الوضع العام لقطاع الري الزراعي في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد
مضت سنوات وام محمد تنقلُ على رأسها دبة الماء؛ لتسقي مزروعاتها التي نمت بجهود سنوات، فأصبح لديها بستانان وأشجار كثيرة تُحيط بمنزلها.
(ام محمد خمسينية أرملة في إحدى قُرى ريف تعز)، تقول أن نقل الماء لسقي المزروعات أصبح مُتعب لها _خاصة_ مع كثرة الأشجار في بُستانيها، وتُطالب بتوفير حواجز ماء، فالثمار على الأشجار وبسبب قلة الأمطار يبست المزروعات.
يؤكد على حديث ام محمد (المزارع: رفيق إبراهيم بريف الخيدل-وادي مُرشد –حيفان) الذي يزرع (البُن، والزيتون)، أن الأشجار قد تيبست، والسبب في ذلك توقف الدعم من المنظمات فسد الماء القريب من مزرعته مملؤ بالتراب.
من جانبه (المزارع تميم عدنان قرية الخنجر- حيفان) يزرع البُن، المانجو، الجوافة، يستخدم شبكة الري بالتقطير، وأن أهم المشاكل التي تواجه القطاع الزراعي من ناحية الري عدم حسي (استخراج) التراب من حاجز الماء منذُ ثلاث سنوات، فاالحواجز المائية مملوءة بالطين والتراب.
أرقــــــــــــــــام
نسبة استخدام القطاع الزراعي للمياه في اليمن %90، مقابل 8، 2% استهلاك للقطاعين المنزلي والصناعي على التوالي، وفقًا لاحصائية Water Resources in Yemen) ) الصادر في ديسمبر 2019م.
قُدرت المساحة المزروعة في اليمن في عام 2019م بحوالي 1.1مليون هكتار، منها 47% يعتمد على هطول الأمطار ويتم ري 53% من المياه السطحية أو الجوفية والتي تمثل المساحة المروية وتبلغ 597ألف هكتار، أغلبها الأراضي الزراعية المروية بالمياه الجوفية بمساحة 427 ألف هكتار، وهذا يعادل أكثر من ثلث المساحة المزروعة لكامل البلاد وتشكل حوالي 38% وفقًا لـ وزارة الزراعة والري، كتاب الإحصاء الزراعي السنوي 2019م.
في مقارنة بين عام 1970م و 2019م، منذ عام 1970م زادت كمية المياه المستخدمة في الري بمقدار 15مرة، بينما تقلصت الزراعة البعلية (التي تعتمد على المطر) نحو 30% وبسبب نقص المياه، فإن أكثر من نصف الاستثمارات التي تقام في المناطق الريفية باليمن لا تصمد أكثر من خمس سنوات، كما ازدادت الأراضي الزراعية المروية بالمياه من الجوفية من 37 ألف هكتار عام 1970م إلى 427 ألف هكتار عام 2019م وهذا يعادل نصف المساحة المزروعة لكامل البلاد، وفقًا لـ وزارة الزراعة والري، كتاب الأمطار الزراعي السنوي 2019م.
أسباب مشاكل الري
يشتكي المزارعين من مشاكل عدة تواجه القطاع الزراعي في اليمن، منها ما يتعلق بالري وإهمال الحواجز المائية، والأمراض والآفات التي تُصيب المزروعات، انعدام المحروقات بالإضافة إلى ذلك الأزمة المائية في اليمن التي تهدد الزراعة والأمن الغذائي والاقتصاد الزراعي.
يُرجع (المهندس الزراعي عبده نعمان) أسباب المشاكل التي تواجه المزارعين في عملية الري إلى أن معظم المناطق الزراعية يعتمدوا على مياه الأمطار، أو السقي من خزانات مياه خاصة بجانب المنازل، ونادرًا مايوجد مزارع يتعتمد على الري من آبار ارتوازية بالرغم من وجودها، والسبب ارتفاع أسعار الوقود، مؤكدًا، أن معظم المزارعين أوقفوا الري بسبب ارتفاع سعر المحروقات.
وكان تقرير لمجموعة البنك الدولي (معالجة شحة المياه الحادة خلال فترة الإعمار ومابعدها) مارس 2017م، قد أوضح التزايد في سعر المحروقات التي يعتمد عليها المزارعين في استخراج المياه الجوفية للري، وتُشير البيانات إلى أن سعر الديزل ارتفع من 150 ريال/لتر نهاية 2014م إلى 599ريال/لتر ليصل نهاية يوليو 2021م إلى 613 ريال/لتر، كما ارتفعت أسعار البترول من 158ريال/ لتر نهاية 2014م إلى 599ريال/لتر نهاية يوليو 2021م.
ومن العوائق التي ضاعفت مشاكل ري المحاصيل الزراعية، استمرار الصراع الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية التي يسخدمها المزارعين في سحب مياه الآبار الارتوازية، وأزمة المياه التي حددها آخر تقرير لـ الأوتشا OCHA للعام 2021م: «انخفاض كمية المياه المنتجة 151.1 مليون متر مكعب عام 2013م إلى 124.9 مليون متر مكعب عام 2017م بنسبة انخفاض بلغت نحو 17.3%».
