمكننا صنعه من أجل بلادنا وتقبل الآخر وتبني النقد البناء وتقديم رؤية مستقبلية تجمع كافة الأطراف السياسية بطريقة متكافئة.
وقبل كل ذلك، علينا أن نحترم بعضنا البعض وأن نرتقي عمَّا نحن عليه الآن من تباعد وانفصام، وأن نتذكر أنَّنا أبناء شعب واحد ومصالحنا مشتركة، وأن نعود لقوميتنا وعربيتنا وإسلاميتنا وإنسانيتنا ولو قليلاً… كل ذلك سينتهي إن نحن أحسنا النوايا.
ومن الناحية الإعلامية المهنية، يمكن تقديم بعض المقترحات مثل:
١- مواكبة التطورات التكنولوجية التي وصلت إليها كثير من البلدان الغربية والعربية.
٢- العمل على إيجاد رؤية استراتيجية واضحة وفاعلة تحدد مسار الإعلام وتجعله منافساً قوياً لغيره في الإقليم العربي والدولي.
٣- استقطاب الكوادر الوطنية الإعلامية وتأهيلها وتدريبها، والابتعاد عن استقطاب الأبواق التي لا تملك أدنى معايير للعمل الإعلامي وتشريعاته ومواثيق شرفه.
٤- أن تفسح المجال لطرح الرؤى والأفكار التنموية والتطويرية القادرة على المساهمة في رفع مستوى الإعلام اليمني.
٥- العمل على زيادة فتح الكليات والمعاهد الخاصة بالصحافة والإعلام ورفدها بالكوادر المؤهلة وأدوات التطبيق العملية من أجل صقل مهارات الطلاب وتنمية إبداعاتهم قبل الخروج إلى سوق العمل، وبنائهم بناء إعلامياً سليماً يحترم الآخر وينتقد بشكل موضوعي وبنَّاء.
٦- المساهمة في رفع مستوى المشاركة المجتمعية في منصات الإعلام التقليدي والرقمي، لمعرفة آراء الجمهور وتطلعاتهم المختلفة.
*ما هو تقييمك لأعمال وسائل الإعلام المحلية والدولية في الوقت الحالي؟
بشكل عام يمكننا تقييم وسائل الإعلام العربية والمحلية بنفس السياق في أنَّها تعاني من ضعف شديد في مستوى الأداء الإعلامي، لاسيما مع عصر الفضائيات والأقمار الاصطناعية، وظهور منصات الإعلام الإلكترونية على شبكة الإنترنت، والتي أفقدت الإعلام العربي جمهوره، فإعلامنا العربي إعلام لا يعرف نفسه، ليس فقط بالمعنى الثقافي فحسب، بل بالمعنى المعلوماتي المجرد، وليس فيما يتعلق بالحاضر فقط، بل لا يعرف ماضيه ولا مستقبله.
إنَّنا في العالم العربي نحتاج إلى مواجهة الإعلام الغربي داخلياً قبل أن نفكر في مواجهته في العالم الخارجي؛ فاستمرار ضعف المؤسسات وعشوائية الأسواق وفرضيات العصر الرقمي الإلكتروني ومنصات الإنترنت المختلفة، أدَّت إلى انتشار المضامين الإعلامية الغربية بشكل كبير للغاية، وبصورة أكثر بكثير من سابقاتها.
وعبثاً تحاول الحكومات العربية استخدام الرقابة؛ وسيلةً لمواجهة الإعلام الغربي أو الإعلام المعادي للعرب بصفة عامة فأفلام “هوليوود” ذو الطابع الأمريكي والغربي قد اجتاحت شعوب المنطقة العربية، واستطاعت أن تبث من خلالها أفكارها الزائفة، وتزرع الفتنة بين أبناء المنطقة العربية والإسلامية، وتضعف قوّتهم، وكذلك الحركات والتنظيمات الإرهابية ذات المنشأ الإسرائيلي، فضلًا عن أن أكثر من “٧٠٪” من المضامين الإعلامية في وسائل الإعلام العربية مستوردة من الغرب؛ فالأخبار والمعلومات والدراسات والإحصائيات وغيرها تأتي إلينا في طبق غربي مضافاً عليها بعض التوابل الغربية وأفكارها المخادعة، التي جعلت شعوب الأرض ينظرون إلى الرجل العربي نظرة مقززة، وكأنَّه ما خُلق إلا ليقتل البشر أو لينهب حقوقهم، والأدهى من ذلك نجد أنَّ الإعلام العربي يدفع أموالاً طائلة للحصول على تلك المضامين والمنتجات الإعلامية، ويروج لها بطريقته.
وعلى الرغم من وجود مؤسسات إعلامية عربية تمتلك قدرات مادية هائلة، وتتلقى دعماً وتمويلاً يفوق نظيراتها الغربية، إلا أنَّها ما تزال محصورة في زاوية استيراد المنتجات الإعلامية والسينمائية من جهات غربية، وإن أنتجت برامج خاصة بها وبجهود ذاتية وبتقنيات حديثة إلا أنَّ تلك البرامج محصورة هي أيضًا في نطاق التقليد الضيق للغرب، ولكم في البرامج الغنائية -أمثال “عرب آيدول” و”ستار أكاديمي”، وبرنامج “نواعم”… إلخ- ما يجعلكم ترون حقيقة الإعلام العربي المقلد، أضف إلى ذلك البرامج الخاصة بمتابعة حياة المشاهير وتقصي أخبارهم، فالمغنية فلانة لا تحب القهوة مع السكر، والممثلة فلانة على علاقة بفلان، وأسباب طلاق الراقصة فلانة، وقبلة على الهواء والمخرج مستمتع كثيراً ببثها للمشاهدين.
كل هذه الشواهد وغيرها مما هو أدهى وأمر، ليست إلا دليلاً على انحلال المنظومة الإعلامية العربية ومؤسساتها، وذوبانها في مستنقع عفن، الأمر الذي أدى إلى تذبذب الهوية العربية-الإسلامية، وجعلنا نعيش في عصر “تغريب الإعلام العربي” ولكن بنكهة عربية، تدَّعي التحرر والانفتاح.
كما إنَّنا في الإعلام العربي خارج العصر، وإن عاصرنا الواقع فقد سلكنا طريق تغريب الهوية العربية وضياعها، ونحن أيضاً خارج المسابقة الإعلامية الدولية؛ فبينما يسود في كل الدنيا منطق التكتلات الإقليمية القارية تجدنا بين مشرق عربي وبين مغرب عربي، وبين عرب آسيا وعرب أفريقيا، وبين عرب الخليج وعرب الصحراء.
ثم إنَّنا نمتلك كل إمكانات النهضة، وفي الوقت نفسه، نهدر كل إمكانات النهضة، وإهدار الإمكانات ليس قدراً مكتوب، بل علينا أن نعمل لجعل النهضة أمرًا في أيدينا وتوظيفها لخدمة العالم العربي بمجرد تحكيم العقل ومعرفة المنطق السائد في العالم الذي نعيش فيه، وأهم ما نملك من إمكانات ليس المال السائل، وإنما القوة البشرية والقوة الحضارية.
إنَّ نجاح الإعلام الغربي لا يرجع إلى قوته، وإنَّما إلى ضعفنا، مثل: انتصار “الدولة الإسرائيلية” في فلسطين مقابل انتفاضة الحجارة واضح تماماً؛ فقد واجهت الحجارة أعلى درجات التقدّم الغربي في تكنولوجيا الحرب، إذ أنَّ الإرادة الحرة تقهر المستحيل وتجعله من الأمور الممكنة.
وعليه، فنحن في العالم العربي بحاجة إلى تنسيق مصالح، يجعل العالم العربي إعلامياً في حالة قوة لا حالة ضعف وفتور، وهذا التنسيق لا يحتاج إلى ملايين الدولارات، ولا إلى تكنولوجيا الفضاء، ولا إلى خبراء أجانب، إنما يتطلب منا جميعاً إعمال العقل في كل دولة عربية على حدة، وبين كل الدول العربية مجتمعة؛ فالقوة لا تبدأ بالدول العربية معاً، بل داخل كل دولة عربية أولاً وأساساً، فكل دولة عربية تمتلك من الموارد البشرية الهائلة ما يمكنها من تحقيق قوتها الإعلامية.
أما من ناحية الأهداف، فنحن لا نتحدّث عن أهداف طويلة المدى تستغرق السنوات والعقود لتحقيقها، وإنَّما أهداف أولية تحتاج -مرة أخرى- إعمال العقل وعدم التردد في اتخاذ القرارات الصحيحة وفي وقتها المناسب، وتحقيق الإعلام للمصالح العامة وإدراك أنَّه لا يتعارض مع المصالح الفردية، فكل شركة عربية في مجال الإعلام لن تكون أقوى إلا في الأسواق الأقوى، وفي إطار المؤسسات الحكومية والخاصة الأقوى.
ولن يكون النجاح ولا القوة إلا بالاقتناع الصادق والعميق بذلك لدى الأفراد والحكومات والدول، وبدون ذلك سيظل الإعلام الغربي أكثر قوة، ولن تتغير المعادلة، وسنظل نندب حظنا العاثر دون جدوى.
استطلاع.. 29% للإعلام قدرة كبيرة على إحلال السلام وترسيخ السلم الاجتماعي
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر مار…