كل هذه التداعيات شكلت عوائق لعملية ري المحاصيل الزراعية وبالتالي كميات الإنتاج للسلع الزراعية وانعدام الأمن الغذائي، فوفقًا لـ الجهاز المركزي للإحصاء، كتاب الإحصاء السنوي -2013 2019م، انخفضت كمية انتاج القمح بنسبة 56.9% عام 2019م مقارنة مع العام 2013م، وانخفضت كمية انتاج الحبوب الأخرى بحوالي 43.5% عام 2019م، بينما انخفضت كمية إنتاج البقوليات والخضروات والفواكة بحوالي 3.7%، 13.9%، 4.6% على التوالي.
محاصيل تحتاج الماء بكثرة
هُناك محاصيل زراعية تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء والتي أشار إليها (المهندس عبد المؤمن سيف السامعي مدير الخدمات الزراعية والسمكية كاك بنك، واستشاري تنمية الأعمال الصغيرة)، بأن المحاصيل الزراعية التي تحتاج إلى مياه كثيرة الموز، التبغ، القات، البطاطس بكميات أقل من السابقة، موضحًا أن التجارب أثبتت أن هذه المحاصيل يمكن ريها بالتنقيط (شبكة الري GR) وسيتم جني مُنتج مُضاعف مع الاحتفاظ بملوحة التربة على كمية المياه.
ويضيف المهندس عبدالمؤمن، أن القُطن يستهلك ماء كثير، وقد يكون سبب من أسباب تدهور البيئة كما حدث مع الذي يقع في آسيا الوسطى بين أوزباكستان جنوبًا، وكازاخستان شمالًا، أصبح _اليوم_ صحراء تتوزع فيها السُفن الغارقة من العصور الوسطى، مستشهدًا أن جفاف البحر كان جراء رغبة السكان في ري حقول القُطن.
مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة
في الفترة 2004-2011م نفذت وزارة الزراعة والري «مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة- قرض تنموي رقم (3860-يمن)»، والذي هدف إلى تحسين كفاءة استخدام المياه وزيادة العائد من الوحدة المائية وتقليل الضخ من المياه الجوفية، زيادة المتاح من المياه السطحية والجوفية عن طريق إدارة مساقط المياه وإعادة تغذية المياه الجوفية، الدعم المؤسسي للجهات العاملة في مجال المياه وخدمات إرشاد الري، وفقًا لـ وثيقة المشروع.
المشروع كان على ثلاث مكونات (الأول: تحديث وتحسين أنظمة الري من المياه الجوفية، الثاني: تحسين الري بالسيول وحصاد المياه والحفاظ على التربة، الثالث: الدعم المؤسسي للجهات العاملة في مجال المياه)، المشروع عمل في عشر وحدات حقلية تعمل في 15 محافظة يمنية، بحسب خلاصة الإنجاز التراكمي للمشروع والتي حصلت «صوت الأمل» على نسخة من (خالد الصلوي، مدير عام البرنامج الوطني للري السابق NIP و_حاليًا_ مستشار لـ National Irrigation Program (NIP).
يستعرض (م / عبدالعزيز الذبحاني، مهندس ري – البرنامج الوطني للري)، أهمية المشروع بأنه عمل على تقديم خدمات للمزارعين في تحديث وتحسين استخدام أنظمة الري الحديث من المياه الجوفية؛ للحفاظ على المخزون الجوفي ودعم المزارعين يصل الى 70%من أنطمة الري الحديث.
ويضيف المهندس الذبحاني، بأن المشروع عمل على تقديم خدمات للمزارعين في تحسين أعمال الري السيلي وحصاد المياه والحفاظ على التربة وبدعم يصل الى 85%، كما عمل على تقديم خدمات إرشاد الري لرفع مستوى الوعي المائي بالتدريب والتأهيل وتبادل الخبرات للمزارعين بالإضافة إلى المشاركة المجتمعية في تشكيل مجموعات وجمعيات مستخدمي المياه، وتنفيذ الأيام الحقلية التدريبية، وتنفيذ المزارع الإرشادية وحساب الوفورات المائية، وعمل المشروع على تقديم خدمات الدعم المؤسسي للجهات العاملة في مجال المياه _خاصة_ أنشطة مراقبة المياه والأرصاد المناخية.
يتفق (المهنس شكري صالح باموسى، مدير عام مكتب الزراعة والري بوادي حضرموت) مع المهندس الذبحاني، في أن مشروع الحفاظ على المياه والتربة من المشاريع الجيدة التي أدخلت تقنيات الري الحديثة، ونشرتها بين أوساط المزارعين _بالأخص_ أنابيب نقل المياه وشبكات الري بالتنقيط، ووفرها للمزارعين بسعر مدعوم؛ مما ساهم في ترشيد استهلاك المياه وزيادة كفاءة الري.
ويضيف المهندس شكري، بأن المشروع يُعتبر من المشاريع الناجحة، وعليه إقبال كبير من قبل المزارعين، لكن _للأسف الشديد_ توقف مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة؛ نتيجة ظروف الصراع، وتم حرمان كثير من المزارعين المتقدمين بطلبات للمشروع من التقنيات. مؤكدًا: «لازال وضع المشروع معلق وغير واضح وكذا إدارة الوحدة في سيئون».
على النقيض، (المهندس الزراعي عبدالواحد الأديب)يقول، أن المشروع أدى دور جيد في الحفاظ على المياه، ولكن لم يكن الدور الأمثل، حيث قُيد المشروع بآلية لم تمكنه من لعب دور أفضل، وكان بالإمكان تحسين هذا الدور وزيادة كفاءته بشكل كبير، إذ لم تصل فوائد توفير المياه للمزارعين بصورة جيدة؛ مما أدى إلى قيام الكثير منهم ببيع الأنابيب والشبكات للتجار قبل استخدامها.
أما (المهندس عبد المؤمن سيف السامعي مدير الخدمات الزراعية والسمكية كاك بنك) يوضح أهمية مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة في الحفاظ علي المياه من الحفر العشوائي للآبار، والتسبب في هجرة المياه للأسفل، ومن جهة استنزاف المياه في مناطق شحيحة بالمياه.
تقنيات الري الحديث
بالإضافة للمشاكل التي تواجه المزارعين في ري المحاصيل الزراعية، هُناك تحديات كثيرة تعيق عمل قطاع الري _حاليًا_ في اليمن، يوضحها (المهندس اسكندر الأصبحي مدير قطاع الري) بأن أولها الحفاظ علي المياه الجوفية التي تستخدم في الري _أي رفع كفاءة الري_، ثانيها حصاد مياه الأمطار واستخدامها في الزراعة، ثالثها عدم توفر الموازنات التشغيلة والاستثمارية، أخيرًا قلة الاستثمار في قطاع الري، ونقص الكادر الفني.
ويضيف المهندس اسكندر أن أهم التقنيات الحديثة المستخدمة في الري هي الري بالتنقيط، الري بالرش، وكذا تحسين نقل المياه من المصدر إلى الحقل. مشيرًا إلى أن الري بالتنقيط يرفع كفاءة الري إلى 85%، كما أن الري بالرش يرفع كفاءة الري إلى 70- 75%.
في وادي حضرموت، (المهندس شكري صالح باموسى مدير عام مكتب الزراعة والري بوادي حضرموت)، يوضح أن أهم التقنيات المنتشرة _حاليًا_ في وادي حضرموت، الري بالتنقيط، والري بالرش، ونقل الماء بواسطة الأنابيب البلاستيكية. مؤكدًا: «قدمنا مؤخرًا مقترح مشروع لإدخال تقنية الري المطري الفلوبي اسبرينلكر للسلطة المحلية، لزراعة المساحات الزراعية في مجرى وادي حضرموت الموبؤه بأشجار السيسبان بعد إزالتها».
ويعقب (المهندس الزراعي عبدالواحد الأديب)، أن أساليب الري هي الأنابيب نقل المياه (الري المحسن) والتنقيط والفقاعي وبدرجة ضئيلة الرش، فيما يرى (المهندس عبدالمؤمن، مدير الخدمات الزراعية والسمكية كاك بنك) أن أهم التقنيات الحديثة المستخدمة بالري هو الري بالتقطير.
فيما يشير (م / عبدالعزيز الذبحاني، مهندس ري – البرنامج الوطني للري) إلى أن أهم تقنيات الري بالأنابيب الحديدية والبلاستكية للنقل والتوزيع من المصدر المائي إلى المزرعة، والتوزيع في الأراضي الزراعية، وأن تقنيات الري الحديث باستخدام أنظمة الري بالتنقيط، والفقاعي، والري بالرش، تقنيات عملية الرسمدة واستخدام الاسمدة والعمليات الكميائية عبر أنظمة الري الحديث.
معالجات آنية
(فؤاد بشر، منسق ومهندس الري) تبع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)يقول، أن المنظمة تقوم بصرف شبكات ري حديث المرحلة الثانية، بعد المسح واعداد التأميم، ثم عمل دورات زراعية للمزارعين عن أهمية الري الحديث في ترشيد استخدامات المياه، وزيادة الإنتاج من الوحدة المساحية والمائية.
ويضيف المهندس بشر، أن المنظمة في منتصف ديسمبر 2021م، ستدشن عملية صرف شبكات ري ولفات نقل مياه ري لمحافظة الضالع، والمواسط تعز، ودلتا بمحافظة أبين.
يتفق جميع المهندسين الزراعين والمزارعين على أن المعالجات يجب أن تكون في التوعية، وتفعيل المشاريع المتعثرة، وإنهاء الصراع، وعمل الدراسات والبحوث التي ممكن أن تضع الحلول الممكنة في الحفاظ على المياه وتحسين خدمات قطاع الري، وأن يتم الإهتمام من قبل الجهات ذات العلاقة بالحواجز والسدود المائية _خاصة_ في المناطق الريفية التي تكثُر فيها المزارع لمختلف الحاصيل الزراعية.
37.5% الصراع سبب ضعف الاستثمار الزراعي في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر ديس…